في تربية البنات.. سدّدوا وقاربوا

آلاء أبو عيشة

الأربعاء 19 ذو الحجة 1437/ 21 سبتمبر/ أيلول 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا”

دخل إلى بيته يتطاير من عينيه الشرر: “أين مجد؟ نادِها فوراً” صرخ في وجه زوجته التي استغربت حاله وهو المعروف بحنانه وحبه الفائقين لبناته الخمسة.. سألته :”ما الأمر؟” فأجابها :”لقد وضعتني في موقفٍ محرجٍ جداً اليوم أمام أعمامها عندما كنت في زيارة أبي.. تنشر صوراً لها على حساباتها في مواقع التواصل وهي في هذه السن الحرجة؟!”.

ضحكت الزوجة في محاولةٍ منها لتهدئته معلقةً بالقول :”كل بنات سنها يفعلن الشيء ذاته”، فأجابها بحزم :”أبي لم يكن يسمح لأخواتي بأن يخرجن من البيت إلى محل البقالة حتى لا يتعرضن لنظرة شر، وهي تنشر صورها أمام الجميع.. يا حبيبي”.

“مجد” هي أكبر خمس بنات أكرم الله بهنّ والدها “أيمن”.. عمرها أربعة عشر عاماً.. ويظلها حبٌّ أبويٌّ منقطع النظير هي وأخواتها داخل بيت أبيهن.. لولا..

يقول صاحب المشكلة :”أنفق على تعليم بناتي ما أستطيع تحصيله من مال، وأنهك نفسي في العمل لأجل تحقيق متطلباتهن كلها.. لم أشعر في حياتي بأي نقص كون الله لم يرزقني بولد، وأرى الحياة بعيونهن وحسب، ولكنني أعترف: رغبتي في تخريجهن إلى هذا العالم مميزات ديناً ودنيا جعل أسلوب تربيتي لهن مضطرب؛ أريد أن أعطيهن حرية الحركة لكنني أخشى عليهن شر الشارع.. أريد أن أساعدهن في التعرف إلى العالم كله بخيره وشره فتضيع مني الأساليب والكلمات التي تتناسب مع أعمارهن، وأرجعهن إلى جيلٍ مضى وانقضى عمره في أسلوب تربيتي، متناسياً –ربما عن قصد- متطلبات العصر الحديث!

ويذكر في العيد الماضي أن ابنته مجد وأختها التي تصغرها بعامين “ريم” طلبتا منه الخروج في مشوارٍ كنّ قد رتبن له مع صديقاتهن في المدرسة الإعدادية، فرفض رفضاً قاطعاً كون هذا الأمر “غريباً عن طريقة التربية التي رأى والده يتبعها مع أخواته في بيت العائلة الكبير”، وهذا ما تسبب بإحراجٍ للفتاتين مع صديقاتهن اللاتي تهامزن وتلامزن بعد الإجازة –حسب ما وصل من زوجته إليه- عن أن مجد وريم يعيشان في بيت “معقد” في ظل والد عقله “دقة قديمة”…

اقرأ أيضا  إندونيسيا وميانمار تحتفلان 70 عاما من العلاقات الدبلوماسية

اليوم يرسل أيمن إلى “فلسطين” مطالباً بمنهجٍ تربوي للتعامل مع بناته يتوافر فيه شرطان :”أن لا يخالف شريعة الله، وأعراف وعادات وتقاليد المجتمع”، وأن يتماشى مع متطلبات العصر الحديث ثانياً”.. وهذا ما يقدمه المستشار الأسري زهير ملاخة ضمن السياق التالي:

أخطاء شائعة

ويقول :”على الرغم من أن التربية كمنظومة توجيهية وإرشادية تخص الأولاد والبنات معاً، إلا أن تربية البنت لطبيعتها الجسدية والنفسية والعاطفية الخاصة يجب أن تكون مختلفة نوعاً ما عن تربية الولد، وللأسف هناك الكثير من الأخطاء التي يقع فيها كثيرون في تربيتهم لبناتهم تكون سبباً في النهاية بإيرادهم المهالك وهي غالباً مرتبطة باتجاهين: منح الحرية الزائدة، أو تقييد الحرية المبالغ فيه”.

ويضيف في شرح هذه الأخطاء:”بعض الآباء ونحن نتكلم عن هذا الجيل تحديداً انجرّوا وراء أساليب التربية الغربية التي تختلف عن ما يفرضه شرعنا ويؤمن به مجتمعنا، فباتوا يتركون الحبل لبناتهن على الغارب من باب الحرية، فيتغاضون مثلاً عن سهرها حتى منتصف الليل تتصفح الإنترنت عبر هاتفها المحمول، ولا عن الحجاب مثلاً لماذا تأخرت في ارتدائه، أو لماذا ترتدي السراويل الضيقة أو غير ذلك”، ملفتاً إلى أن بعض الآباء يحيطون حياة الفتاة خارج البيت والمدرسة بنوعٍ من الكتمان فيما يتعلق بمخاطر العلاقات بالذكور “سيما في سن المراهقة”، أو بمشكلات التحرش أو غير ذلك بدعوى المحافظة عليها من التفكير في أمورٍ قد تلهيها عن مذاكرتها أو تفتح مداركها للتفكير في الخطأ ومن ثم الوقوع به “وهذا أكبر خطأ إذ أن عدم توعية الفتاة بهذه الأمور على أعتاب مرحلة المراهقة سيدفع بالفتاة إلى إحدى تصرفين :تجربتها بعيداً عن أعين الأهل لتجربة ما تتحدث عنه الصديقات المجربات، أو الوقوع في مشكلات نفسية كبيرة كالانطواء والخوف المرضي من الاختلاط بالعالم”.

اقرأ أيضا  يوم النحر أفضل أيام المناسك

وفي مرحلة المراهقة تشعر الفتاة بأنها أصبح امرأة كاملة صاحبة شخصية وقرار، وعلى هذا يجب أن يتوخى الأهل اختيار أساليب التعامل الأمثل معها.

عظمة الرسالة..

وإن إيمان الأب والأم بعظمة الرسالة التي يؤديانها في تربيتهم لبناتهم وعظم الأجر الذي سيحصلانه لقاء ذلك (والحديث لـ ملاخة) سيحدد لا محالة ملامح العلاقة بينهما وبين بناتهما، بل إن الأبوين سيجتهدان في البحث عن الطرق التربوية الأنسب للتعامل معهما بما يضمن إنشائهن سليمات العقل والدين والخلق.

ويتابع:”ملامح العلاقة بين الأب وبناته يحددها غرس الولاء والانتماء في نفوسهن للأسرة، بطريقةٍ عاطفية يجللها الحب والحنان يستطيع الأبوين مخاطبة عقول البنات وعواطفهن منذ نعومة أظفارهن بحيث تصبح الفكرة لدى الواحدة منهن :”ليس هناك إمكانية أن أقع في الخطأ لأنني ابنة فلان وفلانة.. يستحيل أن أجعل أبي يطئطئ رأسه بفعل خطئي هذا، وهكذا تخلق الرقابة الذاتية”.

وعلى الأبوين أن يحددا ولو يوماً في الأسبوع هو (يوم الحوار) يجتمعون فيه بأبنائهم في وقتٍ محدد، يحددون فيه القيمة التي يودون غرسها بأبنائهم ولكن بطريقة الحوار البناء والسرد القصصي مثلاً، أو من خلال الاستماع إلى ما يريدون هم قوله، كل منهم ماذا حدث معه؟ مواقف حدثت مع زملاء وترتب عليها ضرر لهم، وهنا يصبح التوجيه نحو الصواب حتمياً وأيضاً ليس بطريقة الوعظ المباشر، بل بتورية القصة على سبيل المثال.

ويردف ملاخة :”هذا الجو الأبوي الدافىء من شأنه تعزيز القيم الإيجابية في نفوس الأبناء ككل، والبنات تحديداً لما يتملكهن من عاطفة أثناء حديث الأب أو الأم إليهن؛ إنها التربية بالحب التي تقدم قيمة حب الحياة بما يرضي الله، وقيمة الحشمة، وقيمة الطهارة”، مشدداً على أهمية أن يكون الآباء “قدوة حسنة” لبناتهن لأن الابن يقلد من يحب خصوصاً عندما تدخل مرحلة المراهقة.. مرحلة المغامرات والرغبة في تجربة المجهول “فلا تأمرهن بالصلاة وأنت لا تصلي، ولا تأمرهن بالابتعاد عن مشاهدة الأغاني والمسلسلات وأنت تسهر ليلك تتابعها، ولا تطلب إليهم احترام مواعيدهم وأنت تقفل الخط في وجوه منتظريك من أصحاب المواعيد”.

اقرأ أيضا  الشباب الثائر يواصلون جهود كسر الحصار

ونبه إلى قضية الثواب، بالإضافة إلى العقاب “إذ إن بعض الآباء يعاقبون بناتهن عند الوقوع في الخطأ، ويتناسون فكرة الثواب على الإنجاز وتعزيز القيم الإيجابية في نفوسهن”، مشيراً إلى أن البيت الناجح هو الذي لا يعيش أبنائه أوقات فراغ “قد يستغلونها في التسلية والوقوع في المحظور”، “وهنا فإن تعويد البنات على ممارسة الهوايات أو القراءة تغذي عقولهن وتطور مهاراتهن وتبعدهن عن الفراغ السلبي”.

وحتى فيما يتعلق بالجانب التكنولوجي :”فإن الحوار والعلاقة الأبوية الدافئة، تخلق في نفوس البنات احتراماً لذواتهن، ورقابةً ذاتية على كلماتهن وتصرفاتهن، فيبتعدن عن كل ما يمكن أن يغضب الأب أو الأم منهن، سيما لو كانوا قد تلقوا النصيحة بخصوصه مسبقاً من طرفيهما”.

المصدر : فلسطين أون لاين

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.