خطبةٌ بعنوان: قبسٌ من حقوق النبي ﷺ
الجمعة 9 جمادى الثانية 1437// 18 مارس/آذار 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره …….
أما بعد أيها الناس:
فإن من الأخلاق الكريمة، التي لا تصدر إلا عن أهل الفطر المستقيمة، والقلوب النقية السليمة، ذلك الخُلُق الكريم المتمثل في الاعتراف بالجميل ومكافأة مسديه.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالمكافئة على المعروف فقال: (ومن صنع إليك معروفاً فكافئوه فإن لم تستطيعوا فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه).
ألا وإن أعظم الناس عليكم معروفاً يا عباد الله، هو صاحب المعروف عليكم آبائكم وأمهاتكم، وإخوانكم وأخواتكم، بل وعلى جميع المسلمين والمسلمات.
إنه محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلـم الذي تفضَّل الله عليه بالرسالة فجعل له فضلاً في هداية المسلمين إلى هذا الدين القويم.
نعم .. إنه النبي الكريم الذي صبر وصابر واجتهد وجاهد ليقول للناس (لا إله إلا الله) فيفوزوا بعز الدنيا ونعيم الآخرة.
فمنزلته بين الناس أعلى المنازل، وحقه عليهم أعظم الحقوق صلوات ربي وسلامه وبركاته عليه.
فمن حقوقه أيها المسلمون بل هو أول حقوقه على الناس وأولاها: الإيمان به صلى الله عليه وسلـم وأنه رسول الله حقاً ونبيه صدقاً وأن الدين الذي يقبله الله هو الدين الذي بعثه الله به، وأن من كفر به من النصارى واليهود وغيرهم من أهل المِلل والأديان فهو كافرٌ بالله العظيم، وهو من أهل النار بمشيئة الله وعدله، كما قال تبارك وتعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (والذي نفسي بيده لا يسمع بي يهوديولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا كان من أهل النار) رواه مسلم.
فإذا آمن المسلم بالنبي صلى الله عليه وسلـم وجب عليه أن يطيعه، وطاعة النبي من طاعة الله، كما قال عزوجل (من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً).
وقد رتَّب الله عز وجل على طاعة النبي صلى الله عليه وسلـم أجزل الثواب، فقال عزوجل: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم).
فانظر يا عبدالله إلى هذا الثواب الجزيل الذي يشتمل على خيري الدنيا والآخرة، فمن أكرم منك إذا أحبك الله وغفر لك ذنبك لأنك اتبعت نبيه صلى الله عليه وسلـم.
وكلما زاد الانسان في الاتباع، زاد فضله، وتعاظم أجره، وتحقق له موعود ربه، والله لا يخلف الميعاد.
فاحرض يا أخي في الله على تعلم السنن النبوية، وعلى تطبيقها قدر استطاعتك، فإن أمرها عند الله عظيم.
ومن حقوق النبي صلى الله عليه وسلم: المحبة
نعم .. حب النبي صلى الله عليه وسلـم من أعظم الأمور وأهم المهمات، وهي واجبة على المسلم لا خيار له فيها.
قال تعالى : {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}
قال القاضي عياض تعليقاً على هذه الآية : فكفى بهذا تخويفاً وتنبيهاً ودلالة وحجة على إلزام محبته ووجوبها وفرضها وعظم استحقاقه لها، إذ قرَّع الله من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله، وأوعدهم بقوله (فتربصوا حتى يأتي الله بأمره) ثم فسّقهم بتمام الآية وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده الله فقال (وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ).
وبقدر أهمية هذا الأمر كان ثوابه، فقد عظّم الله ثواب من أحب محمداً صلى الله عليه وسلم بل جعل له أعظم مزية وأغلى غاية.
استمع إلى هذا الحديث الصحيح عن ثواب محبة النبي صلى الله عليه وسـلم.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: متى الساعة؟ قال النبي صلى الله عليه وسلـم: (وماذا أعددتَ للساعة ؟) فقال الرجل: ما أعددتُ لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة ولكني أحب الله ورسوله.
فأتى الجواب الكريم، بالأجر العظيم، والبشرى الطيبة التي أفرحت الصحابة أشد الفرح ..
أتدرون ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم؟
قال للرجل: (أنت مع من أحببت)
أي أن محب النبي صلى الله عليه وسلـم يكون معه في الجنة، وهذه أكمل المنى وأعظم الغايات.
وعلى هذا النهج كانت حال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، بل وسائر الصحابة رضوان الله عليهم .
كان يحبون النبي صلى الله عليه وسلم أشد الحب كما يحدّث علي بن أبي طالب رضي الله عنه نفسه وعن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول عندما سُئل كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
قال: كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ.
ولما حضر بلالاً الموت قالت زوجه واحزناه .. فقال بلال: بل واطرباه .. غداً ألقى الأحبة ، محمداً وحزبه .
وهذا زيد بن الدثنة أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه مشركو مكة ليقتلوه، قال له كبيرهم: يا زيد أنشدك الله .. هل تحب أن محمداً الآن في مكانك تُضرب عنقه وأنك في أهلك؟
فقال زيد: لا والله ما أحب أن محمد صلى الله عليه وسلم تصيبه شوكه في مكانه وأنا جالس في أهلي.
هكذا فليكن الحب وهكذا فلتكن التضحية نصرة للدين ودفاعاً عن خير المرسلين وغضباً لله رب العالمين.
ويجب أن يمتزج حب النبي صلى الله عليه وسلم بتعظيمَه وتوقيرَه صلى الله عليه وسلم.
قال الله عز وجل: ]إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً * لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا[.
قال إسحاق التجيبي: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بعده لا يذكرونه إلا خشعوا واقشعرت جلودهم وبكوا.
وكذلك كان التابعون لهم بإحسان.
قال الإمام مالك رحمه الله وهو يتحدث عن شيخه أيوب السختياني قال: حججت معه حجتين فكان إذا ذُكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم بكى حتى أرحمه ، قال : فلما رأيتُ ما رأيت من إجلاله للنبي كتبت عنه الحديث، يعني أنه تتلمذ عليه .
وقال مالك رحمه الله أيضاً: ولقد كنت أرى محمد بن المنكدر -وكان سيد القراء- لا نسأله عن حديث أبداً إلا يبكي حتى نرحمه .
قال: ولقد كنت أرى جعفر بن محمد وكان كثير الدعابة والتبسم فإذا ذُكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم أصفر وجهه.
قال: ولقد كان عبدالرحمن بن القاسم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم فيُنظَر إلى لونه كأنه نزف منه الدم وقد جف لسانه في فمه هيبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال: ولقد كنت آتي عامر بن عبدالله بن الزبير فإذا ذُكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم بكى حتى لا يبقى في عينيه دموع.
قال: ولقد رأيت الزهري -وكان من أهنأ الناس وأقربهم- فإذا ذُكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم فكأنه ما عرفك ولا عرفته.
وكان مالك رحمه الله وهو الذي يحدثنا عن تلك الأحوال، كان من أشد الناس تعظيماً للنبي صلى الله عليه وسلم ولحديثه حتى إنه لم يكن يحدّث بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلـم إلا على طهارة، وكان ربما ذكُر عنده الحديث فيتغير لونه خشوعاً وإجلالاً، بل لقد لدغته عقرب وهو يحدّث فما قطع التحديث مع أنه كان يمتقع لونه من شدة الألم، وماذاك إلا من إجلاله لحديث النبي صلى الله عليه وسلم.
هكذا فليكن توقير خير البشر وتعزيره، ولعمر الله إنه لحقيق بكل توقير وكل تقدير وكل تعزير، عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام.
فسبحان الله، هو أعلم حيث يجعل رسالته، وله الحمد أن جعلنا من أمته وأتباع ملته {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} ..
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم…..
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين …..
أما بعد فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة
ثم إني أوصيكم بالصلاة والتسليم، على المصطفى الكريم، نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، فإنها وصية الله تعالى لكم، وقد وعدكم إن أتيتم بها بالأجر العظيم والفضل العميم.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبراهيم وعلى آل إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ،
وبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبراهيم وعلى آل إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين ….
محمد بن سليمان المهنا
@almohannam
جامع الملك خالد بأم الحمام بالرياض
– صيد الفوائد –