الدعوة إلى الله

الخميس 23 محرم 1437//5 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
د. محمد بن سعد الدبل
الدعوة إلى الله
الحمد لله الذي من على المسلمين بنعمة الإسلام، الحمد لله الذي أرسل في الثقلين رسولا يدعو إلى الله بإذنه، أكمل به أحكام الدين، وجعله خاتم الأنبياء والمرسلين، وأمر أمته بطاعته وإتباعه، وتبليغ دعوته وفق الدليل الساطع والحجة القاطعة والبرهان القوي، ولا أقوى ولا أنصع من الدليل القرآني والحديث الشريف على صدق الدعوة إلى الله في حدود ما أمر به، والتزام قواعد الشرع الحنيف في أسلوب الدعوة إلى الله تعالى.

فالحمد والشكر لله على كل حال، نحمده ولا نخص بالذكر والثناء سواه، ونصلي ونسلم على محمد رسوله ومصطفاه صلى الله وسلم وبارك عليه من نبي، أدى الأمانة وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، وعبد الله حق عبادته.

أما بعد، فيا أيها الأخوة المسلمين:
أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل فهي الأمان من عقابه، وهي الطمأنينة إلى ثوابه ورضاه؛ ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 27].

أيها الأحباب:
اعلموا أن شريعة الإسلام دين كل الجزئيات والكليات في عمل أحكامه التعبدية والعملية، ومن أحكام هذا الدين ما هو قائم بالدليل من القرآن والسنة، وما هو قائم بالدليل من الحجة والإجماع. إلا في بعض الجزئيات التي تجد عبر تاريخ هزه الأمة أولها وآخرها. فلهذه الجزئيات فتح باب الاجتهاد للعلماء ممن لهم باع طويلة في التحري والتقصي، والقياس، فلا بد للمجتهد أن يكون عدلا ثقة متمكنا من فقه الأحكام مقرونة بالأدلة من قول أو فعل أو تقرير صح عن نبي السلام محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.

ومن هنا، وقبل أن نفصل القول في مقام الدعوة بلى الله يجب أن نفهم الآتي: إن إكمال الدين لأمة الإسلام يعني عدم حاجة الأمة في تشريعاتها وأحكامها لأي نظام من نظم البشر، ويعني استقلال الشريعة الإسلامية في أصولها وفروعها، لأنها وحدها كافية لإصلاحه الناس، ولإقامة نهضة عالمية وحضارة إنسانية وفق تشريع إسلامي مستمد من وحي السماء، ولنعليم أنه حيث أراد الله أن تكون رسالة محمد – صلى الله عليه وسلم – خاتمة الرسالات جعلها عامة لجميع الثقلين الجن والإنس شاملة لجميع جوانب الحياة، وما يجد عليها من مشكلات، جعلها صالحة لكل زمان ومكان خالدة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

ولنعلم أن هذه الصفات والخصائص لم تتوافر لأي تشريع سماوي سابق، ولا لأي نظام بشري أرضي، وإنما هي صفات وخصائص تميزت بها شريعة الإسلام التي تعهد الله بحفظها وتمكنها ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9].

كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.

ولنعلم أن انقطاع الوحي بوفاة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لا يعني أن الشريعة نصمت على حكيم كلى جزئية من جزئيات الحياة وما يجد من مشكلاتها، فما كان من أحكام العبادات ثابتا لا يتغير جاءت الشريعة له بأحكام وأدلة ثابتة مفصلة لا تتغير كأركان الإسلام الخمسة، وكأحكام المواريث والنكاح ونحو ذلك، وما كان في حياة الناس قابلا للتجديد والتغير فقد حددت الشريعة قواعده العامة وأصوله الكلية، وتركت للمجتهدين الاستنباط لا يجد من الوقائع وتطبيقها على القواعد والنصوص. ومن هنا كان منصب الاجتهاد فرضا على الأمة.

اقرأ أيضا  فضل الدعوة وثمراتها

أيها الإخوة المسلمون: إن معنى هذه الكلمات المختصرة يفضي بنا إلى الحديث عن الدعوة والدعاة إلى الله، وما يجب أن يكون عليه المسلم الداعي إلى دين الله من العلم والدراية والنضج العقلي والتبصر في أحكام الدين. وما ينبغي أن يكون عليه من صافات وأخلاق وسلوك، ومتى وأين يدعو بلى الله. وما حكم من قلد أو جرته العاطفة الدينية فخرج يدعو إلى الله لا يلوي على شيء ولم يتزود بزاد الدعوة والدعاة. كل هذه القضايا أيها الإخوة بحاجة إلى تدبر وشرح واستيعاب لتحصل الثمرة من الدعوة، وليكون المسلم الداعي إلى الله على بصيرة من أمره.

فأقول والله المستعان على كل حال:
إن للعقل والفهم والإدراك وسعة الاطلاع والإلمام بالثقافة السلامية لأكبر الأثر في حياة الداعية المسلم، فلا بد أن يبلغ الداعي إلى الله المرحلة العقلية التي تمكنه من معرفة سبل الدعم إلى الله بالموعظة الحسنة وإيراد الدليل وشرحه وكيفية تطبيقه. ويكاد أن يكون هذا الأساس خاصا بطائفة من العلماء الذين تخصصوا في علوم الشريعة وأصول الدين. غير أن هذا لا يمنع المسلم أن يدعو إلي الله، إذا هو أخذ بشروط الداعية، وما يجب أن يكون عليه علما وخلقا وسلوكا.

أيها والإخوة المؤمنون:
ألا فلنعلم أن أول ما يجب أن يتوافر لا الداعية المسلم- أن يكون عل معرفة تامة بأحكام الدين، وأن يكون متمكنا من معرفة الأدلة واستنباطها وفهمها، وخصوصا إذا كان يدعو إلى الله في مجتمع إسلامي على دراية بأحكام الشريعة، حيث تكون الغاية من دعوته تذكير المسلمين بأمور دينهم ودنياهم. وأن يكون صحيح المعتقد، سليم الباطن، نقي الظاهر، مخلصا في نيته وقوله وعمله، يبتغي بدعوته وجه الله والدار الآخرة.

وأن ينوي بدعوته إلى الله أن تكون جهادا في سبيل الله، والأصل في ذلك قول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 52].

وإن كان له أبوان فلا يخرج للدعوة إلا برضاهما. والأصل في ذلك قوله – صلى الله عليه وسلم – لمن رغب في الخروج على الجهود وعاقه حال أبويه: “ففيهما فجاهد”. أو كما قال – صلى الله عليه وسلم -.

وأن يكون الداعية إلى الله معتدلا في هيئته، غير مغال في لباسه ما بين الطول والقصر، فالتناهي في طول الثياب إسبال، والإسبال خيلاء، والخيلاء في، والكبر فجور، والفجور مدعاة إلى سخط الله وعذابه.

والتناهي في تقصير الثياب إلى نصف الساق، فأكثر تنطع وغلو، والغلو لم يأمر به الدين، بل نهى عنه.

وأن يكون مقتصدا في مشيته، موجزا في كلمته إلا في حال تستوجب البسط والإطالة.

وأن يكون همه الأول إصلاح الناس واستقامتهم على الحق من غير إكراه ومن غير إفراط ولا تفريط، وأن لا يجعل من خطبته في المحافل، ومقالته في الصحف، وكلمته في الإذاعات، وعدسة الرائي مدعاة إلى المديح والثناء والإطراء، فهذا الصنيع سمعة، والسمعة رياء، والرياء خلق لا يبتغي به وجه الله، ولذلك يعرى صاحبه ولا يقبل منه قول، ولا يؤثر منه نصح.

ثوب الرياء يشف عما تحته
فإذا ادرعت به فإنك عاري

اقرأ أيضا  كيف نربي بناتنا على الحجاب؟

وأن لا يبتغي بدعوته حطام الدنيا والتزلف لدى ذوي السلطان والجاه؛ فإن ذلك عمل لدى لله فيه قربة.

وأن لا يخرج داعيا إلى الله هائما على وجهه لا يعرف الطريق الذي يسلكه فإن هذا من التهلكة وضياع الغاية من الدعوة، وأن لا يجعل من دعوته ما يثير الفتنة بين الناس من رجال الحسبة والمسئولية، فإن الفتنة في الدين وإثارتها بين المسلمين عمل لا يقبله الله ولا يثيب عليه، ويكفي في أسلوب الدعوة بعد كلام الله سبحانه وتعالى حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “الدين النصيحة (ثلاثا). قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم”.

فاللهم اجعلنا هداة مهتدين، نصحاء لك ولكتابك ولرسولك وللمسلمين.

بارك الله لي ولكم في كتابه الكريم، ونفعني وإياكم بما فيه من الأحكام والعظات والذكر الحكيم. أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله المحمود على كل حال، أهل الشكر والثناء، أحمده وأشهد أن لا إله في الوجود سواه، وأصلى وأسلم على الداعية الأول عملا خير من عرف الإسلام ودعا به إلى الله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه الغر الميامين الذين رفعوا لواء الإسلام، وحققوا الغاية من الدعوة إلى الله على بصيرة من أمرهم ونور من كتاب ربهم وقبس من سنة نبيهم، لا تأخذهم في الله لومة لائم، رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين.

أما بعد:
عباد الله ثوبوا إلى دينكم وارجعوا إليه، وحققوا الغاية من الدعوة إليه بينكم أولا، ثم بينكم وبين من حواليكم من الأهل والولد والمجتمعات الإسلامية.

وتأملوا رحمكم الله الأدلة من وجوب الدعوة إلى الله في كتابه الكريم، وسنة رسوله الهادي إلى الحق وإلى طريق مستقيم. يقول تبارك وتعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125] ويقول تبارك وتعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33]. ويقول جل من قائل: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [يوسف: 108]. ويقول – صلوات الله وسلامه عليه – في وصيته لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن قاضيا ومعلما ومرشدا: “إنك ستأتي قوما أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افرض عليهم خمس صلوات، فإن هم أطاعهم لذلك فأعلمهم أن الله افرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقوأئهم. وإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله وحجاب.

أخي المسلم:
هذا هو منطلق الدعوة إلى الله: أسلوب وموعظة بالحسنى، وصبر على تألف القلوب، وحمل الناس على الطاعة، كما قال جل وعلا: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾ [يوسف: 108]، وكما قال في سياق الحديث السابق فإن هم أطاعوك بذلك فقد شرط طاعة المدعوين، وهذا يعني إقناعهم وحملهم على الحق وإتباعه، ولا يتحقق ذلك من المدعو مهما كان بأسلوب النهر والشزر والغلظة والجبر والإكراه. صحيح أن للشدة موقعها من الدين وللين موقعه أيضا، ولكن لا يغلب جانب من هنا على ذلك، ولا من ذلك على هذا، وإنما الدين النصيحة وجوهره حسن الدعوة، وثمرته القبول.

اقرأ أيضا  إذا أردت أن تكون مستجاب الدعوة

أيها الإخوة المسلمون:
هناك تيار يتقاذف كثيرا من الشباب الذين يتمتعون بالغيرة على الدين. وهذا أمر محمود، ولكن فيه سلبيات كثيرة يجب التنبيه عليها.

من هذه السلبيات أننا نجد عددا هن الإخوة يجمعهم بيت أسري تربوا بين جنباته على الفضيلة، وكان للأبوين تأثير كبير في أسلوب تربية هؤلاء الإخوة.

ولكننا نجد بينهم اختلافا كبيرا في المقصد من الدعوة إلى الله فبعضهم يهجر أخاه ويعق والديه بسبب اختلاف علي مسألة من المسائل، وبعضهم يجعل للشحناء والفرقة بينه وبين إخوته طريقا لا يمكن سدها إلا بالانفصال والشتم والسباب والنفرة والكراهية، وكان الأجدر بهم التناصح والتعقل فيما يختلفون عليه. فكيف بحال هؤلاء إذا خرجوا بدعوتهم إلى صفوف المجتمع في الداخل أو في الخارج. إن هذا الأسلوب في الدعوة يسيء إلى الداعي وما يدعو إليه.

اعلم- أخي المسلم- أند من لحم ودم، وأن من تدعوه كذلك من لحم ودم، وأن له مثل ما لك من العواطف والإحساس والتأثر، فكيف تدعوه بما تكره من الأسماء والكنى والألقاب وتغلظ في القول. وأنت تريد رده بلى الصواب، أو تريد إقناعه بحكم من الأحكام، أو تريد تبيين مسالة له من مسائل الدين يجهلها؟ سبحان الله! لم الغلظة والتجافي إلى العسر والإكراه، ورسولنا – صلى الله عليه وسلم – يقول:”يسروا ولا تعسروا، بشروا ولا تنفروا”؟

وهناك ظاهرة لا بد من علاجها وهي أن بعضا من الناشئة دعتهم سذاجتهم وعواطفهم المجردة إلى أن يخرجوا للدعوة إلى الله على غير هدى، وعلى غير بصيرة، فهجروا أهلهم، وكادوا أن يحزموا ما أبيح لهم من الطيبات، ليس لشيء سوى أنهم زهاد يرضون القليل. وليس هذا من الزهد في شيء، هذا الصنيع مخالف لما عليه الدين، هذا الصنيع رهبانية ما كتبت علينا.

فاللهم – يا رب العزة والجلال – اجعلنا واجعل شبابنا وناشئتنا هداة مهتدين على بصيرة من أمر دينك، وهيئ لنا ولهم من أمرنا رشدا.

اللهم بعزتك أعز الإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم خذ بقوتك التي لا تقهر أعداء الإسلام والمسلمين، واقمع شوكتهم، وفرق شملهم، وشتت صفوفهم، وخذهم على غرة من أموهم.

ويسر – يا رب – للمسلمين أمورهم، وأعنهم على الدعوة إليك بما يرضيك، واجمع كلمتهم عل الحق.

اللهم مكن لحكامنا وقادتنا وولاة أمورنا ما مكنت لعبادك الصالحين.

سبحانك اللهم وبحمدك نستغفرك ونتوب بليك.

عباد الله، صلوا وسلموا على نبيكم، واذكروا الله العلي العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.