حسن العشرة بين المسلمين

الإثنين4 شوال 1436//20 يوليو/تموز 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
الشيخ صلاح البدير
ألقى فضيلة الشيخ صلاح البدير – حفظه الله – خطبة الجمعة بعنوان: “حسن العشرة بين المسلمين”، والتي تحدَّث فيها عن حسن العِشرة بين المسلمين، ووجوبِ المُحافَظة على أواصِر الأُخوَّة وعدم التنازُع فيما بين الإخوان، واستشهدَ على ذلك بشيءٍ مما ذُكِر في سنة النبي – صلى الله عليه وسلم -.
الخطبة الأولى
الحمد لله، الحمد لله بارئِ النَّسَم، ومُحيِي الرِّمَم، ومُجزِلِ القِسَم، مُبدِع البدائع، وشارِعِ الشرائِع، دينًا رضِيًّا، ونورًا مُضِيًّا، أحمدُه وقد أسبَغَ البرَّ الجزيل، وأسبلَ السترَ الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةَ عبدٍ آمنَ بربِّه، ورجا العفوَ والغُفرانَ لذنبه، وأشهد أن نبيَّنا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه وحِزبه، صلاةً وسلامًا دائمَيْن مُمتدَّين إلى يوم الدين.

أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله؛ فقد نجا من اتَّقَى، وضلَّ من قادَه الهوَى، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

أيها المسلمون:
لا تحلُو المُخالَطَة إلا بحُسن المَعايَشة وأداء حُقوق المُعاشَرة وتحقيقِ العدل والنَّصَفَة في المُعامَلة، ومن كان في إيفاء ما يكون عليه مثلما يكون في حفظِ ما يكونُ له فقد أنصفَ في القضاء وعدلَ بالسواء، والاستِقصاءُ يُورِثُ الاستِعصاء، والمُعاسَرة تُكدِّرُ المُعاشَرة، ومن نبَذَ وثائقَ التعايُش وقطَعَ مَرابِعَ التسامُحِ وأوحشَ مغانِيَ العِشرة، وسلكَ طريقَ المُنابَذة والمُبايَنَة والمُنازَعة فقد سلَكَ طريقًا لا يُوصِلُ إلى مطلوبٍ، ولا يهدِي إلى مرغوبٍ.

ومن أخطأ طريقَ التغافُلِ والتغاضِي والتسمُح كثُر مُعادُوه، وقلَّ مُصافُوه، وهجَرَه مُحِبُّوه، وزهِدَ فيه مُعاشِرُوه، ومن جهِلَ مواضِعَ رُشده، وتعثَّرَ في ذُيُولِ جهلِهِ، ووقعَ في مهاوِي سُخفِهِ وحُمقِه، ركِبَ متنَ الفُجور في الدعاوَى والمُنازَعات، والكذبِ في الشكاوَى والخُصومات، واختارَ الجفاءَ على الإخاء، والعداءَ على الولاء، والمُخاشَنةَ على المُلايَنة، تُعاشِر فيُعاسِر، وتُقارِب فيُحارِب، وتُحالِف فيُخالِف، وتُلاحِق فيُفارِق.

نسِيَ قولَ نبيِّنا وسيدِنا محمدٍ – صلى الله عليه وسلم -: «لا تقاطَعوا، ولا تَدابَروا، ولا تَباغَضوا، ولا تَحاسَدوا، وكُونوا عِبادَ اللهِ إخوانًا، ولا يحِلُّ لمُسلمٍ أن يهجُرَ أخاهُ فوقَ ثلاثٍ»؛ متفق عليه.

اقرأ أيضا  أثر الإيمان في إشاعة الاطمئنان

أيها المسلمون:
ومن بسطَ للناس فراشَ التوقير، ومدَّ لهم بساطَ التقدير، والتمسَ لهم الحُجَجَ والمعاذيرَ، ولو مع الإساءة له والتقصير؛ عاشَ في النفوسِ مُعظَّمًا، وعلى الألسُنِ مُبجَّلاً.

ومن يلْقَ خيرًا يحمَدِ الناسُ أمرَهُ
ومن يغوِي لا يعدَم على الغَيِّ لائمًا

والأهلُ والقرابةُ أولَى الناسِ بحُسن المُخالَطة، وجميلِ المُعاشَرة، ولينِ المُعامَلة؛ فعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «خيرُكم خيرُكم لأهلِه، وأنا خيرُكم لأهلي»؛ أخرجه الترمذي.

ومن عمَّ أهلَه خيرُه، ووسِعَهم بِرُّه، وغمرَهم مَيْرُه، وبسطَ لهم وجهُهُ، ومهَّدَ لهم كنَفَه؛ فذلك الشهمُ الوفِيُّ، والمُعاشِرُ السخِيُّ، والمُخالِطُ التقيُّ.

ومن غلُظَ طبعُه وعظُمَت فظاظتُه، واشتدَّت على أهلِه قساوَتُه وشراستُه، وكثُرت شتامتُه وجهالتُه، فقابلَ والدَيْه بالصدود والجحود، وعاملَ زوجتَه بالتقصيرِ والتصغيرِ والتحقيرِ والتعزيرِ، وأولادَه بالتعنيفِ والتخويفِ والإذلالِ والإهمالِ، وذوي قرابَته بالقطيعةِ والصريمةِ والهُجرانِ والنُّكرانِ؛ فذلك الذي أساءَ المُخالَطة، وأوغلَ في المُغالَطة، والغِلظةُ والفَظاظةُ هي سببُ التباعُد والنُّفور، وخرابُ الأثسَر والدور.

فتعامَلوا بالعطفِ واللُّطفِ، والرِّفق واللِّين، والشَّفَقةِ والمُسامَحة، والرحمةِ والإحسانِ، وحُسنِ المُعاشرةِ، وجميلِ المُخالَطة؛ تحُوزوا على عظيمِ الأُجور والحسنات، وتحفَظوا أُسَرَكم ومُجتمعاتكم من النِّزاعات والخُصومات، والضياعِ والشَّتاتِ.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه، إنه هو كان للأوَّابين غفورًا.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانِهِ، والشكرُ له على توفيقهِ وامتِنانِهِ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لِشأنِه، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسوله الداعي إلى رِضوانِه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانِهِ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله وراقِبوه، وأطيعُوه ولا تعصُوه، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

أيها المسلمون:
ومن خالطَ الناسَ فتعاظَمَ وتطاولَ، وفخرَ وتاهَ، وتكبَّرَ وتجبَّرَ، وحقَّرَ وصغَّرَ، وجرَّحَ وشهَّرَ، وأساءَ المقالَ، وولغَ في الأعراضِ واستطالَ، وأكلَ الأموالَ بطُرقِ المكرِ والاحتِيال، وتعاملَ بالحُمقِ والسَّفَهِ والطَّيشِ، ونسِيَ الفضلَ وأنكرَ الجميلَ، وآذَى العبادَ وأفسدَ في البلاد؛ فقد كتبَ على نفسِهِ سُبَّةً لا تَبلَى، وخِزايةً لا تُنسَى، ونقمةً لا تُردُّ، وعذابًا لا يُصدُّ.

اقرأ أيضا  يا أيها الذين آمنوا

فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن رسول الهدى – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «أتَدرون من المُفلِس؟». قالوا: المُفلِسُ فِينا مَن لا درهَمَ له ولا مَتاع. فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إن المُفلِسَ مِن أمتي: مَن يأتي يوم القيامة بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي وقد شتمَ هذا، وقذَفَ هذا، وأكلَ مالَ هذا، وسفَكَ دمَ هذا، وضربَ هذا؛ فيُعطَى هذا من حسناتِهِ، وهذا من حسناتهِ، فإن فنِيَت حسناتُه قبل أن يُقضَى ما عليه أُخِذَ من خطاياهم فطُرِحَت عليه، ثم طُرِح في النارِ»؛ أخرجه مسلم.

فاتقوا الله – أيها المسلمون -، وتخلَّصوا من المظالمِ والحقوقِ، وتحلَّلوا ممن ظلمتُم أو آذَيْتم قبل ذلك المردُّ الذي لا مَحيصَ عنه، ولا مفرَّ منه، ولا رجعةَ بعده.

ثم صلُّوا وسلِّموا على أحمدَ الهادي شفيعِ الورَى طُرًّا؛ فمن صلَّى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.

للخلقِ أُرسِل رحمةً ورحيمًا
صلُّوا عليه وسلِّموا تسليمًا

اللهم صلِّ وسلِّم على نبيِّنا وسيدِنا محمدٍ بشيرِ الرحمةِ والثوابِ، ونذيرِ السَّطوةِ والعِقابِ، الشافعِ المُشفَّعِ يوم الحِسابِ، اللهم صلِّ عليه، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة أصحابِ السنَّة المُتَّبَعة: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآلِ والصحابةِ أجمعين، وتابعِيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وجُودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين يا رب العالمين.

اللهم كُن لأهلنا في سورية ناصرًا ومُعينًا، اللهم كُن لأهلنا في سورية ناصرًا ومُعينًا، ومُؤيِّدًا وظهيرًا، اللهم انصُرهم على الطغاةِ المُفسِدين، اللهم انصُرهم على الطغاة المُفسِدين، اللهم انصُرهم على الطغاة المُفسِدين، والظلَمة المُعتدين.

اللهم عليك بالقتَلَة المُجرمين، اللهم عليك بالقتَلَة المُجرمين، اللهم أنزِل عليهم عذابَك ورِجزَك وسخَطَك إلهَ الحقِّ يا رب العالمين، اللهم بدِّد جمعَهم، اللهم فرِّق شملَهم، وأذهِب قوَّتَهم يا قوي يا عزيزُ يا رب العالمين.

اقرأ أيضا  مكة المكرمة محفوظة بحفظ الله لها

اللهم أرِنا فيهم قُوَّتك، اللهم أرِنا فيهم قُدرتك، زلزِلهم يا قويُّ، زعزِعهم يا ولِيّ، دمِّرهم تدميرًا، ولا تجعل لهم في الأرضِ وليًّا ولا نصيرًا.

اللهم نجِّ إخواننا في سورية من القومِ الظالمين يا رب العالمين.

اللهم عليك باليهود الغاصِبين، والصهاينةِ الغادِرين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يُعجِزونك، اللهم طهِّر المسجدَ الأقصى من رِجسِ يهود يا قويُّ يا عزيزُ يا رب العالمين.

اللهم أدِم على بلاد الحرمين الشريفين أمنَها ورخاءَها وعِزَّها واستقرارَها، ووفِّق قادتَها لما فيه عِزُّ الإسلام وصلاحُ المسلمين.

ووفِّق إمامَنا ووليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين ووليَّ عهده لما تحبُّ وترضى يا كريمُ يا عظيمُ.

اللهم عُمَّ بالأمن والرخاءِ والاستقرار جميعَ أوطانِ المسلمين.

اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم سُقيا رحمة، اللهم سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ ولا هدمٍ ولا غرَق.

اللهم إنا خلقٌ من خلقك، اللهم إنا خلقٌ من خلقك، فلا تمنَع عنَّا بذنوبِنا فضلَك، اللهم اسقِنا واسقِ المُجدِبين، وفرِّج عنَّا وعن أمة محمدٍ – صلى الله عليه وسلم – أجمعين، اللهم جُد علينا برحمتك وإحسانك، وتفضَّل علينا بغيثِك ورِزقك وجُودِك وامتِنانِك يا أرحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين.

اللهم ارحم موتانا، وعافِ مُبتلانا، وفُكَّ أسرانا، وانصُرنا على مَن عادانا يا رب العالمين.

عباد الله:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: 90].

فاذكروا الله العظيمَ الجليلَ يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكرُ الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
-الألوكة-

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.