قراءة في انتفاضة القدس
عماد زقوت
الأحد 12 محرم 1437//25 أكتوبر/تشرين أول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية
بمرور أكثر من ثلاثة أسابيع على اندلاع شرارة انتفاضة القدس، وانخراط مختلف فئات الشعب الفلسطيني فيها، واستخدام الوسائل المتاحة في الدفاع عن النفس، وتنوع حالات المقاومة بين الحجر و(المولوتوف) والسكين وعمليات الدهس وإطلاق النار؛ بات الاحتلال يدور في دائرة من الخوف والإرباك، حتى وصل الأمر بجنوده إلى إطلاق النار تجاه أشخاص يهود اعتقدوا أنهم فلسطينيون.
وحتى تستمر انتفاضتنا علينا تتبع مسارها وحمايتها من أي التفاف، ومساندتها جماهيريًّا وسياسيًّا وإعلاميًّا، ما يبعث الاطمئنان أن هذه الانتفاضة شعبية وعملياتها فردية، ولا سلطة لأحد عليها، لذا لا يمكن لأي جهاز استخباري تتبع أبطالها لأنهم يخططون وينفذون بمفردهم دون تواصل مع أحد، ولذلك هي مستمرة وفي تقدم وانتشار كبيرين.
وبناءً عليه أقدم قراءةً لمواقف ذات صلة؛ حتى تكون الصورة الكاملة للانتفاضة واضحة وجلية.
أولًا: الموقف الفلسطيني الشعبي:
بفضل الله (تعالى) إن انتفاضة القدس أثبتت أن شعبنا حي ولا يرضى الدنية في دينه ولا وطنه ولا قدسه، مهما مورست عليه عمليات التدجين، والتهويد، وتغيير الثقافة العربية والإسلامية؛ فإنه شعب أصيل، شارك في فعاليات الانتفاضة بمختلف فئاته، وفي مقدمتهم الشباب الذين استهدفهم الاحتلال وأعوانه، وعملوا على تدميرهم دينيًّا، ونفسيًّا، وأخلاقيًّا، لكنهم تصدروا عمليات الانتفاضة ونفذوا أكثر من 50 عملية بطولية أدت إلى مقتل وإصابة قرابة 150 جنديًّا ومستوطنًا صهاينة.
ولما كان شعبنا عظيمًا؛ فقد انتفض كله ضد المحتل، في كل أماكن وجوده في القدس والضفة وغزة والداخل، وجميعهم قدموا شهداء وجرحى وأسرى، حتى شعبنا في الشتات شارك بما أوتي من قوة، فهذا هو الشعب الفلسطيني، لا يمكن له إلا أن ينتصر للقدس والمسجد الأقصى، وأن يرفض محاولات تشتيته، فدمه واحد وكذلك هدفه وطريقه.
وهذا هو الوضع الطبيعي لشعبنا، الذي يرزح تحت الاحتلال، أن ينتفض ويثور، فلا ينبغي ولا يمكن لهذا السرطان الاحتلالي أن يعيش على أرضنا مطمئنًا.
ثانيًا: الموقف الفلسطيني الرسمي والفصائلي:
الأيام الثلاث الأولى من انتفاضة القدس كانت السلطة بأجهزتها منخرطة فيها، أو _على الأقل_ وفرت لها مناخًا مناسبًا، لم يكن هدفها إطلاق شرارة الانتفاضة الثالثة، ولكنها أرادت لها أن تكون مجرد “هبة شعبية سلمية”، للضغط على نتنياهو؛ حتى يتحقق لها بعض المنجزات السياسية، وتعود “الهيبة الوطنية” لمحمود عباس رئيسًا للسلطة وحركة فتح ومنظمة التحرير، وأيضًا كي يعود إلى طاولة المفاوضات، لكن الأمور سارت بغير ما يريد أبو مازن، فقد توسعت الانتفاضة، وتطورت إلى تنفيذ عمليات طعن وإطلاق نار.
هناك أطراف تقول: “إن الانتفاضة الشعبية كانت في الأصل ضد سياسة عباس، ولكنه غير مسارها تجاه الاحتلال”.
وفي ظني أن أطرافًا داخل فتح عملت على تأجيج نار الانتفاضة، لتستمر بقوة، ودعمتها جماهيريًّا وميدانيًّا وإعلاميًّا، حتى تقلب الطاولة على عباس، وتضعه في الزاوية؛ لإجباره على التوقف عن تحركاته ومخططاته لإعادة تشكيل هيكلية كلٍّ من فتح ومنظمة التحرير والسلطة، وهذا كله نتيجة الأزمات والخلافات التي تعصف بالحركة، وتنازع قياداتها على المناصب والمنافع.
وحتى يخفي أبو مازن ذلك تظاهر أمام الرأي العام بأنه يقف إلى جانب الحراك الجماهيري أو “الهبة الشعبية” على وفق تسميته لها، ولكنه في حقيقة الأمر ضد أي انتفاضة، وقد تُرجم هذا بتنفيذ أجهزة السلطة حملات اعتقال واستدعاء لعشرات من شباب هذه الانتفاضة.
وتبعًا لتلك التفسيرات إن الخلافات الداخلية لفتح تعطي الانتفاضة _وتحديدًا في الضفة المحتلة_ بعض التحرر من قبضة الأجهزة الأمنية.
ويتبين من تلك المعطيات أن الانتفاضة مرفوضة من قبل السلطة، بل هي مرفوضةٌ عربيًّا، وبسبب الالتفاف الجماهيري حولها إن السلطة تخشى قمعها علنًا حتى لا ينقلب السحر على الساحر.
أما فصائليًّا:
فمن الواضح أن الانتفاضة يحميها غطاء فصائلي قوي، وشبه موحد، وهناك مساندةٌ جماهيريةٌ وسياسيةٌ وإعلامية، والوحدة الفصائلية أعطت الانتفاضة زخمًا جديدًا، وشكلت لها دافعًا إلى الاستمرارية حتى تحقيق الأهداف الوطنية.
ولذلك على الفصائل ألا تقبل أي عروض سياسية في الوقت الراهن، حتى لا تُقطف ثمارها مبكرًا، وعليها تشكيل لجان ثورية داعمة للانتفاضة، وأن تحافظ على استمراريتها.
ثالثًا: قراءة إعلامية للانتفاضة:
الانتفاضة الفلسطينية الحالية شكلت رافدًا للإعلام، وتحديدًا الفلسطيني، فكما أشرت إنها أعادت للوحدة الوطنية مكانتها، ووفرت وحدة ميدانية وجماهيرية وإعلامية فريدة.
وللإعلام الفلسطيني الدور الرائد في إشعال انتفاضة القدس، واستطاع أن يشكل لها درع الحماية، وفي اعتقادي أنه لو لم يكن لنا إعلامٌ وطني لما استمرت الانتفاضة؛ لأنه أمدها بالروح الوطنية وأوقد نار الثورة فيها.
وإعلامنا الفلسطيني ينقسم إلى قسمين:
1 – إعلام وطني مقاوم، وتقف على رأسه قنوات الأقصى والقدس وفلسطين اليوم، وقد أصبحت هذه القنوات الثلاث اليد الضاربة للانتفاضة والناطق الرسمي باسمها.
وأبدى الكثير إعجابه واستغرابه أحيانًا من قناة الأقصى التي بثت الأغاني الوطنية التي كانت تذاع أيام الثورة الفلسطينية في ستينيات القرن الماضي، وأيضًا ارتداء مذيعيها الكوفية الفلسطينية، فقد أرادت قناة الأقصى هنا أن تؤكد لشعبها الفلسطيني ولأمتها العربية والإسلامية أنها الناطق الرسمي باسم المقاومة الفلسطينية (أيًّا كانت)، وأنها تدعم وتساند أي تحرك ضد الاحتلال.
2 – الإعلام الرسمي، والمتمثل في تلفاز فلسطين والقنوات التي تبث من رام الله، ويا للأسف!، هذه القنوات إما أنها تغطي فعاليات الانتفاضة على استحياء، أو أنها تشكك في بطولة شبابنا، وتضفي على الانتفاضة الديباجة القديمة: “إنها مؤامرة حبكتها حماس مع نتنياهو للانقلاب على السلطة في الضفة”، وهذه التغطية الإعلامية أبدى الكثير من شعبنا امتعاضه منها، وغضبه على تلفاز فلسطين، ومن بينهم قيادات وكوادر من حركة فتح.
رابعًا: الموقف الصهيوني:
أما دولة الاحتلال فقد أصابها الخوف والارتباك من انتفاضة القدس، ويكفي أن نسبة الذين يذهبون إلى المستشفيات والعيادات النفسية داخل الكيان قد وصلت إلى نسبة 100%، وأن أكثر من 66% من المستوطنين أصبحوا راغبين بالرحيل من الأحياء الشرقية لمدينة القدس، فضلًا عن تأثر قطاع السياحة، الذي تأثر أيما تأثر، ووصل إلى منحنيات كبيرة، ويكفينا أيضًا أن سمعة الجندي الصهيوني أصابها الوهن والانكسار، بسبب صور كثيرة، كان في مقدمتها صورة الجندي المدجج، الذي يهرب من الصنديد إياد العواودة في الخليل، والصور التي أظهرت جنودًا يفرون مذعورين في محطة بئر السبع، وصورة المستوطن الذي قتل على يد جندي معتقدًا أنه فلسطيني يريد أن يطعنه في القدس.
هذه الصور الثلاث تلخص قصة “الجيش الذي لا يقهر”، التي كشفت عورة دولة الاحتلال، التي هي أوهن من بيت العنكبوت، وهزتها عمليات الطعن، وتعطل كل جبروت أسلحتها المتطورة التي تخشاها دول المنطقة.
هذه هي انتفاضة القدس في شهرها الأول، التي انطلقت دفاعًا عن القدس ومسجدها، التي مازالت تواجه مؤامرات ومخططات، ترمي إلى تهويدها؛ فعلى قوى شعبنا أن تكون حذرة، وأن تنتبه إلى مكائد بني صهيون، ويجب أن تشكل لجان ثورية، وخلايا للأزمات، حتى ندير معركتنا مع عدونا؛ فهي لم تنتهِ بعد، ولكن مرحلة جديدة قد بدأت من حلقات صراعنا، فالعدو ما زال عازمًا على تنفيذ مخططاته، ويا للأسف!، تدعمه أطراف فلسطينية وعربية، ولذلك علينا تطوير الانتفاضة، والعمل على اتساعها وانتشارها، لنؤكد دائمًا: “أن الانتفاضة مستمرة حتى تعود الأرض حرة”.
المصدر : فلسطين أون لاين