د. نوفل يكتب: مؤامرة ضخمة على الإسلام

الإثنين 3 صفر 1437//16 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
د.أحمد نوفل
1- هل هناك مؤامرة؟
الاستخفاف من المؤامرة والهزء من نظرية المؤامرة جزء من المؤامرة. حتى صار كل من يتكلم عن المؤامرة على الأمة ودينها وحاضرها ومستقبلها مثاراً للسخرية والهزء والاستخفاف والتندر.. ويعد نموذجاً للتخلف وعدم الواقعية. ونقول في الرد على هذا المنطق بمنتهى البساطة أليست الحياة صراعاً وينتظمها قانون التدافع: “ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض”؟
أوليس الصراع نوعاً من الحرب الساخنة أو الباردة؟ أوليس الخداع أخطر وسائل الحرب وأدواتها و”الحرب خدعة”؟ ففيم الاستغراب والاستهجان والاستخفاف؟ وكيف ضاعت منا فلسطين إن لم يكن بالمؤامرة؟ وكيف حصل اليهود على وعد بلفور إن لم يكن بالمؤامرة؟ وكيف كان المندوب السامي الأول على فلسطين يهودياً صهيونياً متعصباً متحمساً لمشروع الدولة إن لم يكن بالمؤامرة؟ وكيف هيؤوا الأجواء العربية بالإضعاف والتبعية لتمر المؤامرة أليس بالمؤامرة؟ هذا نموذج واحد لقطع الجدل في مسألة المؤامرة؟

2- لماذا الإسلام هو المستهدف بالمؤامرة؟
إن سلمنا أن هناك مؤامرة فلماذا الاعتقاد بأن الإسلام هو المستهدف؟ وأظن أن الجواب سهل. فالباطل هين شأنه. ففيم التآمر على عبادة البقرة؟ أو عبادة بوذا؟ ولكن التآمر يكون على الحق لأنه يشكل خطراً على الباطل، وقد بين لله لنا في قرآنه المحكم أنها مؤامرة لإطفاء نور الحق إذ قال سبحانه: “يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم” “يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم” “ويصدون عن سبيل الله من آمن ويبغونها عوجاً” هذه هي المسألة ببساطة. إن هذا الإسلام بما فيه من قوة كامنة وطاقة دافعة محركة قادر أن يمد أمته بدافعية هائلة ويوحدها ويجعلها فعالة مؤثرة. بل هو المبدأ الوحيد القادر على أن يقود البشرية والحضارية والمؤهل أن يرسي السلام العالمي القائم على العدل، الذي تنشده الإنسانية وتراه حلماً عصياً على المنال وعلى التحقق في الواقع. وهو القادر على إحداث التغيير المنشود في العالم الإسلامي المنكوب بواقعه المنهوب والمستلب الإرادة..
وما أصدق فينا كلمة الفاروق لأمين الأمة رضي الله عنهم أجمعين: “يا أبا عبيدة نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله”.

اقرأ أيضا  ما الجديد في العلاقات الإيرانية الأمريكية ؟

3- جذور المؤامرة.
ليست المؤامرة وليدة اليوم أو أمس. إنها قديمة قدم الإسلام ذاته. فمنذ اليوم الأول لبدء الوحي أحس أعداء الله بخطورة هذا الدين وعقيدته المحررة. وما أجمل كلمة ربعي في تصوير هذا المعنى: “الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة”.
فبدؤوا يضعون العراقيل في وجهه. وظهر المنافقون وهم أخطر نابتة نبتت في تربة هذه الأمة. وحلفهم مع اليهود حلف وجودي قديم. ولما كان القرآن محفوظاً لا تقدر يد أن تمتد إليه فقد جرى التلاعب بتفسير الآيات أو بعض أسباب النزول لتشويه معنى النص، وجرى دس الإسرائيليات في التراث، وعجيب أن يدافع عنها علماء وينظروا لديمومتها بدعوى موافقتها للقرآن ولو احتمالاً وهو غير وارد.. ثم جرى وضع الأحاديث ومنها أحاديث منسوخ التلاوة. والأمر يطول.
ثم كان التآمر على الخلفاء فقتل الثلاثة بعد الصديق وفتح باب الفتن. وأخطر عدو تآمر علينا هم اليهود بالطبع وصدق الله: “لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود”.

اقرأ أيضا  انطلاق المسابقة العالمية للقرآن الكريم في القاهرة بمشاركة 70 دولة

4- نظرة على الواقع.
نترك التنظير والتأريخ لنقفز قروناً إلى الواقع. وما الغابر إلا جذور الحاضر، وما الحاضر إلا جذور المستقبل وماضي المستقبل.. فقد جرى أولاً استعمار كل العالم الإسلامي، وأوهمونا وأفهمونا أن المؤامرة لنهب الثروات واستلاب الخيرات وامتلاك الموقع الاستراتيجي للعالم العربي والإسلامي. وكل هذا فروع وقشور، وإنما اللباب والأصول تغيير ثقافة العالم الإسلامي وأوضاعه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والقانونية وتنصيب وكلاء أشد حماساً للتغريب من الأصلاء .. وكان ما كان.
حتى صار إعادة العالم الإسلامي إلى حمى الإسلام أمراً مستهجناً بالغ الغرابة، حتى ليقال: “لا للأسلمة” وكأن الأصل الأمركة والتغريب، والفرنسة والطلينة وما إليه من دول الاستعمار وقد يقال غداً الأسرلة! كله إذاً إلا الأسلمة!
الاستعمار لم يكن يلعب في احتلال بلادنا. كان يبني الكوادر والقيادات والنظريات والفلسفة والفكر ومنهج التفكير، ويرسخ منظومته الأخلاقية والقيمية ونظرته للحياة وللأحداث، فإذا خرج ترك وراءه جيشاً ثقافياً وكان دوره إدامة الاحتلال وكأن لم يخرج جند الأعداء ولا قواته رحلت!

5- كيف ترك الاستعمار العالم العربي؟
في علم الأمراض يسأل الأطباء مرضاهم عن ما يسمى “تاريخ المرض” هل في العائلة أحد مصاب بهذا المرض؟ فكثير من الأمراض يفيد في تشخيصها وتشخيص علاجها معرفة تاريخ المرض. ولا شك أن مرض الاستعمار الذي أصاب الأمة، ناشئ عن مرض آخر هو التخلف، وما خرج من بلادنا الاستعمار إلا وقد ترك وراءه عدة علل وعدة أمراض سوى التي جاء وهي موجودة. ومما تركه فينا من علل: “الدولة القُطرية” والتفتت السياسي، ولا نتكلم عن الجيوب القابلة للانفجار مثل جيب جنوب السودان، ومثل جيب الصينيين والهنود في ماليزيا فهم نصف السكان بما غيرت بريطانيا من ديموغرافية سكان البلاد، ولتكون هذه الإثنيات بؤراً قابلة للاشتعال أو الانفجار.
ومثلما فصلت “بروناي” عن ماليزيا، وتيمور الشرقية عن أندونيسيا. والشرح في هذا يطول.. فقد تركت خرائط معقدة فيها تداخلات وإشكالات ليس لها آخر. هذه الدولة القطرية علة العلل أو علة من العلل. فقد صدقت كل دولة أنها ذات سيادة وشعرت إما بالعداء لباقي محيطها أو الانعزال عنه والانفصال. فترسخت مع الوقت الدولة القطرية ولم نر محاولات حقيقية للتوحيد بل رأينا جهوداً حثيثة للتفتيت والتمزيق.
والحديث في هذه المؤامرة موصول.

اقرأ أيضا  السبيل إلى صلاح الأمة ونجاتها وجمع كلمتها
Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.