ابتلاء العلماء الصادقين والدعاة العاملين

الأربعاء 5 جمادى الثانية1436//25 مارس/آذار 2015وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
د. محمد أبو صعيليك
11- محنة سفيان الثوري رحمه الله تعالى:
كان الإمام الجليل والمحدث الكبير سفيان بن سعيد الثوري أحد من ناشته المحنة بأسنانها، وصلته الفتنة بأوارها، ولقد تحدث أهل التاريخ والتراجم عن وقوع البلاء به، وأصابته إياه، وعند النظر في كلامهم في هذا الباب، فإننا يمكن أن نصف محنته من خلال النقاط التالية:
1- سبب المحنة:
الناظر في سيرة سفيان بن سعيد الثوري رحمه الله تعالى، وما حل به من البلاء، يجد أن هناك سبباً أدى إلى وقوع الأذى به، وعند التأمل في سيرته، فإنه يمكن لنا أن نعيد وقوع هذه المحنة به إلى الاسباب التالية:
أ- قيامه بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: كان سفيان الثوري رحمه الله تعالى ممن يقوم بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى حدث عنه أحد تلاميذه، فقال: كنت أخرج مع سفيان الثوري، فما يكاد لسانه يفتر عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ذاهباً وراجعاً.
ب- موقفه من الولاة وشدته معهم: كان لسفيان الثوري رحمه الله تعالى موقف شديد مع الولاة والحكام في عصره، وهذا الموقف قد أوغر عليه الصدود، وألّب عليه الناس، وهنا اسمع جملاً من آرائه وكلامه في هذا الباب نذكره لك كما يلي:
– يقول لعثمان بن أبي زائدة: يا عثمان لا تجالس القاضي، إذا قلت له عافاك الله فهو يرى أنك رضيت عمله، وإذا قلت له جزاك الله خيراً، فما بقي من الثناء.
– ويقول: من لاق لهم دواة، أو برى لهم قلماً فهو شريكهم في كل دم كان في المشرق والمغرب.
– ويقول: إذا رأيت القارئ يلوذ بباب السلطان فاعلم أنه لص.
جـ- نقده لأبي جعفر المنصور: لم يقف سفيان عند حد نقد الولاة والقضاة فقط، بل تعداه إلى نقد الخليفة، والإنكار عليه، ومن مواقفه في هذا ما يلي: قال الفريابي: سمعت سفيان يقول: دخلت على أبي جعفر بمنى، فقلت له: اتق الله، فإنما نزلت هذه المنزلة، وصرت إلى هذا الموضع بسيوف المهاجرين والأنصار، وأبناؤهم يموتون جوعاً، حج عمر ابن الخطاب فما أنفق إلا خمسة عشر ديناً، وكان ينزل تحت الشجر، قال: فقال لي: إنما تريد أن أكون مثلك؟ فقلت: ولكن كن دون ما أنت فيه، وفوق ما أنا فيه، قال: فقال لي: اخرج، فخرج الثوري من عنده.
لهذا كله؛ فقد ألمت بسفيان الفتنة، وأصابته المحنة.
2- محنة سفيان:
لما كان حاله بهذا الكيف، فإن حكام عصره لم يصبروا عليه، ولم يحتملوا نقده ومواقفه، لذا فقد أطلت عليه الفتنة برأسها، فقد تعرض سفيان للفتنة، وقد وصف مؤرخوه ما أصابه، وعند النظر في كلامهم، فإننا نجد أن سفيان الثوري قد بلي بالمحن التالية:
1- الأخذ والضرب: تعرض سفيان لمحاولة الأخذ والضرب، وذلك بسبب استمراره في الإنكار على أبي جعفر المنصور، وفي هذا يقول الدكتور البيانوني: ولما رجع سفيان إلى الكوفة، جعل يأخذ على أبي جعفر ما يفعل بالمسلمين من الأجور والجبر والقهر، فصبر عليه أبو جعفر مدة، ثم أمر بأخذه، فخرج سفيان إلى الكوفة هارباً، وكان ذلك سنة 155هـ.
2- الحبس: فقد تعرض سفيان الثوري رحمه الله تعالى للحبس من قبل الخليفة أبي جعفر المنصور، وذلك لأنه استمر في نهجه في الإنكار عليه، ومعارضة مواقفه وفي هذا يقول الدكتور البيانوني: ولما تبين أبو جعفر أن الثوري لا يعدل عن نهجه في نقد الحكومة، ولا يبالي بمؤاخذتها، أراد أن يحبسه وينتقم منه انتقاماً تماماً، فكتب إلى محمد بن إبراهيم، عامله على مكة، بحبس رجل من آل أبي طالب كان بمكة، وبحبس ابن جريح، وعباد بن كثير، والثوري، فحبسهم ثم أطلقهم من الحبس بغير إذن أبي جعفر، فغضب عليه أبو جعفر.
هذا وصف لما لحق بسيفان الثوري من الأذى، وما ألم به من البلاء، لكن الله تعالى قد أعانه عليه، وسلمه منه، وذهبت المحنة بذيولها، وبقي العالم الجليل سفيان الثوري بعون الله تعالى، وحسن توفيقه عاطراً في مجالس المسلمين ومنتدياتهم، وتراجم أعلامهم، ومدونات تاريخهم، لتكون مواقفه مشاهد حق مسطرة في تاريخ المسلمين.
المصدر:السبيل

اقرأ أيضا  وما بكم من نعمة فمن الله
Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.