موقف الإسلام من يوم عاشوراء وليلته
السبت 4 محرم 1437//17 أكتوبر/تشرين الأول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
الشيخ محمد حامد الفقي
موقف الإسلام يوم عاشوراء وليلته
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعه.
وبعد:
فإن أغلب المسلمين أصبحوا في هذا الزمان لا يعتمدون في أعمالهم على كتاب، أو سنة، أو قول صاحب، وإنما يعتمدون على ما ورثوه فقط عن آبائهم وأجدادهم، فما كان كذلك فهو صحيح، وإن جاءت النصوص بالنهي عنه والتحذير منه، وما كان على خلاف ذلك لم يعبؤوا به ولم يلتفتوا إليه، وإن كان هذا هو العمل الذي كان عليه أشرف المرسلين – صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.
وقد نشأ ذلك من جهل الناس بدين الله، وإعراضهم عما كان عليه السلف الصالح من خيار هذه الأمة وساداتها، وانكبابهم على أشياء ليست من العلم ولا من الدين في قبيل ولا دبير.
ومن الجهل الشنيع أن يعتمدوا على ما بأيدي العامة من دواوين خطب محشوة بالبدع والأحاديث الموضوعة، قد أغنانا الله – تعالى – بكتب الحديث المعتبرة؛ كالبخاري ومسلم، وما إليهما من الكتب التي هي ثمرة مجهودات عظيمة،صرف فيها الأئمة من أهل العلم وخير هذه الأمة نفيس أوقاتهم وزهرة حياتهم دفاعًا عن سنة خير الخلق، وشفقة بالناس أن يضلوا إذا هم خلطوا الخبيث بالطيب من الأحاديث، فيا لله ما أشد مصيبة المسلمين بتركهم لهذه الكتب القيمة أو اعتمادهم على أمثال ديوان الشرنوبي والسقا وما إليهما!
وإن أعظم ما يفرح به الشيطان هو الجهل بدين الله وعدم معرفة سنن الهدى، فإن ذلك هو السبيل الأعظم الذي تدخل منه البدع الشيطانية والخرافات الشركية في قلوب أولئك الذين يزعمون أنفسهم مسلمين، وما هم بمسلمين، بل هم دمامل وفساد في جسم الإسلام الذي يضج ويشكو إلى الله مما يذوق ويعاني من شرورهم وإذاياتهم له ولأهله، وإن هذه المسألة تكاد تكون من أوليات الدين وبدهياته لو علم الناس، ولشيخ الإسلام وحجة الأنام ابن تيمية جواب نفيس على هذه المسألة، لما فيه من الفوائد العظيمة والتحقيق البديع؛ قال – رحمه الله -:
لم يرد في شيء من ذلك حديث صحيح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – ولا عن أصحابه، ولا استحب ذلك أحد من أئمة المسلمين، لا الأئمة الأربعة ولا غيرهم، ولا روى أهل الكتب المعتمدة في ذلك شيئًا عن النبي – صلى الله عليه وسلم – ولا الصحابة ولا التابعين، لا صحيحًا ولا ضعيفًا، لا في كتب الصحيح ولا السنن ولا المسانيد، ولا يعرف شيء من هذه الأحاديث على عهد القرون الفاضلة، ولكن روى بعض المتأخرين في ذلك أحاديث، مثل ما رووا أن من اكتحل يوم عاشوراء لم يرمد في ذلك العام، ومن اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض في ذلك العام، وأمثال ذلك.
ورووا فضائل صلاة يوم عاشوراء، ورووا أن في يوم عاشوراء توبة آدم، واستواء سفينة نوح على الجودي، ورد يوسف على يعقوب، وإنجاءإبراهيم من النار، وفداء الذبيح بالكبش، ونحو ذلك.
ورووا ذلك في حديث موضوع على النبي – صلى الله عليه وسلم – ورووا أنه من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر السنة، ورواية هذا عن النبي – صلى الله عليه وسلم – كذب، ولكنه معروف من رواية سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن محمد المنتشر عن أبيه قال: بلغنا أن من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر السنة، وإبراهيم بن المنتشر من أهل الكوفة، وأهل الكوفة كان فيهم طائفتان: طائفة رافضة يظهرون موالاة أهل البيت، وهم في الباطن إما ملاحدة زنادقة، وإما جهال وأصحاب هوى، وطائفة ناصبة تبغض عليًّا واصحابه؛ لما جرى من القتال في الفتنة ما جرى، وقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ((سيكون في ثقيف كذاب ومُبِير))، فكان الكذاب هو المختار بن أبي عبيد الثقفي، وكان يظهر موالاة أهل البيت والانتصار لهم، وقتل عبيدالله بن زياد الذي جهز السرية التي قتلت الحسين بن علي رضي الله عنهما، ثم إنه أظهر الكذب وادعى النبوة، وأما المبير فهو ابن يوسف الثقفي، وكان منحرفًا عن علي وأصحابه، فكان هذا من النواصب، والأول من الروافض، وهذا الرافضي كان أعظم كذبًا وافتراءً وإلحادًا في الدين، فإنه ادعى النبوة، وذاك كان أعظم عقوبة لمن خرج على سلطانه، وانتقامًا لمن اتهم بمعصية أميره عبدالملك بن مروان، وكان في الكوفة بين هؤلاء وهؤلاء فتن وقتال، فلما قُتل الحسين بن علي يوم عاشوراء وقتلته الفئة الباغية الظالمة، وأكرم الله الحسين بالشهادة، كما أكرم من أكرم من أهل بيته، فأكرمه الله بهذه الشهادة التي لحق بها بأهل بيته الطيبين الطاهرين، وأهان بها من ظلمه واعتدى عليه، وأوجب ذلك شرًّا بين الناس، فصارت طائفة جاهلة ظالمة،إما ملحدة منافقة، وإما ضالة غاوية، تظهر موالاته وموالاة أهل بيته، تتخذ يوم عاشوراء يوم مأتم وحزن ونياحة، وتظهر فيه شعار الجاهلية؛ من لطم الخدود، وشق الجيوب، والتعزي بعزاء الجاهلية.
والذي أمر الله ورسوله به في المصيبة إذا كانت جديدة إنما هو الصبر والاحتساب والاسترجاع، وإذا كان الله – تعالى – قد أمر بالصبر والاحتساب عند حدثان العهد بالمصيبة، فكيف مع طول الزمان؟
فكان ما زينه الشيطان لأهل الضلال والغي من اتخاذ يوم عاشوراء مأتمًا، وما يصنعون فيه من الندب والنياحة، وإنشاد قصائد الحزن، ورواية الأخبار التي فيها كذب كثير، والصدق منها ليس فيه إلا تجديد الحزن والغضب، وإثارة الشحناء والحرب، وإلقاء الفتن بين أهل الإسلام، والتوسل بذلك إلى سب السابقين الأولين، وكثرة الكذب والفتن في الدين، ولم يعرف فيطوائف الإسلامأكثر كذبًا وفتنًا ومعاونة لأهل الكفر على أهل الإسلاممن هذه الطائفة الضالة الغاوية، فإنهم شر من الخوارج المارقين الذين قال فيهم النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((يقتلون أهل الإسلامويدَعون أهل الأوثان))، وهؤلاء اليهود والنصارى على أهل بيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأمته، كما أعانوا المشركين من الترك والتتار على ما فعلوه ببغداد وغيرها، من القتل والسبي وخراب الديار، وشر هؤلاء وضررهم على أهل الإسلام لا يحصى؛ فعارض هؤلاء قوم،إما من النواصب المتعصبين على الحسين وأهل بيته، وإما من الجهال الذين قابلوا الفاسد بالفاسد، والكذب بالكذب، والشر بالشر، والبدعة بالبدعة، فوضعوا الآثار في شعائر الفرح والسرور يوم عاشوراء؛كالاكتحالوالاختضاب، وتوسيع النفقات على العيال، وطبخ الأطعمة الخارجة عن العادة، ونحو ذلك مما يفعل في الأعياد والمواسم، فصار هؤلاء يتخذون يوم عاشوراء موسمًا كمواسم الأعياد والأفراح، وأولئك يتخذونه مأتمًا يقيمون فيه الأحزان والأتراح، وكلا الطائفتين مخطئة خارجة عن السنَّة؛ الرافضة الخبثاء وإن كان أولئك أسوأ قصدًا، وأعظم جهلاً، وأظهر ظلمًا، لكن الله يأمر بالعدل والإحسان، وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، تمسكوا بها وعَضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثاتِ الأمور، فإن كل بدعة ضلالة)).
الألوكة