حرب البوسنة.. مرارة تطبع الذاكرة ودموع لم تجف رغم مضي 22 عامًا

البوسنة والهرسك (معراج) – رغم مضي 22 عاماً على مأساة حرب البوسنة، التي فقد خلالها الآلاف من الأبرياء البوسنيين أرواحهم على يد الصرب، إلا أن دموع ذوي الضحايا لم تجف بعد، ولا زالت المرارة تصبغ حياتهم، جراء تلك المأساة التي اختطفت أحباءهم، والتي تحل ذكرى أبشع مذابحها “مذبحة سربرنيتشا”، يوم الثلاثاء، وفق الأناضول.

ومن بين هؤلاء، المواطنة البوسنية نورا مصطفيتش، التي ما تزال تشعر بمرارة فقدان زوجها وأبنائها الثلاثة خلال تلك الحرب الدموية.

وعن ذلك، قالت نورا، لمراسلة الأناضول، إنها قررت العودة إلى سربرنيتشا لإحياء ذكرى زوجها وأبنائها الثلاثة.

وأضافت، ساردة تفاصيل مأساة عائلتها: “كنت قبل يوليو/تموز 1995 أعيش مع وزوجي وأبنائي الثلاثة حياة سعيدة. لكن منذ ذلك التاريخ، ومع اشتداد الحرب في البلاد، قررنا مغادرة قريتنا سوسنيارا إلى مدينة طوزلا شمال شرقي البوسنة؛ حيث أُقيمت منطقة آمنة للمدنيين”.

ومضت قائلة: “بدأ إطلاق النار علينا وإلقاء القنابل. كانت أصوات الرصاص تدوي في كل مكان. بدأ الناس يحاولون الهرب والتدافع”.

وأشارت إلى أنه، في تلك اللحظات العصيبة، أُصيب طفليها “فؤاد” و”عالية”، فيما فُقد ابنها الأكبر “ميرساد”، بينما ذهب زوجها ليحضر لها قليلًا من الماء، لكنه لم يعد أبدًا.

وأوضحت أن من كانوا حولها أحضروا لها بطانيتين ولفّوا بهما كلًا من “فؤاد” و”عالية”، وحملوهما طول الطريق حتى قرية تدعى “سندجي”، حيث استقلوا شاحنة، لكن الجنود الصرب أوقفوا تلك الشاحنة في الطريق، وأنزلوا ابنيها الجريحين؛ فكان ذلك اليوم هو آخر يوم ترى فيه ابنيها.

وأضافت أنه كان عليها أن لا تثق بوعود الجنود الصرب بأنهم سوف يعيدون ابنيها لها، وأن احتجازهما لن يكون إلا لفترة مؤقتة، وأنها لو كانت تعلم بأن أولئك الجنود كانوا سوف يجهزون على ابنيها لما تركتهما ولذهبت معهما.

وأشارت إلى أنه، بعد الوصول إلى منطقة آمنة، بحثت كثيرًا عن زوجها وأبنائها، إلا أنها لم تعثر على بصيص أمل يقودها إليهم، وعلمت لاحقاً بمقتلهم بعد العثور على المقابر الجماعية وفتحها.

وبدموع تنهمر على وجنتيها، لفتت الأم المكلومة إلى أنها ما زالت تشعر بمرارة فقدان زوجها وأبنائها الثلاثة رغم مضي 22 عامًا على فقدانهم، مؤكدة أنها لن تنساهم أبدًا ما عاشت.

ونوهت بأنها باتت “مقطوعة من شجرة”، وتشعر بالوحدة والشوق لزوجها وأبنائها، وأنها تتمنى ألا تفقد أي أم أبنائها وأن تتوقف الحروب والآلام.

واختتمت حديثها، بالتأكيد على أن صورة أبنائها لم تفارق مخيلتها قط من ذلك اليوم الأسود، وحتى هذه اللحظة.

“هانيجا سولجيتش” تحبس بين جوانحها تفاصيل مأساة أخرى من آلاف المأسي التي طبعت الحرب في البوسنة؛ حيث فقدت زوجها وابنها قبل 22 عامًا.

إذ تمزقت عائلة “سولجيتش”، المكونة من ستة أشخاص، في 10 يوليو/تموز 1995؛ حيث كانوا يعيشون في قرية بوسنية صغيرة قرب سربرنيتشا، قبل أن يقرر الأب كمال وولده دامير الهرب عبر الغابة إلى المنطقة الآمنة في مدينة توزلا.

ومنذ ذلك التاريخ بقى مصير الأب وابنه مجهولاً لسنوات طويلة، قبل أن يتم في 2011 اكتشاف رفات “دامير” (15 عاماً)، ثم تأكيد هويته مؤخراً، ليتم، اليوم، دفنه ضمن مراسم جنازة جماعية مع رفات ضحايا آخرين تم التعرف على هوياتهم.

وعن مأساتها، تقول الأم المكلومة هانيجا: “لقد حُفرت كلمات ابني دامير (أصغر ضحايا الإبادة الجماعية في البوسنة) الأخيرة في ذاكرتي عندما قال لوالده باكيًا قبل مغادرتهم المنزل: من يدري ماذا سيحدث لي؟ .. لا تترك حياتي ملك أيديهم (قوات الصرب)”.

وأضافت: “لن أنسى أيضًا وداع ابني الأخير لي؛ حيث قبلني على جبهتي قبل مغادرته”.

وعن معاناتها الشخصية بعد الصدمة، قالت: “لقد مرت علي أيام عصيبة وأنا أحاول الصمود من أجل أبنائي الثلاثة الآخرين”.

وفي عام 2011، تم العثور على بقايا رفات الشاب “دامير” في مقبرة جماعية في بلدة براتوناتش، وتم مؤخرًا تأكيد هويته رسميًا، علمًا أنه تم العثور أولًا على جمجمته، فيما عثر على أحد عظام جسده في وقت لاحق.

جدير بالذكر أن القوات الصربية بقيادة “راتكو ملاديتش”، دخلت سربرنيتشا في 11 تموز/يوليو 1995، بعد إعلانها منطقة آمنة من قبل الأمم المتحدة، وارتكبت خلال عدة أيام، مجزرة جماعية راح ضحيتها أكثر من 8 آلاف بوسني، تراوحت أعمارهم بين 7 إلى 70 عامًا.

ودأبت السلطات البوسنية في 11 يوليو/تموز من كل عام، على إعادة دفن مجموعة من الضحايا، الذين توصلت إلى هويتهم، في مقبرة “بوتشاري”.

ومن المرتقب أن يصل عدد المدفونين في المقبرة إلى 6 آلاف و575، مع دفن الضحايا الجدد الـ71 اليوم.‎

وأخفق مجلس الأمن الدولي، الأربعاء الماضي، في تبني قرار قدمته بريطانيا، لإدانة جرائم الإبادة العرقية في “سربرنيتشا”؛ وذلك بسبب استخدام روسيا حق النقض “الفيتو”.

وكالة معراج للأنباء الإسلامية

اقرأ أيضا  الحكومة تتابع قضية انتهاك حقوق الإنسان
Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.