الوسائل النفسية كما حددها القرآن العظيم

www.arabfeed.com
www.arabfeed.com

الأحد 3رجب 1437// 10 أبريل/نيسان 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
أحمد جمال العمري
الوسائل النفسية
كما حددها القرآن العظيم
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على رسول السلام أكرم الخلق أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين أجمعين.

سبحانك ربَّنا لا علم لنا إلا ما علَّمتنا، إنَّك أنت العليم الحكيم، ربَّنا عليك توكَّلنا، وإليك أنبنا وإليك المصير، ربَّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا.

نظر القرآنُ إلى الإنسان نظرةً شامِلة واعيَة، تعرف تكوينه، وتحدِّد مقوماته، نظر القرآنُ إلى الإنسان من حيث هو إنسان، وخاطبَه بكلِّ الوسائل النفسيَّة وغير النفسيَّة؛ ليصِل إلى أعماقه.. إلى قلبه وعقله وشعوره؛ وبذلك يكون القرآن قد استخدم كلَّ مقومات عِلم النَّفس الإنساني منذ أربعة عشر قرنًا من الزَّمان، وقبل أن يتحدَّد مفهوم هذا العِلم بمصطلحاته في العصر الحديث، ولكي نبرهِن على ذلك؛ نقول:
لقد عامَل القرآنُ الكريم النَّفسَ البشريَّة معاملةً خاصَّة يَبغي من ورائها إعداد الإنسان الصَّالح؛ لكي يصِل إلى هذا الهدَف الواضح السِّمات، أمسَك بزِمام النَّفس البشريَّة، فهو تارة يعِدها ويمنِّيها، وأخرى يخوِّفها ويرهبها، وفيما بين ذلك يغرس فيها كلَّ البذور الصَّالحة التي يَقصد إلى غرسها في قرارة النَّفس، ويرد النَّاسَ إلى خالقهم ويصلهم به مباشرة؛ ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾ [ق: 16].

وهذا الردُّ إلى الخالق هو مِحور العقيدة الإسلاميَّة كلها، وهو مِحور مَنهجها التَّربوي كله، ومنه تتفرَّع كلُّ التشريعات والتوجيهات، ومنه تَسير الحياة الإنسانيَّة على نَهجها القويم.

فنظرةُ تدبُّر وإمعانٍ في آيات القرآن الكريم، نجد أنَّ وسائله النفسيَّة، تتَّجه إلى النَّفس البشريَّة في اتجاهين أساسيين: (الترغيب والترهيب)، وبهما يؤثِّر تأثيرًا قويًّا في كلِّ أنشطتها، فالقرآن يَربط توجيهاته كلها – أوامره ونواهيه – بهذا الخطِّ النَّفسي أو ذاك مجتمعين، ويكرِّر ذلك تكرارًا؛ حتى تَتلازم في أعماق النَّفس، ويصبح هذا التلازم قوَّةً شعوريَّة ولا شعوريَّة، توجِّه إلى الخير وتبعِد عن الشرِّ.

فالخوف والرَّجاء – بقوَّتهما واختلاطهما بالكيان البشري كله في أعماقه – يوجِّهان في الواقع اتِّجاه الحياة، ويحدِّدان للإنسان أهدافَه وسلوكه، ومشاعره وأفكاره؛ فعلى قدْر ما يخاف وقوعَ ما يخاف، وعلى قدر ما يرجو حدوثَ ما يرجو، يتَّخذ لنفسه منهجَ حياته، ويوفق بين سلوكه وبين ما يرجو وما يخاف.

فالذي يَخاف الموتَ لا يُقدِم، والذي يخاف الفقرَ يجعل همَّه المال، والذي يخاف السلطان يتحاشى كلَّ عمل يعرِّضه للصِّدام، والذي يَخاف الهزيمةَ يفرُّ من المعركة، والذي لا يخاف شيئًا من هذا كلِّه فهو متحرِّر منه، طَليق من ضغط الخوفِ عليه، مقتحم متمكِّن غلَّاب.

وهكذا يتحكَّم هذان الخطَّان نفسيًّا في حياة البشريَّة، والتربية الناجِحة تضع على هذين الخطَّين ما يربِّي النَّفس ويشفيها من انحرافها، ويقوِّيها ويقوِّمها، ويضعها في وضعها الصحيح.

اقرأ أيضا  الصيام يقي من السمنة والكبد الدهني

والقرآن الكريم يَعمد إلى خطَّي الخوف والرَّجاء، فينفض عنهما أولًا كلَّ خوفٍ فاسِد، وكلَّ رجاء منحرف، ثمَّ يعمد إليهما بعد ذلك، فيحدِّد عليهما العلامات الصَّحيحة.

ينفض من خطِّ الخوف – أولًا – كلَّ ما يرهق كاهِلَ الإنسان من مخاوف زائفة؛ ينفض عنه الخوف من الموت؛ إذ إنَّه ما قيمتُه؟ هل يؤخِّر الأجَل أو يغيِّر المكتوب؟ كلَّا، وما دام لا يغيِّر شيئًا من الواقع، فهو إذًا أمر لا يَليق، إنَّه تَبديد للطَّاقة وتدمير للكيان بلا نتيجة.

لذلك يكرِّر القرآن هذه الحقيقة في صور شتَّى:
• ﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ ﴾ [ق: 43].

• ﴿ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ﴾ [المنافقون: 11].

• ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾ [العنكبوت: 57].

ثمَّ إنَّ الحذر من الموت لا يجدي ولن يغير شيئًا مما قُدِّر:
• ﴿ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ﴾ [النساء: 78].

• ﴿ قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ ﴾ [آل عمران: 154].

وإذًا، فالخوف من الموت لا يجوز أن يكون، والخوف على الرِّزق كذلك:
• ﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ ﴾ [يونس: 31].

• ﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ ﴾ [سبأ: 24].

• ﴿ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ﴾ [فاطر: 3].

• ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ﴾ [الروم: 37].

• ﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾ [الذاريات: 22].

• ﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 58].

وكذلك الخوف من مكر النَّاس وأذاهم، والخوف ممَّا توقِعه بالإنسان قوى الأرض:
• ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [التوبة: 51].

• ﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ﴾ [الأعراف: 188].

• ﴿ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَـذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَـذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾ [النساء: 78].

• ﴿ قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ ﴾ [الأنعام: 63، 64].

• ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [فاطر: 2].

اقرأ أيضا  تفسير سورة الفيل

وكذلك الخوف من النَّتائج المجهولة المبنيَّة على حاضر معلوم:
• ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ [البقرة: 216].

• ﴿ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19].

• ﴿ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾ [الطلاق: 1].

• ﴿ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا ﴾ [لقمان: 34].

وهكذا يَتناول القرآن كلَّ المخاوف البشريَّة الزائفة واحدةً واحدةً فينفضها عن النَّفس، ويرفع عنها إصرَها؛ ليطلِقها تواجه الحياة قويَّة عزيزة، مطمئنَّةً إلى قدر الله.

ثمَّ يمسِك القرآن خطَّ الخوف الفطري في النَّفس البشريَّة، فيحدِّد علامات الخوف الأصليَّة التي يَنبغي أن تصدر عن هذا الكيان.

إنَّ قوى الأرض جميعًا لا تخيف، أو لا يَنبغي لها أن تُخيف؛ لأنَّها قوى مسخَّرة لا تستمدُّ من نفسها، ولا تملِك لنفسها ضرًّا ولا نفعًا، إنما القوَّة التي يَنبغي أن يخافها الإنسان حقًّا هي القوَّة التي بيَدِها كل شيء، هي المانحة وهي المانعة حقًّا، وإذًا فخوفها هو الخوف الواجب، فالخوف يَنبغي أن يكون من الله، ومما يخوف به الله.

• ﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 175].

• ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [الزمر: 36].

• ﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [الأنعام: 15].

• ﴿ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ ﴾ [المائدة: 94].

• ﴿ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا ﴾ [الإنسان: 7].

• ﴿ إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ﴾ [الإنسان: 10].

أمَّا هذا اليوم الذي كان شرُّه مستطيرًا، وهو أخوف ما تَخافه النَّفس الإنسانيَّة، فهو أوسع أبواب التخويف في القرآن، والآيات التي تَذكر عذابَ الآخرة كثيرة منبثِقة في القرآن، بحيث لا تَحتاج إلى بيانٍ، ولكن يَكفي أن نشير هنا إلى حقيقةٍ بارزة؛ وهي أنَّ هذه الآيات القرآنيَّة تَشمل جميعَ أنواع التَّخويف، وكذلك جميع المستويات.

ولقد يغلب على الظنِّ أنَّ العذاب الحسِّي هو أداة التَّخويف الوحيدة في القرآن؛ من مثل قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ﴾ [النساء: 56].

﴿ فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ [البقرة: 24].

﴿ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ* فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ ﴾ [الحاقة: 30 – 37].

ولكن الحق أنَّ أدوات التَّخويف كثيرة، وصورها متعدِّدة.

فالقرآن تارة يَمزج العذابَ الحسِّي بالعذاب المعنوي؛ من مثل قوله تعالى: ﴿ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ *يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾ [الحج: 19 – 22]، فهنا وصفٌ مفزع لشدَّة العذاب، حسِّي كله إلَّا في كلمة ﴿ غَمٍّ ﴾؛ فهي هنا تلقي ظلال العذاب النَّفسي بجانب العذاب الجسدي الفظيع.

اقرأ أيضا  وقفات تربوية من سيرة الرسول في القرآن الكريم

وتارة يغلب العذاب المعنوي النفسي؛ من مثل قوله تعالى: ﴿ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ ﴾ [الهمزة: 6، 7].

فليس الوجه البارِز للنَّار هنا هو عذابها الحسِّي، وإنَّما هو اطِّلاعها على الأفئدة، وما يحدِثه ذلك من رهبة في القلب، وروعةٍ في النَّفس، حين تفتح النَّار عيونها وترسلها من خلال النَّفس لتطَّلع على الأسرار.

وتارة عذاب معنويٌّ نفسي خالص:
• ﴿ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ﴾ [الانفطار: 19].

• ﴿ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴾ [عبس: 34 – 37].

• ﴿ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ [الحج 1، 2].

فالهول هنا كله نَفسي، تتذاوب تحته النَّفس، وتَنسحق سحقًا دون ذكرٍ لعذاب الأجسام.

وقد يرتفع العذابُ النَّفسي في بعض المواضع إلى قمَّة المعنويات؛ حيث يقول تعالى: ﴿ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ ﴾ [البقرة: 174].

ويقول أيضًا: ﴿ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ ﴾ [آل عمران: 77].

وهكذا يَشمل العذابُ النَّفسي جميع الدَّرجات وجميع المستويات.

إنَّ الناس ليسوا كلهم في تركيبهم النَّفسي سواء؛ منهم الحسِّيُّون الذين يَأخذون الحياة عن طريق الحسِّ والحواسِّ؛ وهؤلاء هم أغلبية البشرية، ومنهم قلَّة تَرتفع عن ذلك المستوى فتهمها المواقف النفسيَّة والحالات المعنوية وتؤثِّر فيها.

من هنا كانت نَظرة القرآن للناس، كل حسب مواصفاته، ومن ثمَّ حدَّد القرآن على خطِّ الخوف جميعَ العلامات وجميع المستويات؛ ليشمل الناس كلهم من جِهة، ويشمل كل واحدٍ في جميع حالاته من جهة أخرى.

وهنا تَظهر عظمة القرآن الكريم، ويَبرز وجهُ الإعجاز فيه.

مجلة التوحيد، عدد شهر رجب 1398هـ
-الألوكة-

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.