الإعجاز القرآني دلالة على أن المستقبل لهذا الدين
الأحد،27ربيع الأول1436//18يناير/كانون الثاني2015وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
حامد شاكر العاني
في هذه المقالة نتناول إعجاز القرآن الكريم كدلالة على أن المستقبل لهذا الدين وأن هذا الدين يجدد نفسه بين الحين والآخر، وأنه سيعود بإذن الله، وأنه سر تقدمنا ونهضتنا، لأنه اختيار من الله لعبادة ليس لحقبة زمنية محددة وإنما إلى قيام الساعة، وأنه يخاطب الفكر والعاطفة في آن واحد، وأنه يمنح المسلم القوة الروحية المستمرة، وأنه ميسر للذكر والفهم، فيفهمه الجميع، وأنه الكلمة السواء التي لا يختلف عليها اثنان، وأنه عبادة متجددة لا تمل، وأنه المنقذ والمخرج من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأنه وسيلة للنجاة ودواء من الأمراض النفسية والجسمانية [1]، فالقرآن الكريم منذ أن أنزله الله عز وجل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم لم يستطع أحد من الناس أن يحرَّف فيه ولو آية واحدة أو يبدله، ولا يزال يتحدى الناس جميعاً على أن يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً، ولكنهم لم يستطيعوا، ولن يستطيعوا، فهو محفوظ من أن تناله أيدي العابثين والمحرّفين، يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَلَّنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾[2].
ولو كان هذا القرآن من عند غير الله سبحانه لوجدوا في اختلافاً كثيراً، وإلى هذا يشير القرآن الكريم ﴿ أَفَلاَ يَتَدَبَرُونَ القُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ﴾[3].
فقد ذكر الإمام القرطبي (رحمه الله تعالى) أن أوجه الإعجاز في القرآن الكريم عشرة [4] وهي:
1- النظم والبديع المخالف لكل معهود في لسان العرب وفي غيرها، لأن نظمه ليس من نظم الشعر في شيء، قال الله تعالى: ﴿ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ ﴾ [5]، وفي صحيح مسلم، ومسند الأمام أحمد وغيرهما [6]أن أنيساً أخا أبا ذر، قال لأبي ذر: لقيت رجلاً بمكة على دينك يزعم أن الله أرسله، قلت: فما يقول الناس؟ قال: يقولون: شاعر، كاهن، ساحر. وكان أنيس أحد الشعراء، قال أنيس: لقد سمعت قول الكهنة فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء الشعراء فلم يلتئم على لسان أحد، وكذلك أقر عتبة بن ربيعة أنه ليس بسحر، ولا شعر لمّا قرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿ حم ﴾ فصلت.
2- الأسلوب المخالف لجميع أساليب العرب، رغم فصاحتهم وقوة تعبيرهم.
3- الجزالة التي لا تصح من مخلوق بحال، فكل سورة تتكون من ثلاثة: النظم، والأسلوب، والجزالة، وبمجموع هذه الثلاثة يتميز مسموع كل آية وكل سورة عن سائر كلام البشر، وبها وقع التحدي والتعجيز.
4- التصرف في لسان العرب على وجه لا يستقل به عربي حتى يقع به الاتفاق من جميعهم على إصابته في وضع كل كلمة وكل حرف في موضعه.
5- ومنها الإخبار عن الأمور التي تقدمت في أول الدنيا إلى وقت نزوله من أمي ما كان يتلو من قبله من كتاب ولا يخطه بيمينه.
6- ومنها الوفاء بالوعد المدرك بالحس في العيان في كل ما وعد الله سبحانه وينقسم إلى قسمين: أخباره المطلقة كوعده بنصر رسوله عليه السلام وإخراج الذين أخرجوه، وإلى وعد مقيد بشرط كقوله: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [7]﴿ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾[8].
7- الإخبار بالغيبيات في المستقبل التي لا يطلّع عليها إلاَّ بالوحي كقوله تعالى: ﴿ الم * غُلِبَتْ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ للهِ الأَمرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بعْدُ وَيَوَمَئذٍ يَفْرُحُ الْمُؤمِنُونَ * بِنَصْرِ اللهَ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾[9].
8- ما تضمنه القرآن من العلم الذي هو قوام جميع الأنام في الحلال والحرام وفي سائر الأحكام.
9- الحكم البالغة التي لم تجر العادة بأن تصدر في كثرتها وشرفها من آدمي.
10- التناسب في جميع ما تضمنه ظاهراً وباطناً من غير اختلاف قال تعالى: ﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَبِيراً ﴾ [10].
وسنتناول بشيء من الاختصار:
1- الإعجاز البياني واللغوي في القرآن.
2- الإعجاز العلمي في القرآن.
3- الإعجاز التاريخي والقصصي في القرآن.
أولاً – الإعجاز اللغوي والبياني في القرآن:
فالقرآن الكريم لا يشابهه شيء من قول البشر، فهو أشرف وأفصح وأصدق كلام عرفته البشرية، ومصداق ذلك قول الله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهُ حَدِيثاً ﴾ وقوله ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهُ قِيلاً ﴾ [11]وما تحدث به بإسهاب أهل البلاغة والاختصاص مشيدين بعظمة هذا الإعجاز.
فقد قال الزرقاني: (بلاغة القرآن الكريم إلى حد فاق كل بيان، وأخرس كل لسان، وأسكت كل معارض ومكابر، وهدم كل مجادل ومهاتر، حتى قام ولا يزال يقوم في فم الدنيا معجزة من الله لحبيبه، وآية من الحق لتأييد رسوله، وبعد كلام الله في إعجازه وبلاغته)[12].
فالقرآن سيبقى متحدياً لأهل الفصاحة والبلاغة ممن يتكلمون العربية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. وهذا التحدي هو قديم قدم تنزل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: ﴿ قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتِ الإنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرَآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ﴾[13]، وقد تحداهم بالإتيان بمثله، أو بعشر سور منه ﴿ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ ﴾[14]، أو بسورة واحدة ﴿ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ ﴾[15]، بل تحداهم إلى أصغر من ذلك أن يأتوا ولو بآية ولكنهم عجزوا عن ذلك ولم يستطيعوا، فالقرآن العظيم تحداهم لغوياً رغم فصاحة لسانهم ولكنهم لم يقدروا على ذلك وخارت عزائمهم وقواهم البلاغية والكلامية.
قال الدمشقي: (فلما عجزوا – وهم فصحاء العرب مع شدة العداوة – عن الإتيان بسورة مثله، تبين صدق الرسول صلى الله عليه وسلم أنه من عند الله، وإعجازه من جهة نظمه ومعناه، لا من جهة أحدهما فقط، هذا مع أنه قرآن عربي غير ذي عوج بلسان عربي مبين، أي باللغة العربية)[16].
فهذا الإعجاز اللغوي والبياني لا يكون من ناحية الحروف والكلمات فحسب، إنما الإعجاز يكون من ناحية التكلم، ومن ناحية النظم والأسلوب والجزالة والمعنى، فلو نظرنا إلى أوائل السور القرآنية فإن الإشارة تكون بالحروف المقطعة، فقد اختلف علماء التفسير في الحكمة من الابتداء بتلكم الحروف، وقد يطول الكلام حول تفسيرها ومراد الله منها.
قال الدمشقي (رحمه الله): (وإلى هذا وقعت الإشارة بالحروف المقطعة في أوائل السور، أي: أنه في أسلوب كلامهم وبلغتهم التي يتخاطبون بها، ألا ترى أنه يأتي بعد الحروف المقطعة بذكر القرآن؟ كما في قوله تعالى: ﴿الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ ﴾[17]…. وكذلك الباقي، ينبههم أن هذا الرسول الكريم لم يأتكم بما لا تعرفونه، بل خاطبكم بلسانكم)[18].
وقال سيد قطب (رحمه الله): (ومثل هذه الحروف يجيء في مقدمة بعض السور القرآنية، وقد وردت في تفسيرها وجوه كثيرة، نختار منها: إنها إشارة للتنبيه إلى أن هذا الكتاب مؤلف من جنس هذه الأحرف، وهي في متناول المخاطبين به من العرب، ولكنه – مع هذا- هو ذلك الكتاب المعجز، الذي لا يملكون أن يصوغوا من تلك الحروف مثله، الكتاب يتحداهم مرة ومرة ومرة أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور مثله، أو بسورة من مثله فلا يملكون لهذا التحدي جواباً).
ثم يعَّرج على أن شأنه شأن كل إعجاز في هذا الوجود، قال: (والشأن في هذا الإعجاز هو الشأن في خلق الله جميعاً، وهو مثل صنع الله في كل شيء وصنع الناس..)[19].
وبما أن القرآن الكريم هو كلام الله عز وجل، فهو دال على صفة من صفاته، وصفات الله لا يشابهها صفة من صفات البشر ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ ﴾ [20]، لهذا يعجز كل مخلوق أن يصل إلى ما عليه الخالق في قدرته وتصرفه وصفاته.
إذن التحدي باقٍ ما بقي القرآن، وبقاء القرآن يعني بقاء الإسلام، وبقاء الإسلام، يعني بقاء هذه الأمة التي كلَّفها الله بحمل رايته.
ونقصد بالإعجاز البياني: أي أسلوب العرض الذي كان القرآن يحاكي به أصناف البشر، وطريقة العرض المشوق الخارق الذي يبهر العقول، مما أبهر عقول من سمعه من قبائل العرب أيام البعثة، والإعجاز البياني يشمل: النظم، والأسلوب، والجزالة، والتصرف.
وقد تناول الدكتور محمد عبد الله دراز دراسة بعض الخصائص البيانية في القرآن الكريم وجعلها على أربع مراتب[21]:
الأولى: في قطعة قطعة منه.
الثانية: في سورة سورة منه.
الثالثة: فيما بين بعض السور وبعض.
الرابعة: في القرآن في جملته.
وقد تناول في المرتبة الأولى دراسة القصد في اللفظ، والوفاء بحق المعنى، وخطاب العامة، وخطاب الخاصة، وإقناع العقل، وإمتاع العاطفة، والبيان، والإجمال.
ومن بديع ما أكده من أنه ليس في القرآن كلمة مقحمة ولا حرف زائد زيادة معنوية، وقال بصدد ذلك ما نصه: (دع عنك قول من يقول في بعض الكلمات القرآنية أنها مقحمة، وفي بعض الحروف أنها زائدة زيادة معنوية، ودع عنك قول الذي يستخف كلمة التأكيد فيرمي بها في كل موطن يظن فيه الزيادة، لا يبالي أن تكون تلك الزيادة فيها معنى المزيد عليه فتصلح لتأكيده أولاً يكون، ولا يبالي أن يكون الموضع حاجة إلى هذا التأكيد أو لا حاجة له به).
أجل دع عنك هذا وذاك، فإن الحكم في القرآن بهذا الضرب من الزيادة أو شبهها إنما هو ضرب من الجهل – مستوراً أو مكشوفاً- بدقة الميزان الذي وضع عليه أسلوب القرآن[22].
ومن الانضباط في سرد الألفاظ وكذلك الأحكام، بحيث لا تتقدم كلمة على أخرى إلاَّ بسبب ولا تتأخر كلمة على أخرى إلاَّ بسبب، وكذلك الأحكام بحيث لا يتقدم حكم على آخر إلاَّ بسبب، ولا يتأخر حكم على حكم إلاَّ بسبب [23]، ونضرب لذلك الأمثال:
1- تقدم السمع على البصر: لأن جهاز السمع أرقى وأعقد وأدق وأرهف من جهاز البصر، والعلم يمدنا الآن بألف دليل على تفوق معجزة السمع على معجزة البصر. فقد ذكر الله عز وجل في القرآن أكثر من سبعة عشر موضعاً حول تقدم السمع على البصر كقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [24].
2- تقدم حكم على حكم، كما في قوله تعالى: ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّاني فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ ﴾[25]. لماذا قدم الله عز وجل الزانية على الزاني، لأن الزانية هي التي تفتح بابها، وهي البادئة، وهي التي تتزين وتتبهرج وتهيئ نفسها. وأما قول الله تعالى: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ﴾[26] فالمرأة أقل جرأة من الرجل، وأنها أمام هذا العمل ضعيفة ولا تقوى عليه، لذا قدم الله السارق على السارقة.
3- توالي الألفاظ المنتقاة لتتوافق مع التعبير كمعجزة بيانية في ذاتها كما يقول الله تعالى في شأن الرياح: ﴿ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنينَ ﴾[27]. فالرياح الباردة تثير سحاباً، فهي تلاقح بين السحب، فيكون برق ورعد ومطر، وينزل المطر على الأرض فيخصبها فهو تلاقح المطر والأرض أيضاً، وكذلك تحمل الرياح حبوب اللقاح من زهرة لتلقى بها إلى مبيض زهرة أخرى فيكون تلاقح من نوع ثالث.. وهكذا ينبت الزرع.
فكثير من اللفتات البيانية الإعجازية في القرآن لا يصل الإنسان إلى كنهها ومعرفتها إلاَّ إذا اكتشفها العلم، كما نرى اليوم بعد أن كانت مخفية عن الأنظار، والتي لم يستطع الأوائل التوصل إليها، لعدم توافر الوسائل العلمية لديهم في اكتشافها وظهورها.
ثانياً – الإعجاز العلمي:
إن من المعروف لدى القاصي والداني أن محمداً صلى الله عليه وسلم كان أمياً لا يعرف القراءة والكتابة، وكان في أمة أمية جاهلة ليس لها من فنون العلوم شيء يذكر، ولم يكن لها في الكونيات سعة أفق ومعرفة مسبقة، وأكثر تعاملها ينصب على أشياء ظاهرة بسيطة، ولكن ما كان ينزل من القرآن، وما كان الوحي ينبئهم به على ظواهر علمية ستقع لم تكن لتخطر ببال أحدهم قال الله تعالى: ﴿ سَنُرِيهِمْ ءَايَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ﴾ [28]، فكانت تحدث أمامهم كفلق الصبح، أو أنهم لم يتوصلوا إلى ما تهدف إليه، فيكونوا أمامه عاجزين، ثم يأتي بعد ذلك جيل يتوصل بمحض وسائله وقدراته المادية إلى الهدف من ذلك: قول الله تعالى: ﴿ بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ﴾ [29] فإنه لم يكن في حسبان العرب الأوائل حينما نزلت عليهم هذه الآية ولا بمقدورهم أن يتوصلوا إلى سر هذه الآية، ولكن لما جاء العلم الحديث، وبفضل تطور آلة البحث توصلوا إلى أن البصمات تختلف من شخص إلى آخر، بل إن بصمات اليد الواحدة تختلف من أصبع إلى آخر، واستفاد من هذا البحث الباحثون في مجال القانون وغيره إلى ما يتم به إلى كشف كثير من الجرائم الغامضة.
ولعل شهادة بعض الغربيين بدور الإسلام والعرب في بناء الحضارات ما يجعل القلب مطمئناً إلى أن الإسلام هو الحل الوحيد لانتشال العالم من مغبة الانهيار والسقوط، وأنه سيعود رغم مكائد الأعداء، بل وإن كثيراً من الغربيين يعترفون بدور الإسلام العلمي والحضاري في بناء الحضارات ولكنهم يخشونه أشد الخشية ويحذرون أشد الحذر من مقدمه، ومن أقوالهم:
• قال المستشرق الفرنسي الدكتور غوستاف لوبون: (كان تأثير العرب في الغرب عظيماً، وإليهم يرجع الفضل في حضارة أوربا، وتأثيرهم بتعاليمهم العلمية، والأدبية، والأخلاقية عظيماً، ولا يتأتى للمرء معرفة التأثير العظيم الذي أثره العرب في الغرب إلاَّ إذا تصورنا حالة أوربا في الزمن الذي دخلت فيه الحضارة، وإذا رجعنا إلى القرنين التاسع والعاشر الميلادي يوم كانت المدينة الإسلامية زاهرة باهرة، نرى أن المراكز العلمية الوحيدة في عامة بلاد الغرب كانت عبارة عن مجموعة أبراج يسكنها سادة نصف متوحشين، يفاخرون بأنهم أميون لا يقرؤون ولا يكتبون، وكانت الطبقة العالية المستنيرة في النصرانية عبارة عن رهبان فقراء جهلة، يقضون الوقت بالتكسب في ديرهم بنسخ كتب القدماء، وليبتاعوا ورق البردي اللازم لنسخ كتب العبادة، ولما شعرت بعض العقول المستنيرة قليلاً بالحاجة إلى نفض كفن الجهل الثقيل الذي كان الناس ينوؤون تحته، طرقوا أبواب العرب يستهدونهم ما يحتاجون إليه، لأنهم كانوا وحدهم سادة العلم في ذلك العهد)[30].
• وقال أحد المستشرقين والمبشرين الغرب: (إذا اتحد المسلمون في إمبراطورية عربية، أمكن أن يصبحوا لعنة على العالم وخطراً، وأمكن أن يصبحوا نعمة له أيضاً)[31].
• وقال أحد المسؤولين في وزارة الخارجية الفرنسية عام 1952: (إن الخطر الحقيقي الذي يهددنا تهديداً مباشراً عنيفاً هو الخطر الإسلامي.. فلنعط هذا العالم ما يشاء، ولنقوِّ في نفسه عدم الرغبة في الإنتاج الصناعي والفني، فإذا عجزنا عن تحقيق هذه الخطة، وتحرر العملاق من عقدة عجزه الفني والصناعي، أصبح خطر العالم العربي وما وراءه من الطاقات الإسلامية الضخمة خطراً داهماً ينتهي به الغرب، وينتهي معه دوره القيادي في العالم) [32].
• وقال البروفيسور مارشال جونسون: (القرآن أول مصدر يذكر أطوار الجنين، ويصف المظهر الخارجي والعمليات الداخلية، وإن التطورات والأحداث التي تكلم عنها القرآن خلال مرحلة النطفة يستحيل كشفها من دون استخدام المجاهر الالكترونية الحديثة)[33].
• وقال الدكتور مايكل هارت: (لا يوجد في التاريخ واحدة من الرسالات نقلت عن رجل واحد وظلت باقية بحروفها كاملة من دون تحوير كل هذا الزمان سوى القرآن، الأمر الذي لا ينطبق على التوراة والإنجيل، فهناك رسل وأنبياء وحكماء بدأوا برسالات عظيمة ثم ماتوا من دون إتمامها ولكن محمداً هو الوحيد الذي أتم رسالته الدينية كاملة وتحددت أحكامها وآمنت بها شعوب بأسرها في حياته وأقام إلى جانب الدين دولة جديدة)[34].
ونتيجة لكثير من الاكتشافات التي ظهرت وكان القرآن الكريم قد أشار إليها كانت سبباً في إسلام كثير من الأوربيين نذكر منهم [35]:
1- الدكتور المجري جرمانوس / خبير باللغات العربية والفارسية والتركية.
2- البروفيسور البريطاني جورج س. نيلسون / أستاذ علم الطفيليات.
3- البروفيسور آرثر أليسون / رئيس قسم الهندسة الكهربائية في جامعة سيتي البريطانية.
4- البروفيسور كيث ل. مور / أستاذ علم التشريح وبيولوجيا الخلية في جامعة تورنتو (كندا).
5- الدكتور مايكل هارت / المسؤول العلمي الأسبق في علم الفضاء في ميرلاند.
6- البروفيسور مارشال جونسون / رئيس قسم التشريح بكلية جيفرسون في فلادليفيا.
7- البروفيسور ج. س. جورنجر / أستاذ علم الأجنة بجامعة جورج تاون.
8- الأسقف السيرلانكي ايفور ايليويس / متخصص بالتنصير، تدرج في المناصب الكنسية.
9- الدكتور الفرنسي موريس بوكاي.
10- البروفيسور ويليام براون.
11- البروفيسور جولي سامسون / أستاذ علم النساء والولادة في جامعة ويسترن.
12- الطبيب الألماني جي ميشيل / أستاذ علم الأجنة.
13- البروفيسور تاجانات تاجسون / رئيس قسم التشريح وعلم الأجنة في جامعة شاينج ماي في تايلند.
14- البروفيسور بالمر / من أشهر علماء الجيولوجيا في العالم.
15- البروفيسور دافيد بنيامين / قس كلداني.
والقرآن الكريم لا زال يتحدى الناس أجمعين على أن يخلقوا ذبابة، ولكنهم لن يستطيعوا ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً، قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالبُ وَالْمَطْلُوبُ ﴾[36].
يقول الأستاذ مصطفى محمود: (وهو مثل ما زال معجزاً للعلم والعلماء بعد ألف سنة من تطور العلم والتكنولوجيا، فمن يستطيع أن يخلق ذبابة على هوانها وتفاهتها؟ وإذا سلبتك الذبابة حياتك بمرض تنقله إليك فمن يستطيع أن يرد لك تلك الحياة، بل إنها لو سلبتك ذرة من النشا من طعامك.. فإن عباقرة الكيمياء لو اجتمعوا لا يستطيعون استرداد هذه الذرة من أمعائها، لأنها تتحول فوراً إلى سكر بفعل الخمائر الهاضمة، فما أضعف الطالب والمطلوب، ما أضعف عبقري الكيمياء، وما أهون الذبابة، وما أتفه ذرة من النشا في عالم هائل بلا حدود.. بل عوالم وأفلاك مترامية خلقها الخالق الذي أحاط بكل شيء علماً)[37].
والروح هي الأخرى أمر تعجيزي لكل الناس، فقد تحداهم الله عز وجل من أن يدركوا كنهها، ومن أي شيء تتكون ولكنهم عجزوا ولم يستطيعوا من إدراكها، بل وجب على الجميع أن يسلموا تسليماً مطلقاً ويقولوا: قل الروح من أمر ربي وما أوتينا من العلم إلاَّ قليلاً، هذا هو الأسلم، وهذا هو الأفضل… قال تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلْ الرَّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾[38].
قال مصطفى محمود: (والروح في الفلسفة لغز… وهي أمر لا يمكن إثباته بالشواهد والأدلة الحسية على وجه القطع، ولا يمكن إنكاره إلاَّ تعسفاً، ولا يمكن تجاوزه إلاَّ جهلاً، وهي تبقى بعد ذلك قضية القضايا التي يقف أمامها علمنا المحدود مكتوف الأيدي)[39].
ثالثاً: الإعجاز التاريخي:
إن خير من جاء بالبيان والعرض التاريخي والقصصي هو القرآن الكريم، بل عده العلماء إعجازاً من معجزات القرآن في عرض الوقائع التاريخية والقصصية.
وإن هذا الجانب من الإعجاز يمثل دليلاَ قاطعاً على صدق نبوة النبي صلى الله عليه وسلم وأن هذا القرآن من كلام الله تعالى وليس من كلام غيره، وأن هذه الوقائع تدل دلالة لا غبار عليها أن هذا الدين سيعود وسيظهر مرة أخرى كما ظهر، وستكون له صولة وجولة كما كان، وأن الله بالغ أمره.
قال محمد زكي الدين: (ولقد كانت دلالات القرآن الكريم التاريخية من أقوى الأدلة الصادعة لجميع الناس، خاصة، وأنه قد جاء به رجل أُمي لا يعرف القراءة ولا الكتابة، ولم تكن له دراية بتاريخ الأمم أو تمرس بالرحلة في طلب المعرفة، وكثيراً ما كان القرآن الكريم يلفت النظر إلى ما في آياته من دلالة تاريخية معجزة)[40].
فالشواهد التاريخية في القرآن تؤكد لنا مجموعة من الأمور يمكن تلخيصها بما يأتي[41]:
1- دقة رواية القرآن الكريم للأحداث وصدق دلالتها عليها، ودقة تصوير المواقف تصويراً يؤكد المشاهدة والمعاينة.
2- تعتبر رواية القرآن الكريم غير مقلدة لما روي في الكتب السماوية الأخرى، إنما جاءت مصححة للأخبار، محققة للأحداث، كاشفة للمواقف، بما لا يتيسر مثله إلاَّ لمن عاش هذه الأحداث أو خالط البيئة التي حدثت فيها على الأقل.
3- وميزة أخرى في أخبار القرآن الكريم وهي أنه لم يقتصر على رواية الناس وإنما تعداها إلى الإخبار عن المستقبل القريب أو البعيد بما كشف الزمن عن بعضها ولا تزال تكشف الأيام عن بعضها وهكذا حتى نهاية الزمن والحياة.. بل تتعدى أخبار القرآن الزمن المحدد بالدنيا والحياة المادية التي نحياها إلى ما بعد ذلك من الحياة الأخرى على ما اختصت به من الدوام والاستمرار الأبدي.
وحصر الدكتور محمد عبد الله دراز هذا الإعجاز في ثلاثة أنواع[42]:
الأول: ما يتعلق بمستقبل الإسلام في نفسه أو في شخص كتابه ونبيه. واستشهد بقول الله تعالى: ﴿ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ والْبَاطِلَ فأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذَهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ ﴾ [43]، وقوله سبحانه: ﴿ إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾[44]، ويستعرض ما توحي به الآيات من ظهور الدعوة وبلوغ الرسالة، وحفظ القرآن الكريم من كل عوامل الضياع والنسيان أو الاختلاف أو التحريف وغيرها، وأنها من سوره المكية، وأن العهد المكي قد غصت سنواته العشر بالإعراض عن النبي صلى الله عليه وسلم والصد عن الإصغاء له والاضطهاد والتعذيب لأصحابه والمقاطعة له ولعشيرته، والمؤامرات السرية والعلنية على قتله أو نفيه.
فلا بد إذن من كفيل بهذا الحفظ من خارج نفسه… من ذا الذي يملك هذا الضمان على الدهر المتقلب المملوء بالمفاجآت إلاَّ ربُّ الدهر الذي بيده زمام الحوادث.
ثم يقول: (لنسأل التاريخ كم مرة تنكر الدهر لدول الإسلام؟ وتسلط الفجار على المسلمين؟ فأثخنوا فيهم القتل…. وأحرقوا الكتب، وهدموا المساجد.. لولا أن يد العناية تحرسه فبقى وسط هذه المعامع رافعاً راياته وأعلامه، حافظاً آياته وأحكامه).
الثاني: فيما يتعلق بحزب الله عز وجل: وهم أهل القرآن والعاملون بسنته الصحيحة، الذين لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم، يحملون راية الإسلام ويذودون عنها بأنفسهم وأموالهم، كما كان عليه سلف هذه الأمة، هؤلاء بهم يحفظ الله عز وجل دينه، وتبقى رايته خفاقة عالية على كر الدهور ومر العصور. وتاريخ الإسلام شاهد على ما نقول.
الثالث: يتعلق بحزب الشيطان: هؤلاء هم العقبة الكئود أمام حزب الله، فهم الموتورون الذين يعملون لمصلحة أعداء الإسلام، والمخذلون لكل نهضة إسلامية وحركة تصحيحية، تريد أن تعيد بالمسلمين إلى مجدهم. فهم حجر عثرة أمام كل عمل شريف يخدم الإسلام وأهله.
وبهذا نخلص أن بقاء القرآن إلى يوم القيامة، وما فيه من الإعجاز بأنواعه الثلاثة لدليل ساطع على أن الدين سيعود عودة لا شك فيها وسيحكم المسلمون مجدداً كما حكموا من قبل بإذنه تعالى.
________________________________________
[1] إنه القرآن سر نهضتنا ص 162.
[2] الأنبياء: 6.
[3] النساء: 82.
[4] يراجع التفصيل: تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن – المقدمة (بتصرف واختصار).
[5] يس: 69.
[6] صحيح مسلم: ج4 ص 1919، مسند أحمد: ج5 ص 174 رقم الحديث (21565)، ومصنف ابن أبي شيبة: ج7 ص 338 رقم الحديث (36598).
[7] لطلاق: 3.
[8] لتغابن: 11.
[9] لروم: 1- 5.
[10] لنساء: 82.
[11] النساء: 87، 122.
[12] مناهل العرفان في علوم القرآن: 1/289.
[13] الإسراء: 88.
[14] هود: 13.
[15] يونس: 38.
[16] شرح العقيدة الطحاوية: ج1 ص205.
[17] البقرة: 1-2.
[18] شرح العقيدة الطحاوية: ج1 ص205.
[19] في ظلال القرآن: ج1 ص 38.
[20] لشورى: 11.
[21] ينظر: النبأ العظيم، د محمد عبدالله دراز ص 97 – 125، وقد اختصرها الأستاذ محمد زكي الدين قاسم في كتابه: هذا القرآن فأين المسلمون منه، ص 74.
[22] النبأ العظيم ص 97 وما بعدها.
[23] ينظر: القرآن محاولة لفهم عصري: مصطفى محمود، دار المعارف بمصر، ص 249.
[24] الإسراء: 36.
[25] النور: 2.
[26] المائدة: 38.
[27] لحجر: 22.
[28] فصلت: 53.
[29] القيامة: 4.
[30] روائع إسلامية: ج2 ص31.
[31] المصدر السابق: ج2 ص52.
[32] المصدر السابق: ج2 ص85.
[33] كتاب سراج التائبين ودوحة المحبين لمؤلفة أحمد الحاج، مطبعة أنوار دجلة، 2010 م، ص 55.
[34] المصدر نفسه ص 57.
[35] لمزيد من معرفة من أسلم من الغربيين، يراجع كتاب سراج التائبين ودوحة المحبين.
[36] لحج: 73.
[37] القرآن محاولة لفهم عصري ص 243.
[38] الإسراء: 85.
[39] القرآن محاولة لفهم عصري ص 245.
[40] هذا القرآن فأين منه المسلمون ص 75.
[41] المصدر نفسه ص 77.
[42] ينظر: النبأ العظيم ص 97 إلى 125 بتصرف.
[43] لرعد: 17.
[44] الحجر: 9.
المصدر:الألوكة