بحث في الإيمان
الثلاثاء 15 ذو الحجة 1436//29 سبتنبر/أيلول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
الشيخ علي الطنطاوي
المعارف البشرية:
أورد النسفي رحمه الله في أول عقائده هذه الكلمة الجامعة قال: «حقائق الأشياء ثابتة، والعلم بها متحقق، وأسباب العلم كثيرة: الحواس السليمة، والعقل، وخبر الصادق المعصوم» أي أن المعارف البشرية إما أن تكون مشاهدة مُحَسّة، نراها ونسمعها، وإما أن تكون معقولة ندركها بالفكر، والقياس الصحيح، وأما أن تكون مغيبة علمنا بها من طريق الوحي. أما المحسات فيتساوى فيها الناس والحيوان، وليس في إدراكها ميزة للناس وإن كان أفقها عند الناس أوسع، وإدراكهم لها أرقى، وأما المعقولات فيستوي فيها الناس كلهم من كل ذي عقل سليم، وأما الإيمان بالمغيبات فهي الميزة التي تمتاز بها عقول المؤمنين الذين يشاركون الناس في الحس والتفكير، ويختصون دونهم بالإيمان.
وسنحاول أن ندرس فيما يلي قيمة كل مصدر من مصادر المعرفة الثلاثة.
الحواس:
تستطيع أن تشك في كل شيء، ولكنك لا تستطيع أن تشك في شيء تراه أو تلمسه، لأن الحس أصح طرق المعرفة وأدناها، ولأنك إذا قلت هذا الشيء (محسوس) تكون قد عبرت بأبلغ تعبير، عن الثقة بوجوده، والاطمئنان إليه، والحواس هي طريق المعرفة الأولى، والنوافذ التي تطل منها النفس على العالم الخارجي، فلو أغلقت هذه النوافذ آض العالم عدماً، ولو أن رجلاً ولد أعمى أصم، لكان عالم الألوان والأصوات (بالنسبة إليه) غير موجود، ولما استطاع مطلقاً تصور الخضرة والحمرة…
كل هذا مسلَّم به، ولكن هل يحق لنا أن ننكر وجود شيء من الأشياء لأننا لا ندركه بحواسنا؟ هل يجوز لنا أن نقول: إنه ليس في الوجود ملائكة مثلاً، لأننا لم نر الملائكة، ولم نسمع أصواتهم، ولم نلمسهم؟ هل نستطيع أن ننكر الشياطين؟
وبالعبارة الثانية: هل هذه الحواس كاملة تطلعنا على كل شيء في الوجود، وهل هي صادقة لا تخدعنا ولا ترينا الشيء على غير حقيقته؟ إني أسألك أولاً: كم هي الحواس؟ فتقول: إنها خمس، فأسألك: ألا تعرف لها سادسة؟ فتضحك وتحسبني أمزح، لأن الحواس الخمس كاملة، لا يمكن الزيادة عليها، وأنها مشهورة معروفة من قديم الزمان، لم يفكر أحد أنّ بالإمكان كشف حاسة سادسة لها، بينما يعرف صغار طلبة البكالوريا، الذين يقرءون علم النفس، أن هناك حواس أخرى، وتعرف ذلك أنت، إذا دققت في نفسك وحللت مشاعرك: ألا تشعر بالتعب موجوداً في عضلاتك عقب المشي الطويل، أو الحركة العنيفة؟ ألا تحس بالجوع والعطش والتهاب الجوف، وغثيان النفس، فبأي حاسة من الحواس الخمس عرفت ذلك، أأبصرته، أم سمعته، أم شممت ريحه، أم لمسته.
إنك لم تدركه بشيء من ذلك، بل بحاسة سادسة دعنا نسمها (الحاسة المشتركة) مثلاً…
ثم… ألا تحس وأنت مغمض عينيك بأن يدك ممدودة أو مرفوعة، وأن كفك مقبوضة أو مبسوطة، إنك لم ترها، ولم تدركها بحاسة من الحواس الخمس، وإنما أدركتها بحاسة سابعة دعنا نسمها (الحاسة العضلية) مثلاً…
وكذلك حسك بالحرارة والبرودة، فإنها حاسة ثامنة، وحسك بتوازن جسمك عند المشي أو الوقوف، بل لقد استطاع العلماء أن يكشفوا مركز هذا الحس، وأن يعلموا أن في الأذن الداخلية، في مادة كلسية مبلورة، لو أتلفت في حيوان لفقد حس التوازن، وسار مترنحاً كما يترنح السكران…
فالحواس ليست كاملة لأن الكامل لا يقبل الزيادة، وما دامت ناقصة فسيظل في الوجود أشياء لا ندركها أو ندركها ولا ندري أننا ندركها.
ولنأخذ الكائنات التي ندركها، هل ندركها كاملة؟ أنا أرى الألوان، ولكن هل أراها كلها؟ هل أرى ما وراء الجدار؟ هل أبصر عصفوراً على شجرة من مسيرة يوم؟ هل أميز رجلاً في الصحراء على بعد عشرة أميال؟ وأنا أسمع الأصوات، ولكن هل أسمع صوت نملة تسير على التراب؟
أفيحق لي أن أنكر أن للنملة صوتاً لأني لا أسمع هذا الصوت؟ أو أن أجحد ما وراء الجدار لأني لا أبصر ما وراءه؟ فأنا إذن أدرك من الكائنات أنواعاً معدودة، وأدرك من هذه الأنواع مقادير محدودة.
وهذه المقادير التي أدركها، هل أدركها على حقيقتها، ألا تخطئ حواسي أو تضل؟ إني أضع أصبعي الوسطى على السبابة ثم أجري القلم على باطن الأصبعين، فأحس بقلمين…وأضع العود المستقيم في الماء فأراه منكسراً… وأنظر في الصحراء فأرى الرمال مياهاً غزيراً، على حين أنه ليس هناك إلا قلم واحد وأن العود المستقيم يبقى في الماء مستقيماً، وأن رمال الصحراء لا ماء فيها، ولكن حواسي أخطأت وضلت، وانظر أي كتاب من كتب علم النفس (السيكولوجي) تر من ذلك شيئاً كثيراً، فإذا كانت هذه هي قيمة الحواس، فهل يجوز لنا أن نجعلها وحدها طريق المعرفة، وأن ننكر كل أمر لا تقع عليه حواسنا، ألا ننكر نفوسنا قبل كل شيء، لأن نفوسنا وأرواحنا، لا تدركها حواسنا، ولا تعرف ماهيتها؟
الخيال:
وإذا ثبت أن الحواس ناقصة محدودة، ثبت أن الخيال محدود، لأن الإنسان لا يستطيع أن يتخيل شيئاً جديداً لم يدخل في دائرة الحس، ولأنه لا عمل للخيال إلا تأليف صور جديدة من الأجزاء القديمة، فالذي نحت تمثال فينوس لم يأت به من العدم وإنما جمع في ذهنه أجمل أنف رآه، وأجمل فم، وأجمل عينين، ثم ألف منها صور جديدة، لم يدركها الحس بمجموعها، ولكنه أدرك مفرداتها على كل حال، والذي صور الحصان المجنح، أخذ جسم الحصان وجناح الطائر، من أجل ذلك سمى كثير من علماء النفس هذا الخيال: جامعاً، وكرهوا أن يطلقوا عليه لفظ (الخيال المبدع)، فكيف إذن تستطيع أن تتصور الجنة أو الملائكة، أو الحياة الأخرى، وأنت لم تدرك بحواسك أي جزء من أجزائها؟
إنه ليس في النفس شيء لم يدخل إليها من العالم الخارجي، وأنت لم تعش في الجنة فإذا قلت لك مثلاً… إن في الجنة أنغاماً موسيقية عطرة، أو أن فيها عطوراً لها رائحة خضراء، فهل تستطيع أن تتخيل هذه الأنغام العطرة؟ أو هذه الرائحة الخضراء؟ هل تقدر أن تتخيل بعداً رابعاً غير الأبعاد الثلاثة المعروفة (الطول والعرض والارتفاع)؟ هل تتصور مثلثاً ليس له زوايا، ودائرة ليس لها محيط، كذلك لا تقدر أن تتصور أن لله يداً، ليس لها طول ولا عرض ولا جسم ولا صلابة ولا صفة من الصفات البشرية، ولا تشبه الأيدي ولا تشاركها إلا في الاسم؟ ألا تجد نفسك مضطراً إلى التسليم بالعجز والإقرار بأن من المستحيل على الخيال البشري الوصول إلى معرفة ذات الله وصفاته الإلهية؟
العقل:
تقدم معنا أن الحواس خدعت، فأحست القلم قلمين، ورأت العود المستقيم منكسراً، والسراب ماء، ولكن العقل لم يخدع وكان يعلم أنه قلم واحد، وأن العود مستقيم، والسراب ليس بماء فالعقل إذن أوسع قدرة، وأصح حكماً من الحواس، ولكن أليس لقدرته حدود، هل يقدر العقل على أن يحكم على كل شيء؟
الجواب: لا. لأن العقل لا يستطيع أن يحكم على شيء أو يدركه إلا إذا حصره بين حدين هما الزمان والمكان. لذلك يسأل العقل دائماً: متى؟ وأين؟ فلو قلت لك: إن حرباً وقعت ولكنها لم تقع اليوم، ولا أمس، ولا قبل سنة، ولا أقل ولا أكثر، لم تصدق ذلك ولم تدركه. ولو قلت لك: إني رأيت مدينة ليست في شمال ولا جنوب، ولا سهل ولا جبل، ولا هواء ولا هي في مكان، رددت ذلك وكذبته، لأن الزمان والمكان ركنا الحكم العقلي لا يقوم إلا عليهما، وبديهي أن ما اتصل بذات الله لا يخضع للزمان والمكان، ولا يطلق عليه متى وأين…. ولذلك يعجز العقل عن إدراك أي شيء يتصل بالله عز وجل وصفاته، ولا يستطيع أن يعرف عنها شيئاً بلا معونة من الخارج.
ثم إن العقل محدود، فلو قلت لك: إن خطاً أبيض يمتد في الظلام ليس له آخر، وأردت أن تفكر في هذا الخط، وتجمع في إدراكه عقلك، لعجزت عن إدراكه، وشعرت بأن عقلك ينازعك منازعة شديدة إلى وضع آخر له، ويميل إلى قطعه وإدراك نهايته. ولو قلت لك: إن المؤمن خالد في الجنة دائماً دائماً…
وفكرت في ذلك لأحسست من عقلك ميلاً قوياً إلى وضع حد لهذا الدوام، ويتجلى هذا الميل في الرياضيات العالية، التي فرضت اللانهاية نقطة، وجعلت منها (+ ∞) لا نهاية موجبة، و(- ∞) لا نهاية سالبة…
فإذا كان العقل محدوداً، فكيف يحيط بالله وهو عز وجل غير محدود، هل يمكن أن تضع بغداد في غرفتك؟ لا. ولله المثل الأعلى!
الوحي:
تبين لك من هذا ضرورة الوحي، وللوحي ضرورة عقلية، وضرورة عملية.
أما ضرورته العقلية فما رأينا من عجز العقل عن إدراك ما وراء المادة، وعن معرفة الله، فلم يكن بد من إتمام نقص العقل بعلم من الخارج، وهذا هو الوحي.
فالوحي علم خارجي يصل إليه العقل بالسماع والتعلم، كما أن المعارف المعقولة، علم داخلي يصل إليه العقل بالإدراك والتفكير وكلاهما من الله، لذلك لا يمكن أن يكون بينهما تناقض مطلقاً لأن الله عز وجل مبدع حكيم، ومن شروط حكمة المبدع ألا يكون فيما يبدعه تناقض، فالدين الصحيح، (أعني الوحي) والعقل السليم متفقان في المبدأ، متعاونان على بلوغ الغاية، لا يقوم أحدهما إلا بالآخر، فلا بد للوحي من عقل يدركه، ولا بد للعقل من وحي يكمل نقصه، ويمكنه من إدراك ما لا يستقل بإدراكه منفرداً وليس معنى هذا أن العقل يستطيع إدراك كل ما جاء به الوحي ولو كان هذا لما كان للوحي من حاجة، ولكن معناه أن الوحي لا يناقض العقل، ولا يوجب ما يحيله، أو يحيل ما يوجبه.
وأما ضرورته العملية فهي أن الفضيلة والعدالة لا تقومان في الأرض إلا بقيام الدين، وبيان ذلك أن الإنسان مسوق أبداً في حياته بالمنفعة الخاصة، لا يعمل عملاً إلا إذا كان له فيه فائدة أو لذة، وعبثاً تحاول حين تحاول أن تجد عملاً واحداً يعمله امرؤ لمنفعة غيره فقط… ولست بحاجة إلى سرد أمثلة من لاروشفو كلد، فقد نشرت عنه الرسالة فصلاً ممتعاً في عدد من أعدادها الماضية لا أذكر رقمه تستطيع أن تفتش عنه وترجع إليه ولكني أسأل القارئ وآمل أن يجيب بإنصاف: هل يتصور رجلاً ملحداً (لا يؤمن بالله واليوم الآخر) فقيراً جائعاً، ليس معه إلا قرش واحد لعشائه يضع هذا القرش في صندوق الطيران الوطني أو صندوق جمعية خيرية من غير أن يراه أحد، ثم لا يخبر بذلك أحداً ولا يرجو (بالطبع) ثواب الله، وإنما وضعه حباً بالآخرين؟ أو يتصور طالباً رأى ورقة جاره في الامتحان تستحق الرسوب، فضحى بنفسه من أجله فوضع اسمه على ورقته، ورضي بأن يرسب هو لينجح ذاك، واحتمل لوم أهله، وتأنيب أصحابه ولم يخبرهم ولم يخبر ذلك الطالب بما فعل، ولم يرج عليه ثواباً من الله، وإنما فعله حباً بالآخرين؟
قد يفعل ذلك إذا كان عاشقاً، غير أن العشق أبعد شيء عن حب الآخرين، بل هو الأنانية بأفظع أشكالها، فأنت لا تحب مطلقاً شخص المحبوب، وإنما تحب لذتك فيه، تحب نفسك، ولو ضاعت هذه اللذة، بأن فقد المحبوب جماله بمرض مشوه، أو بذل نفسه لغيرك لأقلعت عن حبه، بل لكرهته أشد الكراهية والحب العذري خرافة ليس هذا موضع الكلام في بطلانها.
فمن هو إذن الذي يضع قرشه في الصندوق وينام جائعاً، ويؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة؟ هو المؤمن بالله واليوم الآخر لا لأنه أسمى من البشر فهو خارج عن النواميس النفسية والمبادئ العامة، بل لأنه يشتري لذة كبرى، بلذة صغرى، فهي أيضاً أنانية… يبذل قرشه هذا ليأخذه في الآخرة أضعافاً مضاعفة، ويضحي بحياته هذه القصيرة الشقية، لينال حياة طويلة سعيدة في الجنة… فالتضحية إذن لا تكون إلا ثمرة للدين، أي للوحي.
ولنعرض المسألة بشكل أوضح: لو محي الدين من الأرض، هل تكفي القوانين والأخلاق الوضعية لضمان الفضيلة والعدالة؟
أما الأخلاق فليس لها مؤيد عملي، وأما القوانين فتؤيدها القوة فالقانون معناه الشرطي، فإذا سرق اللص ولم يره أحد، ولم يقدر عليه الشرطي، فسرقته جائزة عملاً وإن لم تجز نظرياً، وإذا قتل القاتل ولم يشهد جريمته أحد، فجريمته جائزة وهو غير مسئول أمام القانون، ونتيجة ذلك أن الجرائم تنتشر ويستعمل الناس ذكاءهم ومواهبهم في ابتكار الحيل للفرار من القانون كما ترى اليوم في بعض بلدان الغرب التي تستغل فيها العلوم والفنون للسرقة والغش والاحتيال، في حين أن الدين يؤيده أتباعه، وضامنه فيه فالمتدين لا يستطيع أن يسرق أو يقتل ولو لم يره أحد، لعلمه أن الله يراه، ويطلع عليه، وهذه أقوى وسيلة لنشر الفضيلة.
لا تنتهي الأنفس عن غيها ♦♦♦ ما لم يكن منها لها زاجر
فكرة الإله:
وهناك فائدة أخرى للدين، هي الاطمئنان الذي يحس به المؤمن حيال النكبات والمصائب، فبينما نرى غير المؤمن مقبلاً على الانتحار يائساً قانطاً، نجد المؤمن راضياً بقضاء الله، مستسلماً إليه، وقد يفهم من هذه الفائدة أن التدين فطرة في الإنسان على حد قول دور كايم: (الإنسان حيوان ذو دين) وأكبر الأدلة على ذلك فكرة الإله، فالاعتقاد بوجود إله أزلي خالد قوي خير عادل؛ موجود مع الإنسان منذ وجد الإنسان، وليس من حاجة لإقامة الأدلة العقلية على وجود الله كما أنه لا حاجة للتدليل على أن الجزء أصغر من الكل لأنهما من البديهيات.
وبيان ذلك أن الإنسان لما بدأ يفكر، نظر في نفسه فوجد فيها مبادئ لا يد له فيها ولا يدري من أين جاءته ولا يعرف عليها دليلاً واحداً، وجد أن الذي هو هو:
الماء هو الماء، ليس الماء ورقة، ولا شجرة، ولا قطة، ولكنه ماء…
والأرض هي الأرض. هذه بديهية ثابتة لا يستطيع العقل أن ينكرها مهما اختلفت الأعصار والأمصارـ، فما هو الدليل عليها؟ ما هو الدليل على أن الجزء أصغر من الكل؟ وأن وجود الشيء ذاته، في الوقت عينه، وانعدام هذا الشيء مستحيل؟ إن التدليل على أمر معناه رد هذا الأمر إلى بديهية ثابتة، فكيف ندلل على البديهية وإلامَ نردها؟
وكيف يصح في الأذهان شيء ♦♦♦ إذا احتاج النهار إلى دليل؟
ومثل هذه البديهيات تماماً الاعتقاد بوجود إله، بدليل أن البشرية لم تعش يوماً واحداً بغير هذا الاعتقاد، وإن اختلفت المدارك فعرف بعض الناس الإله الحقيقي الذي لا تدركه الأبصار وألصق بعضهم صفة الإله ببعض المخلوقات ثم عبدها لا لذاتها بل لأن فكرته عن الإله تمثلت له فيها، وقد يعترض علي معترض بأن في الشبان اليوم من ينكر الإله ولا يقر بوجوده، فأجيب بأن هذا الشاب لو ضاع في صحراء وأيس من المعونة، أو أصابه مرض عضال عجز عنه الأطباء لعاد مؤمناً بالله، ولآب إلى الله مقراً مستغفراً، فالإيمان لم يذهب من نفسه، وإنما غطته عوارض زائلة، وذلك قريب من قول السيدة رابعة العدوية، وقد خبروها أن (فلاناً) من العلماء أقام ألف دليل على وجود الله! فقالت: لو لم يكن عنده ألف شك لما قام ألف دليل، قيل لها: فما هو إذن؟ قالت: من ضاع في الصحراء وانقطع، ماذا يقول؟ قالوا: يقول: يا الله! قالت: ذاك هو الله، وقول أناتول فرانس: إن كذا غراماً من السكر في بول أشد الناس إلحاداً ترده مؤمناً، يريد أنه لو أصيب بمرض ويئس من الحياة.
••••
فإذا عرفت يا سيدي قيمة الحواس، وحدود الخيال، وطاقة العقل، وفائدة الإيمان، كنت أنت الذي يجيب على ما بعثت لي به من أسئلة، والسلام عليك ورحمة الله.
المصدر: مجلة التمدن الإسلامي
السنة الثالثة، العدد الرابع، 1356هـ – 1937م