ما هي الفاضحة المخزية؟!
الخميس17 شعبان1436//4 يونيو/حزيران 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
أحمد الزرقان
عالج القرآن الكريم النفاق في سور وآيات أخذت حجماً لا بأس به من كتاب الله لخطورة هذه الآفة الغادرة والقاتلة، فثمة سورة باسم المنافقين، ولا تكاد تخلو سورة مدنية من ذكر المنافقين، ووصف أحوالهم ودواخلهم ومكائدهم ومؤامراتهم.
وكشفت سورة المنافقين هذا النفاق العقدي وادعائهم الإيمان إذ ابتدأت بـ(إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون.. اتخذوا أيمانهم جُنّة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون.. ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطُبع على قلوبهم فهم لا يفقهون) (1-3/ المنافقون).
ثم جاءت سورة «براءة» أو التوبة هذه السورة التي سميت بأسماء كثيرة (الفاضحة، والمخزية….) وكشفت هذه السورة أدق تفاصيل صفات المنافقين، وفضحت نفسياتهم المريضة، وأظهرت ما يخبئون في دواخلهم السوداء من حقد وحسد ومؤامرة على الإسلام والمسلمين، وبينت خبثهم وأكاذيبهم ومكائدهم ودسائسهم وعدائهم للحق وأهله، وعرَّت اشخاصهم بصفاتهم الدنيئة وأعمالهم الخسيسة، وكانت بمنتهى الحرب الشرسة عليهم لإظهار خزيهم ومن ثم تبكيتهم حتى أصبحوا مكشوفين عُراة لكل ذي نظر وبصيرة، وكل ذلك لخطورة هذه الحركة التآمرية وأثرها البالغ الخطير على الدعوة والدعاة لله.
ويقول سيد قطب رحمه الله في التعليق على سورة (براءة) [ثم يجيء المقطع الرابع في سياق السورة –وهو أطول مقاطعها ويستغرق أكثر من نصفها– في فضح المنافقين، وأفاعيلهم في المجتمع المسلم، ووصف أحوالهم النفسية والعملية، وكشف حقيقة نواياهم وحيلهم ومعاذيرهم في التخلف عن الجهاد وبث الضعف والفتنة والفرقة في الصف، وإيذاء رسول الله والتخلّص من المؤمنين، يصاحب هذا الكشف تحذير الخلصاء من المؤمنين من كيد المنافقين، وتحديد العلاقة بين هؤلاء وهؤلاء، والمفاصلة بين الفريقين وتمييز كل منهما بصفاته وأعماله.. وهذه الحملة الطويلة الكاشفة تشي بما كان للمنافقين في هذه الفترة من محاولات كثيرة لإيذاء الصف المسلم وفتنته وشغله بشتى الفتن والدسائس والأكاذيب لحرفه عن وجهة الحق، كما أنها في الوقت ذاته تكشف عن حالة من الخلخلة وعدم التناسق في التكوين العضوي للمجتمع الإسلامي في هذه الفترة والتأثر بما يقولون (وفيكم سمّاعون لهم)، وهذا الخلط وعدم الوضوح في تصور العلاقات بين هذه المعسكرات يلزم المؤمنين بالمفاصلة الكاملة على أساس العقيدة) (انتهى الاقتباس بتصرف).
وكذلك جاءت مقدمة سورة البقرة التي تحدثت عن الإيمان وأهله بأربع آيات وعن الكافرين في آيتين، ثم عن المنافقين بثلاث عشرة آية فصلت فيه طبيعتهم وسلوكهم وأعمالهم واعتقادهم وخداعهم، وأخذت هذا الحجم المضاعف من الحديث عنهم لأنهم أعظم خطراً على الصف المؤمن ممن يحاربه في معسكر الكفر والإلحاد من (الأعداء الواضحين) لأن المنافقين أقدر على معرفة بواطن الضعف والهنات داخل الصف المسلم، فبكشفها أو ضربها يكون الإيذاء والخطر أعظم وأكبر، لذلك جاء عقابهم من الله أشد من عقاب الكافرين فقال سبحانه وتعالى: (إن المنافقين في الدّرك الأسفل من النار) (النساء145).
وقد حاول المنافقون إظهار التملق والتزلف لمجموع الصف المؤمن وإظهار المصلحة والإيمان ابتداء، ولكن بواطنهم كانت تمتلئ حقداً وكيداً ودساً واختلاق الأزمات والتشكيك والإرباك للصف المؤمن واستغلوا كل وسيلة وركبوا موجة العنصرية والقومية والطائفية البغيضة بكل إسفاف ودناءة وفجور.
وحقيقة النفاق أنه نوعان نفاق اعتقادي وهو إظهار الإيمان وإبطان الكفر، وعرَّفه بعض العلماء (المنافق هو من يضمر الكفر اعتقاداً ويظهره قولاً باللسان فقط).. والنفاق العملي هو عمل واحد من أعمال النفاق مع وجود الإيمان، لكن إذا عمل هذه الأعمال كلها كان منافقاً خالصاً.. فعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله (أربع من كُنَّ فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا أؤتمن خان، وإذا حدَّث كَذَب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر) (رواه البخاري ومسلم).
وهذا النفاق العملي يُسمى النفاق الأصغر، ولكن امتهانه والعمل بخصاله يكون وسيلة للنفاق الأكبر، كما أن المعاصي يريد الكفر، ومن أصرّ على المعصية سُلب الإيمان عند الموت، كذلك الإصرار على خصال النفاق الأربعة يصبح منافقاً خالصاً يدلف بها إلى النفاق الأكبر أعاذنا الله وإياكم من هذه الصفات الذميمة لنحافظ على طهر إيماننا وعقيدتنا.
لذلك يقول سيد قطب رحمه الله (أدنى درجات النفاق عدم التجرد وإخلاص العمل لله، والغفلة عن ذكره وعبادته الصادقة).
-السبيل-