خبراء عرب: تحالفات الأسد تجنبه عقوبة استخدام الكيماوي (تقرير)
اسطنبول (معراج) – في أغسطس/آب 2012 تحدث الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما لأول مرة عن أن استخدام النظام السوري للأسلحة الكيمياوية يمثل “خطا أحمرا” واضحا للولايات المتحدة.
واستُخدم غاز “السارين” لأول مرة في مارس/ آذار 2013 بشكل “محدود جدا” منطقة موالية للنظام في خان العسل بمحافظة حلب، دون الكشف عن الجهة التي نفذت الهجوم.
لكن قوات النظام استخدمت، وفقا لأدلة موثقة، غاز “السارين” على نطاق واسع في قصف جوي استهدف مناطق في الغوطة الشرقية، بريف دمشق، في 21 أغسطس/ آب 2013، أوقع مئات القتلى وآلاف الإصابات في صفوف المدنيين، تحدثت تقديرات لمنظمات غير حكومية عن نحو 1500 قتيل و 5000 مصاب.
آثار الهجوم الكيمياوي على الغوطة ردود أفعال عالمية على مستوى الدول الكبرى والمنظمات الدولية، دفع منظمة حظر السلاح الكيمياوي بدعم من الأمم المتحدة وبتوجيهات منها معززة بتأييد أمريكي روسي إلى تدمير مخازن الأسلحة الكيمياوية للنظام السوري الذي وافق على ذلك في أكتوبر/ تشرين الأول 2013، ووقع على اتفاقية حظر الأسلحة الكيمياوية التي تحظر إنتاج وتخزين واستخدام تلك الأسلحة.
وواصلت قوات النظام استخدام غاز “السارين” في بلدة سراقب بريف إدلب في 29 ابريل/ نيسان 2013، وهي الموقع الخامس الذي اعتبرته الأمم المتحدة تعرض فعلا لهجمات بغاز “السارين” إلى جانب أربعة مواقع أخرى، خان العسل والغوطة الشرقية وجوبر وأشرفية بلدة صحنايا، للفترة بين مارس/ آذار وأغسطس/ آب 2013.
وأكد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في أكتوبر/ تشرين الأول 2014 استخدام قوات النظام غاز “الكلورين السام” في كفر زيتا بريف حماة بهجمات شنتها مروحيات تابعة للجيش السوري ألقت براميل متفجرة تحتوي على “الكلورين السام”.
وأدى هجوم قوات النظام بغاز “السارين” على بلدة خان شيخون إلى اتخاذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرارا بتوجيه ضربة صاروخية بعد ثلاثة أيام من الهجوم، استهدفت قاعدة “الشعيرات” الجوية؛ وبحسب مسؤول في البيت الأبيض فإن “59 صاروخا موجها من طراز توماهوك” أطلقت ليلة الجمعة، السابع من أبريل/ نيسان 2017، استهدفت مطار الشعيرات العسكري قرب حمص لارتباطه ببرنامج الأسلحة الكيمياوية السوري.
ترفض الحكومية السورية أي اتهامات موجهة لها باستخدام أسلحة كيميائية، كما رفضت “شكلا ومضمونا” تقريرا أمميا حملها مسؤولية الهجوم على بلدة خان شيخون في الرابع من أبريل/ نيسان 2017؛ وترى أن التقرير “جاء تنفيذا لتعليمات الإدارة الأمريكية والدول الغربية لممارسة مزيد من الضغوط السياسية والتهديدات العدوانية لسيادة سوريا”.
وتجددت “الاتهامات” لقوات النظام السوري من أطراف محلية ودولية حملتها مسؤولية الهجوم الأخير الذي استهدف مدينة دوما في الغوطة الشرقية بريف دمشق، 7 أبريل/ نيسان، أدى إلى مقتل العشرات وإصابة المئات وفقا لتقارير.
ودانت الولايات المتحدة الهجوم على الغوطة الشرقية بالأسلحة الكيمياوية محملة روسيا المسؤولية، في ما نفت الحكومة السورية مسؤوليتها عن الهجوم.
وتنفي الحكومة السورية بشكل مستمر أي استخدام للأسلحة الكيميائية، وتؤكد أنها فككت ترسانتها في العام 2013 باتفاق روسي أمريكي عقب هجوم بغاز السارين على الغوطة الشرقية؛ لكن ما جرى في الغوطة، وفقا للكاتب والإعلامي السوري أحمد الهواس، و”على الرغم من نفي النظام السوري، وتخاذل المجتمع الدولي، فهو ليس استثناءً، بل استمرار لدوامة القتل والتدمير بشتى أنواع الأسلحة التقليدية أو المحرمة دوليا”.
ويعتقد “الهواس”، أن “كل هذه الجرائم تتم برعاية ضمنية من الإدارة الأمريكية حتى وإنْ كان المنفذ بشار الأسد وحلفه الطائفي المدعوم من روسيا”؛ ذلك لأن “الولايات المتحدة هي التي أباحت لبشار الأسد قتل السوريين منذ أن قال باراك أوباما، أن استخدام السلاح الكيميائي (فقط) خط أحمر، وهذا ما فهمه بشار الأسد ونظامه أن أسلحة القتل الأخرى مباحة”.
وتحدث “الهواس” عن أن “تدمير ترسانة النظام من الأسلحة الكيميائية باتفاق روسي أمريكي وبمشاركة الأمم المتحدة ومنظمة حظر السلاح الكيميائي لا تعني شيئا طالما أن صناعة مثل هذه الأسلحة ليست بالأمر الصعب”.
وأضاف، أن اللجنة “دمرت ترسانته فعلا لكنها تركت المجرم، وهي تعلم أن الوسائط القادرة على حمل الأسلحة الكيميائية لا يمتلكها إلا النظام، وهو ما يعطي اللجنة ما يكفي لإثبات إدانة النظام واتخاذ إجراءات ضده”.
وحول ما جرى خلال هذه الأيام في الغوطة الشرقية، وصف “الهواس” ذلك بـ “الجريمة التي ستمر كما مرت غيرها من جرائم النظام”، ورأى أن الهدف الحقيقي للنظام هو “إفراغ الغوطة من سكانها مهما كان الثمن، لأن مسلسل التهجير والتغيير الديموغرافي قائم ترعاه دول ومنظمات، منها الأمم المتحدة”، حسب قوله.
ولا يرى الكاتب والإعلامي السوري أحمد الهواس، ما يميز القتل بالأسلحة الكيميائية عن القتل بالأسلحة الأخرى طالما “أن القتل هو القتل، والجرائم ضد الإنسانية سواء أكانت بالسلاح الأبيض أو بالرصاص أو بالسلاح الكيميائي هي جرائم ضد الإنسانية يتوجب عقاب المسؤولين عنها”، وهو ما لم يحصل حتى الآن مع النظام السوري بسبب “الموقف الروسي الداعم للنظام بكافة أشكال الدعم، ومنها منع تمرير أي قرار يدين النظام أو يحاول اتخاذ إجراءات رادعة ضده في المنظمة الدولية”.
وفي ذات السياق، عزا عمر عبد الستار محمود مستشار مركز العراق الجديد للبحوث والدراسات، في حديثه لـ “الأناضول”، أسباب “تخاذل المجتمع الدولي عن اتخاذ إجراءات رادعة ضد النظام السوري، إلى التعقيد في شبكة التحالفات التي تشكلت في الصراع السوري بين النظام وروسيا وإيران ضد الشعب السوري من جهة، وضد الإرادة الدولية من جهة أخرى”.
وتتخوف الدول الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، من “اصطدام الإرادة الدولية التي ترغب بمعاقبة النظام بأحد أطراف شبكة تحالفات النظام، وهو ما يستوجب بالضرورة الاصطدام بالأطراف الأخرى (إيران وروسيا) التي قد تُخرج الأمن الإقليمي عن السيطرة”، وفقا لـ “محمود”.
وفي ضوء ذلك، فإن “تفكيك تحالفات النظام”، كما يرى “محمود”، “بات يفرض نفسه واقعيا على المجتمع الدولي قبل سعي الأخير لنزع سلاح النظام الكيميائي”.
ورجح عمر عبد الستار محمود مستشار مركز العراق الجديد للبحوث والدراسات، أن تكون مسالة “بقاء بشار الأسد لإشعار آخر باتت أولوية دولية في طريق نزع سلاحه الكيميائي الذي قد يحتاج إلى بعض الوقت لإتمام صفقة دولية بين ترامب وبوتين تشترط فك ارتباط النظام مع إيران، وهذا يستوجب ضغط دولي دبلوماسي واقتصادي على إيران وروسيا”.
ومن شأن فك ارتباط النظام بإيران، كما قال “محمود” أن “يعيد إيران تحت البند السابع بعد الخروج الأمريكي المحتمل من الاتفاق النووي الذي قد يؤدي إلى حراك داخلي يدفع إيران لفك ارتباطها بالنظام السوري تمهيدا لنزع أسلحته الكيميائية ومن ثم انجاز حل سياسي في سوريا”.
وفي مرات متعددة، عرقلت روسيا اتخاذ أي إجراءات أو قرارات تدين قوات النظام لاستخدامه الغازات السامة في هجمات تشنها قواته على المدن السورية مستغلة تفويضها في مجلس الأمن باستخدام حق النقض، لكن الأمم المتحدة اكتفت ببيان أصدرته أوائل أبريل/ نيسان 2015 حمل الرقم 2209 أدان استخدام قوات النظام غاز “الكلورين السام”، وهددت باللجوء إلى البند السابع إذا استمرت الهجمات بالأسلحة الكيمياوية.
لكن، المجتمع الدولي عموما لا يمتلك الإرادة لاتخاذ إجراءات عقابية رادعة ضد النظام السوري لأن ذلك يعني “البدء بتطبيق قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، والتي ستصيب الدول الغربية نفسها التي ترتكب جرائم حرب، آخرها ما جرى قبل أيام في قصف لاحتفالية للأطفال في أفغانستان راح ضحيته المئات”، وفق ما قاله عمر شحرور رئيس حزب العدالة والتنمية السوري لـ “الأناضول”.
ورأى “شحرور” أن ثمة أسباب لامتناع الغرب والولايات المتحدة عن استخدام إجراءات رادعة “بما فيها القوة العسكرية ضد النظام السوري، منها مقتضيات حماية أمن إسرائيل التي تتطلب عدم ترحيل النظام الذي خدم سياساتها في المنطقة طيلة 50 عاما”.
ومن جانب آخر، شدد على أن الموقف الروسي واستخدام حق النقض في مجلس الأمن لمنع تمرير أي مشروع قرار ضد النظام حال دون معاقبته مع تكرار استخدامه الأسلحة الكيميائية.
وقال إن “الدعم الروسي اللامحدود ظهر جليا في منع انهيار النظام بالتدخل العسكري المباشر منذ عام 2015، وإعادة تسويقه في المحافل الدولية من جديد”.
وخلص عمر شحرور رئيس حزب العدالة والتنمية السوري إلى القول بأن “ردع الحكم الأسدي سيفتح آفاقا جديدة في الدفاع عن حقوق الشعوب لنيل حريتها، وهذا ما سيضع الأنظمة الاستبدادية وإسرائيل تحديدا، أمام مسؤولياتهم تجاه المجتمع الدولي، وهذا ما لا يريده الغرب والولايات المتحدة”.
المصدر : الأناضول