طفل لاجئ في عالم مارق
د. زهرة وهيب خدرج
الثلاثاء 24 ذو القعدة 1436//8 سبتمبر/أيلول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”
كأنا لطخة للعار إثم ليس يحتمل**** نحط اليوم في بلد وعند الليل نرتحل
مسمى لاجئ هذا ما جعل الطفل إيلان الكردي يهون، فطفولته لم تعد بريئة، وحياته انعدمت قيمتها، وجثته لم تعد طاهرة، ولا بلاد تقبله أو تحوي طفولته؛ فاللاجئون ظاهرة مقيتة، تبغضها الدول، كما يبغضها معظم الناس، لهذا تجد اللاجئ أينما حل أو ارتحل يُعيَّر بكونه لاجئًا، ينظرون إليه على أنه أقل من الجميع، يُضطهد، يُبتز، يُنهب ماله، يُطرد، أو تُغلق الحدود دونه، وفي أحسن الظروف يسَّكن في مخيمات تفتقر للمقومات الإنسانية، فليمت هذا اللاجئ، فليذهب للجحيم، لا يهم؛ فلا أحد يريده، لا أحد يرغب في بقائه على أرضه لئلا يثقل عليه.
وأمام هذا الوضع الذي يدركه اللاجئ جيدًا ما هي الخيارات المتبقية أمامه سوى البقاء في مسقط رأسه، حيث القتل تحت الأنقاض أو بشظايا البراميل المتفجرة أو الاعتقال والتعذيب في المعتقلات حتى الموت، وانتهاك العرض وهتك الستر، هذا ما يتربص به؛ فأي الخيارين يختار هذا اللاجئ يا تُرى؟
صورة الطفل ذي السنوات الثلاث إيلان الكردي التي تظهره منكفئًا على وجهه على الشواطئ التركية، وادعت الصحافة العالمية ومواقع التواصل الاجتماعي أن العالم قد أصيب بالصدمة بعد مشاهدته لها؛ لم تكن الأولى من نوعها، ولن تكون الأخيرة، فصورة الرضيع علي دوابشة التي تُظهر جثته محترقة سبقتها بمدة قصيرة، وسبق هاتين الصورتين عدد كبير لا يحصى من الصور لأطفال غزة مبتوري الأعضاء وممزقي الأجساد، ومحترقي الجثث، أو مطمورين أحياءً أو موتى تحت الأنقاض، وقصة الفتى محمد أبو خضير ليست ببعيدة أيضًا عن ذلك.
وأمام ذلك كله وغيره الكثير يقف العالم المارق الذي يدَّعي الديموقراطية، معربًا عن صدمته وقلقه وشجبه واستنكاره، من دون أن يحرك ساكنًا، بل نراه يقف متفرجًا مراقبًا لتفاصيل الأحداث، حتى تنقضي أكثر الأجزاء تراجيدية من هذه المأساة أو تلك، فلا طفل يُنصر، ولا مسنًّا يُرحم، ولا امرأة تُستر، ولا ظالمًا مجرمًا يوضع له حد، مع أنه هو من يقتل الأطفال وذويهم وييتمهم، ويشردهم، ويضطرهم إلى الهروب من بلادهم في محاولات بائسة محفوفة بالمخاطر يتربص بها الموت، للبحث عن حياة كريمة فيها بعض من الأمن.
لو كان مكان إيلان الكردي أو علي دوابشة طفل يهودي تصوروا معي كيف ستكون ردة فعل العالم يا تُرى، هل سيكتفي بأن يتفرج ويندب ما يجري؟، هل سيعطي القاتل الفرصة تلو الأخرى لينهي حساباته مع ضحاياه من دون أن يكون لهذا العالم دور فاعل في حماية الضحايا؟، يتدخل هذا العالم المارق لحماية الأطفال، حسب هوياتهم، وجنسياتهم، فهناك أصناف متعددة من البشر، فحسب الصنف يتعاطى مع الموقف إما بتوفير الحماية والأمن وتحصيل الحقوق، ومعاقبة الجناة، أو بالسكوت والتزام الصمت التام وتجاهل الحقوق وكل المعاني الإنسانية.
وهل تنتهي قضية الأطفال اللاجئين وذويهم عند وصولهم بأمان إلى الدول الأخرى؟، أم أن حلقات جديدة من المآسي والتنكيل والاضطهاد تبدأ؟، وهل فصول المسرحية تنتهي عند هذا الطفل السوري الغريق والطفل الفلسطيني الحريق؟، أم أن فصولًا أخرى مجهولة لم تُعرض بعد لا يعلم تفاصيلها وما تحويه من مآسي إلا الخالق؟
المصدر : فلسطين أون لاين