تفسير: (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين)

twitter.com
twitter.com

الثلاثاء 25 صفر 1437//8 ديسمبر /كانون الأول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
سيد مبارك
تفسير قوله تعالى:
﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾
(سورة البقرة: الآية 45)
إعراب مفردات الآية[1]:
الواو عاطفة (استعينوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون.. والواو فاعل (بالصبر) جارّ ومجرور متعلّق بـ (استعينوا)، (الصلاة) معطوف بالواو على الصبر مجرور مثله. الواو حاليّة (إن) حرف مشبّه بالفعل للتوكيد والهاء اسم إنّ واللام هي المزحلقة تفيد التوكيد (كبيرة) خبر إنّ مرفوع (إلا) أداة حصر. (على الخاشعين) جارّ ومجرور متعلّق بـ (كبيرة).اهـ

روائع البيان والتفسير:
• ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ﴾ قال القرطبي ما مختصره: الصبر: الحبس في اللغة وقتل فلان صبرا أي أمسك وحبس حتى أتلف وصبرت نفسي على الشيء حبستها.

ثم قال-رحمه الله: أمر تعالى بالصبر على الطاعة وعن المخالفة في كتابه فقال ﴿ وَاصْبِرُوا ﴾ يقال فلان صابر عن المعاصي وإذا صبر عن المعاصي فقد صبر على الطاعة هذا أصح ما قيل قال النحاس[2]: ولا يقال لمن صبر على المصيبة: صابر إنما يقال صابر على كذا. فإذا قلت صابر مطلقا فهو على ما ذكرنا قال الله تعالى ﴿ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ ﴾ [الزمر: 10].اهـ[3].

• وقال الشنقيطي في تفسيره:
قوله تعالى: ﴿ واستعينوا بالصبر والصلاة ﴾ الاستعانة بالصبر على أمور الدنيا والآخرة لا إشكال فيها، وأما نتيجة الاستعانة بالصلاة، فقد أشار لها تعالى في آيات من كتابه، فذكر أن من نتائج الاستعانة بها النهي عما لا يليق، وذلك في قوله: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45]، وأنها تجلب الرزق وذلك في قوله: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [طه: 132]، ولذا كان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر بادر إلى الصلاة.

وإيضاح ذلك: أن العبد إذا قام بين يدي ربه يناجيه، ويتلو كتابه هان عليه كل ما في الدنيا رغبة فيما عند الله ورهبة منه، فيتباعد عن كل ما لا يرضي الله فيرزقه الله ويهديه. اهـ[4].

اقرأ أيضا  معروف امين متفائل بشأن المناطق الصناعية الحلال التي تجذب المستثمرين الأجانب

• ولأبن العثيمين في فوائد الآية في تفسيره كلام نفيس عن فضيلة الاستعانة بالصبر والصلاة..قال رحمه الله:
• ومن فوائد الآية: الحث على الصبر بأن يحبس الإنسان نفسه، ويُحمِّلها المشقة حتى يحصل المطلوب؛ وهذا مجرب. أن الإنسان إذا صبر أدرك مناله؛ وإذا ملّ كسل، وفاته خير كثير.؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: “احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز”[5]؛ وكثير من الناس يرى أن بداءته بهذا العمل مفيدة له، فيبدأ، ثم لا يحصل له مقصوده بسرعة، فيعجز، ويكِلّ، ويترك؛ إذاً ضاع عليه وقته الأول، وربما يكون زمناً كثيراً؛ ولا يأمن أنه إذا عدل عن الأول، ثم شرع في ثانٍ أن يصيبه مثل ما أصابه أولاً، ويتركه؛ ثم تمضي عليه حياته بلا فائدة؛ لكن إذا صبر مع كونه يعرف أنه ليس بينه وبين مراده إلا امتداد الأيام فقط، وليس هناك موجب لقطعه؛ فليصبر: لنفرض أن إنساناً من طلبة العلم همّ أن يحفظ: “بلوغ المرام”، وشرع فيه، واستمر حتى حفظ نصفه؛ لكن لحقه الملل، فعجز، وترك: فالمدة التي مضت خسارة عليه إلا ما يبقى في ذاكرته مما حفظ فقط؛ لكن لو استمر، وأكمل حصل المقصود؛ وعلى هذا فقس..

• ثم قال -رحمه الله-ومن فوائد الآية: فضيلة الصلاة، حيث إنها مما يستعان بها على الأمور، وشؤون الحياة؛ لقوله تعالى: ﴿ والصلاة ﴾؛ ونحن نعلم علم اليقين أن هذا خبر صدق لا مرية فيه؛ وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا حزبه أمر صلى؛ ويؤيد ذلك اشتغاله لله في العريش يوم بدر بالصلاة، ومناشدة ربه بالنصر.

فإن قال قائل: كيف تكون الصلاة عوناً للإنسان؟
فالجواب: تكون عوناً إذا أتى بها على وجه كامل. وهي التي يكون فيها حضور القلب، والقيام بما يجب فيها أما صلاة غالب الناس اليوم فهي صلاة جوارح لا صلاة قلب؛ ولهذا تجد الإنسان من حين أن يكبِّر ينفتح عليه أبواب واسعة عظيمة من الهواجيس التي لا فائدة منها؛ ولذلك من حين أن يسلِّم تنجلي عنه، وتذهب؛ لكن الصلاة الحقيقية التي يشعر الإنسان فيها أنه قائم بين يدي الله، وأنها روضة فيها من كل ثمرات العبادة لا بد أن يَسلوَ بها عن كل همّ؛ لأنه اتصل بالله عزّ وجلّ الذي هو محبوبه، وأحب شيء إليه؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم “جعلت قرة عيني في الصلاة”[6]؛ أما الإنسان الذي يصلي ليتسلى بها، لكن قلبه مشغول بغيرها فهذا لا تكون الصلاة عوناً له؛ لأنها صلاة ناقصة؛ فيفوت من آثارها بقدر ما نقص فيها، كما قال الله تعالى: ﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45]؛ وكثير من الناس يدخل في الصلاة، ويخرج منها لا يجد أن قلبه تغير من حيث الفحشاء والمنكر. هو على ما هو عليه.؛ لا لانَ قلبه لذكر، ولا تحول إلى محبة العبادة.. اهـ[7].

اقرأ أيضا  الهند: وقفات احتجاجية هندوسية تطالب بمنع أذان الفجر

• ﴿ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ قال أبو جعفر الطبري في تفسيرها ما نصه:
يعني بقوله جل ثناؤه: (وإنها)، وإن الصلاة، ف”الهاء والألف” في “وإنها” عائدتان على “الصلاة”. وقد قال بعضهم: إن قوله:(وإنها) بمعنى: إن إجابة محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يجر لذلك بلفظ الإجابة ذكر فتجعل “الهاء والألف” كناية عنه، وغير جائز ترك الظاهر المفهوم من الكلام إلى باطن لا دلالة على صحته.

ويعني بقوله: ﴿ إلا على الخاشعين ﴾: إلا على الخاضعين لطاعته، الخائفين سطواته، المصدقين بوعده ووعيده. وأصل “الخشوع”: التواضع والتذلل والاستكانة.

فمعنى الآية: واستعينوا أيها الأحبار من أهل الكتاب بحبس أنفسكم على طاعة الله، وكفها عن معاصي الله، وبإقامة الصلاة المانعة من الفحشاء والمنكر، المقربة من مراضي الله، العظيمة إقامتها إلا على المتواضعين لله، المستكينين لطاعته، المتذللين من مخافته.اهـ[8].

________________________________________
[1] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان – دمشق( 1 /119).
[2] هو أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يونس المرادي النحاس، النحوي المصري؛ كان من الفضلاء، وله تصانيف مفيدة منها: تفسير القرآن الكريم وكتاب إعراب القرآن وكتاب الناسخ والمنسوخ وكتاب في النحو اسمه التفاحة وكتاب في الاشتقاق، وتفسير أبيات سيبويه، ولم يسبق إلى مثله، وكتاب الكافي في النحو، وكتاب المعاني وفسر عشرة دواوين وأملاها، وكتاب الوقف والابتداء صغرى وكبرى، وكتاب في شرح المعلقات السبع ، وكتاب طبقات الشعراء وغير ذلك، وروى عن أبي عبد الرحمن النسائي، وأخذ النحو عن ابي الحسن علي بن سليمان الأخفش النحوي، وأبي إسحاق الزجاج، وابن الأنباري، ونفطويه، وأعيان أدباء العراق، وكان قد رحل إليهم من مصر. فنفع وأفاد وأخذ عنه خلق كثير.
وتوفي بمصر يوم السبت لخمس خلون من ذي الحجة سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة، وقيل: سنة سع وثلاثين، رحمه الله تعالى-نقلا عن وفيات الأعيان لأبن خلكان بتصرف(1 /99).
[3] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي- الناشر: دار الكتب المصرية – القاهرة (1 / 371 ).
[4] أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي الناشر: دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع بيروت – لبنان( 1 / 35).
[5] أخرجه مسلم برقم/ 4816-باب فِي الْأَمْرِ بِالْقُوَّةِ وَتَرْكِ الْعَجْزِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ عن أبي هريرة-رضي الله عنه وتمام متنه” قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ “.
[6] إسناده صحيح انظر حديث رقم: 3124 في صحيح الجامع للعلامة الألباني- رحمه الله-.
[7] تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (3 /113 ).
[8] جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري، تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (1 /15 /855 ).
الألوكة

اقرأ أيضا  الوزارة : يجب على جميع الأطراف دعم رائدات الأعمال الصغيرة والمتوسطة
Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.