فما ظنكم برب العالمين؟!
الخميس 28 صفر 1437//10 ديسمبر /كانون الأول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
د. خالد روشة
نحتاج كثيرا في مسيرتنا الحياتية الشاقة، حيث المعوقات والآلام، والابتلاءات والمنغصات والمثبطات، والمخوفات والملهيات، إلى أن نتشرب جيدا معنى حسن الظن بالله ربنا.
ذلك الرب العظيم الودود ذو العرش المجيد، الفعال لما يريد، مالك الملكوت، قيوم السموات والأرض، المنان، بديع الأكوان.
نحتاج أن نحسن اللجوء إليه سبحانه، ونحسن الإنابة عنده، ونحسن العبودية له، ونحسن الرجاء منه، ونحسن الدعاء له لا إله إلا هو.
نحتاج أن نطهر قلوبنا له بالتوحيد، وجوارحنا له بالاستغفار، ونفوسنا له بالتزكية.
نحتاج أن نخر له سجدا وبكيا، ونستذل بين يديه خاضعين تائبين، راجين رحمته، خائفين عذابه.
نحتاج ألا تجف ألسنتنا عن ذكره، ولا تسكت جوارحنا عن شكره، ولا تهدأ قلوبنا عن مناجاته والإخلاص له سبحانه.
وعندما تضيق بنا طرقاتنا، وتضطرب قلوبنا، وتتسارع أنفاسنا، فلا ملجأ ولا منجى إلا اليه، نعلم أن لنا ربا رحيما غفورا، غفارا للذنوب لطيفا بعباده، فتهدأ نفوسنا وتطمئن..
قال سبحانه: «أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ الله هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ الله هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ».
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قَالَ الله: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وأنا معه إذا ذكرني» (رواه البخاري ومسلم).
أيّ رب رحيم، يجعل العبد نفسه يتفهم حاله بنفسه، فيعينه على الخير في دنياه وأخراه، وييسر له سبل الهدى، حتى إنه ليجعل قلبه دالا عليه!
قال النووي في شرح مسلم: «معنى حسن الظن بالله تعالى أن يظن أنه يرحمه ويعفو عنه».
وقال الحافظ في الفتح: «معناه: أجازيه بحسب ظنه بي، فإن رجا رحمتي وظن أني أعفو عنه وأغفر له فله ذلك، لأنه لا يرجوه إلا مؤمن علم أن له رباً يجازي، وإن يئس من حرمتي وظن أني أعاقبه وأعذبه فعليه ذلك، لأنه لا ييأس إلا كافر».
وقال في تحفة الأحوزي: «أعاملُه على حسب ظنه بي، وأفعل به ما يتوقعه مني من خير أو شر»
إنه الفضل الكبير، والإنعام البالغ المحيط، إذ يجازيه بحسب ظنه، فالجزاء إذن بحسب ظنه، ظن العطاء عند الرجاء، وظن الإجابة عند الدعاء، وظن القبول عند التوبة، وظن المغفرة عند الاستغفار، فلا صغيرة إذا قابلك عدله، ولا كبيرة إذا واجهك فضله.
قال ابن مَسعُود رضي الله عنه: «قسماً بالله ما ظنَّ أحدٌ باللهِ ظناً؛ إلّا أعطَاه ما يظنُّ»، وقال علي بن بكار: «أن تظن ألا يجمعك والفجار في دار واحدة».
إنه إذن ظن ما يليق بالله تعالى واعتقاد ما يحق بجلاله وما تقتضيه أسماؤه الحسنى وصفاته العلى، في شأن دنيا المؤمن وآخرته، فيظن أن الله تعالى غافر ذنبه، وراحمه، ومفرج كربه، وميسر أمره، وناصره، وحافظه، ومدخله الجنة.
فعن أبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ادْعُوا الله وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الله لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ» أخرجه أحمد والترمذي، وحسنه الألباني.
قال ابن القيم في «المدارج»: «فعلى قدر حسن ظنك بربك ورجائك له يكون توكلك عليه «، وقال في «زاد المعاد»: «ويكون الراجي دائماً راغباً راهباً مؤملاً لفضل ربه حسن الظن به».
وحسن الظن به سبحانه يقتضي الإخلاص في العبودية، ويقتضي طهارة القلب وسلامته من الشبهات والشهوات، كما يقتضي إحسان العمل.
قال ابن القيم في «المدارج»: «ولا ريب أن حسن الظن إنما يكون مع الإحسان، فإن المحسن حسن الظن بربه أن يجازيه على إحسانه ولا يخلف وعده، ويقبل توبته.وأما المسيء المصر على الكبائر والظلم والمخالفات فإن وحشة المعاصي والظلم والحرام تمنعه من حسن الظن بربه».
وقال سعيد بن جبير: «اللهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ صِدْقَ التَّوَكُّلِ عَلَيْكَ، وَحُسْنَ الظَّنِّ بِكَ».
وقال الحسن: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ أَحْسَنَ الظَّنَّ بِرَبِّهِ؛ فَأَحْسَنَ الْعَمَلَ، وَإِنَّ الْمُنَافِقَ أَسَاءَ الظَّنَّ بِرَبِّهِ؛ فَأَسَاءَ الْعَمَلَ «.
وقال ابن عباس رضي الله عنه: «الجبن والبخل والحرص؛ غرائز سوء يجمعها كلها سوء الظن بالله عز وجل».
ويقول أنس بن مالك رضي الله عنه: «إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات» (رواه البخاري).
ويقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرَّ على أنفه فقال به هكذا» (رواه البخاري).
وقال صلى الله عليه وسلم: «يد الله ملأى لا تغيضها نفقة سحاء الليل والنهار. أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماء والأرض؛ فإنه لم يغض ما في يده» (رواه البخاري ومسلم).
والمؤمن الصالح إذا أصابه ما يكره أحسن الظن بربه وعلم أن الذي ابتلاه الحكيم الرحيم سبحانه، فتضرع وأناب واستغفر، وصبر على الابتلاء ورضي، وأقبل على ربه يدعوه ويرجوه، وينتظر الفرج منه سبحانه.
السبيل