الصبر مفتاح الفرج

الجمعة 20 شعبان 1437/ 27ماي/آيار 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا”.

إنّ الله – سبحانه وتعالى – جعل الصبر جواداً لا يكبو، وصارماً لا ينبو، وجنُداً لا يُهزم وحصناً حصيناً لا يُثلم.

قال النبي محمد (ص): “ما أُعطى أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر”.

ولقد ذكر الله الصبر في القرآن في نحو من تسعين موضعاً فقال سبحانه: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) (السجدة/ 24).

وقال عزّ وجلّ: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (الزمر/ 10).

وقوله تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ) (البقرة/ 45)، وجعل الإمامة في الدين موروثة عن الصبر واليقين بقوله: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) (السجدة/ 24). فإنّ الدين كلّه علم بالحقِّ وعمل به، والعمل به لابدّ فيه من الصبر، بل وطلب علمه يحتاج إلى الصبر. كما قال معاذ بن جبل (رض): عليكم بالعلم فإنّ طلبه لله عبادة، ومعرفته خشيةٌ، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، ومذاكرته تسبيح، به يُعرف الله ويُعبد، وبه يمجد الله ويوحد، يرفع الله بالعلم أقواماً يجعلهم للناس قادة وأئمةً يهتدون بهم وينتمون إلى رأيهم.

فالعلم النافع هو أصل الهدى، والعمل بالحقِّ هو الرشاد، وضد الأوّل الضلال، وضد الثاني الغيُّ. فالضلال العمل بغير علم، والغي اتباع الهوى، قال تعالى: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى) (النجم/ 1-2)، فلا يُنال الهدى إلا بالعلم ولا يُنال الرشاد إلا بالصبر. ولهذا قال علي (ع): “ألا إنّ الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا انقطع الرأس بان الجسد، ثم رفع صوته فقال ألا لا إيمان لمن لا صبر له”.

اقرأ أيضا  معنى أن العمرة في رمضان تعدل حجة

يُحكى عن أنوشروان أنّه قال: جميع المكاره في الدنيا، تنقسم على ضربين: فضرب فيه حيلة، فالاضطراب دواؤه، وضربٌ لا حيلة فيه، فالاصطبار شفاؤه.

وكان يقال: من اتّبع الصبرَ، اتَّبعه النصرُ.

روى الأصمعي عن أعرابي أنّه قال: خف الشر من موضع الخير، وارجُ الخير من موضع الشَّرِّ، فرُبَّ حياةٍ سببُها طلب الموت، وموتٍ سببه طلب الحياة، وأكثر ما يأتي الأمن من ناحية الخوف.

وإذا العناية لاحظتك عيونها *** نَم فالحوادث كلهن أمان

قال عليّ بن أبي طالب (ع): “الصبر مطية لا تكبو”.

وقيل: الصبر لله غناء، وبالله تعالى بقاء، وفي الله بلاءٌ، ومع الله وفاء، وعن الله جفاء، والصبر على الطلب عنوان الظفر وفي المحن عنوان الفرج.

الصبر الجميل: “هو الذي لا شكوى فيه ولا معه، والصفح الجميل: هو الذي لا عتاب معه والهجر الجميل: هو الذي لا أذى معه”.

“الصبر إذا قام به العبد كما ينبغي، انقلبت المحنة في حقه منحة، واستحالت البليَّة عطيَّة، وصار المكروه محبوباً، فإنّ الله سبحانه وتعالى لم يبتله ليُهلكه، وإنما ابتلاه ليمتحن صبره وعبوديته، فإنّ لله تعالى على العبد عبودية في الضراء، كما له عبودية في السراء، وله عبودية عليه فيما يكره، كما له عبودية فيما يحب، وأكثر الخلق يعطون العبودية فيما يحبُّونه، والشأن في إعطاء العبودية في المكاره، ففيه تفاوت مراتب العباد، وبحسبه كانت منازلهم عند الله تعالى”.

اقرأ أيضا  أسرار مذهلة للصدقة والتسامح

فاصبر صبراً جميلاً

قال تعالى: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) (يوسف/ 18)، وقال تعالى: (فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلا) (المعارج/ 5)، فالبلاء قد حلَّ والمصيبة قد وقعت فلماذا الاعتراض والتسخُّط على القضاء والقدر؟!!!

–        إنّه الصبر الجميل الذي لا جزع فيه ولا شكوى.

التحلِّي بالصبر من شيم الأفذاذ الذين يتلقون المكاره برحابة صدر وبقوة إرادة وبمناعة أبيَّة. وإن لم أصبر أنا وأنت فماذا نصنع؟!

هل عندك حل لنا غير الصبر؟ هل تعلم لنا زاداً غيره؟

كان أحد العظماء مسرحاً تركض فيه المصائب وميداناً تتسابق فيه النكبات كلما خرج من كربة زارته كربة أخرى، وهو متترس بالصبر، متدرّع بالثقة بالله.

هكذا يفعل النبلاء، يُصارعون المُلمّات ويطرحون النكبات أرضاً.

واصبر وما صبرك إلا بالله، اصبر صبر واثق بالفرج، عالم بحسن المصير، طالب للأجر، راغب في تكفير السيئات، اصبر مهما ادلهمّت الخطوب، وأظلمت أمامك الدروب، فإنّ النصر مع الصبر، وإنّ الفرج مع الكرب، وإنّ مع العسر يسراً.

اقرأ أيضا  تفسير: (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين)

قرأت سير عظماء مروا في هذه الدنيا وذُهلت لعظيم صبرهم وقوة احتمالهم، كانت المصائب تقع على رؤوسهم كأنها قطرات ماء باردة، وهم في ثبات الجبال، وفي رسوخ الحقّ، فما هو إلا وقت قصير فتشرق وجوههم على طلائع فجر الفرج، وفرحة الفتح، وعصر النصر. وأحدهم ما اكتفى بالصبر وحده، بل نازل الكوارث، وصاح في وجه المصائب متحدّياً.

إنّه جمال النفس المطمئنة الراضية عن الله – عزّ وجلّ – .. التي تعلم أنّه ليس لها من الأمر شيء.. وأنّ الأمر كلّه بيد الله.. فهو سبحانه مالك كلّ شيء، وما سواه فهو مملوك له، وليس للمملوك أن يعترض على المالك.. فصبرت واستراحت من عناء الجزع والحزن وضيق الصدر.. وقالت: ليفعل بي ما شاء فأنا تحت تصرفه وطوع إرادته.. هكذا كان الصبر جميلاً على ما فيه من مرارة وألم.

المصدر: كتاب لا تحزن وابتسم للحياة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.