شكر النعم في رمضان (خطبة)

الإثنين22 رمضان 1437/ 27 يونيو/ حزيران 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا”.

العميد: عبدالعزيز بن عبدالله القصير

الحمد لله الذي أعظم على عباده المنة؛ بما دفع عنهم كيد الشيطانوفنه، وردَّ أمله وخيَّب ظنه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جعل الصوم حصنًا حصينًا لأوليائه وجُنَّة، وفتح لهم به أبواب الجنة، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله، قائد الخلق، ومُمهد السنة، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ذوي القلوب الزاكية والنفوس المطمئنة، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أمَّا بعدُ:

فيا أيها الناس، اتقوا الله، واذكروا نعمة الله عليكم؛ إذ فسَّح في الآجال، ومدَّ في الأعمار، حتى أدركتم شهر الصيام والقيام، وغيرهما من خصال الإسلام، وأنتم ترفلون في أثواب الصحة والعافية، ونِعم الله الأخرى عليكم سابغة متنوعة متتالية، ومن أظهرها وأعظمها شأنًا الأمن الذي ضرب بأطنابه في كل ناحية، ورغد العيش، حتى إنها لتُجلَب لكم الأرزاق من كل جهات الدنيا مهما كانت بعيدة ونائية، فاجتمعت لكم نعم مغبون فيها كثيرٌ من الناس: الصحة في الأبدان، والأمن في الأوطان، ورغد العيش المتوفر في كل زمان ومكان وبأيسر الأثمان؛ ﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 69]، ﴿ وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [النحل: 114].

اتقوا الله فإن الله يحب المتقين، واشكروه فإنه يَجزي ويزيد الشاكرين، ولا تكفروا النعم، ولا تتحجبوا على المنعم، فإن عقاب الله شديد: ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [هود: 102].

اقرأ أيضا  نجحنا في مادة ورسبنا في الامتحان النهائي

عباد الله، الشكر له أركان ثلاثة:

أولها: الاعتراف بنعمة المنعم سبحانه بالقلب.

الثاني: نسبتها إلى الله تعالى على وجه الاعتراف بفضله والثناء عليه.

الثالث: استعمالها في طاعته؛ أي: الاستعانة بها على طاعته وبذلها في مَحابه، والكفر بالنعمة يكون بجحودها والتهوين من شأنها، أو نسبتها إلى النفس والأسباب، أو استعمالها فيما يُغضب ربَّ الأرباب: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7].

أيها المسلمون، لقد أنعم الله تعالى عليكم في شهر رمضان بأصناف كثيرة من النعم؛ منها: شرف زمانه، والعبادة إذا وقعت من العبد في الزمان الشريف الفاضل، يكون ثوابها أعظم وأكثر من ثوابها في غيره، ومن نعم الله عليكم مضاعفة العمل والثواب فيه، بحيث تحصلون على أجور كبيرة على أعمال يسيرة، ومن نعم الله تعالى عليكم في رمضان تنوُّع الأعمال الصالحة وتيسُّرها فيه، وإقبال جمهور عباد الله تعالى على العمل الصالح، وتنافسهم فيه؛ مما يُحفز ذوي الهِمم العليَّة، والطموحات الأُخرويَّة على المسارعة إلى الخيرات، واستباق جليل القربات، رغبة في السبق إلى الغرف العلية من الجنات، فإن في الجنة غُرفًا عالية، يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله تعالى لمن أفشى السلام، وألانَ الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلَّى بالليل والناس نيام.

معشر المسلمين، ومن نعم الله الكبيرة عليكم في رمضان أن يسَّر الصيام، فجعله أيامًا معدودات، وخفَّفه عمن يشق عليه، فلم يفرضه على الصغير، ولم يُوجبه على المسافر والمريض، ولم يشق به على الكبير، فالصغير المميز يُؤمَر به قبل البلوغ؛ تربيةً على الطاعة، وتنشئةً على منهاج الجماعة، وتفاؤلاً بصالحه؛ لتَقَر عينا والديه به في الدنيا وعند قيام الساعة، والمسافر والمريض لهما أن يُفطرا إذا شقَّ عليهما الصيام، ويَقضيا عدد ما أفطرا أيامًا أُخرَ، والمريض الذي لا يُرجى برؤه يُفطر ويطعم عن كل يوم مسكينًا، ولا قضاء عليه، وأما الكبير الذي يشق عليه الصيام لضَعفه وكِبَره، فإن كان عاقلًا فيطعم عنه عن كل يوم مسكينًا، ولا قضاء عليه، وإن كان قد هرم وخرف، فلا إطعام عليه ولا كفارة، وصدق الله العظيم إذ يقول:﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 184، 185].

اقرأ أيضا  خطاب ترامب والضربة القاضية في الملف الفلسطيني

معشر المسلمين، ومن نعم الله على العباد أن ذكَّرهم اللهُ تعالى الصلةَ الوثيقة بين الصيام وتلاوة القرآن في جوف الليل وفي كل آنٍ، فكما أن الصيام زينة العمل عند عرضه على الله عز وجل، فإن تلاوة القرآن حلية الصيام وأُنس القائم، فإنه الدليل على كل بر، والمنبه والنذير عن كل شر، وفضله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه، أنزله الله تعالى على عباده؛ لينالوا من بركته، ويهتدوا بهداه، ويتلوه حق تلاوته، ويسألوا به الله، وليتذكروا به ويتعظوا بمواعظه، ويستضيؤوا بضيائه، كيف لا وهو حبل الله المتين، ونوره المبين، وصراطه المستقيم؟!

من ابتغى الهدى من غيره أضله الله، ومن تركه من جبار قصَمه الله، ومن جعله إمامًا كان شفيعًا له يوم القيامة، وقائدًا له إلى الجنة، ورفعه الله درجات بحسب ما قرأه وعقله من الآيات، والماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه له أجران.

اقرأ أيضا  السياحة الحلال في أوروبا.. ما الذي يجدد اهتمام الغرب بهذا المجال؟

أمة الإسلام، اتقوا الله، واشكروا نعمة الله، واستعملوها في طاعة الله، واعرفوا قدر رمضان، وزِنوا أنفسكم بالقرآن، وتحلَّوْا بالجود والإحسان، وكفُّوا عن المحرمات، وتوبوا إلى الله من السيئات، واستعدوا للموت فإنه لا بد آت، ومن لزم عملًا مات عليه، ومن مات على شيء بُعِث عليه: ﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الجمعة: 8].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الهدي والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

-الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.