شكر النعم
الخميس 07 جمادى الأولى1436//26 فبراير/شباط 2015وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
إن ربَّكم – جل وعلا – يُذكِّرُكم بنعمِه العامَّة والخاصَّة لتشكُرُوه؛ قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) [فاطر: 3]، وقال تعالى: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) [المائدة: 7]، وقال – عز وجل -: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) [لقمان: 20].
وأخبَرَنا – تبارك وتعالى – أن النِّعمَ كلَّها منه، لنقومَ بحقِّه – تبارك وتعالى – في العبادةِ والشُّكر، ونرغَبَ إليه في الزيادة؛ قال – تبارك وتعالى -: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) [النحل: 53]، وقال – عز وجل -: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) [النساء: 79].
فالحسناتُ تُصيبُ الإنسان تفضُّلٌ من الله ورحمةٌ من جميع الوُجوه، والسيِّئات بسببٍ من الإنسان، والله كتبَهَا وقدَّرَها، ولا يظلِمُ الربُّ – عز وجل – أحدًا مِثقالَ ذرَّة، وقال تعالى: (وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) [البقرة: 251].
والناسُ يعلَمون كثيرًا من النِّعَم، ويجهَلون أكثرَ النِّعَم. فكم من نعمةٍ ساقَها الله إليك – أيها الإنسان -، ومتَّعَك بها .. وأنت لا تشعُرُ بها! وكم من شرٍّ ومُصيبةٍ دفَعَها الله عنك .. وأنت لا تعلمُها! قال الله تعالى في حفظِ الإنسان: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) [الرعد: 11]، وقال تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الجاثية: 13].
والكثيرُ من أعضاء البدَن تقومُ بعملِها لنفع البدَن وحياتِه بغير إرادةٍ من الإنسان؛ قال الله تعالى: (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) [الذاريات: 21]، وقال – عز وجل -: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم: 34]. ومن لا يقدِرُ أن يُحصِيَ النِّعَم فهو يجهلُ أكثرَها.
ومنَّ الله تعالى بالنِّعَم لتُسخَّرَ في طاعة الله وعبادتِه، وعمارةِ الأرض وإصلاحِها؛ قال الله تعالى: (كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) [النحل: 81]، وقال – عز وجل -: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل: 78].
فشُكرُ النِّعَم هو باجتماعِ أمورٍ بمحبَّة المُنعِمِ – جل وعلا – على نعمِه، والخُضوعِ لله لما أنعَمَ عليك، مع تيقُّنِ القلبِ أن كل نعمةٍ تفضُّلٌ وإحسانٌ على العبدِ من جميعِ الوجوه، لا يستحِقُّها العبدُ على الله، والثناء على الربِّ باللسان بهذه النِّعَم،والقبولِ لها بتلقِّيها بالفاقَة والفقرِ إلى الله، وتعظيمِ النِّعمة، واستِعمالِ النِّعَم فيما يحبُّ الله – تبارك وتعالى -.
فمن استخدَمَ آلاءَ الله فيما يحبُّ الله ويرضَى، وجعلَها عونًا على إقامةِ الدين في نفسِه، وأدَّى بها الواجِبات المفروضَة عليه فيها بالإحسان إلى الخلقِ منها؛ فقد شكَرَها. ومن استخدَمَ نعمَ الله فيما يُبغِضُ الله، أو منَعَ الحقوقَ الواجِبةَ فيها؛ فقد كفَرَ النِّعمةَ.
وألا تُبطِرَه النِّعَم، ويُداخِلَه الغرور، ويُوسوِسَ له الشيطانُ بأنه أفضلُ من غيرِه بهذه النِّعَم، وأنه ما خُصَّ بها إلا لمزِيَّةٍ على من سِواه، وليعلَم أن الله يبتلِي بالخير والشرِّ؛ ليعلَمَ الشاكرين والصابِرين.
والإيمانُ نِصفُه شُكر، ونِصفُه صبر؛ قال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) [لقمان: 31].
وكتَبَت عائشةُ – رضي الله عنها – لمُعاوية – رضي الله عنه -: “إن أقلَّ ما يجِبُ للمُنعِم على من أنعَمَ عليه ألا يجعلَ ما أنعَمَ عليه سبيلاً إلى معصيتِه”.
وفوقَ مرتَبَة الشُّكر على النِّعَم: الشُّكرُ على المصائِب والشُّرور، والحمدُ لله على المكرُوهات التي تُصيبُ المُسلِم، والتي لا يقدِرُ على دفعِها. وأهلُ هذه المنزِلة أولُ من يُدعَى لدخولِ الجنة؛ لأنهم حمَّادُون على كل حال.
وقد أمَرَنا ربُّنا- عز وجل – بشُكرِه؛ قال تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) [البقرة: 152]، وقال تعالى: (وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [المائدة: 6]، وقال تعالى: (وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [النحل: 114].
وقال النبيُّ – صلى الله عليه وسلم -: «أحِبُّوا اللهَ لما يغدُوكم به من نِعَمِه»؛ رواه الترمذيُّ وصحَّحه من حديثِ ابن عبَّاسٍ – رضي الله عنهما -.
وأعظمُ الشُّكر: الإيمانُ بربِّ العالمين؛ فهو شُكرُ نعمةِ رسالةِ محمدٍ – صلى الله عليه وسلم – التي أرسلَه به رحمةً للناس، ويأتي بعدَها شُكرُ كل نعمةٍ بخُصوصِها إلى أصغَر نعمة، وليس في نعَمِ الله صغير.
وأعظمُ كُفرٍ للنِّعَم: الكُفرُ بالقرآن والسنَّة، ولا ينفَعُ شُكرٌ لأي نعمةٍ مع الكُفر بالإسلام؛ قال الله تعالى: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [المائدة: 5].
وقد وعَدَ الله الشاكرينَ بدوامِ النِّعَم وزيادتِها وبركاتِها؛ قال الله تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7].
والشاكِرون هم الفائِزون بخَيرَي الدنيا والآخرة؛ قال الله تعالى: (وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ )[آل عمران: 144]، وقال تعالى: (وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ )[آل عمران: 145].
والشاكِرون هم الناجُون من عقوباتِ الدنيا وشُرورِها، ومن كُرُبات الآخرة؛ قال الله تعالى عن قوم لُوطٍ – عليه السلام -: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ) [القمر: 34، 35].
والشكرُ مقامُ لأنبياء والمُرسَلين، وعبادِ الله المُؤمنين؛ قال الله تعالى عن نُوحٍ – عليه الصلاة والسلام -: (إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) [الإسراء: 3]، وقال تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [النحل: 120، 121]، وقال تعالى: (يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) [الأعراف: 144].
وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: كان النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – يقومُ من الليل حتى تتفطَّر قدَمَاه، فقالت: يا رسول الله! تقومُ من الليل حتى تتفطَّر قدَماك، وقد غفَرَ الله لك ما تقدَّم من ذنبِك وما تأخَّر؟! قال: «أفلا أكونُ عبدًا شَكورًا؟!»؛ رواه البخاري ومسلم.
والشاكِرون هم أهلُ نِعَم الله الذين يخُصُّهم بما لا يخُصُّ غيرَهم؛ قال الله تعالى: (وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) [الأنعام: 53].
والشاكِرون هم خاصَّةُ الله من خلقِه، لذلك كانُوا قليلاً؛ قال الله تعالى: (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ: 13].
أيها الشاكِر:
دُم على الشُّكر والاستِقامة .. فمن وفَى مع الله وفَى الله له؛ قال الله تعالى: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) [البقرة: 40].
ولا يستزِلَّك الشيطانُ – أيها الشاكِر – فتُقصِّرَ في الشُّكر، أو تُغيِّرضه إلى كُفرٍ بالنِّعمة، فتتغيَّر عليك الأحوال من حسنِها إلى سُوئِها وشرِّها وقُبحِها؛ قال الله تعالى: (سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [البقرة: 211].
أي: من لم يشكُر على النِّعَم عاقبَه الله – تبارك وتعالى – عقوبةَ نَكالٍ؛ فمن كان على دوامِ شُكرٍ زادَه الله، ومن تحوَّل من المعاصِي إلى ما يُرضِي الله، تحوَّل الله له مما يكرَه ويسوؤُه إلى ما يُحبُّ، ومن كان مُوافِقًا لله في القُرُبات ومُباعَدة المعاصِي؛ تولَّى الله أمورَه، ووفَّقَه بتوفيقِه، وأحسنَ عاقِبَتَه في الأمورِ كلِّها.
عن أنسٍ – رضي الله عنه -، عن النبي – صلى الله عليه وسلم -، عن جبريلَ، عن ربِّه – عز وجل – قال: «من أهانَ لي وليًّا فقد بارَزَني بالمُحارَبة، وما تردَّدتُ عن شيءٍ أنا فاعِلُه ما تردَّدتُ في قبضِ نفسِ عبدِي المؤمن، يكرَه الموتَ وأكرَه مساءَتَه، ولا بُدَّ له منه.
وإن من عبادِي المُؤمنين من يُريدُ بابًا من العبادةِ فأكُفُّه عنه لا يدخُلُه عُجبٌ، فيُفسِدُه ذلك، وما تقرَّبَ إليَّ عبدِي بمثلِ أداءِ ما افترضتُ عليه، ولا يزالُ عبدِي يتنفَّلُ إليَّ حتى أحِبَّه، ومن أحببتُه كنتُ له سمعًا وبصرًا ويدًا ومُؤيِّدًا، دعانِي فأجبتُه، وسألَني فأعطيتُه، ونصَحَ لي فنَصحتُ له.
وإن من عبادِي من لا يُصلِحُ إيمانَه إلا الغِنى، ولو أفقرتُه لأفسَدَه ذلك، وإن من عبادِي من لا يُصلِحُ إيمانَه إلا الفقر، وإن بسَطتُ له أفسَدَه ذلك، وإن من عبادِي من لا يُصلِحُ إيمانَه إلا السُّقم، ولو أصحَحتُه لأفسَدَه ذلك، وإن من عبادِي من لا يُصلِحُ إيمانَه إلا الصحة، ولو أسقَمتُه لأفسَدَه ذلك.
إني أُدبِّرُ عبادِي بعلمِي بما في قلوبِهم، إني عليمٌ خبير»؛ رواه الطبراني، ولبعضِ ألفاظِه شواهِدُ في “الصحيح”.
فكُن – يا عبد الله – مع الشاكِرين الذين يصُبُّ الله عليهم الخيرَ صبًّا، ويُعافِيهم من العقوبات والهلاك.
ذكرَ الإمامُ ابن القيِّم – رحمه الله – أثرًا إلهيًّا عن الله – عز وجل -: «أهلُ ذِكرِي أهلُ مُجالَسَتي، وأهلُ شُكرِي أهلُ زيادَتي، وأهلُ طاعَتي وأهلُ كرامَتي، وأهلُ معصِيَتي لا أُقنِّطُهم من رحمَتي، إن تابُوا فأنا حبيبُهم، وإن لم يتوبُوا فأنا طبيبُهم، أبتلِيهم بالمصائِب لأُطهِّرَهم من المعايِب».
وقد أمرَك الله أن تكون مع هؤلاء الفائِزين؛ قال الله تعالى: (بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) [الزمر: 66].
وقد ذكَرَ الله تعالى نِعَمًا بخُصوصِها في كتابِه، وفي سُنَّة رسولِه – صلى الله عليه وسلم -؛ لنفعِها وبركتِها على الأمةِ إلى يوم القيامة.
ومن وصايا نبيِّنا – صلى الله عليه وسلم – النافِعة، أن قال: «يا مُعاذ! إني أُحبُّك، فقُل دُبُرَ كل صلاةٍ: اللهم أعِنِّي على ذِكرِك وشُكرِك وحُسن عبادتِك»؛ رواه أبو داود، والنسائي.
وهذه الوصيةُ لجميعِ الأمة. والحمدُ والشُّكرُ تدخُلُ معاني بعضِها في بعضٍ، مع اختِصاصِ كلٍّ منهما بمعانٍ دقيقةٍ.
ولله تعالى في كل وقتٍ نِعَمٌ خاصَّة وعامَّة، واجتِماعُ الكلمة نعمةٌ على الأمة، وقوَّةٌ في دينِ الله، وتأييدٌ لشعائِر الإسلام، وحِفظٌ لانتِظامِ مصالِح الدنيا.
والله – عز وجل – يُذكِّرُنا بالاجتِماع، وينهانَا عن الاختِلافِ؛ قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا )[آل عمران: 103].
وشُكرُ النِّعَم منافِعُه في الدارَين للشاكِر، والغفلةُ عن الشُّكر ضرَرُه على الغافِل؛ قال الله تعالى: (وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) [لقمان: 12].
قال الله تعالى: (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) [الزمر: 7].
واعلَموا أن العبدَ مهما أطاعَ ربَّه، وتقرَّبَ إليه بأنواعِ القُرُبات لن يقوم بشُكرِ ربِّه على الكمالِ والتَّمامِ، ولكن حسبُه أن يقومَ بالفرائِض، وينتهِيَ عن النواهِي، ويعلَم أنه لولا رحمةُ الله لكانَ من الخاسِرين، ويُلازِمَ الاستِغفارَ من التقصير، وأن يُكثِرَ الدعاءَ لربِّه بالمعُونَة والتوفيق، وأن يُكثِرَ من ذِكرِ الله تعالى؛ فالذِّكرُ يسبِقُ به إلى أجلِّ المقامات.
عن ابنِ عباسٍ – رضي الله عنهما -، أن رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – كان يدعُو: «ربِّ اجعَلني لك شكَّارًا، لك ذكَّارًا، لك رهَّابًا، لك مُطاوِعًا،لك مُخبِتًا، إليك أوَّاهًا مُنيبًا، ربِّ تقبَّل توبَتي، واغسِل حوبَتي، وأجِب دعوَتي، وثبِّت حُجَّتي، واهدِ قلبي،وسدِّد لِسانِي، واسلُل سخيمَةَ صدري»؛ رواه أبو داود، والترمذي، وقال: “حديثٌ حسنٌ صحيح”.
فضيلة الشيخ الدكتور/علي بن عبدالرحمن الحذيفي
إمام وخطيب المسجد النبوي