الوِلاية والجماعة في شريعتنا

الأربعاء 06 جمادى الأولى1436//25 فبراير/شباط 2015وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
جملة من الأحاديث النبوية والآثار السلفية في أصول وقواعد السياسة الشرعية وما تقوم عليه وما يتعلق بها وذلك تصحيحاً لبعض المفاهيم :
(1)- أخبر النبي صلى الله عليه وسلم – كما في حديث الفتن الذي رواه حذيفة رضي الله عنه – : أن في آخر الزمان يكون دعاة على أبواب جهنم ووصفهم بأنهم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا قال حذيفة: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ((تلزَم جماعة المسلمين وإمامَهم )). رواه البخاري ومسلم.
قال الإمام ابن جرير الطبري بعد ذكره لأقوال العلماء في تفسير الجماعة: ” والصواب: أنّ المراد من الخبر بلزوم الجماعة: الذين في طاعة من اجتمعوا على تأميره فمن نكث بيعته خرج عن الجماعة”. “فتح الباري” (13/47)
(2)- وفي رواية لمسلم: قال صلى الله عليه وسلم: (( يَكُونُ بَعْدِى أَئِمَّةٌ لاَ يَهْتَدُونَ بِهُدَاىَ وَلاَ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قلوبُهُمْ قلوبُ الشَّيَاطِينِ في جُثمَانِ إِنْسٍ )). قال حذيفة رضي الله عنه كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك، قال: (( تَسْمَعُ وتطِيعُ لِلأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ )).
(3)- قال الحسن البصري في الأمراء: (( هم يلون من أمورنا خمساً: الجمعة، والجماعة، والعيد، والثغور، والحدود. والله لا يستقيم الدين إلا بهم، وإن جاروا وظلموا والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون، مع أن طاعتهم – والله – لغبطة وأن فرقتهم لكفر )) آداب الحسن البصري لابن الجوزي (ص121 )، وينظر جامع العلوم والحكم لابن رجب (2/117)، قوله : (( لكفر )) يعني به : كفر دون كفر
قال ابن أبي العز في شرح الطحاوية: وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا، فلأنه يترتب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم، بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات ومضاعفة الأجور، فإن الله تعالى ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا، والجزاء من جنس العمل، فعلينا الاجتهاد بالاستغفار والتوبة وإصلاح العمل. قال تعالى: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} وقال تعالى: {أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم} وقال تعالى: {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك}. {وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون}. فإذا أراد الرعية أن يتخلصوا من ظلم الأمير الظالم. فليتركوا الظلم.
قال الإمام عبد العزيز بن باز: فكيف إذا كان ولاة الأمور حريصين على إقامة الحق، وإقامة العدل، ونصر المظلوم، وردع الظالم، والحرص على استتباب الأمن، وعلى حفظ نفوس المسلمين ودينهم وأموالهم وأعراضهم، فيجب التعاون معهم على الخير وعلى ترك الشر ويجب الحرص على التناصح والتواصي بالحق حتى يقل الشر ويكثر الخير. الفتاوى (9/96)
وللعبرة نذكر ما قاله الذهبي في حوادث سنة 96 في كتابه العبر (1/85) قال: ” وفيها قلع الله قرة بن شريك القيسي أمير مصر، وكان عسوفاً ظالماً، قيل كان إذا انصرف من بناء جامع مصر دخله ودعا بالخمر والملاهي، ويقول: لنا الليل ولهم النهار.
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: الوليد بالشام، والحجاج بالعراق، وقرة بمصر، وعثمان بن حبان بالحجاز امتلأت والله الأرض جوراً”.
بل وقبل الدولة الأموية صلّى الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه خلف أمير الكوفة الوليد بن عقبة بن أبي معيط وكان شرّاباً للخمر، حتى إنه صلى بهم صلاة الفجر أربع ركعات، فلما سلّم، قال: هل أزيدكم؟ قال عبد الله بن مسعود : ما زلنا معك منذ اليوم في زيادة.
وأنكر الناس سيرة الوليد ففزعوا إلى عبد الله بن مسعود فقال لهم: اصبروا فإن جور إمام خمسين عاما خير من هرج شهر. تاريخ دمشق (63/241) والهرج: القتل.
(4)- وفي الحديث المتواتر عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ثَلاثُ خِصَالٍ لا يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قلبُ مُسْلِمٍ أَبَدًا: إِخْلاصُ الْعَمَلِ لِلَّه، وَمُنَاصَحَة وُلاةِ الأَمْرِ، وَلُزُومُ الْجَمَاعَةِ فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ )).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ” و ( يغلُّ ) – بالفتح – هو المشهور، ويقال: غَلَى صدره فغلَّ إذا كان ذا غش وضغن وحقد. أي: قلب المسلم لا يغل على هذه الخصال الثلاث، وهي المتقدمة في قوله: (إن الله يرضى لكم ثلاثاً: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم ) فإن الله إذا كان يرضاها لنا لم يكن قلب المؤمن الذي يحبُ ما يحبه الله يَغِلُّ عليها ويبغضها ويكرهها، فيكون في قلبه عليها غِلُّ، بل يحبها قلب المؤمن ويرضاها”. [الفتاوى (35/7-8)] وقد أحسن ابن القيم في شرح هذا الحديث فكان مما قال:
“وقوله: (ومناصحة أئمة المسلمين) وهذا –أيضا- مناف للغل والغش؛ فإن النصيحة لا تجامع الغل، إذ هي ضده، فمن نصح الأئمة والأمة فقد برئ من الغل.
وقوله: (لزوم جماعتهم) هذا –أيضاً- مما يطهر القلب من الغل والغش؛ فإن صاحبه للزومه جماعة المسلمين يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه، ويسوؤه ما يسوؤهم، ويسره ما يسرهم. وهذا بخلاف من انحاز عنهم، واشتغل بالطعن عليهم، والعيب والذم لهم، كفعل الرافضة والخوارج والمعتزلة وغيرهم؛ فإن قلوبهم ممتلئة غلاًّ وغشّاً، ولهذا تجد الرافضة أبعد الناس من الإخلاص، وأغشًّهم للأئمة والأمة، وأشدّهم بعداً عن جماعة المسلمين … “.
قال الخطابي: “النصيحة كلمة يعبر بها عن جملة هي: إرادة الخير للمنصوح له ، قال: وأصل النصح في اللغة الخلوص يقال نصحت العسل إذا خلصته من الشمع”.
قال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن سعدي في معنى النصيحة لولاة الأمر:
“وأما النصيحة لأئمة المسلمين، وهم ولاتهم – من السلطان الأعظم إلى الأمير، إلى القاضي، إلى جميع من لهم ولاية صغيرة أو كبيرة – . فهؤلاء لما كانت مهماتهم وواجباتهم أعظم من غيرهم، وجب لهم من النصيحة بحسب مراتبهم ومقاماتهم، وذلك باعتقاد إمامتهم، والاعتراف بولايتهم، ووجوب طاعتهم بالمعروف، وعدم الخروج عليهم، وحث الرعية على طاعتهم، ولزوم أمرهم الذي لا يخالف أمر الله ورسوله، وبذل ما يستطيع الإنسان من نصيحتهم، وتوضيح ما خفي عليهم مما يحتاجون إليه في رعايتهم، كل أحد بحسب حاله، والدعاء لهم بالصلاح والتوفيق، فإن صلاحهم صلاح لرعيتهم، واجتناب سبهم والقدح فيهم وإشاعة مثالبهم، فإن في ذلك شرَّاً وضرراً وفساداً كبيراً.
فمن نصيحتهم: الحذر والتحذير من ذلك، وعلى من رأى منهم ما لا يحل، أن ينبههم سراً، لا علناً، بلطف، وعبارة تليق بالمقام، ويحصل بها المقصود، فإن هذا مطلوب في حق كل أحد، وبالأخص ولاة الأمور، فإن تنبيههم على هذا الوجه فيه خير كثير، وذلك علامة الصدق والإخلاص.
واحذر – أيها الناصح لهم، على هذا الوجه المحمود – أن تفسد نصيحتك بالتمدح عند الناس، فتقول لهم: إني نصحتهم وقلت وقلت: فإن هذا عنوان الرياء، وعلامة ضعف الإخلاص، وفيه أضراراً أًخر معروفة”.
وقال رحمه الله أيضاً:
على الناس أن يغضوا عن مساويهم – أي الملوك والأمراء – ولا يشتغلوا بسبهم بل يسألون الله لهم التوفيق؛ فإن سب الملوك والأمراء فيه شر كبير وضرر عام وخاص وربما تجد السَّاب لهم لم تحدثه نفسه بنصيحتهم يوماً من الأيام وهذا عنوان الغش للراعي والرعية. نور البصائر والألباب (66)
(5)- وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- : قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (( إِنَّها ستكُونُ بعدي أَثرَة، وَأُمُورٌ تُنكِرُونَها )) قالوا: يا رسولَ الله، كيفَ تَأْمُرُ مَنْ أَدْرَكَ ذلك مِنّا؟ قال : (( تُؤدُّونَ الحَقَّ الذي عليكم، وتَسألُونَ اللهَ الذي لكم )). متفقٌ عَلَيْهِ .
قال ابن عثيمين: أي أنه يستولي على المسلمين ولاة يستأثرون بأموال المسلمين يصرفونها كما شاءوا ويمنعون المسلمين حقهم فيها. والواجب على المسلمين في ذلك السمع والطاعة وعدم الإثارة وعدم التشويش عليهم واسألوا الحق الذي لكم من الله. شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 1/127.
(6)- وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- : أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (( مَنْ كَرِهَ مِنْ أمِيرِهِ شَيْئا فَلْيَصبِرْ، فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِن السُّلطانِ شِبرا مَاتَ مِيتَة جَاهِليَّة )).
وفي رواية: (( فَليَصبِرْ عليه، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ شِبرا فَمَاتَ فَمِيتتهُ جَاهِليَّةٌ )). أخرجه البخاري ومسلم .
قال ابن أبي جمرة : “المراد بالمفارقة السعي في حل عقد البيعة التي حصلت لذلك الأمير ولو بأدنى شيء، فكنى عنها بمقدار الشبر، لأن الأخذ في ذلك يؤول إلي سفك الدماء بغير حق”.
والمراد بالميتة الجاهلية: حالة الموت كموت أهل الجاهلية على ضلال، وليس له إمام مطاع، لأنهم كانوا لا يعرفون ذلك وليس المراد أنه يموت كافراً، بل يموت عاصياًً، قاله الحافظ في الفتح (13/7).
(7)- وفي رواية أخرى: (( مَنْ خَرَجَ مِن الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الجماعةَ فماتَ؛ ماتَ مِيتة جَاهلية ))
قال الصنعاني: قوله (عن الطاعة)، أي: طاعة الخليفة الذي وقع الاجتماع عليه، وكأن المراد خليفة أي قطر من الأقطار، إذ لم يجمع الناس على خليفة في جميع البلاد الإسلامية من أثناء الدولة العباسية بل استقل أهل كل إقليم بقائم بأمورهم، إذ لو حمل الحديث على خليفة أجتمع عليه أهل الإسلام، لقلت فائدته.
وقوله : (وفارق الجماعة)، أي: خرج عن الجماعة الذين اتفقوا على طاعة إمام انتظم به شملهم واجتمعت به كلمتهم وحاطهم عن عدوهم )) [سبل السلام (3/499)] وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:
” الأئمة مجمعون من كل مذهب، على أن من تغلب على بلد أو بلدان له حكم الإمام في جميع الأشياء، ولولا هذا ما استقامت الدنيا، لأن الناس من زمن طويل قبل الإمام أحمد إلى يومنا هذا، ما اجتمعوا على إمام واحد ، ولا يعرفون أحدا من العلماء ذكر أن شيئا من الأحكام لا يصح إلا بالإمام الأعظم “. [الدرر السنية (9/5-7)] وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله:
والقواعد العامة في الشريعة الإسلامية أن الله يقول: { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } فإذا لم يوجد خليفةٌ للمسلمين عموماً فمن كان ولي أمر في منطقة فهو ولي أمرها، وإلا لو قلنا بهذا الرأي الضال؛ لكان الناس الآن ليس لهم خليفة، ولكان كل الناس يموتون ميتة جاهلية، ومن يقول بهذا؟! الأمة الإسلامية تفرقت من عهد الصحابة، تعلمون أن عبد الله بن الزبير في مكة، وبنو أمية في الشام، وكذلك في اليمن أناس، وفي مصر أناس، وما زال المسلمون يعتقدون أن البيعة لمن له السلطة في المكان الذي هو فيه، ويبايعونه ويدعونه بأمير المؤمنين، ولا أحد ينكر ذلك. [لقاء الباب المفتوح رقم 128] وقال أيضاً:
وبهذا نعرف ضلال ناشئة نشأت تقول: إنه لا إمام للمسلمين اليوم، فلا بيعة لأحد، نسأل الله العافية، ولا أدري أيريد هؤلاء أن تكون الأمور فوضى ليس للناس قائد يقودهم؟ أم يريدون أن يقال كل إنسان أمير نفسه؟ هؤلاء إذا ماتوا من غير بيعة فإنهم يموتون ميتة جاهلية؛ لأن عمل المسلمين منذ أزمنة متطاولة على أن من استولى على ناحية من النواحي صار له الكلمة العليا فيها فهو إمام فيها. الشرح الممتع (8/12 ، 13)
(8)- وقال رحمه الله –أيضاً- في معنى الحديث الذي رواه مسلم: ((من مات وليس في عُنقه بَيْعة: مات مِيتَة جاهليَّة )) قال:
معناه: أنه يجب على الإنسان أن يجعل له إماماً، ولا يحل لأحد أبداً أن يبقى بلا إمام؛ لأنه إذا بقي بلا إمام بقي من غير سلطان، ومن غير ولي أمر، والله -عزَّ وجلَّ- يقول: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ }، وهذا الذي مات وليس في عنقه بيعة شاذٌّ خارجٌ عن سبيل المؤمنين؛ لأن المؤمنين لا بد أن يكون لهم أمير مهما كانت الحال، فإذا خالَفَ هذا وشذَّ صار خارجاً عن سبيل المؤمنين . [لقاء الباب المفتوح رقم 1] وقال أيضاً:
ومن المعلوم أن البيعة تثبت للإمام إذا بايعه أهل الحل والعقد، ولا يمكن أن نقول: إن البيعة حق لكل فرد من أفراد الأمة، والدليل على هذا: أن الصحابة رضي الله عنهم بايعوا الخليفة الأول أبا بكر رضي الله عنه ولم يكن ذلك من كل فرد من أفراد الأمة، بل من أهل الحل والعقد، فإذا بايع أهل الحل والعقد لرجل وجعلوه إماماً عليهم صار إماماً، وصار من خرج عن هذه البيعة يجب عليه أن يعود إلى البيعة حتى لا يموت ميتة جاهلية، أو يرفع أمره إلى ولي الأمر لينظر فيه ما يرى؛ لأن مثل هذا المبدأ مبدأ خطير فاسد يؤدي إلى الفتن والشرور.
قال الإمام الحسن بن على البربهاري في كتابه “السنة”: (( من ولي الخلافة بإجماع الناس عليه ورضاهم به، فهو أمير المؤمنين، لا يحل لأحد أن يبيت ليلة ولا يرى أن ليس عليه إمام براً كان أو فاجراً ، هكذا قال أحمد بن حنبل )).
(9)- وعن سفينة – رضي الله عنه – : قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (( الخِلافَة فِي أمَّتي ثَلاثون سَنة، ثمَّ مُلْكُ بعد ذلك )). وفي رواية أخرى قال : قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- : (( خِلافَة النبُوَّةِ ثَلاثونَ سَنَة، ثمَّ يُؤتي اللهُ المُلكَ مَنْ يَشَاء )). رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه الألباني
قال أبوحاتم: معنى الخبر عندنا أن من بعد الثلاثين سنة يجوز أن يقال لهم: خلفاء أيضا على سبيل الاضطرار وإن كانوا ملوكا على الحقيقة.
(10)- وعن عياض بن غنم -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (( مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِسُلطَانٍ بِأَمْرٍ، فَلاَ يُبْدِ لَهُ عَلانِيَة، وَلَكِنْ لِيَأخُذ بِيَدِهِ فَيَخْلُوَ بِهِ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذاكَ، وَإِلاَّ كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِى عَلَيْهِ لَهُ )). حديث صحيح رواه الإمام أحمد وابن أبي عاصم والحاكم والبيهقي وصححه الألباني في “ظلال الجنة”.
(11)- وعن سعيد بن جمهان: قال أتيت عبد الله بن أبي أوفى وهو محجوب البصرة فسلمت عليه.
قال لي : من أنت ؟ فقلت : أنا سعيد بن جهمان.
قال : فما فعل والدك ؟ قال : قلت : قتلته الأزراقة.
قال : لعن الله الأزارقة، لعن الله الأزارقة، حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (( أنهم كلاب النار )).
قال : قلت : فإن السلطان يظلم الناس ويفعل بهم، قال : فتناول يدي فغمزها بيده غمزة شديدة، ثم قال :
ويحك يا ابن جمهان، عليك بالسواد الأعظم، عليك باسواد الأعظم إن كان السلطان يسمع منك، فائته في بيته، فأخبره بما تعلم، فإن قبل منك وإلا فدعه فإنك لست بأعلم منه )).
قال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد والطبراني ،ورجال أحمد ثقات. وحسنه الشيخ الألباني في تخريج السنة.
قال في النهاية: ” عليكم بالسواد الأعظم: أى جملة الناس، ومعظمهم الذين يجتمعون على طاعة السلطان وسلوك النهج القويم ” مادة “سود”
قال ابن قتيبة: “اِنَّما السَّواد الأعظم جُمْلة الناس التي اجتمعت على طاعة السُّلطان وبَخَعَت بها بَرّاً كان أو فاجِراً ما أقام الصلاة كما قال أنس بن مالك وقال يزيد الرقاشي روى عثمان بن عبد الرحمن عن عكرمة بن عمّار عن يزيد بن ابان الرقاشي قال: قلت لأنس: أين الجماعة؟ فقال: (( أمرائكم )) “. غريب الحديث 39
قال أئمة الدعوة :
“وأما ما قد يقع من ولاة الأمور من المعاصي والمخالفات التي لا توجب الكفر والخروج عن الإسلام فالواجب فيها مناصحتهم على الوجه الشرعي برفق، واتباع ما كان عليه السلف الصالح من عدم التشنيع عليهم في المجالس ومجامع الناس، واعتقاد أن ذلك من إنكار المنكر الواجب إنكاره على العباد، وهذا غلط فاحش وجهل ظاهر لا يعلم صاحبه ما يترتب عليه من المفاسد العظام في الدين والدنيا، كما يعرف ذلك من نوَّر الله قلبه، وعرف طريقة السلف الصالح وأئمة الدين”. الدرر السنية (9/119)
وقال الإمام عبد العزيز بن باز –رحمه الله تعالى:
“ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة وذكر ذلك على المنابر، لأن ذلك يفضي إلى الفوضى، وعدم السمع والطاعة في المعروف، ويفضي إلى الخوض الذي يضر ولا ينفع. ولكن الطريقة المتبعة عند السلف: النصيحة فيما بينهم وبين السلطان، والكتابة إليه، أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجّه إلى الخير”. الفتاوى (8/210)
(12)- وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ، وَاسْتذلَّ الإِمَارَةَ، لَقِىَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَلا وَجْهَ لَهُ عِنْدَهُ )). رواه أحمد والحاكم وصححه الذهبي.
(13)- وعن معاذ بن جبل –رضي الله عنه-، قال: (( عَهِدَ إِلَيْنَا رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم فِي خَمْسٍ مَنْ فَعَلَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ كَانَ ضَامِنًا عَلَى الله عَزَّ وَجَلَّ: مَنْ عَادَ مَرِيضًا، أَوْ خَرَجَ مَعَ جَنَازَةٍ، أَوْ خَرَجَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ الله، أَوْ دَخَلَ عَلَى إِمَامٍ يُرِيدُ بِذَلِكَ تعْزِيرَهُ وَتوْقِيرَهُ، أَوْ قَعَدَ فِي بَيْتِهِ فَسَلِمَ وَسَلِمَ النَّاسُ مِنْهَ )). رواه أحمد واللفظ له والبزار والطبراني وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما وابن أبي عاصم في كتاب السنة باب في ذكر فضل تعزيز الأمير وتوقيره وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.
(تعزيره) : تعظيمه.
(14)- وعن معاوية بن أبي سفيان، قال: لما خرج أبو ذر إلي الربذة، لقيه ركب من أهل العراق، فقالوا: يا أبا ذر قد بلغنا الذي صنع بك فاعقد لواءً يأتيك رجال ما شئت. قال: مهلاً مهلاً يا أهل الإسلام، فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : (( سيكون بعدي سلطان فأعزوه، من ألتمس ذله ثغر ثغرة في الإسلام، ولم يقبل منه توبة حتى يعيدها كما كانت )). أخرجه ابن أبى عاصم في السنة وصححه الألباني في ظلال الجنة.
(15)- وعن عرفجة -رضي الله عنه- : قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (( ستكونُ هَنات وَهنات، فمن أراد أن يفرِّقَ أمَر هذه الأُمَّةِ وهي جميع فاضرُبوهُ بالسيف كائنا من كان )). وفي رواية «فاقتلوه» أخرجه مسلم.
(16)- وعن أنس بن مالك، قال: نهانا كبراؤنا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: (( لا تسبوا أمراءكم، ولا تغشّوهم، ولا تبغضوهم، واتقوا الله واصبروا ،فإن الأمر قريب )). أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب السنة بإسناد جيد.
(17)- وعن أبي الدرداء –رضي الله عنه– أنه قال: (( إن أول نفاق المرء طعنه على إمامه )). أخرجه البيهقي في شعب الإيمان، وابن عبد البر في التمهيد.
(18)- وقال سهل بن عبد الله التستري: (( هذه الأمة ثلاث وسبعون فرقة: اثنتان وسبعون هالكة، كلّهم يبغض السلطان، والناجية هذه الواحدة التي مع السلطان )). ذكره أبو طالب المكي في “قوت القلوب” (2/242)
(19)- وعن زائدة بن قدامة، قال: قلت لمنصور بن المعتمر: إذا كنت صائماً أنال من السلطان؟ قال: (( لا ))، قلت: فأنال من أصحاب الأهواء؟ قال: (( نعم )). أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب الصمت وآداب اللسان، وابن الأعرابي في معجمه،وأبو نعيم في الحلية.
(20)- وعن عبد الصمد البغدادي قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول: (( لو أن لي دعوة مستجابة، ما صيرتها إلا في الإمام. قيل: وكيف ذلك يا أبا عليّ؟، قال: متى صيرتها في نفسي لم تجزني، ومتى صيرتها في الإمام –يعنى: عمّت-؛ فصلاح الإمام صلاح العباد والبلاد … فقبل ابن المبارك جبهته، وقال: يا معلم الخير! من يحسن هذا غيرك؟ )). أخرجه أبو نعيم في الحلية وإسناده صحيح.
قال الإمام البربهاري –رحمه الله- في ((شرح السنة)) (ص113): (( وإذا رأيت الرجل يدعو على السلطان؛ فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح؛ فاعلم أنه صاحب سنة –إن شاء الله-)).
(21)- وأخرج الخلاّل في ((السنة)) (1/83) : أن الإمام أحمد قال عن الإمام: ((وإني لأدعو له بالتسديد والتوفيق في الليل والنهار، والتأييد، وأرى ذلك واجباً علي)).
وسئل الإمام عبد العزيز بن باز -رحمه الله- عمن يمتنع عن الدعاء لولي الأمر فقال:
“هذا من جهله، وعدم بصيرته؛ لأن الدعاء لولي الأمر من أعظم القربات، ومن أفضل الطاعات، ومن النصيحة لله ولعباده، والنبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له : إن دوسا عصت وهم كفار قال : « اللهم اهد دوسا وائت بهم ». فهداهم الله وأتوه مسلمين. فالمؤمن يدعو للناس بالخير، والسلطان أولى من يدعى له؛ لأن صلاحه صلاح للأمة، فالدعاء له من أهم الدعاء، ومن أهم النصح: أن يوفق للحق وأن يعان عليه، وأن يصلح الله له البطانة، وأن يكفيه الله شر نفسه وشر جلساء السوء، فالدعاء له بالتوفيق والهداية وبصلاح القلب والعمل وصلاح البطانة من أهم المهمات، ومن أفضل القربات، وقد روي عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال : ( لو أعلم أن لي دعوة مستجابة لصرفتها للسلطان )، ويروى ذلك عن الفضيل بن عياض رحمه الله” . الفتاوى (8/210)
وقال العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
الذي لا يدعو للسلطان فيه بدعة من بدعة قبيحة، وهي: الخوارج -الخروج على الأئمة- ولو كنت ناصحاً لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم لدعوت للسلطان؛ لأن السلطان إذا صلح صلحت الرعية، أما بعض الناس إذا رأى من سلطانه انحرافاً وقيل: ادع الله أن يهديه، قال: لا لا هذا لن يهديه الله، ولكن أدعو الله أن يهلكه إذاً! كيف لا يهديه الله، أليس الله هدى بعض أئمة الكفر؟!! هداهم، ثم إذا قدر أن الله أهلكه كما تحب أنت الآن من الذي يتولى بعده؟ من البديل؟ الآن الشعوب العربية التي قامت على الثورة اسأل أهل البلدان: أيها أحسن: عندما كانت البلاد ملكية أو لما كانت ثورية؟ سيقولون بلسان واحد بآن واحد قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم: عندما كانت ملكية أحسن بألف مرة، وهذا شيء واضح. لقاء الباب المفتوح ، اللقاء رقم 169
قال الإمام الآجري:
فلا ينبغي لمن رأى اجتهاد خارجي قد خرج على إمام، عادلاً كان الإمام أم جائراً، فخرج وجمع جماعة وسل سيفه، واستحل قتال المسلمين، فلا ينبغي له أن يغتر بقراءته للقرآن، ولا بطول قيامه في الصلاة، ولا بدوام صيامه، ولا بحسن ألفاظه في العلم إذا كان مذهبه مذهب الخوارج”. ثم ساق الأحاديث الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التحذير من الخروج، إلى أن قال:
قد ذكرت من التحذير عن مذاهب الخوارج ما فيه بلاغ لمن عصمه الله عز وجل الكريم عن مذهب الخوارج، ولم ير رأيهم، وصبر على جور الأئمة، وحيف الأمراء، ولم يخرج عليهم بسيفه، وسأل الله العظيم أن يكشف الظلم عنه، وعن جميع المسلمين، ودعا للولاة بالصلاح، وحج معهم، وجاهد معهم كل عدو للمسلمين، وصلى خلفهم الجمعة والعيدين، وإن أمروه بطاعتهم فأمكنته طاعتهم أطاعهم، وإن لم يمكنه اعتذر إليهم، وإن أمروه بمعصية لم يطعهم، وإذا دارت بينهم الفتن لزم بيته، وكف لسانه ويده، ولم يهو ما هم فيه، ولم يعن على فتنة، فمن كان هذا وصفه كان على الطريق المستقيم إن شاء الله تعالى”. [الشريعة (28-37)] ومما قاله أئمة الدعوة السلفية:
الذي نعتقده في قلوبنا، وندين به ربنا، وهو معلوم من دين الإسلام بالضرورة: أنه لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمارة، ولا إمارة إلا بسمع وطاعة(*). [الدرر السنية في الأجوبة النجدية (7/207)].
قال الشيخ بكر أبو زيد –رحمه الله-: وهذه الثلاثة متلازمة آخذ بعضها ببعض، فلا قوام لسوق الإسلام وقيام جماعة المسلمين وصلاحهم في معاشهم ومعادهم تحت ولاية إسلامية ذات شوكة ومنعه إلا بهذا. (حكم الانتماء إلى الفرق ولأحزاب والجماعات ص59)
وقال أيضاً: … إذا كان المسلم في ولاية إسلامية فيها هذه الثلاثة متلازمة .. فإنه مالم يظهر كفر بواح لا يجوز له تفريق جمع المسلمين بإيجاد حزب إسلامي أو جماعة إسلامية على هذه الأرض التي حالها كذلك {فماذا بعد الحق إلا الضلال} فهو في حقيقة حاله عنوان تفرق واختلاف: شق لعصا الطاعة، وتفريق الجماعة، وشرود عن جماعتهم … (حكم الانتماء إلى الفرق ولأحزاب والجماعات 64)
**********************
المصدر:مدونة أبو راشد

اقرأ أيضا  العلاقة الفردية بين المسلم وغير المسلم في الفقه الإسلامي
Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.