قصة الإسلام في إندونيسيا
الجمعة،14محرم1436ه الموافق/7تشرين الثاني2014 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
إندونيسيا
ونبدأ قصتنا بالدول ذات الأكثرية الإسلامية في هذه المنطقة، ومنها إندونيسيا، كبرى البُلدان الإسلامية، تلك التي أطلق عليها المسعودي اسم “جزر المهراج”، أما باقي الكُتَّاب فكانوا يسمُّونها بأسماء جزرها: سومطرة، جاوة، وهكذا. وقيل: إن اسمها يتكون من مقطعين؛ وهما: “إندو” ومعناها: الهند، و”نيسيا” ومعناها الجزر. وهذا ما كانت تُشير إليه كتابات الكُتَّاب والجغرافيين دائمًا بتسميتها بجزر الهند الشرقية، كما أنها تُسمَّى أحيانًا باسم الأرض الخضراء، ومنذ القرن الثالث عشر الهجري التاسع عشر الميلادي أصبحت تُعْرَف باسم إندونيسيا[1].
وتُعَدُّ إندونيسيا جزءًا من أرخبيل الملايو في جنوب شرق آسيا، كما أنها الدولة التي تضمُّ أكبر مجموعة جزر في العالم؛ إذ يبلغ عددها حوالي 17508 جزيرة، المسكون منها حوالي 600 جزيرة، ومنها جزيرة جاوة التي تُعَدُّ من أكثر مناطق العالم ازدحامًا بالسكان، وقد تناقصت نسبة المسلمين فيها من 97% إلى 85%.
دخول الإسلام إندونيسيا
ومن العسير تحديد تاريخ بَدْءِ دخول الإسلام إندونيسيا، وفي ذلك تقول المراجع: إن تجار المسلمين أنشئوا لأنفسهم مراكز تِجاريَّة على سواحل سومطرة وشبه جزيرة الملايو من وقت مبكِّر، ربما من أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث الهجريَّين، الثامن والتاسع الميلاديَّين، وقد أتى أوائل التجار من جزيرة العرب من: عُمَان، وحضرموت، والساحل الجنوبي لليمن، واتخذوا مراكزهم الأُولَى على الشاطئ الغربي لسومطرة، وكانوا يسمونها سمدرة، وكانوا أهلَ سُنَّةٍ على المَذْهَب الشَّافِعِيِّ، أمَّا الهنود فقد دخلوا الجُزُر بالمَذْهَب الحَنَفِيِّ[2]، وبعد ذلك وَصَل إلى هذه الجزر تُجَّار المسلمين من الهنود ومن شبه جزيرة الكَجَرَات.
كما تروي بعض كتب التاريخ أن بعض التجار الإندونيسيِّين قد وصلوا إلى بغداد أيَّام الخليفة العباسي هارون الرشيد، وعندما قَفَلوا راجعين كانوا يحملون بين جوانحهم عقيدة الإسلام، وعندما وَصَلُوا إلى بلادهم قاموا بدعوة واسعة النطاق لها[3].
وفي أوائل القرن التاسع الهجري الخامس عشر الميلادي بدأ الدِّينُ الإسلامي ينتشر بسرعة في أطراف الدولة، وأخذت السلاطين والقبائل المسلمة تُقَاوِم السلطة البوذيَّة في “جاوة”، وكان من أهمِّ تلك السلاطين المسلمة سلاطين “آشِنْ” في أقصى الشمال من جزيرة “سومطرة”، وسلاطين “مَلاكَا” في غربي شبه جزيرة “ملايا”، الذين أسَّسُوا تجارة مستقلَّة عن الدولة مع التُّجَّار المسلمين العرب والفرس والصينيين والهنود، وقد أسلم هؤلاء نتيجة احتكاكهم مع المسلمين العرب والفرس[4].
جاوه مركز إشعاع إسلامي
وقد كان لانتشار الإسلام أثره العميق في قيام ممالك إندونيسية متعددة في تلك الجزر، مثل مملكة “بنتام” التي أسَّسها الملك حسن الدين في جاوة الغربية، ومملكة “متارام” التي أقامها رجل عسكري يُدعى “سنافاني” في شرق جاوة؛ وبذلك أصبحت جزيرة جاوة مركز إشعاع للدِّينِ الإسلامي، وانتقل منها إلى غيرها من الجزر، وكان هناك أيضًا مملكة “آتشيه” في شمال سومطرة، ومملكة “ديماك” في وَسَط جاوة، والتي أقامها رمضان فاطمي عام 832هـ، وكذلك مملكة “بالمبانغ” في جنوب سومطرة[5].
وهكذا نرى أن الإسلام في مسيرته في جزر إندونيسيا قد قفز من مجموعة من الجُزُر إلى أخرى بسلام وبدون أي حرب، وفي هذا الجزء من العالم تقوم الآن جمهورية إندونيسيا، وهي أكبر بلد إسلامي على الأرض[6].
الإحتلال البرتغالي لإندونيسيا
الحقيقة أن جزر إندونيسيا تتمتَّع بموقع ممتاز وأهمية خاصَّة، وبموارد أَوَّلِيَّة ضخمة، وهو ما أطمع فيها الاستعمار بكل أصنافه؛ البرتغالي، والهولندي، والإنجليزي، والإسباني، والأمريكي؛ ففي الوقت الذي بدأ المسلمون يُثَبِّتُون أقدامهم في إندونيسيا كانت مخالب الأوروبيِّين من جهة ثانية تَنْشَب فيها لتَجِدَ لها مركزًا ثابتًا مستَقِرًّا في هذه المنطقة؛ وذلك لحقدهم الصليبي الذي حمل المظهر الاقتصادي بحاجتهم إلى التوابل المرتفعة الثمن في أوروبا[7].
وقد كانت البرتغال أُولَى الدول التي احتلَّت إندونيسيا، وقد نَشِبَتْ معاركُ شديدة بين الإندونيسيِّين من ناحية والبرتغاليِّين من ناحية أخرى، واتَّخذت تلك الحرب شكل الحروب الصليبية، وذلك نظرًا لقرب عهد البرتغاليين بمحاربة المسلمين والقضاء عليهم في الأندلس، ولقد كان من أهمِّ الدوافع التي حثَّت البرتغاليين على القيام بالحركة الكَشْفِيَّة – على رأيهم – هو ضَرْبُ اقتصاديَّات المسلمين، والسيطرة على تجارتهم، ومحاولةُ نَشْرِ النصرانية بالتعاون مع الأحباش، ولحقدهم على الإسلام استخدموا كافَّة وسائل الإرهاب والقمع الوحشي ضدَّ المسلمين، وقد توالت حملات البرتغاليِّين على هذه البلاد، ونجحوا في اتخاذ أتباعٍ ومؤيِّدين لسياستهم الاستعمارية في تلك البلاد، وكثُر وجود تجار أوروبا في إندونيسيا منذ ذلك الوقت.
وقد قاوم المسلمون في إندونيسيا الاحتلال البرتغالي، وقاموا بثورات متعدِّدة ضدَّ النصرانية، وخاصَّة بعد أن قُتِل أحد ملوك إندونيسيا غدرًا عام (978هـ= 1570م)، وهو هارون سلطان “ترنات”، والذي كانت سلطته تمتدُّ حتىالفلبين[8].
الإحتلال الهولندي لإندونيسيا
وظلَّ البرتغاليُّون يحتكرون نقل تجارة التوابل إلى أوروبا حتى عام (988هـ= 1580م)؛ حيث استولت إسبانيا على البرتغال، وآلت إليها الأخيرة بكلِّ ما لها من ممتلكات، ونظرًا لتحطُّم أسطول إسبانيا في معركة الأرمادا البحرية مع إنجلترا عام (997هـ= 1588م) لم تستطع أن تحُلَّ محلَّ البرتغاليِّين في إندونيسيا بالتقدُّم لاحتلال إندونيسيا[9].
وبعد أن حصلت هولندا على استقلالها لم تَعُدْ تخشى أسطول إسبانيا، وأصبحت تنتقل في تلك البحار دون خوف من مُنَازعٍ قويٍّ، وخرج أوَّل أسطول هولنديٌّ إلى الهند سنة 1590م، وبلغ الجزائر الإندونيسيَّة ثم عاد إلى هولندا، وكان هذا سببًا في تأسيس شركة الهند الشرقيَّة الهولنديَّة 1602م[10]، التي أعلنت في بادئ الأمر أن غرضها ليس إلا التجارة، ولكنها ما لبثت أن أخذت تحتكر الغلاَّت والمنتجات الزراعية، وتمتلك الأراضي مقابل دخل تدفعه الشركة للسلاطين[11].
وقد أخذ الهولنديون يبسطون سلطانهم، وأَخَذَ نفوذهم يتغلغل في أنحاء البلاد، ولما اشتدَّ ساعدهم لَجَئُوا إلى فرض سلطانهم بالقوَّة؛ فقاوم السكان المسلمون ذلك الوضع، وتدخَّلت الحكومة الهولندية لمواجهة هذه الثورة العارمة[12].
ولم يكن البرتغاليون والهولنديون وحدهم هم الذين حاولوا استعمار إندونيسيا، بل انضمَّت بريطانيا إليهم؛ فأقامت قلعة لها في (بان كولن) على الشاطئ الغربي لسومطرة في سنة 1714م وظلَّت هناك حتى سنة 1825م.
فسقطت إندونيسيا بذلك تحت حكم الشركة البريطانية للهند الشرقية في الفترة (1811- 1816م) أثناء حرب نابليون التي تَمَكَّن فيها من احتلال هولندا، ولكن بريطانيا وهولندا عقدتا معاهدة في لندن في 13 أغسطس سنة 1814م قَضَتْ بإعادة المستعمرات إلى هولندا عام 1803م، وبذلك استردَّت هولندا الجزر الإندونيسية من بريطانيا.
الإحتلال الياباني لإندونيسيا
وظلَّت هولندا وحدها في إندونيسيا منذ مطلع القرن السادس عشر؛ تستنزف خيراتها وتستولي على مُقَدَّرَاتها، وتقف حجر عَثْرَة في سبيل تقدُّمها ورُقِيِّها، حتى احْتَلَّت القوات اليابانية إندونيسيا في مارس 1942م بعد استسلام الجيش الهولندي أمام اليابان[13].
ولم يمضِ شهر على الاحتلال الياباني حتى صدر مرسوم بِحَلِّ الأحزاب السياسية جميعها، بل والمنظمات الأخرى، ومنعها من الاستمرار في نشاطها، وقد قام الإندونيسيون بحركات داخل بلادهم ضدَّ هذا الاحتلال، وبعد إلقاء القنبلة الذرية (1364هـ= 1945م) استسلمت اليابان، وبعد يومين فقط أُعْلِنَ عن قيام حكومة إندونيسية برئاسة أحمد سوكانو ونائبه محمد حتا[14].
إندونيسيا بين الفقر والتنصير
أما واقع إندونيسيا اليوم فإنها تعاني مشكلات متعددة، تتمثَّل في ضعف الإنتاج مقارنة بالإمكانات الطبيعية والمساحات الهائلة والأعداد الكبيرة من السكان، وكذلك ارتفاع نسبة الأمية والبطالة، حتى إن إندونيسيا، نتيجة البطالة العالية وازدياد الفقر وانخفاض مستوى المعيشة، صارت في العقود الأخيرة من أكبر المصدِّرين للعمالة البشرية الرخيصة إلى الدول الأخرى، حتى في أبسط الأعمال والمهن.
وقد أغرى هذا الوضع المُزْرِي الحركات التنصيرية في العالم، فنشطت منذ منتصف القرن العشرين للعمل الحثيث من أجل تنصير إندونيسيا، حيث تمتلك الحركات التنصيرية إمكانيات تفوق ميزانيات كثير من الدول، وقنوات تلفزيونية، وعشرات الصحف والمجلات، وقد بدأت هذه الجهود تؤتي أكلها؛ حيث انخفضت نسبة المسلمين من 97% إلى 85%، فوقعت كثير من المناطق في قبضة التنصيريين، مثل نوسا تنجار الشرقية، التي أصبحت نسبة المسلمين فيها 9.12 %، وهي تتكون من 111 جزيرة أكبرها تيمور، وأغلب السكان فيها صاروا نصارى.
________________________________________
[1] محمود قمر: الإسلام والمسلمون في جنوب شرق آسيا ص43.
[2] حسين مؤنس: أطلس تاريخ الإسلام ص380.
[3] محمود شاكر: التاريخ الإسلامي 20/368.
[4] فايز صالح أبو جابر: الاستعمار في جنوب شرقي آسيا ص174.
[5] إسماعيل أحمد ياغي ومحمود شاكر: تاريخ العالم الإسلامي الحديث والمعاصر 1/287.
[6] حسين مؤنس: أطلس تاريخ الإسلام ص381.
[7] إسماعيل أحمد ياغي ومحمود شاكر: تاريخ العالم الإسلامي الحديث والمعاصر 1/287.
[8] تاريخ العالم الحديث والمعاصر 1/ 289.
[9] المصدر السابق، الصفحة نفسها.
[10] مصطفى رمضان: الإسلام والمسلمون في جنوب شرق أسيا، ص7
[11] محمود السيد: تاريخ دول جنوب شرق آسيا، ص94.
[12] مصطفى رمضان: الإسلام والمسلمون في جنوب شرقي آسيا، ص8.
[13] المصدر السابق، الصفحة نفسها.
[14] راجع محمود شاكر: التاريخ الإسلامي 2/ 386، 387.
المصدر:قصة الإسلام