تأطير المناهج التربوية بصبغة إسلامية

الجمعة 28 شوال 1436//14 أغسطس/آب 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
إبراهيم علي ربابعة
تأطير المناهج التربوية بصبغة إسلامية
الملخص:
هذه الدراسة عُنيت بالإطار الإسلامي للمناهج العربية ككل، وأيًّا كان مستواها، والتوقف مع حيثيات هذا الإطار؛ من تعريف بالإطار الإسلامي وخصائصه ومقوماته وأهدافه، منتهية بمناظرة بسيطة بين المأمول (المفروض أن يكون) والواقع الحقيقي للمناهج إزاء الإطار الإسلامي؛ فهي عبارة عن رؤوس أقلام لهذه الحيثيات؛ وذلك لاتساع هذا الإطار وترامي أطرافه، حيث لا يمكن حصرها في بحث صغير، ولا في مجلدات كبيرة، على أمل أن يفتح الآفاق أمام أبحاث جديدة تتناول الإطار الإسلامي بكل منهج منفردًا وبكل من مراحله.

المقدمة:
إن العملية التعليمية ركيزة من ركائز أي مجتمع، فلا يمكننا إغفال أهميتها، ولا غض الطرف عن حيثيتها؛ فالمجتمع الناضج عقليًّا وفكريًّا والمتقدم علميًّا يولي جل اهتمامه لهذه العميلة وتطويرها وتحديثها؛ فالتاريخ والواقع خير شاهد على اهتمام الأمم بهذه العملية.

وواقعنا العربي المرير برمته شاهد أيضًا على إهمال العميلة التعليمية؛ فلا يوجد في الأقطار العربية اهتمام جيد بالتعليم، ما ينعكس سلبًا على نتاجات العملية، حتى أصبحت العملية التعليمية في بلدنا العربية روتينًا قاتلًا للمعلم والمتعلم على حد سواء، فأصبحت جسمًا لا حراك فيه، خاليًا من روح المعاني المتوخاة.

أما لو نظرنا نظرة ثاقبة في تاريخنا الإسلامي المجيد، لرأينا أن التعليم من أولى أولويات الدولة الإسلامية؛ فقد حُث عليه في دستوري الأمة الإسلامية، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾ [العلق: 1، 2]، ومن المعاني البلاغية لكلمة اقرأ ليس المعنى الحرفي فقط، وهو كمهارة من مهارات اللغة، بل هو التفكر والتدبر في خلق الله، ومن المواطن التي تدلل على أهمية التعليم أيضًا موقف الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر؛ حيث جعل فداء أسير الحرب أن يعلم عشرة من أبناء المسلمين القراءة والكتابة، فقدم الرسول صلى الله عليه وسلم بحنكته التعليم على أي اعتبار لتثبيت دعائم الدولة الإسلامية حديثة الولادة.

وليس هذا فحسب، فقد أسلفنا الدلائل النقلية عن اهتمام الدولة الإسلامية بالعلم والعملية التعليمية برمتها، أما عن التطبيق العملي التاريخي، فقد انطلق من دار الأرقم بن الأرقم، ثم المساجد، ثم الكتاتيب، ثم حوانيت الوراقين، ثم منازل العلماء، ثم المدارس، وصولًا إلى الجامعات، وقد كان لكل مرحلة خصائصها التعليمية والتربوية، التي هيهات أن تعود لنظامنا التعليمي (الزبيدي، 2002).

وفي نظرة شمولية لأهمية التعليم يتجلى لنا بُعدانِ مهمان لهذه العملية؛ البعد الأول: البعد الشخصي؛ فالتعليم يوسع مداركنا، ونعبر به عن أفكارنا، ونحل مشاكلنا، ونصقل شخصيتنا، ولا تنحصر المصالح الشخصية من العملية التعليمية في النقاط الآنف ذكرها، ولكن هذه النقاط قاعدة صلبة لتصل إلى البعد الثاني، البعد المجتمعي؛ فالمجتمع المتعلم مجتمع متماسك، مثقف، واعٍ، مواكب للتطورات، أصيل، مُنْتَمٍ لفكره وإرثه الثقافي المجتمعي.

وكما نعلم أن الهدف الأسمى من العملية التعليمية هو التطبيق وتذوق المهارة أو المعلومة، فالتعليم دون تطبيق جعجعة بلا طحن، وكي يكون تعليمنا يتكئ على أسس ثابتة يجب أن يكون له مرجعيات عقلية ومنطقية؛ فالتعليم في وقتنا الحاضر يعنى بمفهوم المنهج الحديث، ومن الجدير بالذكر أن المنهج مر بتعريفات كثيرة، منطلقًا من المقرر أو المحتوى التعليمي، وصولًا إلى جميع الخبرات المربية التي تهيئها المدرسة ضمن وقت معين لصقل شخصية المتعلم.

ومهما تعددت التعريفات للمنهج يجب أن نركز على أسسه التي يستند إليها؛ لتكون أرضية صلبة لتنشئة جيل جديد، ومن سبل الحصول على الجيل الجيد أن يكون هذا الجيل متصلًا بالجيل الذي سبقه؛ أي جيل الآباء؛ وذلك تضييقًا للفجوة الناشئة بين الأجيال، وهذه الفجوة ملحوظة في وقتنا الحاضر؛ إذ يعيش الجيل بمنأًى عن الجيل الذي سبقه، ويرجع ذلك لاعتبارات، من أهمها: التطور العملي والتكنولوجي، وانحصار الجيل في التلقي فقط؛ أي: إنه جيل مشاهد فقط، وعلاقة الجيل الحالي مع القراءة علاقة عدائية، وكما أننا نثقل كاهل المنهج بأنه لا يعد جيلًا مرتبطًا بإرثه بشكل عام، سواء أكان هذا الإرث عادات أم تقاليد أم أفكارًا أم موروثًا قوليًّا أم…، ومن السابق أرى أن العملية التعليمية انعطفت عن مسار أنها وعاء لتناقل العلوم والأفكار والمخزون الفكري بين الأجيال إلى توظيف التكنولوجيا في التعليم.

أما عن أسس المنهج فهنالك أربعة أسس راسخة لأي منهج، وتراعي جميع الجوانب التي تتصل بالمتعلم وبالبيئة بمفهومها الواسع، وهي: الأساس النفسي، والأساس الاجتماعي، والأساس السياسي، والأساس الفلسفي، والجدير بالذكر أن كل أساس من هذه الأسس بابٌ مترامي الأطراف يحتاج لوقفات عديدة لتغطية مشتملاته ومفرداته، ومن البعد التنظيري يجب على مخططي المنهج الموازنة بين هذه الأسس الأربعة، بحيث لا يطغى جانب على آخر؛ لأن بطغيانه نتيجة حتمية، وهي مخرجات تعليمية سيئة، حتى لو بعد حين؛ لأن المعادلة الثنائية الأطراف بين التخطيط والتنفيذ تستدعي ذلك، وأكرر القول: إن هذا من جانب نظري، ولكن الواقع غير ذلك.

وما يخصنا في هذه الأوراق هو الجانب الفلسفي، الذي يخرج لنا من بين أضلعه التصور الإسلامي، فنحن – كأمة مسلمة – يجب علينا أن نغذي مناهجنا بفكرنا الإسلامي؛ لنؤثر في مخرجات تعليمنا تأثيرًا إيجابيًّا، مما ينتج عنه جيلٌ مؤمن بثوابت دينه، ملتزم بأوامره، مُنْتَهٍ عن نواهيه، مدافع عن أفكاره، محارب خصوم فكره الإسلامي.

وبهذا الصدد تبلورت مشكلة الدراسة بالسؤال الرئيس، وهو: “كيف لنا أن نوظف المناهج في خدمة الإطار الإسلامي؟”، والذي يشتق منه الأسئلة الفرعية الآتية:
• ما هو الإطار الإسلامي؟
• ما هي خصائص الإطار الإسلامي؟
• ما هي مقومات الإطار الإسلامي؟
• ما هي أهداف الإطار الإسلامي في المناهج؟
• ما الفرق بين النظرية في تأطير المناهج العربية بصبغة إسلامية وتطبيقها؟

التعريفات الإجرائية:
المناهج التعليمية: هي المناهج العامة التي تدرس في الميادين التعليمية، ولأي مرحلة علمية كانت، وعناصرها وجزئيات العناصر وصورها، وكل ما يخصها ويتصل بها.

اقرأ أيضا  تفاصيل "صفقة القرن" الأمريكية للسلام الفلسطيني الإسرائيلي

الصبغة الإسلامية: الإطار الإسلامي، ومشتقات هذا الإطار المستلَّة من الدين الإسلامي الحنيف بمفهومه العام الشامل الكامل.

مفهوم الإطار الإسلامي:
إن مفهوم كلمة الإسلام يعود لمصدرين أساسين، وقد اتسما بالكمال، وهما: كتاب الله، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (تركتُ فيكم أمرينِ، لن تضلُّوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله، وسنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم)، فمن الملاحظ على الإسلامي: أنه طرق مناحي الحياة جميعها فنظمها، سواء على الصعيد الشخصي أو الصعيد المجتمعي، أو على صعيد العلاقات القائمة بين عناصر الطبيعة برمتها.

ومن الجدير بالذكر أن التربويين اختلفوا في تصنيف الإطار الإسلامي، أهو فلسفة أم تصور؟! فمن رفض تصنيفها وإدراجها تحت مسمى الفلسفة كانت حجته داحضة، وهي: أن الفلسفة من نسج خيال البشر، أما التصور الإسلامي فهو مقدس؛ لأنه ربَّاني، ومنهم من رأى أنه فلسفة، أما أنا فمع عدم إدراجها تحت الفلسفات؛ وذلك لتنزيهها عن الإتيان بمثلها؛ لأن الفلسفات الأخرى ناقصة، وعليها مآخذ، أما التصور الإسلامي فهو كامل، كما سنعرض فيما بعد في الخصائص.

أما عن تعريف التصور الإسلامي في المنهج، فقد أورد (عبدالله، 1986:صـ23): “الحقائق الخالدة المستمدة من الكتاب والسنة الخاصة بالإله والرسل وجميع الأمور الغيبية والمعارف والأنشطة التي تنظمها المدرسة، وتشرف بقصد إيصال المتعلم إلى كماله الإنساني بإقراره بالعبودية لله سبحانه وتعالى”.

ومن التعاريف التي وردت للتصور الإسلامي (مدكور، 1997:صـ33): “نظام من الحقائق والمعايير والقيم الإلهية والمعارف والخبرات والمهارات الإنسانية المتغيرة، يتبع فيها التصور الإسلامي للكون والإنسان والحياة، يهدف إلى تربية الإنسان وإيصاله إلى درجة الكمال التي تمكِّنه من القيام بواجبات الخلافة في الأرض، عن طريق إعمارها وترقية الحياة على ظهرها، وفق منهج الله”.

ومن الملاحظ على تعريف مدكور: أنه واءَمَ بين المنهج بشكل عام والنظرة الإسلامية للمنهج على وجه الخصوص، أما تعريف عبدالله فمقتصر على التربية الإسلامية؛ فتعريف مدكور أشملُ وأوضح من تعريف عبدالله، إلا أن هنالك أمورًا مشتركة بين التعريفين، وهي:
• الوصول لله تعالى: وهي غاية التصور الإسلامي في المنهج.
• ربانية المنهج: وذلك ما ميزه عن غيره من التصورات المستمدة من الفلسفات البشرية.
• التعدد في أشكال وأساليب المنهج من أنشطة ومعارف وخبرات.

وفي محصلة تعريف الإطار الإسلامي يمكننا القول بأنه: الأفكار والخبرات والتصورات والحكم والثوابت والرواسخ والحقائق والمفاهيم التي تدخل ميادين الحياة كلها، المستمدة من روح الدين الإسلامي.

ومن الأمور المشتركة بين التعاريف الآنف ذكرها يتشكل لنا مفتاح لطَرْقِ باب خصائص التصور الإسلامي.

خصائص التصور الإسلامي للمنهج:
إن الناظر في الأدب التربوي يرى أنه تطرق لهذا الموضوع بشكل أو بآخر؛ لأن أي كاتب مسلم لا ينسلخ عن إسلاميته بكتابته، فلا يمكن له إغفال هذا الجانب الحياتي الروحاني الاعتقادي المهم للأفراد والجماعات.

وهذه الخصائص تكاد تكون متشابهة عند الكتاب مع اختلافات طفيفة، ومن الخصائص التي اتفق عليها: (مدكور، 1997) و(مرعي، والحيلة، 2008):
1- أنه منهج رباني: ونعني بهذه النقطة أنه منهج كامل متكامل، خالٍ من النقص ومن التضارب الموجودين في المناهج الإنسانية؛ فمصدر لا يشبه بشيءٍ، فهو رباني المصدر، ورباني الغاية، ورباني الوسيلة؛ فبالتالي يجب أن تكون نتاجاته الحتمية مفيدة لما فيه خير الحياة والآخرة.

2- أنه منهج ثابت: وقد وصفها مدكور بأنها الحركة داخل محور ثابت وإطار ثابت، بما أنها قائمة على التوحيد بمصدرها الرباني، فهي تبين وظيفة الإنسان في الحياة الدنيا من عمارة الأرض والاستعداد ليوم الآخرة.

3- أنه منهج شامل: فالمنهج الإسلامي شامل لمناحي الحياة، من ألِفِها إلى يائها، من الجوانب الإنسانية والخلقية و…، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49].

4- التوازن: هو صفة متممة للشمول؛ فالشمول غير المتوازن يكون ناقصًا، وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تدلل على التوازن، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ﴾ [الملك: 3].

5- الإيجابية: وقال مدكور فيها: إنها تشتمل على العلاقة الفاعلة مع الله سبحانه وتعالى، وعلاقة الإنسان بالحياة وبالإنسان نفسه، وتعني هذه بالعلاقة الربانية البديهية بين الإنسان وخالقه؛ قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ﴾ [الأنعام: 18].

6- الواقعية: باختصار شديد إمكانية التطبيق على أرض الواقع، وخير شاهد على إمكانية تطبيقها: حشدها المتتالي لأتباعها.

وقد انفرد مدكور (1997) بثلاث خواصَّ إضافية عما أورده مرعي، والحيلة، وهي:
1- أنها نظام: إذ إن هذا التصور قائمٌ على خطوات واضحة وقواعد متينة، ولا يسير بعشوائية وهمجية تمثل وجهات نظر شخصية.

2- التوحيد: وهو المقوم الأول من دعائم الإطار الإسلامي؛ لأنه مستمد من روح الرسالة السماوية الخالدة التي جعلت التوحيد المعيار الأول لدخولها.

3- العالمية: فهو لا يقتصر على فئة معينة من البشر، بل هو عام لكل الناس.

وخلاصة القول:
إن خصائص الإطار الإسلامي مستلة من خصائص الدين الإسلامي نفسه؛ فهو دين قائم على التوحيد، والنظام، والشمول، و…، ويمكننا إضافة نقطة في غاية الأهمية من خصائص الدين، وهي الاستمرارية، ودوام روح الدين الإسلامي مدة 1435 خيرُ شاهد على استمراريته وصلاحه لأي زمان ومكان.

والنقاط الآنف ذكرها التي وقفنا معها بعجالة تشكل أرضية صلبة يرتكز عليها الإطار الإسلامي، ليتسم بالكمال، وأقصد بالكمال الكمالَ الرباني الذي لا يختلف فيه أحد؛ لأن الكمال البشري فيه تفاوت، ويرجع السبب في هذا التفاوت إلى الزاوية التي ينظر إليه منها، أما في التصور الإسلامي فانظر من أي زاوية شئت، فلن ترى إلا كما رأيت من سابقتها، وبعد أن تعرفنا على خصائص هذا التصور لا بد من التعرف على مقومات هذا التصور.

اقرأ أيضا  الطائرات تستطلع غزة..!

مقومات التصور الإسلامي:
إن أي نظرية أو فلسفة أو إطار لا بد له من مقومات ليتكئ عليها، ومفاد هذه المقومات تشكيل جدار منيع للدفاع عن النظرية أو الإطار أو الفلسفة، وأرضية صلبة تعزز دعائم نهوضها واستمراريتها.

ويوجد هنالك مصنفات عديدة تعرضت لمقومات الإطار الإسلامي في المنهج، وفي التالي بيان لها:
مَن ذكر هذه المقومات بإيجاز مثل (اليافعي، 1995)، وهي:
1- معرفة الإنسان لأسرار الكون.
2- معرفة الإنسان للحياة، والتعرف على خصائص الكائنات الحية، والتفكير في ذلك.

والأمران السابقان يقودان إلى تنمية تفكير الإنسان وعقليته ووجدانه، ومن المصنَّفات التي ذكرت المقومات بإسهاب (مدكور، 1997) و(مرعي، والحيلة، 2008)، وهي:
1- مقوم الألوهية: ويتكوَّن هذا المفهوم من مبادئ عدة، منها:
• التوحيد: وكما أسلفنا أن هذا المبدأ هدف الرسالة السماوية الخالدة، كما أنه هدف كل الرسالات.

• مبدأ عدم القدرة على الإحاطة بالذات الإلهية، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿فَاطِرُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11].

• مبدأ عدم القدرة على إدراك مشيئة الله.

2- مقوم الكون: ويتجلى لنا هذا المقوم من خلال:
• اليقين الجازم بخلق الكون، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 29].

• تصريف أمور الكون: ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ [يس: 40].

• الإشارة إلى وجود كونين: الأول المحسوس (الفيزيقي)، والثاني الغيبي غير المحسوس (الميتافيزيقي)، وهنالك مواطن كثيرة في القرآن الكريم وفي السنة النبوية الشريفة تبين هذين الكونين.

3- مقوم الإنسان: وفي هذا المقوم يتبين للإنسان أنه مخلوق كسائر المخلوقات، ويتساوى معها في بعض الأمور؛ كونه مخلوقًا، وكون أصله ترابًا، ويتميز عنها بأمور، مثل: العقل، والوجدان، والإرادة،…، ومن الأدلة النقلية على ذلك قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 70].

4- مقوم الحياة الدنيا: وفي المنظور الإسلامي أن الحياة الدنيا هي دار فَناءٍ واختبار، وهي ممر للآخرة؛ فهذا فرق جوهري بين النظرة الإسلامية للحياة الدنيا وباقي النظرات الفلسفية التي تصور الحياة الدنيا على أنها شغلها الشاغل، وقمة طموحها، ولا ينظرون لها على أنها زائلة.

وفي العرض السريع السابق للمقومات نلحظ أن الإطار الإسلامي نظم الحياة على الصعيدين الشخصي والمجتمعي، ونحن نعلم بأن نقطة تنظيم المجتمع أن يكون هنالك أفراد منظمون؛ فالنتيجة الحتمية لأفراد منظمين مجتمع منظم.

أهداف الإطار الإسلامي في المناهج:
إن أي عمل يخلو من الهدفية يخلو قطعًا من النتاجات الإيجابية، إلا على سبيل المصادفة التي لا يحتذى بها في المنهج العلمي، ولكن العمل المخطط يكون هادفًا، وهذا شأن العمل الإنساني، أما عن عمل يمتد بجذوره إلى الدين الإسلامي، فهو بعلاقته البديهية يكون من مصدر رباني، وقد أسهب مدكور (1997) بشرح هذه الأهداف، ومن مجمل ما ورد عنده:
1- إدراك مفهوم الدين ومفهوم العبادة.
2- ترسيخ عقيدة الإيمان بالله، والأخوة بالله.
3- تحقيق الإيمان والفهم لحقيقة الألوهية.
4- إدراك حقيقة الدين غيبه وشهوده.
5- فهم حقيقة الحياة الدنيا والآخرة.
6- فهم حقيقة الإنسان.
7- تحقيق وسطية الأمة وشهادتها على الناس.
8- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
9- استعادة تميز الأمة الإسلامية.
10- العمل على تحقيق وحدة الأمة.
11- إعانة الطالب على تحقيق ذاته.
12- إدراك مصادر المعرفة والعلاقات بينها.
13- إدراك أهمية التفكير المنهجي، وفهم مناهجه، والتدرب على أساليبه.
14- إدراك الطلاب لأهمية نظام الأسرة في الإسلام.
15- تنمية شعور الطلاب وإدراكهم للمسؤولية الاجتماعية.

وقد أورد مدكور نقاطًا كثيرة، وقام بشرحها في فصل كامل، ولكن اكتفينا بجملة من هذه الأهداف، والملاحظ أن هذه الأهداف أغصان من جذع أعم وأشمل، وكل هذه الأهداف تستفيء بظلاله، وهذا الهدف هو “تنشئة الطلبة على التقيد بالأوامر الإسلامية، والاجتناب عن نواهيه”؛ فالمنهج هو قناة ناقلة مهمة لتحقيق هذا الهدف، يجب علينا الاهتمام بها وترميمها في أيامنا؛ لأنها وصلت لأسوأ حالتها.

ومن الذين حددوا أهداف التربية الإسلامية أيضًا (عطا، 2000:صـ122)، وهي:
1- الأصالة: بأن تدخل في نفس المتعلم وفي نسيج حياته.
2- التميز: إذا أعلنت المضامين التي تعلمها في نفسه، وأصبحت جزءًا من شخصية المتعلم.
3- الوقائية: وذلك بأن تحمي المتعلم من أن يذوب في الكيانات الأخرى والثقافات الأخرى.

ويضيف قائلًا: إن هذا كله ثمرة الرسوخ الإيماني وقوة اليقين؛ لأنها التطبيق العملي للرسالة السماوية الخالدة.

ونرى أن كلًّا من عطا ومدكور نظر لأهداف التربية الإسلامية من جهة؛ فعطا نظر للأهداف التي يجب أن تتحقق بعد المرور بخبرة تعليمية وبلغة أخرى (النتاجات التعليمية)، أما مدكور فنظر لها أهدافًا بمعناها التربوي، وهو التخمين الذكي، أو النتاج المتوقع حدوثه في سلوك المتعلم بعد مروره بخبرة تعليمية معينة.

وعلى أي حال، فمجموع النقاط التي وردت يعتد بها كأهداف ونتاجات للتربية الإسلامية في المناهج، فلكل منها بُعده الخاص، ولا يتعارض التصنيفان مع بعضهما البعض.

الإطار الإسلامي في المناهج التعليمية:
إن واقع المناهج العربية المريرة التي تحتضر على أعتاب إسلامها يشكل ناقوس خطر على مخرجاتنا التعليمية، وأوَّل هذه المخرجات وأشدها تأثرًا بهذا الخطر: النشء، وأرض الواقع تلمس هذا الخطر بوضوح؛ فلا بد من تضافر المناهج ككل؛ لتحقيق النظرة الإسلامية وروحها في الجيل الصاعد.

ويجب علينا – لتحقيق هذه النظرة أو روحها – أن نتكئ على التكاملية بشقيها: التكامل الرأسي، ويتحقق هذا الشق بأن يأتي الصف اللاحق متممًا لأفكار الصف السابق، والأفقية: التي تتحقق من إتمام أفكار المناهج في المرحلة التعليمية لبعضها البعض، وهذه التكاملية على عاتق المخطط والمنفذ لأي منهج كان.

اقرأ أيضا  الأمم المتحدة: على إسرائيل وقف هدم منازل الفلسطينيين فورا

ويضيف المختار (1986): ولا نكتفي بوحدة أهداف المناهج في الدولة الواحدة، بل نتعدى ذلك إلى إطار العروبة والدين الإسلامي، وذلك بأن توحد الأهداف العربية والإسلامية للمناهج العامة، وذلك لتكون خطوة جديدة وتطويرًا ملموسًا في المناهج، وفي العملية التعليمية برمتها.

هذا ما نادى به المختار قبل قرابة ثلاثة عقود، ولكن ما زلنا نتخبط تخبط العشواء بالظلماء؛ فكل دولة تسير في خطاها لتحقيق أهداف معينة من خلال مناهجها، أخذت بناصية سيرها الأنظمة السياسية لتحقيق مآربها.

ومن الجدير بالذكر أن المناهج ليست مسؤولية فحسب، إنما هي أمانة، كما قال اليافعي (1995:صـ132): “إنها أمانة وأكبر الأمانات؛ لأنها تعد جيلًا، ومسؤولة عن بناء أمة”، فمن سيسأل أمام الله تعالى عن ضياع الجيل؟ ومن سيسأل أيضًا عن تراجع الأمة؟

ومن الأسئلة التي تدور في الأذهان: ” كيف لنا أن نوظف المناهج في تحقيق التصور الإسلامي في أذهان طلبتنا؟”، فإجابة هذا السؤال بسيطة؛ بأن نسخر كل شيء له علاقة بالمنهج لتلبية جزئية من جزئيات هذا التصور، للخلوص إلى صورة متكاملة لهذا التصور من ألفه إلى يائه، وبعبارة أخرى: أن يرافق هذا التصور المنهاج من مرحلة تخطيطه إلى مرحلة تقويمه.

ولتوضيح هذه المرافقة نبدأ بالتخطيط العام للمنهج؛ بأن نضع أهدافًا على المستويات الثلاثة؛ العقلية، والوجدانية، المهارية، تلبي جزئية من جزئيات التصور الإسلامي لأي منهج كان من المناهج، سواء أكان في العلوم البحتة أم في العلوم الإنسانية، وترجع لحنكة المخطط، وآلية نظرته، وكيفية تناوله الأهداف.

تلي مرحلة التخطيط، مرحلة التصميم والقائمون عليها: وذلك بأن تكون لديهم فراسة في انتقاء المواد العلمية التي تخدم الأهداف وتلتصق بها التصاقًا مباشرًا، ويجب أن تصبغ هذه النصوص بصبغة إسلامية؛ فالتاريخ الإسلامي مليء بشواهد كثيرة تتناسب مع العلوم الإنسانية، أما بالنسبة للعلوم البحتة فتجب الإشارة إلى علمائنا الأوائل الذين تعرضوا للقضية أو الدرس المطروح بوضع نبذة عن حياتهم.

تلي مرحلة التصميم مرحلة التنفيذ: وهذه المرحلة من أخطر المراحل وأهمها؛ لأنها الختامية، والتي تتعامل مع الطالب بشكل مباشر، فيجب عليها تدارك الأخطاء والفجوات الموجودة في المنهج برمته، كما يجب عليها أن تثري الموجود في المنهج لإتمام النقص الموجود، وأن تكون مثقفة بالدين الإسلامي ككل، وأساليب إدراجه في سلوك الطلبة، ولا تكتفي بهذا فحسب، فيجب عليها مراعاة تطبيق ما أخذ وما درس للطلبة في الحياة اليومية، وخاصة أثناء وجود الطالب داخل أسوار المؤسسة التعليمية.

ولا نقف عند هذه النقاط فحسب، وإنما هي المحاور الرئيسة الثلاثة التي لها نصيب الأسد في العملية التعليمية، وهنالك أشياء داعمة للمنهج، المتأتية من المنهج الخفي مثلًا، مثل الإذاعة المدرسية: فيجب أن تغذى هذه الإذاعة الصباحية بالروحانيات الإسلامية، التي مفادها إبقاء الطلبة ككل على اتصال مباشر مع دينهم في أي زمان وأي مكان، ولا نغفل دور الأسرة ولا الأقران ولا وسائل الإعلام و….؛ أي البيئة التعليمية بمفهومها الواسع.

وما يمكننا تغييره هو المحور الثالث: أي التنفيذي؛ فالسابق لها ليس من اختصاصنا حاليًّا، فيمكن لنا – كمنفذين للمنهاج – أن نغذي الجانب الديني بشتى الوسائل والطرق، المنفذ للمنهج بارع بهذا المجال، ولكن من باب تنظيره والتذكير به، لا من باب فرضه.

وفي النهاية نخلص إلى وجود فجوة بين ما هو مفروض ومأمول، وما هو موجود فعلًا على أرض الواقع، وهذه المفارقات لها أسباب ودواعٍ تنصب في دواعي الفجوة بين النظرية والتطبيق، ومن أهمها:
1- السياسة تخدم بالمنهج، وليس العكس.
2- عدم إشراك المنفذين بتخطيط المنهج.
3- السير على معنى المنهج الحديث قولًا لا فعلًا.
4- تتبع النظريات التعليمية تتبعًا أهوج دون التمحص من مثالب هذه النظريات.
5- الأخذ بمعايير فاسدة للحكم على العملية التعليمية، مثل الامتحانات.

وهذه النقاط في نظري هي من النقاط المهمة لتخفيف الهوة بين النظرية والتطبيق.

الخاتمة:
في وقفتنا السابقة سلطنا الضوء على أضلاع مهمة في الإطار الإسلامي في المناهج العربية ككل، فتعرفنا على المفهوم والخصائص والمقومات والأهداف لهذا المفهوم، وفي النهاية تعرضنا لها بمناظرة بين المأمول الموجود، آملًا من الله ألا يجعلها صيحة في واد، ولا نفخة في رماد، وآملًا أن تكون هذه الأوراق بمثابة رؤوس أقلام لفتح آفاق جديدة لبحث كل منهج على حدة وعلاقته بالإطار الإسلامي، مركزين على أهمية البحث في هذا الجانب الذي له قداسته، والله ولي التوفيق.

تم بحمد الله..

المراجع:
القرآن الكريم.
1- مرعي، توفيق أحمد والحيلة، محمد محمود (2008)، المناهج التربوية الحديثة مفاهيمها وعناصرها وأسسها وعملياتها، طــ6، عمان: دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة.
2- الزبيدي، سليمان عاشور مجلي (2002)، أسس المناهج المدرسية، د ط، ليبيا: دار النسر.
3- عطا، إبراهيم محمد (2000)، ثوابت المنهج المدرسي، ط1، مصر: دار الكتاب للنشر.
4- مدكور، علي أحمد (1997)، نظريات المناهج التربوية، ط1، مصر: دار الفكر العربي.
5- اليافعي، علي (1995)، رؤى مستقبلية في مناهجنا التربوية، قطر: دار الكتب القطرية.
6- عبدالله، عبدالرحمن صالح (1986)، المنهاج الدراسي، أسسه وصلته بالنظرية التربوية الإسلامية، ط1، الرياض: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية.
7- مختار، حسن علي (1986)، قضايا ومشكلات في المناهج والتدريس، ط1، مكة المكرمة: مكتبة الطالب الجامعي.
الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.