لماذا تغلق إسرائيل معبر “إيرز” بوجه عمال غزة؟ (تقرير)

غزة ، مينا – منذ عامين، يتوجه آلاف الفلسطينيين من قطاع غزة للعمل في الضفة الغربية وإسرائيل بناء على تصاريح تقدمها الأخيرة تتيح لهم المرور عبر معبر بيت حانون “إيرز”، للوصول إلى أماكن عملهم، في ظروف اقتصادية صعبة يمر بها القطاع المحاصر منذ 17 عاما.

هذه التصاريح، يرى خبراء اقتصاديون ومحللون سياسيون وفق حديث لهم مع الأناضول، أنها باتت ورقة ضغط وتهديد تستخدمها إسرائيل لتحقيق مكاسب على نطاقين اثنين.

النطاق الأول مرتبط بشكل أساسي بتحقيق مكاسب أمنية من حركة المقاومة الإسلامية “حماس” التي تدير القطاع، والضغط عليها لاستعادة حالة الهدوء، وفق الأناضول.

أما النطاق الثاني فيتمثل بتحقيق مكاسب من خلال كي وعي الفلسطينيين وردعهم عن المشاركة في أي أعمال فردية أو جماعية ضد إسرائيل، من خلال تهديد العمال بسحب تصاريحهم في حال شاركوا هم أو أحد أقربائهم في هذه الأعمال.

مطلع سبتمبر/ أيلول الجاري انطلقت تظاهرات شبابية يومية قرب السياج الأمني الفاصل بين شرق قطاع غزة وإسرائيل، نصرة لقضايا وطنية من بينها المسجد الأقصى والأسرى، وللمطالبة بكسر الحصار الإسرائيلي عن القطاع.

إسرائيل قمعت هذه التظاهرات بإطلاق النار وقنابل الغاز صوب المتظاهرين الذين استخدموا بدورهم المفرقعات النارية وغيرها من الأدوات وصولا للأدوات الخشنة والمتمثلة بالبالونات الحارقة.

وبالتزامن مع هذه التظاهرات، نشر منسق أعمال حكومة إسرائيل بالأراضي الفلسطينية غسان عليان، على فيسبوك مقاطع صوتية (ممولة) لمكالمات هاتفية أجراها الجيش مع عمال من غزة يبلغهم بها بسحب تصاريحهم جراء مشاركة أحد أقاربهم في التظاهرات الحدودية.

إلى جانب ذلك، تواصل السلطات الإسرائيلية إغلاق معبر بيت حانون (شمال) أمام العمال لليوم العاشر على التوالي، مسببا لهم خسائر تزيد عن 11 مليون دولار أمريكي؛ وفق الخبراء.

وقال منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في 17 سبتمبر، إنه تقرر تأجيل فتح معبر بيت حانون أمام العمال لـ 24 ساعة أخرى عقب إغلاقه لمدة 3 أيام بمناسبة عيد رأس السنة العبرية.

اقرأ أيضا  قصف مدفعي للاحتلال على موقع لـ"القسام" في غزة

وليلة السبت، جددت إسرائيل إغلاقها للمعابر الفلسطينية بحجة عيد “يوم الغفران”، حيث سيستمر حتى منتصف ليلة الإثنين.

ولم تفصح إسرائيل إذا ما كانت ستعاود فتح المعبر أمام العمال، إذ قال المنسق عليان، الخميس، إن إعادة فتح المعبر سيتم تحديده “وفقا لتقييم الأوضاع في غزة”.

عقوبات جماعية

رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين في قطاع غزة سامي العمصي، قال إن إغلاق المعبر لمدة 10 أيام متتالية يكبد عمال غزة خسائر كبيرة تزيد عن 11 مليون دولار أمريكي.

وأضاف في حديثه للأناضول: “هذه الخسائر كبيرة بالنسبة للعمال الذين يعانون من أوضاع اقتصادية صعبة جراء استمرار الحصار، والذين حصلوا أصلا على تصاريحهم قبل أشهر قليلة فقط لم تتح لهم فرصة تحسين أوضاعهم المادية”.

وأوضح أن إسرائيل تفرض “عقابها الجماعي المخالف لكافة المعايير والمواثيق الدولية والأممية على آلاف العمال، بحجج واهية لتحقيق أهداف أمنية”.

كما طالب بـ”الضغط على إسرائيل لعدم استغلال العمال وحاجاتهم”، لافتا إلى أن نقابته تواصلت مع “كافة الجهات ذات الاختصاص لإلزام الاحتلال بذلك”.

تحقيق الهدوء

بدوره، قال المحلل السياسي أسامة محمد، إن إسرائيل تحاول “فرض محددات وقواعد ميدانية للتعامل مع المتظاهرين ومواجهة منظمي المسيرات قرب حدود غزة، بما يحقق لها أكبر قدر من الهدوء”.

وأضاف للأناضول: “إسرائيل في ظل التحديات السياسية والأمنية التي تواجهها، تريد منع تدهور الأوضاع الأمنية بغزة إلى مواجهة عسكرية قد تبدأ محدودة ومن ثم تتدحرج لمواجهة واسعة، خاصة وأنها مرت بتجربة المسيرات الحدودية وتداعياتها خلال عامي 2018 و2019”.

ومن ذلك المنطلق، فإن سياسة إسرائيل في مواجهة المتظاهرين واستعادة الهدوء بغزة تراوح بين “استخدام الأدوات العسكرية والأداة الاقتصادية كرفض بعض تصاريح العمال وإغلاق المعبر أمامهم، وغيرها من الوسائل الناعمة التي تعتبرها إسرائيل فاعلة”، وفق قوله.

اقرأ أيضا  غزة.. مهرجان في الذكرى الـ53 لحرق المسجد الأقصى

وخلال الأيام الماضية، قصفت إسرائيل مواقع عسكرية تتبع لفصائل فلسطينية قرب المنطقة الحدودية على طول قطاع غزة.

وأوضح محمد أن إسرائيل تعتبر هذه المحددات والأدوات “التي تعد أقل كلفة على المستويين الميداني والعسكري، فاعلة في ردع الفلسطينيين عن التظاهر وتخفيف حدة التوتر”، مستكملا “لكن هذه الأدوات وعلى أرض الميدان أثبتت فشلها خلال السنوات الماضية”.

ردع الفلسطينيين

المختص في الشأن الإسرائيلي شاكر شبات، قال إن “إسرائيل على مدار سنوات احتلالها تمتهن سياسة العقوبات الجماعية في أي مكان من الأراضي الفلسطينية لردع السكان من الانخراط في المقاومة”.

وأضاف في حديثه للأناضول: “منع العمال من المرور عبر إيرز، يأتي في محاولة للتضييق على الحاضنة الشعبية للمقاومة، وإيصال رسالة أنه في أي عمل مقاوم هذه الحاضنة ستتعرض للمضايقات”.

وبيّن أن هذه السياسة وفرض العقوبات الاقتصادية على الفلسطينيين لردهم من الأدوات “القديمة الحديثة التي تتبعها إسرائيل؛ حيث سبق لها وأن مارست سياسة تضييق مساحات الصيد بغزة وإغلاق المعبر بشكل كامل أو جزئي وفرض تشديدات على دخول البضائع وغيرها من السياسات”.

وأوضح أن هذه السياسة على مدار العقود الماضية، أثبتت “فشلها خاصة وأن المقاومة، بأدواتها ووسائلها المختلفة ما زالت تشتعل سواء في الضفة أو غزة رغم كافة العقوبات”.

وأشار إلى أن هذه العقوبات قد تدفع “الفلسطينيين لردود فعل عكس ما تتوقعه إسرائيل، وهو دفعهم للانخراط في المقاومة، ردا على هذه الانتهاكات والعقوبات”.

خسائر مركبة

من جانبه، قال مختص الشأن الاقتصادي أسامة نوفل، إن استمرار إغلاق المعبر أمام عمال غزة يتسبب بخسائر مركبة، ليس فقط للفلسطينيين العاملين في الضفة وإسرائيل إنما لفلسطينيين آخرين يعملون في القطاع في مجالات تشغلها أموال هؤلاء العمال.

اقرأ أيضا  حماس تعتقل أفرادا شاركوا بنشاط "تطبيعي" مع إسرائيل

وأضاف للأناضول: “مدخولات العمال اليومية من العمل في إسرائيل تقدر بنحو مليون ونصف المليون دولار يوميا، هذه الأموال يتم ضخها في السوق المحلية بغزة لتولد بدورها أضعاف هذا المبلغ سواء في قطاع بناء المنازل أو الاستثمارات (…) فهذا كله يرتبط بالاقتصاد الفلسطيني”.

وأوضح أن عائلات العمال ما لبثت وأن بدأت تتنفس بعد الضغوط الاقتصادية الكبيرة التي فرضتها عليهم البطالة جراء الحصار إلا أنها عادت لهذا الضيق ثانية جراء إغلاق المعبر ورفض بعض التصاريح.

وأشار إلى أن هذه العقوبات تمثل “وسيلة ضغط على غزة في المفاوضات غير المباشرة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل”.

ولفت إلى أن إغلاق المعبر سياسية تستخدمها إسرائيل ضد غزة لأول مرة منذ عام 2008، حيث كانت تمنع في السابق إصدار التصاريح لهم، لكنها ومع ضغوطات دولية ومصرية سمحت لهم بالمرور عبر إيرز للعمل في إسرائيل والضفة.

وختم قوله قائلا إن “مسلسل العقوبات على غزة كبير جدا، بدءا بمنع إدخال السلع والمعدات والمواد الخام المشغلة للمصانع والقطاعات الإنتاجية، وصولا إلى ما حدث مؤخرا من منع العمال”.

وبحسب وزارة العمل في غزة، وصل عدد الفلسطينيين من القطاع الحاصلين على تصاريح للعمل في إسرائيل حوالي 18 ألفا و500 عامل، حيث وافقت إسرائيل على إصدار هذه التصاريح في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2021.

وكالة مينا للأنباء