صفة الزوجات الصالحات

الثلاثاء 14 محرم 1437//27 أكتوبر/تشرين الأول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
وائل حافظ خلف
الروض الوريف شرح حقوق الجنس اللطيف (17)
صفة الزوجات الصالحات
قال تعالى: ﴿ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ ﴾ (النساء:34).
هذا تفصيلٌ لحال النساء في هذه الحياة المنزلية التي تكون المرأة فيها تحت رياسة الرجل، ذكر أنهن فيها قسمان: صالحاتٌ وغيرُ صالحات. وأن من صفة الصالحاتِ القنوتَ، وهو السكون والطاعة لله تعالى وكذا لأزواجهن بالمعروف، وحِفْظَ الغيب.

قال الثوري [1] وقتادةُ[2]: حافظاتٌ للغيب يحفظن في غَيْبة الأزواج ما يجب حفظُه في النفس والمال[3].

وروى ابن جريرٍ والبيهقيُّ من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “خَيْرُ النِّسَاءِ الَّتِي إِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهَا سَرَّتْكَ، وَإِذَا أَمَرْتَهَا أَطَاعَتْكَ، وَإِذَا غِبْتَ عَنْهَا حَفِظَتْكَ فِي مَالِكَ وَنَفْسِهَا”، وقرأ صلى الله عليه وسلم الآيةَ[4].

وقال الأستاذ الإمام:
الغيب هنا هو ما يُستحيا من إظهاره، أي: حافظاتٌ لكل ما هو خاصٌّ بأمور الزوجيَّة الخاصةِ بالزوجين فلا يطلع أحد منهن على شيء مما هو خاصٌّ بالزوج.

أقول:
ويدخل في قوله هذا وجوبُ كتمان كلِّ ما يكون بينهن وبين أزواجهن في الخَلوة، ولا سيما حديث الرفَث، فما بالك بحفظ العِرض؟

وعندي أن هذه العبارةَ هي أبلغ ما في القرآن من دقائق كنايات النزاهة، تقرأها خَرَائِدُ العَذارَى جهرًا، ويفهمن ما تومئ إليه مما يكون سرًّا، وهُنَّ على بُعْدٍ من خطرات الخجل أن تَمَسَّ وِجدانهن الرقيقَ بأطراف أناملها، فَلِقُلُوبِهِنَّ الأمانُ من تلك الخَلَجات التي تدفع الدمَ إلى الوَجَنات، ناهيك بوصل حفظ الغيب ﴿ بِمَا حَفِظَ اللهُ ﴾، فالانتقال السريع من ذكر ذلك الغيب الخفي، إلى ذكر الله الجلي، يصرف النفس عن التمادي في التفكُّر فيما يكون وراء الأستار، من تلك الخفايا والأسرار، وتشغلها بمراقبته عز وجل.

وفسروا قوله تعالى: ﴿ بِمَا حَفِظَ اللهُ ﴾ بما حفِظه لهن في مهورهن وإيجابِ النفقة لهن – يريدون أنهن يَحْفَظْنَ حقَّ الرجال في غَيْبتهم جزاءً على المهر ووجوبِ النفقة المحفوظَيْنِ لهن في حُكم الله تعالى.

وما أراك إلا ذاهبًا معي إلى وَهَنِ هذا القولِ وهُزَالِه، وتكريم أولئك الصالحات بشهادة الله تعالى أن يكون حِفْظُهُنَّ لذلك الغيبِ من يدٍ تَلْمُِس، أو عينٍ تُبصر، أو أذنٍ تَسْتَرِق السمع، معلَّلًا بدراهمَ قُبِضْنَ، ولُقَيْمَاتٍ يُرْتَقَبْنَ.

اقرأ أيضا  العودة حق لا يسقط بالتقادم

ولعلك بعد أن تَمُجَّ هذا القولَ يَقْبَلُ ذوقُك ما قَبِلَه ذوقي وهو أن الباء في قوله: ﴿ بِمَا حَفِظَ اللهُ ﴾ هي صِنْوُ باءِ: (لا حول ولا قوة إلا بالله)، وأن المعنى حافظاتٌ للغيب بحفظ الله، أي: بالحفظ الذي يُؤْتِيهِنَّ اللهُ إياه[5] بصلاحهن؛ فإن الصالحة يكون لها من مراقبة الله تعالى وتقواهُ ما يجعلها محفوظةً من الخيانة، قويةً على حفظ الأمانة.

أو حافظاتٌ له بسبب أمر الله بحفظه، فهن يُطِعْنَهُ ويَعْصِينَ الهوى، فعسى أن يصل معنى هذه الآيةِ إلى نساء عصرنا اللواتي يتفكَّهن بإفشاء أسرار الزوجية، ولا يحفظن الغيب فيها[6]!

________________________________________
[1] هو الإمام الكبير، أمير المؤمنين في الحديث، أبو عبد الله سفيانُ بن سعيد بن مسروق الثوريُّ. المولود سنة سبع وتسعين (97 هـ)، المتوفى سنة إحدى وستين ومائة (161 هـ).
كانت أمه تقول له:
“يا بني، اطلب العلم وأنا أكفيك من مِغْزَلي.
يا بني، إذا كتبت عشرة أحاديث (وفي رواية: عشرة أحرف) فانظر هل ترى في نفسك زيادة في مشيك وحلمك ووقارك؟ فإن لم تَرَ ذلك فاعلم أنه يضرك ولا ينفعك”.
انظر كتابنا “من روائع وصايا الآباء للأبناء” (ص236) ط/ دار الكتب العلمية.
[2] هو الحافظ الثبت والمفسر المتبحر أبو الخطاب قتادة بن دعامة السَّدُوسِيُّ. مولده في سنة ستين، ووفاته سنة ثماني عشرة ومائة (118 هـ).
[3] راجع “تفسير الطبري” (8/295).
[4] أخرجه ابن جرير في “التفسير” (8/295) رقم (9328)، وابن المنذر في “التفسير” رقم (1711)، من طريق أبي مَعْشَرٍ واسمه نَجِيح بن عبد الرحمن السِّنْدي، عن سعيد بن أبي سعيد الْمَقْبُرِيِّ، عن أبي هريرة مرفوعًا. وسنده ضعيف؛ لضعف أبي معشر.
وأما البيهقي فأخرجه بمعناه في “السنن الكبير” (7/82) من طريق ابن عجلان، عن المقبري، عن أبي هريرة.. وليس فيه ذكر الآية. وهذا حسن.
وللحديث شواهدُ ترقيه إلى الصحيح إن شاء الله، ساق منها الألباني في “الصحيحة” (1838).
هذا، وقد روى البيهقيّ (7/82) عن أبي أُذَيْنَةَ الصَّدَفِيِّ أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:
“خَيْرُ نِسَائِكُمُ الْوَدُودُ الْوَلُودُ، الْمُوَاتِيَةُ الْمُوَاسِيَةُ، إِذَا اتَّقَيْنَ اللهَ. وَشَرُّ نِسَائِكُمُ الْمُتَبَرِّجَاتُ الْمُتَخَيِّلَاتُ، وَهُنَّ الْمُنَافِقَاتُ، لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْهُنَّ إِلَّا مِثْلُ الْغُرَابِ الْأَعْصَمِ”.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم أيضًا:
“أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِنِسَائِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ الْوَدُودُ الْوَلُودُ الْعَئُودُ عَلَى زَوْجِهَا، الَّتِي إِذَا آذَتْ أَوْ أُوذِيَتْ جَاءَتْ حَتَّى تَأْخُذَ بِيَدِ زَوْجِهَا ثُمَّ تَقُولُ: واللهِ، لَا أَذُوقُ غُمْضًا (أي: نومًا) حَتَّى تَرْضَى”.
أخرجه الإمام أبو عبد الرحمن النسائيُّ في “عشرة النساء” رقم (257)، والإمام أبو بكر ابن أبي الدنيا في كتاب “العيال” (533)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
وخرَّج النسائي (249) بسند صحيح، والحاكم (2/190) و(4/174)، وعنه البيهقي (7/294)، وابن أبي الدنيا في “العيال” (536)، عن عبد الله بن عمرٍو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“لَا يَنْظُرُ اللهُ إِلَى امْرَأَةٍ لَا تَشْكُرُ لِزَوْجِهَا وَهِيَ لَا تَسْتَغْنِي عَنْهُ”. وورد هذا موقوفًا.
وروى النسائي (ص37) وابن أبي الدنيا (ص118) عن ابن محصن عن عمة له أنها دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض الحاجة، فقضى حاجتها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أَذَاتُ زَوْجٍ أَنْتِ؟” قالت: نَعَمْ، قال: “كَيْفَ أَنْتِ لَهُ؟” قالت: مَا آلُو (أي: لا أقصر)، إِلَّا مَا عَجَزْتُ عَنهُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “انْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ؛ فَإِنَّهُ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ”. وفي رواية قال: “فَأَحْسِنِي؛ فَإِنَّهُ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ”.
وروى النسائي (265) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لَا يَصْلُحُ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ، وَلَوْ صَلُحَ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا؛ مِنْ عِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا”. ولهذا شواهد كثيرة.
وروى في موضع آخرَ، هو وابن حبان (4152)، بسند حسن عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ بِابْنَةٍ لَهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: هَذِهِ ابْنَتِي أَبَتْ أَنْ تَزَوَّجَ، فَقَالَ: “أَطِيعِي أَبَاكِ”، كُلُّ ذَلِكَ تُرَدِّدُ عَلَيْهِ مَقَالَتَهَا، فَقَالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، لَا أَتَزَوَّجُ حَتَّى تُخْبِرَنِي مَا حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ، فَقَالَ: “حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ لَوْ كَانَتْ بِهِ قَُرْحَةٌ فَلَحَسَتْهَا مَا أَدَّتْ حَقَّهُ”، فَقَالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَقَالَ: “لَا تُنْكِحُوهُنَّ إِلَّا بِإِذْنِهِنَّ”.
وروى ابن حبان (4151) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَصَّنَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ بَعْلَهَا؛ دَخَلَتْ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَتْ”.
وانظر “مجمع الزوائد” (4/306-314).
[5] في الأصل: “إياهن”! والمثبت من “التفسير” (5/71).
[6] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ أَحَدُهُمَا سِرَّ صَاحِبِهِ”. وفي روايةٍ التعبيرُ عن ذلك بأنه “مِنْ أَعْظَمِ الْإِهَانَةِ عِنْدَ اللهِ”. رواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري. وفي “المسند” والسنن أحاديثُ في هذا المعنى. (ر).
قلت: حديث أبي سعيد خرجه مسلم في كتاب النكاح من “صحيحه” برقم (1437)، من طريق مروانَ بنِ معاويةَ، عن عُمرَ بنِ حمزةَ العُمَرِيِّ، حدثنا عبد الرحمن بنُ سعد، قال سمعت أبا سعيد الخدريَّ يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم … فذكره باللفظ الأول، وآخره عنده: ” …ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا”.
وأما الرواية الثانية فأخرجها مسلم من طريق أبي أسامة، عن عُمر بن حمزةَ… بسنده سواء، بلفظ: “مِنْ أَعْظَمِ الْأَمَانَةِ عِنْدَ اللهِ”، وليس كما ذكر المصنف: “مِنْ أَعْظَمِ الْإِهَانَةِ”!
والمعنى: من أعظم خيانة الأمانة، فحذف المضاف. وقال السندي في حاشية “المسند”: “من أعظم نقض الأمانة وهتكها وزرًا”.
الألوكة

اقرأ أيضا  الرئيس الإيراني والرئيس الإندونيسي يتفقان على مواصلة دعم نضال الشعب الفلسطيني
Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.