التربية على أركان الإسلام والإيمان والإحسان (3)

الثلاثاء13 جمادى الثانية 1437// 22 مارس/آذار 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
د. عبدالرب نواب الدين آل نواب
التربية على أركان الإسلام والإيمان والإحسان
“مراتب الدين الثلاث” (3)
التربية على أركان الإسلام
ثانيًا: الصلاة
قال أبن تيمية:
من أحب الأعمال إلى الله وأعظم الفرائض عنده الصلوات الخمس في مواقيتها، وهي أول ما يحاسب عليها العبد من عمله يوم القيامة، وهي التي فرضها الله تعالى بنفسه ليلة المعراج لم يجعل فيها بينه وبين محمد – صلى الله عليه وسلم – واسطة، وهي عمود الدين الذي لا يقوم إلا به، وهي أهم أمر الدين كما كان أمير المؤمنين عمر بى الخطاب – رضي الله عنه – يكتب إلى عماله: إن أهم أمركم عندي الصلاة فمي حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها كان لما سواها من عمله أشد إضاعة.

وقد ثبت في الصحيح عن جابر- رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: “بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة”[1].

وفي حديث عبدالله بن بريدة عن أبيه – رضي الله عنه – مرفوعًا: “العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر”[2] فمن لم يعتقد وجوبها على كل عاقل بالغ غير حائض ونفساء فهو كافر مرتد باتفاق أئمة المسلمين[3].

ولئن ذكرت الصلاة ذكرت معها الطهارة لأنها من شروطها ولوازمها، ومسائل الطهارة كثيرة أختار منها ما يتعلق بتربية الأولاد.

فمن ذلك: معرفة حكم التطهر من بول الغلام والجارية:
أما الغلام الصغير الذي يرضع ولم يأكل الطعام بعد فإن بوله طاهر يكتفى فيه بالنضح وهو الرش وفيه حديث أم قيس بنت محصن رضي الله عنها قالت: “أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأجلسه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في حجره فبال عليه! فدعا بماء فنضحه ولم يغسله “[4].

أما الجارية فيغسل بولها ولا ينضح، قال ابن القيم: قال إسحاق س راهويه: مضت السنة من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بأن يرش بول الصبي الذي لم يطعم الطعام، ويغسل بول الجارية طعمت أو لم تطعم، قال وعلى ذلك كان أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم، قال: ولم يسمع من النبي – صلى الله عليه وسلم – ولا عمن بعده إلى زمان التابعين أن أحدا ساوى بين الغلام والجارية[5].

والأولاد يعلمون التطهر للصلاة من الحدث الأكبر والأصغر، وتعليم ذلك يقع على كاهل الآباء، فالولد إذا ميز وجب تعليمه التطهر فالصلاة وكذلك الفتاة، وقد ذكر الله تعالى التطهر للصلاة في محكم التنزيل لأهميته فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [المائدة: 6].

فذكرها هنا التطهر؛ الحدث الأصغر وهو الوضوء وفصل كيفيته بذكر الأعضاء التي تغسل والتي تمسح، وذكر التطهر من الحدث الأكبر وهو الغسل، وذكر موجبات كل، ثم ذكر التيمم إذا عدم الماء أو عجز المسلم عن استعماله.

وصفة الوضوء من السنة النبوية الشريفة ما رواه الشيخان:
أن رجلا قال عند الله بن يزيد ألا تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يتوضأ؟ فقال عبدالله بن يزيد: نعم! فدعا بماء فأفرغ على يديه فغسل مرتين ثم مضمض واستنثر ثلاثًا، ثم غسل وجهه ثلاثا، ثم غسل يديه مرتين مرتين إلى المرفقين، ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه[6]. والإسباغ في الوضوء فضيلة يبتغيها المؤمن، وفي حديث نعيم بن عبدالله المجمر قال: “رأيت أبا هريرة- رضي الله عنه – يتوضأ فغسل وجهه فأسبغ الوضوء ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد ثم يده اليسرى حتى أشرع في العضد ثم مسح رأسه، ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق، ثم غسل رجله اليسرى حتى أشرع في الساق ثم قال: هكذا رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يتوضأ”[7].

ومن خصائص الأمة المحمدية أنها تتميز عن غيرها من الأمم بخاصية الوضوء أو بخاصية الغرة والتحجيل كما في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “إن أمتى يأتون يوم القيامة غرا محجلين من أثر الوضوء فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل”[8].

قال الإمام النووي: أهل اللغة الغرة بياض في جبهة الفرس، والتحجيل بياض يديها ورجليها.

اقرأ أيضا  واجبنا نحو القرآن الكريم

قال العلماء: سمى النور الدي يكون على مواضع الوضوء يوم القيامة غرة وتحجيلا تشبيها بغرة الفرس، والله أعلم[9].

وفي هذا قول الباري جل ذكره: ﴿ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [الحديد: 12].

أما الغسل فكما وصفته أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها قالت: “كان النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه ثم توضأ كما يتوضأ للصلاة، ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها أصول شعره، ثم يصب على رأسه ثلاث غرف بيديه، ثم يفيض الماء على جلده كله “[10].

وهذا ما يسميه الفقهاء الغسل الكامل وهو كما في الحديث وفيه البدء بالوضوء ثم غسل الشق الأيمن ثم الأيسر ثم إفاضة الماء على سائر جسده، وأما الغسل المجزئ فالإفاضة أو كمن يغطس في ماء كثير أو يغوص في نهر تم يخرج.

• ومن أحكام الطهارة مما يخص النساء تعليم الفتيات أحكام الحيض، ولقد كان من حرص الصحابيات على تعلم ذلك لتصح عبادتهن أن كانت إحداهن تأتي إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فتسأله عما يعن لها كما في حديث أسماء رضي الله عنها قالت: جاءت امرأة إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقالت: أرأيت إحدانا تحيض في الثوب كيف تصنع؟ قال: “تحته ثم تقرصه بالماء وتنضحه وتصلي فيه “[11].

ومن أحكام الحيض أن الحيض والنفساء يدعن الصلاة والصوم حتى يطهرن، والحائض والنفساء تقضيان الصوم ولا تقضيان الصلاة، وفي حديث جابر بن عبدالله وأبي سعيد مرفوعا: “أن الحائض تدع الصلاة”[12].

وأما النفساء فقال الترمذي: أجمع أهل العلم من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – والتابعين ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فإنها تغتسل وتصلى، فإذا رأت الدم بعد الأربعين فإن أكثر أهل العلم قالوا: لا تدع الصلاة بعد الأربعين[13].

وحديث أم سلمة رضي الله عنها أنها سألت النبي – صلى الله عليه وسلم -: أتصلي المرأة في درع وخمار ليس عيها إزار؟ قال: “إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قد ميها”[14].

ويستفاد من النصوص السابقة:
أن الصلاة لا تصح إلا بالطهارة وأن من مسئولية الآباء تعليم الأولاد الصلاة والتطهر لها، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وأن من وسائل تعليم الأولاد وتربيتهم أسلوب القدوة بتدريبهم عمليا على كيفية الوضوء، وهو أمر في غاية الأهمية لاسيما أن الأولاد وهم في سن التعليم والإدراك مفطورون على التقليد والمحاكاة فإذا كان الأبوان يؤديان الفروض الخمسة في أوقاتها ويتطهران لذلك فإن الأولاد يترسمون خطاهما ويتبعونهما في ذلك وهو من أمثل أساليب التربية.

وانه لمن أكبر أخطاء الأبوين إهمال الأولاد في هذا الجانب فقد يكون الوالد صالحًا في ذات نفسه لكنه لا يلزم من تحت يديه من البنين والبنات بالصلاة، وقد يهتم بأمور المعاش من مأكل وملبس اهتماما بالغا ولا يحفل بما هو أهم من ذلك وهو أمر الصلاة والدين، وكذلك الأم قد يقع منها التفريط، فقد تبلغ الفتاة المسلمة سن التكليف بالمحيض وغيره من علامات البلوغ وتمكث سنين لا تصلي ولا تعرف أحكام الحيض والطهارة والصلاة وهو تفريط مهلك من الأبوين وغفلة، والله عز وجل سائلهما عن ذلك.

وبعد تحقق الطهارة في البدن لابد من طهارة الثوب والبقعة التي يصلى فيها، فإذا تحقق من ذلك شرع في تعليم الأولاد الصلاة وبيان ذلك كالآتي.

وفي تعليم الأهل والأولاد الصلوات وإلزامهم بها قول الله تعالى: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [طه: 132].

وهو دأب الأنبياء والصالحين كما في قوله تعالى حكاية عن أبي الأنبياء إبراهيم الخليل أنه ابتهل إلى الله قائلا: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ﴾ [إبراهيم: 37].

وهذا التواصي بإقامة الصلاة بين الأب وبنيه وسؤال الله ذلك، نراه ماثلا في إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، قال الله تعالى عن إسماعيل: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ﴾ [مريم: 54- 55].

وإلزام الأولاد إقام الصلاة من أعظم الأمانات التي تقع على كاهل الآباء تجاه الأولاد بعد تلقينهم العقيدة وتربيتهم عليها، وتأمل كيف تأتي أهمية الصلاة بعد العقيدة مباشرة في الاصطبار على إقامتها وفي تربية الأولاد عليها، وذلك في:
• دعاء إبراهيم عليه السلام، وهو قوله: ﴿ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾ [إبراهيم: 35]، ثم قال: ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ﴾ [إبراهيم: 40].

اقرأ أيضا  “حافظ” تحتفي بـ317 طالباً متميزاً من حفظة القرآن الكريم

• ووصية لقمان لابنه إذ قال له: ﴿ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13] ثم قال: ﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 17].

ولقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – حريصا على تربية الناشئة وغيرهم على إقامة الصلوات وتعهدهم لذلك، والأمثلة عليه أكثر من أن تحصر، منها:
• حديث مالك بن الحويرث – رضي الله عنه – قال: أتينا النبي – صلى الله عليه وسلم – ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، فظن أنا اشتقنا أهلنا، وسألنا عمن تركنا في أهلنا فأخبرناه، وكان رقيقا رحيما، فقال: “ارجعوا إلى أهليكم فعلموهم ومروهم، وصلوا كما رأيتموني أصلي، وإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحد كم ثم ليؤمكم أكبركم”[15].

• ومنها حديث أنس – رضي الله عنه -: “أن جدته مليكة دعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لطعام صنعته له، فأكل منه ثم قال: “قوموا فلأصل لكم” قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبث، فنضحته بماء، فقام رسول الله – صلى الله عليه وسلم- وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا، فصلى لنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ركعتين ثم انصرف” [16].

وهكذا دأب عليه الصلاة والسلام على تربية الشباب على إقام الصلاة لترنو نفوسهم إلى معالي الأمور وليقفهم على مكانة المسلم ورسالته في الحياة من خلال التقرب إلى الله تعالى بطاعته وبأحب العمل لديه – الصلاة – التي هي عمود الدين.

وهذا درس عملي تطبيقي على الآباء أن يحذوا حذوه في تعليم الأولاد ذكورا وإناثة الصلاة وتعويدهم وتربيتهم عليها.

قال ابن حجر:
وفي الحديث صحة صلاة الصبي المميز ووضوئه، وأن محل الفضل الوارد في صلاة الناقلة منفردا حيث لا يكون هناك مصلحة كالتعليم، بل يمكن أن يقال هو إذ ذاك أفضل ولاسيما في حقه – صلى الله عليه وسلم -[17].

ومما يجب على الآباء أد يولوه العناية بعد التربية على الصلوات المفروضة والنافلة، التربية على الأذكار المشروعة، عقب الصلوات أو في الأحوال العادية، وقد أمر الله عباده بالإكثار من ذكره بكرة وأصيلا فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾ [الأحزاب: 41- 42].

قال ابن عباس رضي الله عنهما: لم يعذر أحد في ترك ذكر الله إلا من غلب على عقله[18].

وامتدح الله سبحانه عياده المتصفين بهذه الصفة الجليلة وهي ذكره تعالى على كل الأحوال الشريفة بشتى أصناف الذكر، وأفصل دلك تلاوة كتابه فقال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُور ﴾ [فاطر: 29] وقال: ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 191].

ونوه بالأوقات الفاضلة للاستغفار والذكر فقال: ﴿ الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ﴾ [آل عمران: 17]. وقال جل ذكره:
﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ *وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الذاريات: 16 – 18].

إن إقامة الصلوات بكامل أركانها وشروطها لا يتأتى إلا بالرغبة فيها والحرص على أدائها كاملة غير ناقصة، والحرص مع ذلك على تحري الأوقات الفاضلة وعلى أن يكون المسلم كثير الذكر والشكر لربه عز وجل، وكل ذلك لا يتأتى على الوجه الأتم إلا بالإيمان به والقناعة بأهميته والرغبة الذاتية فيه: وهو ما يعمل الآباء بدأب وحرص على غرسه في نفوس وقلوب الأولاد. ومن الأذكار المشروعة الأذكار التي سنها النبي – صلى الله عليه وسلم ، عقب الصلوات المفروضة.

وأما الأذكار الأخرى التي يبغي تعليم الأولاد إياها فكثيرة منها أذكار الطعام والشراب، وأذكار النوم والاستيقاط، وأذكار ركوب الدابة والخروج من المنزل، وأذكار قضاء الحاجة، وأذكار قيام الليل مما يحرص عليها المسلم بِشكل يومي وسيأتي ذكرها دي المبحث الثالث إن شاء الله.

وأورد فيما يلي ما يسمح به المقام:
• حديث عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابير واجعلني من المتطهرين، فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء”[19].

• حديث سمرة بن جندب – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم قال “أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله ولا إله إلا الله، والله أكبر، لا يضرك بأيهن بدأت”[20].

• ما رواه قتادة قال سألت أنسا أي دعوة كان يدعو بها النبي – صلى الله عليه وسلم – أكثر؟ قال: كان أكثر دعوة يدعو لها يقول: “اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار”[21].

اقرأ أيضا  العلاقة الفردية بين المسلم وغير المسلم في الفقه الإسلامي

• حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير، في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد أفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك، ومن قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر”[22].

• في حديث الأغر المزلي أد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال. “إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة”. ولفظ البخاري: “والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة”[23].

• وفي حديث أبي موسى – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال له “يا أبا موسى ألا أدلك على كلمة من كنز الجنة”؟ قلت: ما هي يا رسول الله؟ قال: “لا حول ولا قوة إلا بالله “[24].

• في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – مرفوعا عن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال. “كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم “[25].

وهناك أدعية أخرى كثيرة بحسب الأحوال، على المسلم تعلمها وسؤال أهل العلم عنها، لاسيما الأدعية الواردة في القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة.

وقد أورد الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الذكر والدعاء ما هو أنفس من الدرر فطالعه أكرمك الله واحفظه والزمه وعلمه أهلك وولدك تفز!.

________________________________________
[1] رواه مسلم في كتاب الإيمان (82)، وأبو داود في كتاب السنة (4678)، والترمذي في كتاب الإيمان (2618) وقال: حسن صحيح، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة (1078).
[2] رواه الترمذي في كتاب الإيمان حديث (2621)، والنسائي في كتاب الصلاة حديث (463)، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة حديث (1079)، وأحمد في مسند الأنصار حديث (2159).
[3] مجموع الفتاوى 10/ 433.
[4] متفق عليه رواه البخاري في كتاب الوضوء (223)، ومسلم في كتاب الطهارة (287).
[5] تحفة المودود ص131.
[6] متفق عليه: رواه البخاري في كتاب الوضوء (185)، ومسلم في كتاب الطهارة (235).
[7] رواه مسلم في كتاب الطهارة (246)
[8] متفق عليه رواه البخاري في كتاب الوضوء (136)، ومسلم في كتاب الطهارة (246).
[9] المنهاج 3/138.
[10] متفق عليه: رواه البخاري في كتاب الغسل (248)، ومسلم في كتاب الحيض (316).
[11] متفق عليه رواه البخاري في كتاب الوضوء (227)، ومسلم في كتاب الطهارة (291).
[12] رواه البخاري في كتاب الحيض باب لا تقضي الحائض الصلاة.
[13] رواه الترمذي في كتاب الطهارة (139)، واللفظ له، وأبو داود في كتاب الطهارة (312)، وابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها (648).
[14] رواه أبو داود دي كتاب الصلاة (640)، ومالك دي الموطأ كان النداء للصلاة (295).
[15] متفق عليه: رواه البخاري في كتاب الأدب (6008)، ومسلم في كتاب المساجد (674) واللفظ للبخاري.
[16] متفق عليه رواه البخاري في كتاب الصلاة (380)، ومسلم في كتاب المساجد (658).
[17] الفتح 1/491
[18] تفسير القرطبي 14/ 197
[19] رواه الترمذي في كتاب الطهارة (50)، والنسائي في كتاب الطهارة (148)، وابن ماجه في كتاب الطهارة (470).
[20] رواه البخاري تعليقا في كتاب الإيمان، ومسلم في كتاب الآداب (2137)، وأحمد في مسند البصريين (19248) واللفظ لمسلم.
[21] متفق عليه: رواه البخاري في كتاب الدعوات (6389)، ومسلم في كتاب الذكر، والدعاء (2690) واللفظ لمسلم.
[22] متفق عليه رواه البخاري في كتاب بدء الخلق (3293)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء حديث رقم (2691) واللفظ لمسلم.
[23] متفق عليه- رواه البخاري في كتاب الدعوات (6307)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء (2075) واللفظ لمسلم.
[24] متفق عيه رواه: البخاري في كتاب الدعوات (6409)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء (2704).
[25] متفق عليه رواه البخاري دي كان التوحيد (7563)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء (2694).
-الألوكة-