الصبر والمصابرة

الأحد،18 ذوالحجة1435ه الموافق 12 أكتوبر/تشرين الأول وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
محمد فقهاء
إن الحمد لله نحمده ونستعينُه ونستغفِرُه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسِنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادِيَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

ثم أما بعد:
عباد الله: يقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 200]، وفي هذا الشهر شهر الصبر والنصر، تتجلى معاني الصبر والتضحية بين أبناء شعبنا في الضفة وغزة، ملبين نداء الله بالصبر والمصابرة على العدوان الغاشم، والاعتداءات المتكررة، مرابطين وبحقوقهم متمسكين، وينتظرون من الله النصر العظيم، والفتح المبين.

أيها الأخوة الكرام: يقول النبي صلى الله عليه وسلم -: ” لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا “، لأن الصبر منحة ربانية وكنز من كنوز رب البرية، يمنحه الله لعباده المؤمنين.

يتحقق في هذا الشعب في حربه، وفي لقاءه مع عدوه، ما قاله سعد بن معاذ عن الأنصار: (فإننا صبر في الحرب، صدق عند اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك).

اقرأ أيضا  هذه عشر ذي الحجة قد أهلت

نعم، صبر في الحرب وصدق عند اللقاء، ولقد قرت عين كل مؤمن في مشارق الأرض ومغاربها بما رأت من صبر وثبات، ورغم كل هذه التضحيات على مدار السنين، فلقد قدم هذا الشعب الأبي ما عجزت عنه دولنا العربية يوم تخلت عن دينها، وركضت خلف الوطنية والقومية.

أيها الموحدون: للصبر فوائد عظيمة، أنبأنا بها ربنا بآياته الكريمة، ومنها:
1 – أنه سبب للفلاح ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾.

2 – أن ثواب الصبر لا يقدر بقدر، يقول تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10].

3 – أن الخير كل الخير في الدنيا والآخرة إنما يكون بالصبر ﴿ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ﴾ [النحل: 126].

4 – أنه يجلب معية الله لعباده، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 153].

5 – أنه سبب لتحصيل الإمامة في الدين ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 24].

6 – أنه سبب لمحبة الله لعباده ﴿ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 249] [الأنفال: 66].

7 – أنه سبب لمغفرة الذنوب وتحصيل الأجور ﴿ إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ [هود: 11].

8 – أنه سبب لجلب من الرب على الأعداء ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ﴾ [آل عمران: 120].

وللصبر فوائد كثيرة ليس القصد سبرها جميعا ولكن يكفيك من السوار مع لف العنق كما يقال.

أيها الأخوة الكرام: نحن في شهر الصبر، هذا الشهر الذي هو مدرسة عملية تربي المسلم على مكارم الأخلاق، وتربي المسلم على عظيم الصفات ومنها الصبر، الذي هو أساس كل الأخلاق الحميدة، وأساس البعد عن كل الأخلاق الرذيلة.

اقرأ أيضا  مرض البعد عن الله وأعراضه - قصة سليمان بن عبد الملك مع أبي حازم.

فالنبي – صلى الله عليه وسلم – سمى هذا الشهر شهر الصبر (وصوم شهر الصبر)، وكذلك الصبر هو وقود حياة المسلم، على ما يلاقيه من مصائب ومصاعب، وهو أساس الثبات على الدين كما كان الأولين، عن خباب بن الأرت، قال: ” شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة قلنا له ألا تستنصر لنا ألا تدعو الله لنا قال كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون ” فما كان هذا الثبات إلا لصبرهم على الأذى.

أيها المسلمون: إن الصبر خلق تخلق به الأنبياء والمرسلون، في دعوتهم إلى الله وفي صبرهم على أذى أقوامهم وفي صبرهم على مصاعب ومصائب الحياة كافة.

قال الله تعالى عن أنبياءه ﴿ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنبياء: 85] وقال عن أيوب ﴿ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ﴾ [ص: 44] وأمر نبينا عليه السلام بالصبر فقال: ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ ﴾ [الأحقاف: 35].

وللصبر أيها الأخوة الكرام أنواع: فصبر على الطاعة، وصبر عن المعصية، وصبر على أقدار الله.

فيقول الله تعالى أمرا عباده بالصبر على العبادة: ﴿ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ ﴾ [مريم: 65] والعبد يصبر عن المعاصي والآثام، ويتحضر قرب الرب العلام، المطلع على سائر الأنام ﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾ [الرحمن: 46] وفي الصبر على أقدار الله، كمثل ما يلاقيه الإنسان من مصائب وأذى، أو فقد حبيب، يقول الله في الحديث القدسي: ” ما لعبدي المؤمن جزاء، إذا قبضت صفيه من الدنيا، فصبر إلا عوضه الجنة “.

اقرأ أيضا  دلالات الهجرة النبوية

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم إنه غفور رحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، ناصر المؤمنين، والعاقبة للمتقين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل عليه وعلى أله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد:
أيها الموحدون: إن ما يحصل في هذه الأيام وفي هذا الشهر بالتحديد، شهر الطاعات والانتصارات، شهر الصبر والنصر، يعيد بذاكرتنا ما حصل مع المؤمنين الأوائل كما بدر وما حققه الصابرون رغم قلة العُدد والعَدد، رغم التخذيل والتخويف ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ [آل عمران: 173] لأنهم على يقين بأن النصر إنما هو صبر ساعة.

عباد الله: هذه الاعتداءات الهمجية والبربرية تحتم علينا وحدة الصف واجتماع الكلمة، وحماية الوطن، والحذر من الأراجيف والمرجفين.
المصدر: الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.