حقوق الطفل في القرآن الكريم

www.albayan.ae
www.albayan.ae

الأحد،6ربيع الأول1436الموافق28ديسمبر/كانون الأول2014وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
محمد سلامة الغنيمي
1- حقه في والدين صالحين:
لعل من أهم حقوق الطفل على أبيه أن يختار له أُماً صالحه، وعلى أُمه أن تختار له أباً صالحاً يتقى الله في تربيته.
ويرجع ذلك الى التأثير العظيم للوالدين في أبنائهم، سواء عن طريق التأثير الوراثي أو البيئي، وكما هو معلوم أن الولد يتقمص شخصيه أبيه و البنت تتقمص شخصيه أُمها.

وقال تعالى ﴿ الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النور: 3].

ثم قال تعالى: ﴿ وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ ﴾ [الاعراف: 58].

وقال تعالى: ﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الطور: 32].

قال تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴾ [النساء: 34].

والقانتات: المطيعات للأزواج يحفظن الأزواج في غيابهم وفي أولادهم وأموالهم وأنفسهم قال تعالى: ﴿ الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ [النور: 26].

وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النساء: 25].

2- حقه في الحياة:
حرم الله تعالى قتل النفس بصفه عامه فقال ﴿ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ﴾ [المائدة: 32].

ثم اختص بيان حرمة قتل الأولاد، ليبين سبحانه وتعالى عظيم رحمته واهتمامه بهذا الوليد الذي لم يرتكب جرماً ولم يقترف إثماً، وللتأكيد على أن قتل هذا الوليد عقوبته من أغلظ العقوبات، وأيضاً للإشعار بأن هذا الوليد كائن مستقل يجب أخذه في الاعتبار وأن يعامل على أساس أنه إنسان جديد.

قال تعالى ﴿ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [الأنعام: 151].

قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 31].

3- حق الطفل في التسمية:
من شأن كل شيء في هذا الوجود أن يكون له اسم يعرف به، فما بالك بالإنسان الذي سخر الله له كل شيء في هذا الكون، فلا بد له من اسم يعرف به في الدنيا وفي الملأ الاعلى، ومن ثم فإن هذا الاسم له تأثير كبير في جوانب شخصية الطفل المسلم، لذلك فمن حق الطفل على أبويه أن يختاروا له اسم حسن يعرف به.

ويتضح لنا أحقية الطفل في التسميه، من خلال قولة تعالى ﴿ إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ [آل عمران: 35-36]، ها هي امرأه عمران تهب ما في بطنها لخدمة بيت المقدس، على أنه ذكر فلما وضعت؛ وضعت أُنثى ورغم أن وضعها جاء على خلاف ما كانت تتمنى إلا أنها لم تغفل حقها في التسميه فاختارت لها اسماً حسناً “مريم”، أي العابدة.

وهذا الحق جعله الله في الشرائع التي قبلنا وأقرته الشريعة الإسلامية، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم و أسماء آبائكم فأحسنوا أسمائكم”.

وقال تعالى ﴿ يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ﴾، [مريم: 7]، يبشر اله تعالى زكريا بغلام ويختار له اسماً لم يسمى به أحد قبله.

4- حقه في الرضاعة التامة:
أوجب لله تعالى على الأم أن ترضع صغيرها حولين كاملين وهي مدة الرضاعة التامة، قال تعالى: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة: 233].

اقرأ أيضا  وإنه لتذكرة للمتقين

فقد اتفق فقهاء الاسلام على أن الرضاعة واجب على الأم ديانة تسأل عنها أمام الله تعالى، حفاظاً على حياه الرضيع سواء كان ذكراً أم أُنثى وسواء أكانت الأم متزوجه بأبي الرضيع، أم مطلقه منه وانتهت عدتها[1].

قال صاحب الظلال:
“إن على الوالدة المطلقة واجباً تجاه طفلها الرضيع، واجباً يفرضه الله عليها ولا يتركها فيه لفطرتها وعاطفتها التي قد تفسدها الخلافات الزوجية، فيقع الغرم على الصغير، إذن يكلفه الله ويفرض له في عنق أمه، فالله سبحانه – أولى بالناس من أنفسهم، وأبرهم وأرحم من والديهم، والله – تعالى يفرض للمولود على أمه أن ترضعه حولين كاملين لأنه سبحانه يعلم أن هذه الفترة هي المثلى من جميع الوجوه الصحية والنفسية للطفل أو “الطفلة” وتثبت البحوث الصحية والنفسية اليوم أن فترة عامين ضرورية لينمو الطفل نمواً سليماً من الوجهين الصحية والنفسية، ولكن نعمه الله على الجماعة المسلمة لم ننتظر بهم حتى يعلموا هذا من تجاربهم، فالرصيد الإنساني من ذخيرة الطفولة لم يكن ليترك يأكله الجهل كل هذا الأمر الطويل، والله رحيم بعباده وبخاصة بهؤلاء الصغار الضعاف المحتاجين للعطف والنهاية”[2].

5- حقه في الإحسان وعدم الغلظة والشدة:
تعد القسوة من أهم أسباب الإغراق عند الأطفال، فالقسوة والشدة على الصغار تأتي بنتائج عكسية على سلوكهم، تؤدي إلى اضطرابات نفسية كما تؤدي أيضاً إلى الشعور بالنقص.

فالقسوة والغلظة تؤديان إلى نفور الطفل من المربي وكرهه وعدم الثقة فيما يقوله، استمع إلى قوله تعالى: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159].

يقول بن خلدون:
من كان رباه العسف والقهر، حمله ذلك على الكذب والخبث وهو التظاهر بغير ما في ضميره خوفاً من انبساط الأيدي بالقهر ذلك علما عليه، وعلمه المكر والخديعة وصارت له هذه العادة خاقاً وفسدت معاني الإنسانية التي له من حيث الاجتماع والتمدن وهي الحمية والمدافعة عن نفسه، وصار عيالاً على غيره في ذلك، بل وكسلت النفس عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل، فينبغي للمعلم في متعلمه والوالد في والده ألا يستبد عليهما في التأديب [3].

ويقول الغزالي:
ولا تكثر القول عليه بالعتاب في كل حين، فإنه يهوّن عليه سماع الملامة وركوب القبائح، ويسقط وقع الكلام من قلبه، وليكن الأب حافظاً هيبته الكلام معه فلا يوبخه إلا أحياناً، والأم تخوفه بالأدب وتزجره عن القبائح[4].

ومتى ظهر من الصبى خلق جميل وفعل محمود، فينبغي أن يكرم عليه، ويجازى بما يفرح به، ويمدح بما بين أظهر الناس، فإن خالف ذلك في بعض الأحوال تغوفل عنه ولا يكاشف، فإن عاد عوتب سراً وخوف من اطلاع الناس عليه، ولا يكثر عليه العتاب لأن ذلك يهون عليه سماع الملامة وليكن حافظاً هيبه الكلام معه [5].

ولقد حث نبينا صل الله عليه وسلم إلى الرفق ونبذ العنف فقال صلى الله عليه وسلم “يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطى على الرفق، لا يعطى على العنف “[6].

6- حقه في العدل والمساواة بينه وبين إخوته:
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المائده: 8].

قال تعالى ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * ثُمَّ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آَيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ ﴾ [الأنعام: 152-157]

أمر الله سبحانه المؤمنين بالعدل حتى مع الاعداء، فما بالنا مع الأبناء الصغار، فالظلم وعدم المساواة يولد في نفس الطفل شعور بالاضطهاد والظلم،فيدمر في نفسه القاعدة التي تبني عليها في المستقبل القيم العليا والمبادئ، لأنه يجد في أقرب الناس إليه وألصقهم به وهما الوالدين نموذجاً سيئاً، فكيف يتعلم هو العدل، وكيف يتعلم بقيه القيم والمبادئ التي يقوم عليها الاسلام[7].

اقرأ أيضا  التعاون الإسلامي تعد آليات تنفيذية لحقوق الطفل في الإسلام

فقد أثبتت الدراسات النفسية أن ظهور اضطرابات نفسية واجتماعية على الطفل يرجع معظمها إلى إحساسه بالعدل والمساواة مع أقرانه أو عدمه.

وليس أدل على ذلك مما ورد في القرآن الكريم في قصة سيدنا يوسف مع إخوته، تأمل سلوك إخوة يوسف عليه السلام الناتج عن حب أبيهم ليوسف عليه السلام وتفضيله عليهم، يتضح لك أن عدم المساواة بين الإخوة له تأثير عظيم على انفعالاتهم ومن ثم سلوكهم.

قال تعالى ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آَيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ﴾ [يوسف: 7-9].

وكما يقول شيخ الاسلام ابن تيميه:
“إن الله ينصر الدولة الظالمة مع العدل، ولا ينصر الدولة المسلمة مع الظلم”، ولذلك فالجو المنزلي الذي يسود فيه شعور المحبة والمساواة ينتج أطفالاً منضبطين سلوكيا، مستقرين سلوكياً، والجو المنزلي الذى يسود فيه شعور الاضطهاد والظلم ينتج عنه أطفالاً مضطربين في انفعالاتهم، شاذين في سلوكهم.

والسنة النبوية الشريفة مليئة بالاحاديث التي توضح ذلك ومن هذه الاحاديث قوله صلى الله عليه وسلم ” اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم “[8].

7- حقه في التوجيه والارشاد:
أثبتت الدراسات التربوية أن البيئة لها تأثير بالغ على شخصية الطفل حيث أنه يكتسب سلوكياته وقيمه ومعتقداته من بيئته تؤثر فيه ويتأثر بها، من خلال التفاعل الإيجابي المستمر بينه وبين مكونات بيئته.

ولهذا أولى القرآن الكريم موضع التوجيه والإرشاد عنايه فائقة، ولو رجعنا إلى كتاب الله عز وجل وما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لوجدنا أن أكثر الأمور ذكراً فيها بعد العقيدة موضوع الآداب والسلوك الاجتماعي فقد ندر أن تخلو سورة من السور المكيه من واجبات اجتماعية تلزم بالحرص عليها والالتزام بأدائها وأما السور المدنية فمنها سور كاملة ذات اهتمام للسلوك الاجتماعي [9].

ولنا في الانبياء والرسل أسوة حسنة وفي قصصهم عبرة وفي كلامهم عظة، فقد ساق الله تعالى لنا ما يدلنا على أهمية الارشاد والتوجيه من خلال مواقف الأنبياء منها، قوله تعالى على لسان يعقوب عليه السلام: ﴿قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [يوسف: 5].

وقول لقمان الحكيم في قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13]. فهذا أبٌ حكيما يوجه ابنه ويرشده إلى ما فيه سعادته وصلاحه في الدارين.

كذلك ينبغي للمربي أن يحرص وهو يمارس التوجيه أن يذكر للصغير الأسباب والعلل، فالصغير يتسأل لمَ هذا ولماذا ذلك ولمَ ينهاني والدي عن ذلك ويأمرني بذلك.

هذا هو ما علمنا إياه ربنا تبارك وتعالى، فالمتبع للتوجيهات والارشادات من أوامر ونواهي في الكتاب العزيز يجد أن الله سبحانه بعد ما يأمرنا بشيء أو ينهانا بشيء يوضح الغاية والعلة من وراء ذلك وهو غني عن ذلك لأنه الإله الذي يأمر فيطاع، ولكن ليعلمنا و لتطمئن قلوبنا، اقرأ على سبيل المثال أول سورة في القرآن أمرنا الله بالحمد بصيغه الخبر ثم بين وهو استحقاقه سبحانه الحمد لأنه الرحمن الرحيم مالك يوم الدين تبارك الله وتعالى.

في الآية الاولى يبين يعقوب عليه السلام قصده من نهى ولده يوسف أن يقصص رؤياه على إخوته حتى لا يكيدوا له، وكذلك فعل لقمان مع ابنه.

8- حق الطفل في اللعب:
يعتبر اللعب بمثابه الشغل الشاغل بالنسبة للصغار، فحياتهم كلها في اللعب ويكون اللعب بالنسبة له موجهاً للتكيف الاجتماعي والانفعالي، حيث يتسم الطفل الذي يحرص على اللعب والمرح بالصحة النفسية الجيدة.

واللعب ظاهرة نمائية اجتماعية لها تأثير مباشر على نمو الطفل الاجتماعي والخلقي وتأهيلهم لعالم الكبار، وهو جزء لا يتجزأ من حياته، فلا ينبغي أن يستهان به ويضيق على الطفل فيه فيحدث تصادم بين ذلك وبين ما فطروا وجبلوا عليه.

ويتضح لنا أهمية ظاهرة اللعب في حياه الطفل ومدى حقه فيه، بالنظر في قصة يوسف عليه السلام مع إخوته، حيث كان يعقوب عليه السلام يولي يوسف عناية ورعاية لما علم من أمره، ولما تنبئ به من حالهم وموقفهم منه في حال علمهم بأمر الرؤيا، فخاف عليه منهم، ولم يتركه لهم، ولم يأمنهم عليه مثل باقي إخوته، وعندما استحوذ علهم الشيطان وقرروا التخلص من أخيهم غيرة وحسداً دبروا أمرهم وأحكموا خطتهم، لم يبق أمامهم الا إقناع أبيهم بأخذه معهم مع علمهم المسبق برفضه، احتالوا على أبيهم و عرضوا عليه أنه سيلعب ويرتع معهم إذا هو تركه لهم.

اقرأ أيضا  المؤتمر الوطني لحماية الطفل

قال تعالى: ﴿ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ *أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ * قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ ﴾ [يوسف: 11-13]. فما كان يعقوب ليترك يوسف مع إخوته إلا لهدف عظيم وغايه نبيلة مؤثرة في إعداده وتنشئته.

يقول الغزالي في الإحياء:
يحسن له بعد خروجه من المكتب إن يفسح له في لعب جميلا يستريح إليه من تعب المكتب بحيث لا يتعب في اللعب، فإن منع الصبي من اللعب وإرهاقه إلى التعلم دائماً يميت قلبه ويبطل ذكاءه وينغص عليه العيش حتى يطلب الحيلة في الخلاص منه رأساً.

وقد وردت أحاديث كثيره تقيد أنه صلى الله عليه وسلم كان يلاطف الأطفال ويلاعبهم ويكفل لهم حقهم في اللعب، وكذلك فعل الراشدون وسائر الصحابة من بعده ومن ذلك، أنه صلى الله عليه وسلم مر على نفر من أسلم ينضلون فقال “ارموا بنى إسماعيل فإن أباكم كان رامياً، ارموا وأنا مع بنى فلان” فأمسك أحد الفريقين عن الرمي فقال صل الله عليه وسلم: ارموا وأنا معكم كلكم”[10].

كما أنه يمكن عن طريق اللعب إن تبث فيهم الاخلاق الحسنة كالصدق والأمانة، وتحزرهم من الأخلاق الذميمة كالكذب، والخيانة، والغش، والألفاظ البذيئة ونحو ذلك.

يقول ابن سينا: اذا انتبه الصبى من نومه فالأحرى أن يستحم ثم يخلى بينه وبين اللعب ساعة ثم يطعم شيئا يسيراً ثم يطلق له اللعب وقتاً أطول ثم يستحم ويتغدى، وإذا بلغ ست سنوات فيجب أن يقدم إلى المؤدب والمعلم ويدرج أيضاً في ذلك فلا يحمل على ملازمه الكتاب كرّة واحده.

إذن لا بد أن يتيح الوالدان للطفل حرية اللعب، حيث أن اللعب نشاط جسمي وذهني وانفعالي يشمل نفسية الطفل وحياته العامة، واللعب طبيعة فطرية في الطفل، جعلها الله تعالى غريزة في نفسه لكى ينمو جسمه نمواً طبيعياً بشكل قوي، فاللعب يطور عقليته وينمي ذكائه ويساهم في بناء جسده، ولذا ينبغي أن ينظر المربين إلى اللعب على أساس أنه ضروري للطفل.

9- حقه في الإنفاق عليه:
ومن مظاهر رعاية القرآن الكريم للطفل، أوجب على أبيه أن ينفق عليه حتى يقوى ويشتد عوده قال تعالى ﴿ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى * لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾” [الطلاق: 6-7].

وعن أبى هريره قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم ” أفضل الصدقة ما ترك غنى واليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول ” تقول المرأة إما أن تطعمني وإما أن تطلقني ويقول العبد: أطعمني واستعملني ويقول الابن: أطعمني إلى من تدعني؟ فقالوا: يا أبا هريره سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا هذا من كيس أبى هريره [11].

وقد أورد الامام البخاري باباً كاملاً في فضل النفقة على الأهل ارجع اليه إن أردت الاستزادة.

10- حقه في الإنفاق على أُمه أثناء حمله:
لعل هذا الحق هو أسمى وأجل الحقوق التي كفلها الاسلام للطفل فحاشا لله أن يغفل عن إظهار حق من حقوق الطفل حتى وهو في بطن أُمه، حتى وإن كانت مطلقة.

قال تعالى ﴿ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى ﴾ [الطلاق: 6].

وذلك هو تكريم للأم ورحمة منه سبحانه بهذا الصغير، حتى لا يكون فشل الوالدين في حياتهم وعدم التوافق بينهما نكبة على الصغير.

________________________________________
[1] [الفقه الإسلامي وأدلته لوهبة الزحيلي: 7/700].
[2] [في ظلال القرآن سيد قطب: 1/253].
[3] [مقدمة ابن خلدون/ 540].
[4] [إحياء علوم الدين: 3/70].
[5] [إحياء علوم الدين: 3/95].
[6] [مسلم/ 2593].
[7] [محمد نور سويد، 1997، علم أطوار الإنسان ص137].
[8] [ البخاري- ج3 كتاب الهبه].
[9] [ص91 رعاية الطفولة د/ عبدالقوى عبدالغنى].
[10] [البخاري: 2899، رواه سلمه بن الاكوع رضى الله عنه].
[11] [البخاري: 5355].
الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.