من واجبنا نحو القرآن: تعلمه وتعليمه

الأحد 20 جمادى الأولى 1437//28 فبراير/شباط 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
الشيخ الدكتور عبدالمجيد بن عبدالعزيز الدهيشي
من واجبنا نحو القرآن
تعلمه وتعليمه
الواجب الثالث: تعلُّمه:
• قال – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((خيرُكم مَن تعلَّمَ القُرآن وعلَّمَه))؛ البخاري.

• في الصحيحين عن ابن عباسٍ – رضي الله عنهما – قال: “كان رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكونُ في رمضان حين يَلْقاه جبريل، وكان يَلْقاه في كل ليلة من رمضان فيُدارسه القُرآن فلَرسولُ اللهِ – صلَّى الله عليه وسلَّم – أجودُ بالخير من الرِّيح المُرسَلة”، قال في “الفتح”: “فيحمل على أنَّ كلاًّ منهما كان يعرضُ على الآخَر”.

• قال ابن حزم: اتَّفقوا على أنَّ حِفظَ شيءٍ من القُرآن واجبٌ، واتَّفقوا على استِحباب حِفظ جميعِه، وأنَّ ضبطَ جميعِه واجبٌ على الكفاية لا متعين، ا.هـ.

• وقال الزركشي: “قال أصحابنا: تعلُّمُ القُرآنِ فرض كفاية، وكذلك حِفظه واجبٌ على الأمَّة”، ا.هـ.

• قال ابن خلدون: اعلم أنَّ تعليمَ الولدان للقُرآنِ شِعارُ الدِّين، أخَذ به أهل الملة ودرَجُوا عليه في جميع أمصارهم؛ لما يسبقُ فيه إلى القلوب من رُسوخ الإيمان وعقائده، وصار القُرآن أصلَ التعليم الذي ينبني عليه ما يحصلُ بعدُ من الملكات، ا.هـ.

• القُرآن علمٌ جليل، والعلمُ يُؤخَذ عن أهلِه؛ في “صحيح مسلم”: “باب استحباب قِراءة القُرآن على أهل الفضل والحذاق فيه، وإن كان القارئ أفضلَ من المقروء عليه.. عن أنسٍ قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – لأُبَيِّ بن كعبٍ: ((إنَّ الله أمرَنِي أنْ أقرأ عليك ﴿ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [البينة: 1]، قال: وسمَّاني لك؟! قال: ((نعم)) قال: فبكى.

• قال النوويُّ: وفي الحديث فوائدُ كثيرة؛ منها: استِحباب قِراءة القُرآن على الحُذَّاقِ فيه وأهلِ العِلم به والفضل، وإنْ كان القارئ أفضلَ من المقروء عليه، واختلفوا في الحِكمة في قِراءته – صلَّى الله عليه وسلَّم – على أُبَيٍّ، والمختار أنَّ سببها أنْ تستنَّ الأمَّةُ بذلك في القراءة على أهل الإتقان والفضل، ويتعلَّمُوا آداب القراءة، ولا يأنف أحدٌ من ذلك”.

اقرأ أيضا  كيف نبني الأمة؟

• وقال النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – لعبدالله بن مسعود: ((اقرَأْ عليَّ))، قال: أقرأُ عليك وعليك أُنزِل؟ قال: ((إنِّي أحبُّ أنْ أسمَعَه من غيري)) قال: فقرأ عليه من أوَّل سورة النساء إلى قوله: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 41]، فبكى؛ رواه مسلم.

• عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الماهر بالقُرآن مع السَّفرة الكِرام البررة، والذي يقرأ القُرآن ويتتَعتَعُ فيه وهو عليه شاقٌّ له أجران))؛ مسلم، قال النووي: “والسفرة: الرُّسل؛ لأنهم يسفرون إلى الناس برسالات الله، وقيل: السفرة الكتَبَة، والبررة: المطيعون، من البر وهو الطاعة، والماهر: الحاذق الكامل الحِفظِ الذي لا يتوقَّف ولا يشقُّ عليه القراءة بجودة حِفظه وإتقانه، قال القاضي: يحتمل أنْ يكون معنى كونه مع الملائكة أنَّ له في الآخرة منازلَ يكون فيها رفيقًا للملائكة السفرة؛ لاتِّصافه بصفتهم من حمل كتاب الله تعالى، قال: ويحتمل أنْ يُراد أنَّه عاملٌ بعمَلِهم وسالكٌ مَسلَكهم، وأمَّا الذي يتتعتَعُ فيه فهو الذي يتردَّد في تلاوته لضعف حِفظِه، فله أجران: أجر بالقِراءة، وأجر بتتعتُعِه في تلاوته ومشقَّته، قال القاضي وغيره من العلماء: وليس معناه الذي يتتعتَعُ عليه له من الأجر أكثر من الماهر به، بل الماهر أفضل وأكثر أجرًا؛ لأنَّه مع السفرة، وله أجورٌ كثيرةٌ، ولم يذكرْ هذه المنزلة لغيرِه، وكيف يلحقُ به مَن لم يعتنِ بكتاب الله تعالى وحِفظه وإتقانه وكثرة تلاوته وروايته كاعتِنائه حتى مهر فيه، والله أعلم”.

• الاستجازة فيه سنَّة ماضية، والعلم يُؤخَذ عن أهله.

• شرفٌ لك أنْ تنتَظِمَ في سلسلة سندٍ ينتهي إلى النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – ثم جبريل، ثم الله تعالى.

• ليس إتقان التلاوة مقصورًا على أحكام النُّون الساكنة والتنوين كما يظنُّه البعض.

اقرأ أيضا  كيف نهيئ أبناءنا لاستقبال رمضان؟

• أهمُّ من ذلك إعطاء كلِّ حرفٍ من كتاب الله تعالى حقَّه ومستحقَّه، ونُطق الكلمة وفق لغة العرب.

• قال – تعالى -: ﴿ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ﴾ [المزمل: 4]، قال ابن كثير: “أي: اقرأه على تمهُّل؛ فإنَّه يكونُ عونًا على فهمِ القُرآن وتدبُّره، وكذلك كان يقرأ – صلَّى الله عليه وسلَّم – قالت عائشة – رضي الله عنها -: كان يقرأُ السورة فيُرتِّلها حتى تكون أطولَ من أطول منها”.

• وقال القرطبي: “والترتيل في القِراءة هو التَّأنِّي فيها والتمهُّل وتبيين الحروف والحرَكات، وهو المطلوب في قِراءة القُرآن، وسُئِلت أمُّ سلمة عن قِراءة رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – فإذا هي تنعَتُ قراءةَ مفسَّرة حرفًا حرفًا؛ أخرجه النسائي وأبو داود والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب”.

• هناك أخطاء لا يتنبَّه لها كثيرون؛ كالاختلاس، وأمثلته: ﴿ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴾ [الحجر: 29]، ﴿ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ [الحديد: 16].

• على أنَّ هذا لا يعني التنطُّع في القِراءة والتكلُّف فيها، وليس المراد التكلُّف والتشدُّق والمبالغة في مخارج الحروف بحيث تتغيَّرُ إلى حُروفٍ أخرى.

• وسائل التعلُّم كثيرةٌ: من التِحاقٍ بحلقة، أو القراءة على مُتقِن، أو الأشرطة، ولا يعتمد عليها وحدَها، مع الحذَر من أشرطة تسجيل التَّراويح لكثيرٍ من الأئمَّة.

الواجب الرابع: تعليمه:
• أخرج البخاري عن أبي عبدالرحمن السلمي عن عثمان – رضي الله عنه – عن النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ((خيرُكم مَن تعلَّمَ القُرآنَ وعلَّمَه))، قال: وأقرأ أبو عبدالرحمن في إمرة عثمان حتى كان الحجاج، قال: وذاك الذي أقعدَنِي مقعدي هذا”، قال في “الفتح”: “بين أوَّل خلافة عثمان وآخِر ولاية الحجاج اثنتان وسبعون سنة إلا ثلاثة أشهر، وبين آخر خلافة عثمان وأوَّل ولاية الحجاج العراق ثمانٍ وثلاثون سنة”.

• وعند أحمد والدارمي: ((أو علمه)) قال في “الفتح”: “وهي للتَّنوِيع لا للشكِّ، وهي أظهرُ من حيث المعنى… ولا شكَّ أنَّ الجامع بين تعلُّم القُرآن وتعليمه مكملٌ لنفسه ولغيره، جامعٌ بين النَّفْعِ القاصر والنَّفْعِ المتعدِّي؛ ولهذا كان أفضلَ، وهو من جملة مَن عنى – سبحانه وتعالى – بقوله: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33]، والدعاء إلى الله يقعُ بأمورٍ شتَّى من جُملتِها تعليمُ القُرآن وهو أشرف الجميع”.

اقرأ أيضا  استعن بالله وتوكل عليه

• قال – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((وما اجتمَعَ قومٌ في بيتٍ من بيوت الله يَتلُون كتابَ الله ويتَدارَسُونه بينهم إلا نزَلتْ عليهم السَّكينة، وغشيَتْهم الرَّحمة، وحفَّتْهم الملائكة، وذكرَهُم الله فيمَن عندَه، ومَن بطَّأ به عملُه لم يسرعْ به نسَبُه))؛ رواه مسلم.

• قال ابن رجب في “جامع العلوم والحكم”: “هذا يدلُّ على استِحباب الجلوس في المساجد لتلاوة القُرآن ومُدارَسته، وهذا إنْ حمل على تعلُّم القُرآن وتعليمه فلا خلافَ في استحبابه”.

• وفي “مصنف ابن أبي شيبة” عن سليمان بن يسار قال: انتهى عمرُ إلى قومٍ يُقرِئُ بعضهم بعضًا، فلمَّا رأوا عمر سكَتُوا، فقال: ما كنتم تُراجعون؟ قلنا: كنَّا نقرئ بعضنا بعضًا، فقال: اقرؤوا ولا تلحنُوا.

• وفي “الطبقات الكبرى” أنَّ أبا عبدالرحمن السلمي قال: إنَّا أخَذْنا هذا القُرآن عن قومٍ أخبرونا أنهم كانوا إذا تعلَّموا عشرَ آياتٍ لم يُجاوِزوهنَّ إلى العشر الأخر حتى يعلَمُوا ما فيهنَّ؛ فكنَّا نتعلمُ القُرآنَ والعملَ به، وإنه سيرثُ القُرآن بعدَنا قومٌ ليَشرَبُونه شُرْبَ الماء لا يجاوزُ تَراقيهم، بل لا يجاوزُ هاهنا، ووضَع يدَه على الحلق”.

-الالوكة-