لماذا تجنبت واشنطن تفجير المستودعات واختارت الفجر لشن الهجوم؟
واشنطن (معراج) – شنَّ الجيش الأميركي هجوماً صاروخياً كثيفاً على أحد المطارات السورية؛ رداً على استخدام بشار الأسد الأسلحة الكيماوية عشوائياً في أحدث هجوم قامت به قوات النظام السوري على بلدة خان شيخون.
وحوَّل دونالد ترامب، الذي أبدى ارتياحه لبقاء الأسد في السلطة على مدار سنوات، مساره بصورةٍ مفاجئة بعد رؤيته صور الأطفال الذين تعرَّضوا للغاز حتى الموت في محافظة إدلب، بعد إطلاق الأسد غاز السارين على المدنيين، حسبما ذكرت صحيفة “الغادريان” البريطانية ، وفق السبيل.
وبحسب بعض المسؤولين الأميركيين، فإنَّ ترامب قد فعل ما يراه صواباً بعد أن شاهد صوراً مروعة للضحايا الأطفال في الهجوم.
وكانت الرسالة من وراء هذا الهجوم واضحة لا لبس فيها، وهي أنَّه إذا حدث شيءٌ غير مقبول، في أي مكان بالعالم، لن يتردد ترامب في استخدام القوة، وفق صحيفة “التليغراف”.
وسجَّلت الضربة -التي شملت إطلاق 59 صاروخ كروز من طراز توماهوك من مُدمِّرتي الصواريخ الموجَّهة”يو إس إس روس” و”بورتر” الموجودتين شرق البحر المتوسط- المرة الأولى التي تصبح الولايات المتحدة فيها مقاتلاً مباشراً ضد النظام السوري.
وحددت الاستخبارات الأميركية قاعدة الشعيرات الجوية كنقطة انطلاق للطائرات التي هاجمت المدنيين في إدلب باستخدام غاز السارين منذ أيام.
وعلى الرغم من أنَّ الولايات المتحدة استهدفت بعض أقوى الدفاعات الجوية في سوريا، فإنَّها لم تفعل ذلك بصورةٍ كبيرة كثيراً خارج الشعيرات، كما لم تستخدم وابلاً من النيران المتواصلة، كما هو الحال عادةً قبل إطلاق حملةٍ جوية مُعدَّة. وقالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، إنها بدلاً من ذلك، هاجمت “الطائرات ومستودعات الطائرات المُحصَّنة، والمخازن النفطية واللوجيستية، ومستودعات إمدادات الذخيرة، وأنظمة الدفاع الجوي، والرادارات” في المطار.
ورغم أنَّ ترامب لم يحصل على تفويض الكونغرس والمجتمع الدولي من أجل الضربات، فإنَّ ساسة أميركيين بارزين قدَّموا له الغطاء السياسي على الفور.
وقال ترامب مساء الخميس، 6 أبريل/نيسان 2017، في منتجع مارالاغو، إنَّه أمر بـ”ضربةٍ عسكرية مُوجَّهة على المطار الذي انطلقت منه الأسلحة الكيماوية في سوريا“.
ضربة واحدة أم أكثر من ذلك
وبعد يومٍ محموم من المشاورات مع المستشارين العسكريين -من ضمنهم وزير الدفاع جيمس ماتيس ومستشار الأمن القومي الجنرال هربرت ماكماستر- قال ترامب إنَّ منع الولايات المتحدة لـ”انتشار واستخدام الأسلحة الكيماوية المُميتة” بعد أنَّ “فشلت، وفشلت بصورةٍ كبيرة للغاية” جهودٍ سابقة لتعديل سلوك الأسد، كان “مصلحةً أمنية قومية حيوية“.
ومع ذلك، دعا ترامب أيضاً المجتمع الدولي لـ”الانضمام إلينا في السعي إلى إنهاء المذابح وإراقة الدماء في سوريا، وأيضاً لإنهاء الإرهاب من الأشكال والأنواع كافة”، تاركاً الأمر مبهماً حول ما إذا كان هدف الولايات المتحدة هو الانتقام من هجوم غاز السارين، وتدمير مخزونات الأسد الكيماوية، أم حملةٍ لإزاحة الأسد عن السلطة.
وقال البنتاغون من جانبه إنَّ الضربة “كانت تهدف إلى ردع النظام عن استخدام الأسلحة الكيماوية مرةً أخرى“.
ويوم الثلاثاء 4 أبريل/نيسان 2017، قُتِل العشرات من المدنيين من بينهم أطفال، جرَّاء هجومٍ على ما يبدو بغاز أعصابٍ على بلدة خان شيخون، في منطقةٍ تسيطر عليها المعارضة المناوئة لنظام الأسد.
وكان ترامب قد حذَّر بالفعل من أنَّ الصور التليفزيونية الصادِمة للأطفال قد غيَّرت نظرته. وجاءت الضربة الجوية، بينما كان الرئيس الأميركي يستضيف الرئيس الصيني شي جين بينغ في منزله (ترامب) بمنتجع مارالاغو في فلوريدا.
وفي 2013، استخدمت قوات الأسد أسلحةً كيماوية، من ضمنها السارين والكلور، وقتلت أكثر من 1000 شخص. وهدَّد باراك أوباما بعملٍ عسكري على خلفية استخدام الأسد غاز السارين، وهو سلاحٌ مُحرَّم، لكنَّ الكونغرس عارض ذلك، وتدخَّلت روسيا لتقوم بصفقةٍ سلَّم فيها الأسد مخزوناته من تلك الأسلحة.
ما هي صواريخ توماهوك؟
وتُعَد صواريخ توماهوك المُستخدَمة صواريخ معقدة لديها القدرة على تغيير مسارها في الهواء، ما يجعلها شبيهةً بالطائرات من دون طيَّار، لكن في مهمة ذات اتجاهٍ واحد. وأثارت الدفاعات الجوية السورية الهائلة التي أمدّتها بها روسيا، والمنتشرة على طول ساحل البحر المتوسط، طويلاً، تحذيراتٍ من المسؤولين العسكريين الأميركيين من مهاجمة الأسد.
ومنذ أن أرسلت روسيا طائراتها وقواتها وجنودها لدعم الأسد أواخر 2015، تزايدت حظوظ الرئيس السوري بصورةٍ كبيرة، واستعاد الأرض من المعارضة السورية المُنقسِمة والمُحاصرة. وأثار تصاعد الوجود الروسي المخاطر بالنسبة للمُخطِّطين العسكريين الأميركيين بصورةٍ كبيرة، وذلك مع تقليص احتمال قتل الجنود الروس عن طريق الخطأ وإشعال حربٍ أكبر مع قوةٍ نووية.
واشنطن أخطرت موسكو بالضربة.. فهل بلغ الروس حليفهم السوري؟
لكنَّ الجيش وبحسب المُتحدِّث باسم “البنتاغون” النقيب جيف ديفيس، أخطر القوات الروسية قبل الضربة، مُستخدِماً قناة اتصالٍ أُقيمت من أجل ضمان عدم دخول الطيارين الأميركيين الذين يهاجمون أهداف تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) شرق سوريا في صدامٍ دون قصدٍ مع نظرائهم الروس.
ونقلت روسيا، على الأرجح، التحذير إلى حلفائها السوريين. وتمتلك الولايات المتحدة نحو 1000 جندي في سوريا، ربما يتعرَّضون للخطر نتيجة الضربات.
وقال ديفيس: “إنَّنا نُقيِّم نتائج الضربة. وتشير الدلائل الأولية إلى أنَّ هذه الضربة قد أضرّت بشدة أو دمَّرت المطار السوري والبنية التحتية والمعدات الداعمة في مطار الشعيرات، ما يُقلِّل قدرة الحكومة السورية على إطلاق الأسلحة الكيماوية“.
ما الذي تجنبت الطائرات الأمريكية ضربه في مطار الشعيرات؟
وقال ديفيس إنَّ قاعدة الشعيرات استُخدِمت لتخزين الأسلحة الكيماوية التي استخدمها النظام حتى عام 2013، حينما تم التوصُّل إلى صفقةٍ مع الولايات المتحدة وروسيا للتخلُّص من ترسانته المُعلنة. وقال إنَّها استُخدِمت لإطلاق الأسلحة الكيماوية التي أُلقيت على خان شيخون الثلاثاء، لكنَّه لم يستطع تأكيد ما إذا كانت أية أسلحةٍ كيماوية لا تزال موجودة في الموقع. ومع ذلك، شدَّد على أنَّ الأهداف قد اختيرت بعناية لتجنُّب مخاطر إصابة تلك الأسلحة.
وبدأت الصواريخ في إصابة قاعدة الشعيرات في الساعة الثالثة وخمس وأربعين دقيقة صباحاً بتوقيت سوريا، ونحو الساعة 8:40 مساءً بتوقيت شرق الولايات المتحدة، وكان اختيار ذلك التوقيت ومهاجمة القاعدة أثناء الليل يهدف إلى تجنُّب وقوع أي إصابات.
وباستخدام الأقمار الصناعية، تحكمت القوات الأميركية في الصواريخ الـ59 من طراز توماهوك، حيث استمرت في الانهمار على القاعدة العسكرية من 3 إلى 4 دقائق.
وقال ديفيس: “كانت الأماكن التي استهدفناها هي الأشياء التي جعلت المطار يعمل. إنَّها المرافق النفطية، ورادار الطائرات، الذي يستخدمونه للإقلاع والهبوط، فضلاً عن رادار الدفاع الجوي. إنَّها المواقع تحديداً التي تجعله يعمل، بالإضافة إلى حظائر الطائرات والمطار نفسه“.
ووضح فيديو نشرته وزارة الدفاع الأميركية أنَّ الصواريخ أُطلِقَت من مدمرتين أميركيتين موجودتين بشرق البحر المتوسط، وهما “يو إس إس روس”، و”يو إس إس بورتر“.
ويبدو أنَّ الهدف من نشر ذلك الفيديو، والذي جرت إذاعته بشكلٍ متكرر ومستمر على القنوات الأميركية، هو الإشارة بوضوح إلى قوة الجيش الأميركي.
لماذا صواريخ توماهوك بالذات؟
يمكن لصواريخ توماهوك حمل رؤوس حربية وزنها ألف رطل، ويمكنها إصابة أهداف على بعد ألف ميل.
استُخدِمت تلك الصواريخ في تنفيذ هجماتٍ عديدة خلال حرب الخليج عام 1991. وفي سبتمبر/أيلول الماضي، أطلقت القوات الأميركية 47 صاروخ توماهوك على مجموعة مرتبطة بتنظيم القاعدة في سوريا.
وفضَّلت القوات الأميركية مهاجمة قاعدة الشعيرات بإطلاق صواريخ توماهوك من المدمرات الأميركية بدلاً من قصفها بالطائرات لعدة أسباب، أبرزها رغبة الجيش الأميركي في عدم المخاطرة بحياة الطيَّارين الأميركيين.
كما أنَّ أقرب قاعدة جوية يمكن للجيش الأميركي إطلاق طائراته منها هي قاعدة إنجرليك التركية، وهو الأمر الذي كان سيتطلب دعم تركيا للهجوم.
وإن احتاجت القوات الأميركية إلى استخدام الطائرات الحربي في المستقبل، فلديها طائرات هارير على متن السفن الحربية في البحر المتوسط، كما توجد حالة الطائرات “يو إس إس جورج بوش” في الخليج العربي.
تغير في الموقف الأميركي
وحذَّر مُحلِّلو الدفاع الأميركيين، على مدى سنواتٍ، من مهاجمة الأسد دون خطة تتعلَّق بما تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيقه أو لما ستبدو عليه سوريا ما بعد الأسد.
وأكَّد ديفيس الاحتياطات التي اتَّخذها الجيش الأميركي لتجنُّب قتل الجنود الروس الذين يقيمون بمجمَّعهم الخاص في الشعيرات، مشيراً إلا أنَّ وقت الهجوم في الصباح الباكر وخيارات الأهداف تجعل وجود أشخاص داخلها أمراً مستبعداً.
ولم يمنح الكونغرس الأميركي أو الأمم المتحدة تفويضاً للحرب ضد الأسد، الذي استوحش ضد شعبه وليس ضد الولايات المتحدة. وقالت ماري إلين أوكونيل، أستاذة القانون الدولي بجامعة نوتردام، إنَّ الولايات المتحدة لا تمتلك أساساً قانونياً للعمل العسكري.
وقالت ماري: “بموجب القانون الدولي، ليس لديه أي حق في مهاجمة الأسد. ومن شأن ذلك أن يكون هجوماً انتقامياً. ولن تجد أي مُتخصِّصين في القانون الدولي يعثرون على حقٍ قانوني للقيام بعملٍ انتقامي“.
لقد كان ذلك تغيُّراً جذرياً بالنسبة لترامب.
وعلى مدار سنوات، كان ترامب يرفض أي هجومٍ على الأسد باعتبار أنه سيكون حماقةً استراتيجية، على الرغم من أن الهجمات الكيماوية المُتكرِّرة هي التي أدت إلى الضربات الصاروخية التي وقعت فجر الجمعة بتوقيت سوريا.
وفي أعقاب تدخُّل روسيا في الصراع، هاجم ترامب انفتاح منافسته هيلاري كلينتون على القيام بضرباتٍ تستهدف قوات الأسد باعتبارها ستؤدي إلى صراعٍ مُدمِّر مع روسيا. وقبل أيامٍ فقط، أصدر وزير خارجيته، ريكس تيلرسون، ومندوبة بلاده لدى الأمم المتحدة، نيكي هيلي، تصريحاتٍ أشارت إلى أنَّ ترامب كان على استعدادٍ للسماح ببقاء الأسد، الذي وصف ترامب في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بأنَّه “حليفٌ طبيعي” في السلطة.
لكن في وقتٍ مبكر من صباح الخميس، وفي أعقاب غضب ترامب العلني من الأسد بسبب هجوم غاز السارين، قال الوزير ريكس تيلرسون إنَّه “لم يعد هناك دورٌ للأسد في حكم الشعب السوري”، ودعا روسيا، حيث سيسافر الأسبوع المقبل، إلى “النظر بعنايةٍ” في دعمها للديكتاتور السوري.
وأشار تيلرسون إلى “خطواتٍ جارية” لحشد تحالفٍ دولي لإزاحة الأسد دبلوماسياً، وهو الهدف الذي أحبطته موسكو وبكين طويلاً.
ووقف منتقدا ترامب، جون ماكين وليندسي غراهام، اللذان كانا وقتاً طويلاً حادَّين في موقفيهما من سوريا، خلف ترامب في شنّ الهجوم الذي حثَّا عليه على مدار سنوات.
وقال غراهام وماكين في بيانٍ مشترك، إنَّ ترامب والجيش قد “بعثا برسالةٍ مهمة بأنَّ الولايات المتحدة لن تقف مكتوفة الأيدي بعد الآن بينما يذبح الأسد، بدعمٍ وتحريض من روسيا بوتين، الأبرياء السوريين بالأسلحة الكيماوية والبراميل المُتفجِّرة“.
وانضم السيناتور الديمقراطي البارز في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي، بن كاردين، إلى هذا الدعم، لكنَّه حذَّر ترامب من أنَّ “أية عمليةٍ عسكرية أطول مدى أو أكبر في سوريا من قِبَل إدارة ترامب يجب أن تجري بالتشاور مع الكونغرس. وعلاوة على ذلك، فإنَّ من مسؤولية الرئيس إخطار السلطة التشريعية والشعب الأميركي بسياسته الأكبر في سوريا، بالإضافة إلى الأساس القانوني لهذا العمل وأي نشاطٍ عسكري إضافي في ذلك البلد“.
وكالة معراج للأنباء الإسلامية