المرأة الإندونيسية… نموذج موليا

إندونيسيا (معراج) – جون هيوز- الإندونيسية “ستي موسداه موليا” اسم من تلك الأسماء التي يجب أن نتذكرها دوما، لأنها امرأة جديرة بالاحترام، ولا تدخر وسعا في سبيل توعية رفيقاتها من النساء المسلمات ومساعدتهن على التحرر من القيود والأغلال التي تكبل حركتهن، من خلال استخدام آيات القران التي تدعو لحرية المرأة ومكانتها في المجتمع. والدكتورة “موليا” تربت في أسرة مسلمة عريقة، تحرص على تربية بناتها بطريقة محافظة وصارمة… وعندما وصلت إلى سن الدراسة، التحقت بمدرسة إسلامية داخلية، تطبق هي الأخرى مناهج صارمة في التعليم والتربية. فقد كانت”موليا” – على سبيل المثال – محرومة من الاتصال بالرجال، كما لم يكن مسموحاً لها أن تضحك بصوت عال.

في شبابها سافرت”موليا” إلى دول إسلامية أخرى، ووجدت في تلك الدول طرقاً لفهم الإسلام غير تلك الطرق التقليدية الصارمة المتبعة في بلدها، والتي عانت منها الأمرين أثناء تربيتها ومراحل تعليمها. وبعد أن حصلت على درجة الدكتوراة في موضوع “الفكر الإسلامي السياسي”، أصبحت قوة ذات شأن، وصوتا مسموعا في مجال الدفاع عن حقوق المرأة، سواء في بلدها إندونيسيا أو في العالم الإسلامي بشكل عام. ونتيجة لمواقفها المشهودة في الدفاع عن حقوق المرأة، حصلت عام 2007 على “الجائزة الدولية للمرأة الشجاعة”، من وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك “كوندوليزا رايس“.

 

و”موليا” واحدة من أشهر الناشطات في مجال الدعوة لحرية المرأة، ولها مواقف جسورة في مواجهة التفسيرات المتطرفة لآيات القرآن التي يقدمها رجال الدين المتشددون. وكما تقول “إيزوبيل كولمان” وهي باحثة أميركية تعتبر مرجعاً في شؤون حركة الدفاع عن حقوق المرأة في العالم الإسلامي، وزميلة رفيعة المستوى بالمجلس الأميركي للعلاقات الخارجية، فإن” نصف عدد هؤلاء الرجال الذين يقدمون تفسيرات متشددة لآيات القرآن، لم يقرأوا القرآن في الأصل بلغتهم ولم يفهموه بالشكل السليم“.

 

اقرأ أيضا  المدير التنفيذي المركزي للمحمدية يناقش التعاون مع سفير المملكة العربية السعودية

و”موليا” أيضا واحدة من عدة نساء مسلمات في الدول المسلمة العربية وغير العربية، ورد ذكرهن في كتاب جديد من تأليف الدكتورة “كولمان” عنوانه : “الجنة تحت أقدامهن: كيف تساهم النساء في تحويل مسار الشرق الأوسط“.

 

وخلال نشاطها في مجال الدفاع عن حرية المرأة وحقوقها، نجحت “موليا” بذكاء في تجنب الخطأ الذي وقعت فيه العديد من الناشطات في هذا المجال، عندما جمعن بين الدفاع عن قضية المرأة وبين الدعوة للديمقراطية في وقت واحد، فكانت النتيجة الطبيعية أنهن قد وصمن في مجتمعاتهن من قبل البعض بأنهم يروجن لأفكار مستوردة من الخارج، وأنهن لسن سوى أداة من أدوات نشر الإمبريالية الثقافية الغربية. لم تقع “موليا” في هذا الخطأ، ونجحت منذ البداية في الفصل بين القضيتين، ولم تلجأ كما تلجأ ناشطات كثيرات للشعارات الزاعقة، التي تجتذب الأنظار، وتثير ردود أفعال مضادة في الكثير من الحالات، بل راحت تعمل هي وزميلاتها بهدوء ودأب من داخل الثقافة ذاتها ومعها.. وليس من خارجها وضدها، مستعينات في ذلك بتفسيرات مستنيرة وتقدمية، لآيات القرآن تتماشى مع ظروف وحقائق العصر الحديث، وخصوصاً في مجال معاملة المرأة، كما استخدمن تلك الآيات ذاتها كأدوات لتمكين المرأة في العديد من المجالات الحياتية، وعلى وجه الخصوص مجالي التعليم والعمل.

 

وتثني الدكتورة “كولمان” على عمل حركة المرأة العالمية المعروفة باسم

مساواة” وخصوصاً في مجال البحث عن الكيفية التي قامت بها قوانين الإسلام وشرائعه، بترقية حقوق المرأة في الجزيرة العربية عند ظهور الإسلام هناك في القرن السابع الميلادي. فتلك القوانين والشرائع هي التي منعت تلك العادة المقيتة التي كانت منتشرة في الجزيرة العربية على نطاق واسع قبل ظهور الإسلام، وهي عادة وأد البنات، وهي أيضاً التي دعمت حق المرأة في الملكية، وحقها في اختيار الزوج، وفي فرض شروط معينة للزواج، وحقها كذلك في خلع الزوج متى ما أرادت. ولم يقتصر الأمر على هذا الحد، بل إن تلك القوانين والشرائع أتاحت للمرأة كذلك حق التعليم، وحقها في الكرامة والاحترام، وحقها في التفكير في أمورها الشخصية بنفسها.

 

اقرأ أيضا  المرأة الإندونيسية تلعب دورًا قياديًا في الشركات الصغيرة والمتوسطة

وإندونيسيا التي تعتبر من أكبر الدول الإسلامية من حيث عدد السكان، عانت من مد الأصولية الإسلامية بنفس الدرجة – أو ربما أكثر – التي عانت منها جارتها المسلمة أيضا ماليزيا. ولكن الفارق بين معاناة إندونيسيا وماليزيا من هذا المد ومعاناة غيرهما من الدول، هو أن الدولتين غير عربيتين وأنهما دولتان ديمقراطيتان نجحتا لفترة طويلة من تاريخهما في تجنب التطرف الإسلامي من النوع الذي ساد في العديد من البلدان العربية. وإندونيسيا في الوقت الراهن تمثل نموذجاً يحتذى لدولة تتقدم وتحرص في الوقت ذاته على دعم قضية المرأة وتعزيزها والتأكيد على حقوقها في التعليم والعمل.

 

وهنا قد يطرح البعض سؤالا هو: هل يمكن للنموذج الإندونيسي أن يحدث تحولاً في العالم العربي، وهو عالم نصف عدد نسائه من الأميات المحرومات من نعمة التعليم؟ تقول الدكتورة”كولمان” إنها عندما حاولت اختبار رد الفعل على مثل هذه الفكرة في بعض البلدان العربية الإسلامية، كان الرد الذي سمعته من معظم من قابلتهم هو: “ولكن الإندونيسيين ليسوا عربا في الأصل”. صحيح أنهم كذلك، ولكنهم في النهاية مسلمون، ويشتركون في عقيدة واحدة مع العرب، ويجب أن يكون لهم نفوذ وتأثير ما بالتالي.

 

اقرأ أيضا  فرنسا: 800 شاب فرنسي يعتنقون الإسلام سنويا

وفي عالم السياسة تمارس إندونيسيا نفوذا كبيرا في منطقة جنوب شرق آسيا.. وقد حرص الزعماء الإندونيسيون المتتاليون منذ أيام الرئيس”سوكارنو” على تأكيد موقف بلدهم غير المنحاز للقوى الكبرى في الغرب والشرق. وكانت الدبلوماسية الأميركية على قدر كبير من البراعة في الحقيقة عندما راعت هذا الموقف، وعملت دائما على تقديم المساعدة ومد يد العون لإندونيسيا عند الحاجة، كما حدث عندما ضربت موجات المد البحري الزلزالي”تسونامي” معظم السواحل الإندونيسية عام 2004 مخلفة دمارا رهيباً.

 

مع ذلك أعطت الحكومة الإندونيسية الحالية للرئيس “سوسيلو بامبانغ” بعض المؤشرات الحذرة على أن إندونيسيا المسلمة قد تكون قادرة على تقديم يد المساعدة في تخفيف التوتر القائم بين العالم العربي الإسلامي وإسرائيل.

 

وفي مجال تطوير الفهم الديني، تجد النساء في إندونيسيا أرضية مشتركة مع النساء المسلمات في الدول الأخرى، تمكنهن من التفاعل الخلاق معهن في القضايا التي تهمهن في سياق الجهود التي يبذلنها من أجل استعادة الفهم الأصلي للآيات والنصوص القرآنية.

 

قد تكون لدى هذه الثورة الهادئة – كما تصفها” كولمان” – القدرة على أن تكون ثورة ذات قدرة تحويلية في هذا البلد، تماما كما كانت حركة الإصلاح الديني في أوروبا في القرن السادس عشر الميلادي.

*

نقلا عن “الاتحاد” الإماراتية

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.