اللاجئون السوريون فراراً من الموت إلى الموت

الخميس4 ذو الحجة 1436//17 سبتنبر/أيلول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
د. علي العتوم
ندّت مني قبل أيام في حال آسىً شديد –وأنا أنظر في التلفاز إلى صور تدافع المهجّرين السوريين على أبواب الدول الأوروبية، علّهم يجدون بعض الأمان مما يعانونه من لظى السعير في بلادهم، ينفحهم به نظام حكمهم الغاشم– عَبراتٌ مخنوقة لما وصلت إليه أمّتنا في هذه الآناء من تمزّقٍ وضياع، وذلّةٍ وهَوان على أيدي أجهزتها الحكومية التي تعاملها بالحديد والنار، وتقودها بسياسة فرعون، فلا هي أخذتها بتعاليم الإسلام العادل الذي يوفّر لأفراده الحرية والأمان، ولا بقوانين الدول الغربية التي تضمن لشعوبها حقوقهم الإنسانية، وتكفل لهم حرياتهم الاجتماعية.
والحزن المُمِضّ يأتي للنفس السوية من الحيرة العميقة التي تصيبها، وهي تتساءل : كيف أضحى هذا الجمهور المتمدّن، وذاك المجتمع المثقف، وذيّاك الشعب المحترف، في أرض الشام المباركة، ومُدنها الزاهرة وقُراها المحافظة، أرض الإسلام ومفتتح الصحابة كخالد وأبي عبيدة وشرحبيل، ومثوى التابعين وتابعيهم من القادة الأشاوس كنور الدين وصلاح الدين والقسام والسباعي والخرّاط وهنانو، والعلماء الفاقهين كابن تيمية والأوزاعي والعز بن عبد السلام وابن القيّم وبدر الدين الحسني، قُطعاناً هائمةً على وجوهها في السهوب والبحار، وعلى الشواطئ المتجهمّة والحدود العابسة يستقبلها نفر من أهلها الحاقدين بالهراوات الغليظة، والكرابيج المجدولة دونما أدنى رحمة أو تمييز بين صغير وكبير، أو رجل وامرأة.
إنه بلا أدنى ريب، وضعٌ يعود لاستنامة أبناء الأمة عن حقوقهم، وغفلتهم عما يُراد بهم من خراب، وانخداعهم بأفكار الأعداء تُساق إليهم قنطارَ سمٍّ بدرهم عسل، وقعودهم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسكوتهم عن الكبراء يتسلّطون عليهم وهو منشغلون بدنياهم لا يأخذون على أيديهم، وإعراضهم عن الطريق الصحيحة التي بيّنتها لهم شريعتهم الغرّاء، وعقوق أبنائهم الذين انطلت عليهم المؤامرة على الدين واختطفتهم من بيئاتهم الحاضنة الكريمة إلى جحور الأحزاب اللئيمة التي ينشئها لتخريب حصون الإسلام من داخلها أبناءُ الصليب وأولاد صهيون، حتى إذا ما صحا هؤلاء المخاديع، وإذ بالمسألة كلها مؤامرة بمؤامرة، ولكنه الصحو بعد فوات الآوان.
ولننظر اليوم من الذي يقف مع حاكم سورية الذي يُطعِمُ شعبه كل ساعة وجبات دسمة من البراميل المتفجرة والقنابل الكيماوية القاعصة، ويا ليت على المحاربين له، ولكنْ على العُزّل من المدنيين الذين لا يحملون في وجهه سلاحاً ؟! إنهم الإيرانيون الذين يزعمون أنهم جاؤوا لنصرة الإسلام وإنصاف المستضعفين في حين يؤيدون بكل قوة مصحوبة بكل صفاقة من يجعل من عليٍّ إلهاً، والصينيون الوثنيون والروس الملاحدة وأمريكا الصليبية المجرمة التي (تقتل القتيل وتمشي في جنازته) كما يقولون. وأشباه هؤلاء وهؤلاء من كل عدو للتوحيد ومنكر للوحي كافرٍ بالله ورسوله.
أين ما كنا نسمعه من مقاومة من حاكم سورية وغيره من حكام العرب، وقد تركوا اليهود يسرحون في البلاد ويمرحون، وينتهكون الحرمات ويدنسون المقدسات، وأين ما كنا نسمعه من شعارات ملؤوا بها الجو هتافاتٍ : (وحدة حرية اشتراكية) وإذ لا وحدة ولا حرية ولا اشتراكية، إنما هي فرقة وعداوة، وكبت وقمع، وقتل وتدمير، وسرقة لأقوات الشعب، واغتصاب لمقدراته، مقابل أن يبقى الحاكم على كرسي السلطة. الله أكبر، أين من يعي على حقائق الواقع التي لا تحتاج إلى دليل؟! أين من يرفع عقيرته ويقول : لقد وضح الصبح لذي عينين، وذلك من الأحزاب التي اتخذت من القومية نهجها، ويقول: كفى دماراً وهلاكاً، كفى كذباً وخداعاً، كفى ضغائن، فأنتم أنتم وحدكم أيها الحكام المتسلطون في بلادنا، الأعداء الحقيقيون؟!
يا للعجب، شعب كريم يُشرَّد منه أحد عشر مليوناً، وهو ما يقارب نصفه، ثلثاهم داخل قطرهم في حالات بئيسة وقد هجروا منازلهم التي هُدِمت. وثلثهم أو أكثر خارج البلاد في دول الجوار، أو يتسوّلون الولوج على أبواب أوروبا يطلبون اللجوء إلى ديارها، وهم يُصدّون على الحدود كما تصدّ غرائب الإبل عن الموارد، بالكلمات الجافية والعصي الخابطة والكلمات القاسية والنظرات الزارية، لأنهم مسلمون، ومع التصريح بأنهم خطر على القيم المسيحية في أوروبا، كما قال بذلك رئيس وزراء المجر اللئيم فيكتور أوربان! إنها حال الذل والبؤس التي تتقطّع لها نِياط القلوب الحانية، وتتفجر لها العيون دماءً لا دموعاً، ولاسيما وهم يهتفون لألمانيا، لشدة ما هم فيه من ضيق –وقد تنكّرت لهم دول الغرب–: ألمانيا حبيبتي، ولرئيستها ميركل : ميركل ميركل، ميركل ماما! كل ذلك وهم معرّضون للموت من الحقدة الصليبيين أو الصهاينة، وللاستعباد بالعمالة الرخيصة، وللتنصير بالأساليب الخسيسة.
إنه لا عتْبَ على دول الغرب، وماذا ننتظر منها وهي سبب شقائنا الأكبر في هذا العصر، مع الحكام الذين عيّنتهم علينا وعلى عينها، وقد شنّت علينا حروباً ظالمة قديماً وحديثاً؟! أجل، ولكنّ العتْبَ كل العتْب على دولنا العربية، أين نصرتها للمضعوفين الذين يُقتَلون من حكامهم بدم بارد وكأنهم العصافير أو الصراصير! أين منظمة تعاونهم الإسلامية، بل أين جامعتهم العربية التي أثبتت حقاً أنها جامعة الإنجليز جاءت لتخدم سياسة العجوز الشمطاء أم الصليبيين وربتُهم ؟! أين العلماء الغُيُر، وهم يدّعون الفقه العميم والتوحيد الصميم، أن يقولوا للحكام: أين نصرتكم لإخوانكم المظلومين في سورية، أين هبّتكم الشهمة لإصلاح الحال فيها على هدْي قوله تعالى : (فأصلِحُوا بينهما)، ومن ثم على هدْي قوله : (فإنْ بغَتْ إحداهما على الأخرى، فقاتِلُوا التي تبغِي حتّى تفيئَ إلى أمرِ الله)، أين أسماعكم من صرخات اليتامى وهم يتضاغون من الجوع والحرمان، ومن الأيامى والثكالى وهنّ يندبن عائليهم، وينحن على
رجالهن، بل أين أنتم من الحرائر وهن يغتصبن وتدنس أعراضهم؟!
أين أنتم من إخوانكم أطفالاً وشويخاً ونساءً، وهم يُصدّون على أبواب البلدان الغربية ويُقمعون، ويزجّون في معتقلات كأنها زرائب البهائم، أو يُضحك عليهم ويُخدعون من تجار النقل والترحيل من المتعهدين والسماسرة الكذبة ؟! أين أنتم ممن التقمتهم حيتان البحر بالآلاف، وما الطفل (إيلان الكردي) إلاّ مثالٌ بسيط لأعداد غفيرة غرقوا في قيعان الطوامي، وقد تعلقوا بقوارب مهلهلة أو سفن مقطّعة ؟! وأنتم مع ذلك تزعمون أنكم أبناء العروبة وأتباع الإسلام، أين دمكم يثور لأبناء جنسكم، وغيظكم يفور لأولاد دينكم، كما هو شعور الغربيين تُجاه أعراقهم وأديانهم ؟! أين أنتم تعرفون أعداءكم من أصدقائكم ؟! ألا تنسلون أيديكم مقيدة من أيديهم، فتثبتوا ولو مرة واحدة
-إن كان فيكم عرق ينبض أو غضبة مسلم تثور- أنكم أحرار؟!
لقد عشنا حيناً نعرف أنه لا لاجئين في بلادنا إلا أبناء فلسطين، وإذا بنا نسمع ونرى اليوم أن السواد الأعظم من أبناء الأمة مهاجرون أو مهجّرون أو لاجئون من سورية والعراق واليمن وليبيا وأفغانستان والصومال، والحبل على الجرار، ولكنني أقول لحكام العرب ولحكام الدول الأجنبية التي تتآمر على بلادنا وديننا وقومنا : رويدكم فالله أكبر منكم جميعاً، والأيام دول، وأن هذه الأمة لن تموت ما دام يتلى فيها كتاب الله، وستغزوكم في عُقر داركم لتخليص شعوبكم من ظلمكم وظلم تلامذتكم عندنا.
وكلمة أخيرة أقولها لأهلنا في سورية الغالية : اثبتوا في أرضكم، فهو خير لكم ولسورية، فإنه يُراد تفريغها منكم، اثبتوا صبّركم الله وأعانكم وفرّج عنكم.
السبيل

اقرأ أيضا  الشؤون الدينية التركية: توحد الأمة الإسلامية هو الحل الوحيد
Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.