لم يتبق من قبور الأنبياء إلا قبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم
السبت،19 ذوالقعدة1435ه الموافق13 أيلول/سبتمبر2014 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
قيس الكلبي
لم يتبقَّ من قبور الأنبياء
إلا قبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم
بني مسجد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في عهده وهو إمام المسلمين، وحيث إن بيته كان ملاصقًا للمسجد – وخاصة حجرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من جهة الشمال – وفي الترمذي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((ما قبض الله نبيًّا إلا في الموضع الذي يُحبُّ أن يُدفَن فيه))، فلذا حينما مات الرسول في حجرة عائشة فحُفر له قبر تحت سريره، وبُني القبر من التراب، وارتفاعه لم يزد إلا شِبرًا، فالرسول دفن في بيته، ولكن الخليفة الوليد بن عبدالملك حينما وسع المسجد فما كان للبيت أن يكون داخل المسجد، وهذا خطأ، ظن الناس أن القبر داخل المسجد، ومع هذا فإن القبر ظل ملاصقًا للمسجد، وبقي القبر مفصولاً بقضبان وجدار، دفن بجواره أبو بكر وعمر وبقي قبر رابع وقيل: إنه سيُقبَر فيه المسيح عيسى عليه السلام بعد نزوله من السماء، وهذا لم يثبت في الأحاديث وفيه ضعف، ولكن لا يُستبعد، والله أعلم، وقال الرسول: ((اللهم لا تجعل قبري وثنًا يُعبَد))، والحمد لله؛ فقد لبى الله دعاءه، وهو القبر الوحيد الذي لم يُتَّخذ للعبادة من دون الصالحين والعظماء، وقال الرسول: ((ما بين منبري وبيتي روضة من رياض الجنة))، فهذه نبوءة، ولا يجوز اتخاذ هذا الموضع من الخصوصية بالصلاة والاعتكاف، بل كل المسجد والصلاة فيه بنفْس الأجر، ولم يأمرنا الرسول باتخاذه مصلى كما أمرَنا الله: ﴿ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ﴾ [البقرة: 125] في المسجد الحرام، فلا يجوز التنافس والمنازعةعلى هذا الموضع في المسجد النبوي.
التوسعة للمسجد في كل الفترات التاريخية من جهة الشمال والغرب، وليس التوسعة من جهة الجنوب؛ حيث القبلة، ولا من الشرق حيث قبر الرسول حتى لا يكون القبر في وسط أو في داخل المسجد.
وقع سنة (557 هـ) أن رأى السلطان نور الدين رحمه الله في نومه النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو يشير إلى رجلين أشقرين ويقول: ((أنقذني من هذين))، فاستيقظ فزعًا، ورآه ٣ مرات، وكان له وزير من الصالحين يقال له: جمال الدين الموصلي، وحكى له ما وقع له، فقال له: اخرج الآن إلى المدينة النبوية، واكتم ما رأيت، فقال الوزير: وقد اجتمع أهل المدينة في المسجد: إن السلطان قصد زيارة النبي صلى الله عليه وسلم، وأحضر معه أموالاً للصدقة، وكل من حضر يأخذ يتأمله ليجد فيه الصفة التي أراها النبي صلى الله عليه وسلم له فلا يجد تلك الصفة، فقال السلطان: هل بقي أحد لم يأخذ شيئًا من الصدقة؟ فقالوا: لم يبقَ أحدٌ إلا رجلين مغربيين لا يتناولان من أحد شيئًا، وهما صالحان غنيان، يُكثران الصدقة على المحاويج، فانشرح صدره وقال: عليَّ بهما، فأُتي بهما فرآهما الرجلين اللذين أشار النبي صلى الله عليه وسلم إليهما، فقالا: جئنا حاجين، فاخترنا المجاورة في هذا المقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأثنى عليهما أهل المدينة بكثرة الصيام والصدقة، وبقي السلطان يطوف في البيت بنفسه، فرفع حصيرًا في البيت، فرأى سردابًا محفورًا ينتهي إلى صوب الحجرة الشريفة، فاعترَفا بأنهما نصرانيان، بعثهما النصارى في حُجَّاج المغاربة، وأعطوهما أموالاً عظيمة، وأمروهما بالتحيُّل لسرقة جسد النبي صلى الله عليه وسلم، فلما اعترَفا، أمر بضرب رقابهما، ثم أمر بإحضار رصاص عظيم، وحفر خندقًا عظيمًا حول الحجرة الشريفة كلها، وأذيب ذلك الرصاص، ومُلئ به الخندق، فصار حول الحجرة الشريفة سور رصاص، ذكر هذه الحادثة: جمال الدين عبدالرحيم بن الحسن بن علي الإسنوي (ت: 772 هـ) في رسالة له اسمها: “نصيحة أولي الألباب في منع استخدام النصارى”.
ولما ظهر بتستر قبر دانيال، وكانوا يستسقون به، كتب فيه أبو موسى الأشعري إلى عمر بن الخطاب، فكتب إليه يأمره أن يحفر بالنهار ثلاثة عشر قبرًا ويدفنه بالليل في واحد منها، ويُعفي القبور كلها لئلا يفتتن به الناس.
حدثنا أبو العالية قال: لما فتحْنا تستر وجدنا في بيت مال الهرمزان سريرًا عليه رجل ميت عند رأسه مصحف له، فأخذنا المصحف فحملناه إلى عمر بن الخطاب فدعا له كعبًا فنسخه بالعربية، فأنا أول رجل من العرب قرأه، قرأته مثلما قرأ القرآن هذا، فقلت لأبى العالية: ما كان فيه؟ قال: سيرتكم وأموركم ولحون كلامكم وما هو كائن بعد، قال: حفرنا بالنهار ثلاثة عشر قبرًا متفرِّقة، فلما كان بالليل دفناه وسوَّينا القبور كلها لنُعمِّيه على الناس لا ينبشونه، قال: كانت السماء إذا حبست عنهم برزوا بسريره فيُمطَرون، وفيه حديث الرسول على أن دانيال دعا الله أن تدفنه أمة محمد، فهكذا يفعل الصحابة لأي قبر يمر في فتوحاتهم لأي رجل صالح أو لأي نبي، فلم يكتب بتاريخنا الإسلامي أن الصحابة في فتوحاتهم رأوا قبرًا للأنبياء، سواء إبراهيم أو يونس أو صالح أو يحيى.
إن هذه المقابر المنسوبة لهؤلاء الأنبياء قد وجدت في مواضع مختلفة، فليس لموسى قبر؛ باعتبار اليهود يعتقدون أن موسى ترك قومه والله تكفل بدفنه، وأنهم لا يعرفون مكانه حسب ما ذُكر في سفر التثنية٣٤: “ودفنه الله في الوادي في أرض مواب”.
أما عيسى فرفعه الله حتى لا يكون له قبر، فلربما يفتتن به بعض المسلمين ومنهم النصارى على العموم.
فلنضرب أمثلة لتضارب مواقع القبور؛ حيث يوجد قبور للحسين بن على في العراق وفي سوريا وفي مصر، ولزينب قبر في مصر والآخر في سوريا، ويوجد قبور للفتية لأصحاب الكهف في الأردن وفي جبل قاسيون في سوريا وفي قبرص وفي إسبانيا، و٤٤ مدينة في تركيا وفي كل مدينة تدَّعي أن فيها قبورًا لهؤلاء الفتيه، وكذلك قاتل عمر بن الخطاب رضي الله أبو لؤلؤة فيروز المجوسي الذي قُتل في المدينة وفي نفس الوقت له ضريح في إيران للزيارة وتقديم التقديس والاحترام إليه.
فكيفية التعامل مع هذه القبور التي اتخذها الناس مساجد وتعودوا عليها، أن تقوم الجهات الحكومية والمؤسسات الدينية بتكثيف تثقيف الناس وتوعيتهم باللجوء إلى الله والتضرُّع والابتهال إليه ليقضي حاجاتهم، وبالاتفاق والمشورة بين الجهات الرسمية والدينية برفع رفات أي قبر في أي مسجد إن كان هناك رفات، مع الاحترام، ويخرج من المسجد ليلاً ويوضع ذلك الرفات في مقابر المسلمين مع طمس معالمه، وإن لم يجدوا شيئًا فتُسوى الأرض، وليس هناك داعٍ لهدم المسجد، بل ينبغي الحفاظ عليه وإزالة كل ما يخالف الشرع بالحسنى، ومن دون أي إثارة للفتن بين الناس، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
• ولمزيد من المعلومات اقرأ كتاب: قيس الكلبي: “النبي محمد خاتم الرسل في التوراة والإنجيل”.
المصدر:الألوكة