حسن روحاني.. عوامل الفوز وتحديات الوعود
عماد آبشناس
كاتب صحفي وأكاديمي إيراني
عندما زار محمد علي كلاي إيران عام 1993 كنت ضمن الصحفيين الذين استطاعوا لقاءه، فقال لي حينها: “أنا واجهت خصوما كبارا حتى إن بعضهم كانوا أقوى مني ولكنني كنت أذكى منهم، إذ كنت أعرف نقاط ضعفهم. لقد كنت أتلقى الضربات لكنني كنت أحمي نقاط ضعفي، وأنتظر الفرصة اللازمة لكي أستهدف نقاط ضعفهم وأنقضّ عليهم لأنتصر في النهاية، وهذا كان سرّ انتصاري في المباريات”.
ويمكننا القول قياسا على حالة كلاي؛ إن حسن روحاني -الذي كان يوما من الأصوليين- يعرف نقاط ضعفهم أكثر من أي شخص آخر، وعليه فإنه تلقى الضربات منهم ولكنه انتظر الفرصة المناسبة للانقضاض عليهم.
بين الأصوات النائمة والرمادية
إذا ما أردنا تقسيم الناخبين في إيران فيمكن توزيعهم إلى حوالي 70% ممن يصوتون، و30% تسمى عادة “الأصوات النائمة” وهم الذين لا يصوتون لأسباب مختلفة، منها عدم الاهتمام بالانتخابات أو حتى معارضة التصويت كليا.
وبالنسبة لـ70% الذين يصوتون فإنهم أيضاً ينقسمون إلى قسمين، فحدود النصف منهم يسمونهم في إيران “الرماديين”، وهم الذين يصوتون دوماً ولكن ليس لديهم اتجاه سياسي معين، وعادة ما يقررون من سيصوتون له في اللحظة الأخيرة، والنصف الآخر ينقسمون بين الإصلاحيين والأصوليين.
يتأثر الرماديون عادة بخطابات الإصلاحيين أكثر من الأصوليين، ولكن بما أن موضوع المشاكل الاقتصادية كان هو الهم الغالب على الناخبين الرماديين في هذه الانتخابات؛ فإن معظم الإحصاءات كانت تشير إلى عدم رضاهم عن أداء روحاني، وعلى هذا الأساس فإن الأصوليين كانوا يأملون جذب أصوات هؤلاء إلى جانبهم.
المشكلة الأساسية التي تواجه الأصوليين في إيران عموما هي إصرارهم على الدخول في الانتخابات بمرشحين متعددين، وبمرشحين ليست لديهم الكاريزما الكافية لجذب الجمهور عادة.
توحيد صف الأصوليين خلف مرشح واحد يعني أن حوالي 25% من الأصوات الفعلية ستكون مضمونة لمرشحهم، وإذا ما تعدد المرشحون فإن هذه الأصوات ستنقسم بينهم. وعلى ذا الأساس كان هدف الأصوليين منذ البداية العمل على توحيد صفوفهم خلف مرشح واحد في الانتخابات.
معظم الشخصيات الأصولية كانت تميل إلى ترشيح إبراهيم رئيسي ليكون مرشح الأصوليين، ولكن مشكلة رئيسي هي أنه لم يكن يحمل أجندة تنفيذية قوية في جعبته لتقنع الرماديين بأنه يحمل الحل لمشاكلهم الاقتصادية. ولذلك فإنهم دفعوا بمحمد باقر قاليباف في الانتخابات مرشحا ثانيا، محاولين جذب الأصوات الرمادية التي كانوا يحتاجونها للفوز في الانتخابات.
وتشير معظم الإحصاءات المنفذة خلال فترة الانتخابات إلى أن قاليباف استطاع جذب نسبة كبيرة من أصوات الناخبين الرماديين، في حين أن رئيسي كان مدعوما فقط بأصوات الأصوليين.
ومع أن جميع المحللين كانوا متفقين على أن انسحاب قاليباف من الانتخابات لصالح رئيسي لن يعني تجيير أصوات الرماديين له بسبب لكون الرماديين لا يصوتون على أساس التزام تنظيمي أو حزبي؛ فإن الأصوليين ارتكبوا خطأ إستراتيجياً فادحاً بسحب قاليباف من المعركة الانتخابية.
وبذلك وضعوا الرماديين في ظروف انتخاب تجعلهم يختارون بين رئيس جمهورية لديه أجندة اقتصادية ضعيفة يأملون أن يستطيع تغييرها خلال الدورة المقبلة، ورئيس جمهورية ليست لديه أي تجربة تنفيذية، ولا يستطيع إقناعهم بأن لديه برنامجا لحل المشاكل الاقتصادية.
نقاط ضعف الأصوليين
ومن جهة أخرى؛ فإن الظروف الدولية وتسارع وتيرة التحالفات ضد إيران -وخاصة ائتلاف السعودية والدول العربية مع الولايات المتحدة، الذي توج بزيارة الرئيس الأميركي للرياض- كانت تثير مخاوف متعددة.
ذلك أن وصول رئيس جمهورية قليل الخبرة في المجالات السياسية، وحامل لخطاب متشدد بالنسبة للتعامل مع الدول الأخرى؛ يمكن أن يسبب حربا. في حين أن الخطاب المعتدل أثبت أنه استطاع إخراج إيران من العزلة الدولية، التي كانت تواجهها عندما تسلم روحاني الحكم، ويمكن أن يؤدي إلى حل الخلافات.
أضف إلى ذلك أن روحاني ضرب الأصوليين في نقطة ضعفهم الكبرى، ألا وهي “الحريات الاجتماعية” التي كان من شأنها تحريك الناخبين الذين يسمونهم “النائمين” للتوجه إلى صناديق الاقتراع، واستطاع تغيير محور الجدل من “الاقتصاد” إلى “الحريات الاجتماعية”، فاضطر الأصوليون إلى مجاراته في اللحظة الأخيرة بدون أي برنامج.
فروحاني كان يعلم أن تحريك الناخبين النائمين يحتاج إلى أمرين: الأول تخويفهم من أن انتخاب شخص آخر يمكن أن يؤدي إلى إزعاج نومهم وراحة بالهم وحرياتهم الاجتماعية، والثاني تخويفهم من أن خطاب وتصرفات منافسه في الظروف الحالية يمكن أن تؤدي إلى حرب تقض مضاجعهم.
وفي نفس الوقت؛ استطاع روحاني الائتلاف مع مجموعات مختلفة متنوعة الاتجاهات، من صقور الإصلاحيين إلى الإصلاحيين والأصوليين المعتدلين الذين كانوا يدعمونه سابقا، وحصر صقور الأصوليين الذين كانوا ينافسونه في ظروف أصبحوا فيها وحيدين في الساحة.
ومحاولة خصومه تغيير صورتهم في المجتمع بترتيب لقاء مرشحهم رئيسي مع الفنانين والموسيقيين، وتنظيمهم حفلات موسيقية في مدن كان الأصوليون الداعمون لرئيسي قد منعوا فيها إقامة الحفلات الموسيقية، لم تُقنع قسما كبيرا من الشباب الذين كانوا مهتمين بأمور تتعلق بـ”الحريات الاجتماعية” أكثر من “المشاكل الاقتصادية” في التصويت.
ومن هنا فإن رئيسي لم يجذب أكثر من حوالي 30% من الأصوات الرمادية، في حين أن روحاني استقطب 70% من هذه الأصوات، إضافة إلى قسم كبير من الأصوات النائمة التي استفاقت يوم الانتخابات وصوتت له. ويمكن تلخيص سبب خسارة الأصوليين الإيرانيين للانتخابات في النقاط التالية:
1- مواصلتهم الدخول في الانتخابات بمرشحين لا يحظون بالكاريزما اللازمة لجذب الجمهور.
2- انقطاع أداة الوصل بين الأجيال الأولى للأصوليين وقسم كبير من المجتمع الإيراني، خاصة الأجيال الشابة التي ولدت بعد نجاح الثورة الإيرانية، وتهتم بما تعتبره “حرياتها الاجتماعية” وبأمورها اليومية أكثر من أي شيء آخر.
3- عدم التجديد في فكر الشخصيات الأصولية أو فتح الطريق أمام الأجيال الشابة، وافتقارهم إلى زعيم يتوحد الأصوليين وراءه.
الإصلاحيون.. نجاح وتحديات
أما بالنسبة للإصلاحيين فيمكن القول إنهم:
1- لم يكن لديهم مرشح في الانتخابات فكانوا مضطرين لدعم الرئيس روحاني خوفا من عودة الأصوليين إلى السلطة.
2- العلاقات بين الأجيال الأولى للإصلاحيين وشباب الإصلاحيين مقطوعة عموما مثل الأصوليين، ولكن الظروف السياسية التي أدت إلى تراجع ظهور الشخصيات الإصلاحية في الساحة فتحت المجال أمام الأجيال الإصلاحية الشابة لكي تظهر، وتأتي بأفكار جديدة ترضي الجماهير وتتخذ اسم الإصلاحيين غطاءً لها للعمل السياسي، وتقدم شخصيات مثل محمد خاتمي رمزاً لها.
3- المجتمع الإيراني -مثل باقي المجتمعات في العالم- يميل إلى التجدد والتغيير، وشعارات الإصلاحيين عموما تعطيه الأمل الذي يريده.
4- معظم الإيرانيين الذين يعملون في المجالات الإعلامية والثقافية والفنية والرياضية داخل البلاد وخارجها يميلون إلى التوجه الإصلاحي لشباب الإصلاحيين. ولذا فإنهم يمكنهم التأثير على المجتمع الشاب في البلاد وتوجهاته أكثر من الأصوليين، خاصة مع وجود شبكات التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية الناطقة باللغة الفارسية.
يمكن القول إن فوز روحاني لم يكن سهلا، لكنه استطاع توجيه الضربة للطرف المقابل في نقطة ضعفه وفي اللحظة المناسبة لربح المنافسة، ولكن هذه المنافسة لم تكن نهاية المنافسين لروحاني.
لقد اضطر روحاني إلى إعطاء وعود كبيرة لجذب آراء الناخبين، منها “حل المشاكل الاقتصادية للبلاد”، و”إعطاء حريات اجتماعية كبرى”، و”رفع جميع العقوبات غير النووية عن إيران”، وقسم كبير منها أكبر من المنصب الذي وصل إليه.
وإضافة إلى ذلك، كسب روحاني الانتخابات بدعم كبير من الإصلاحيين الذين استطاعوا أيضا -في هذه الانتخابات- الوصول إلى مجالس البلديات في مدن كبرى بينها طهران.
وعليه فإنهم رجعوا إلى الساحة بقوة، وسيطالبونه بتنفيذ وعوده لهم هذه المرة، وإعطائهم حصة كبرى من الكعكة السياسية، وسيشكل هذا تحديا للرئيس روحاني لأن الأصوليين يسيطرون اليوم على معظم المرافق الاقتصادية والأمنية والعسكرية والسيادية، ومراكز صنع القرار في البلاد.
ومن جهة أخرى؛ فإن قسما آخر من هذه الوعود -مثل “رفع جميع العقوبات غير النووية”- لن يمكن تحقيقه ما لم تحل إيران مشاكلها مع واشنطن، وتتفق معها في أمور مختلفة.
وفي ظل الظروف الدولية الحالية وتنامي أواصر العلاقات الإستراتيجية بين أميركا والسعودية، فإنه يستحيل الوصول إلى هذا الهدف دون حل مشاكل إيران مع السعودية على الأقل، ولا يمكن استثناء إسرائيل التي يعلم الجميع أنها المحرض لمعظم هذه العقوبات.
ومعظم هذه المشاكل تعتبرها طهران قضايا سيادية ووجودية بالنسبة لها، وبالتالي تستحيل المفاوضة عليها. ولذلك من غير المعلوم كيف سينجح الرئيس روحاني في تحقيق وعده بـ”رفع جميع العقوبات غير النووية”.
من الأرجح أن يحاول روحاني دخول مفاوضات مع الآخرين كي يقنعهم بالوصول إلى حل وسط يرضي الطرفين. ولكن السؤال هنا يكمن فيما إن كان الطرف المقابل مستعدا للدخول في مفاوضات كهذه؟.
المصدر : الجيرزة.نت