بالإيمان والقرآن يربط الله على القلوب ويثبت السيقان

الإثنين 8 ربيع الثاني 1437//18 يناير/كانون الثاني 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
عبدالعال بن محمد الأسطل
بالإيمان والقرآن يربط الله على القلوب ويثبت السيقان
الحمد لله الذي جعل الفتن والمصائب اختبارًا لعباده، ﴿ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ [العنكبوت: 3]، والصلاة والسلام على الأسوة الحسنة في الصبر والمصابرة، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه الصابرين المحتسبين.

أما بعد:
فإنه مما ينبغي شد الانتباه إليه والتذكير به: أن الابتلاء سنَّة من سنن الله تعالى الماضية في الآخرين، وقد خلَتْ في الأولين، ولن تجد لها تبديلًا، ولن تجد لها تحويلًا، وإن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد، تبصرةً وذكرى لكل عبد منيب.

أمَّا أن يحسَبَ أكثرنا أن يُترَك مدعيًا الإيمان من غير فتنة أو ابتلاء أو تمحيص، فهذا ضلال قديم، وخطأ جسيم؛ إن الإيمان يستلزم الامتحان، وعلى قدر إيمان الرجال تكون المصائب، وتعظُمُ الابتلاءات، فهنيئًا لمن زِيدَ في بلائه؛ فإنه أَمَارة عباد الله وأوليائه.

إن الاختبار بضروب المصائب والمحن زيادة في منزلة المؤمنين، ورفعة في درجاتهم، وهو من أسباب استخراج سجايا الصبر والرضا، والشكر والتسليم، والتوكل والتفويض، لينظر كيف تعملون.

اقرأ أيضا  الوضع الإنساني في سوريا .. الضرورة الملحّة

إن المؤمن الحقيقي قد أيقن بالمصائب قبل وقوعها، وتهيَّأ للمِحَن قبل حلولها؛ ذلك أنه قد عاش مع القرآن بروحه وبدنه، وبقلبه وعقله، فاستخرج المواعظ والعبر من أنباء ما قد سبق؛ فإن المؤمن يعلم أن النجاة والسلامة تكون بهذا القرآن، وأن التغلُّب على الآلام والجراحات إنما يكون بالعيش في ظلال القرآن؛ ذلك أنه ليس كتاب تبرك وتلاوة، إنما هو كتاب ذكرى وموعظة؛ قال تعالى: ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ﴾ [ص: 87، 88].

هذا، وإن حديث القرآن عن طرَفٍ من نعيم الجِنان، فيه ما يدفع للاستبشار بالمصيبة والسرور بها، وعلى الأنس بالبلاء، تمامًا كالأنس بالرخاء؛ لذا كان أمر المؤمن كله له خيرًا؛ لأنه إما في نعمة فيشكر، أو في مصيبة فيصبر، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن.

إن محاولة المؤمن أن يطلق العِنان لخياله في التفكر في الأنهار المطردة، والقصور المنيفة، والقطوف الدانية، والعيون الجارية، والسُّرر المرفوعة، والأكواب الموضوعة، والنمارق المصفوفة، والزرابي المبثوثة – لَيفجِّرُ فيه طاقاته الكامنة في الصبر والاحتمال، تلك التي لا بد لها من جذوة إيمانية حتى تتقد مولدةً السعادة في قلب المحنة، والطمأنينة في صُلب المصيبة.

اقرأ أيضا  أذلة على المؤمنين.. أعزة على الكافرين

إن بلالًا والصحابة الأولين رضي الله عنهم أجمعين قد أحيَوْا فينا هذه الحقيقة وهم يتعرَّضون لصنوف العذاب التي لم يكُنْ ليقوى على الصبر عليها الأشداءُ من الرجال، غير أنه الإيمان الذي يهوِّن الأذى على صاحبه، ويُذْكي في روحه الصبر والمصابرة، مستحضرًا أن يكون في قوافل المبشَّرين بذلك النداء المبارك: ﴿ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾ [الرعد: 24].

وعلينا في الختام أن نشير بوضوحٍ إلى أن من حِكم الابتلاء أن الله تعالى يريد أن يصنع عباده على عينه؛ ليجعلهم أكثر نفيرًا، فيصبح أعداؤهم لا قِبَل لهم بهم، فضلًا عن تمحيص القلوب بالرجوع والضراعة إلى الله حين يوقنون أن لا ملجأ من الله إلا إليه.

ولعل من أعظم الحِكم في ذلك أيضًا أن يظهر للناس أن دِيننا أغلى عندنا من راحتنا وأرواحنا؛ لإيماننا أنه حق اليقين، فتقوم بذلك حجة الله على العالَمين، فيَهلِك مَن هلك عن بينة، وأنه في ضلال مبين، ويحيا من حيَّ عن بينة، وأنه على صراط مستقيم.

اقرأ أيضا  واجبنا نحو القرآن الكريم

وختامًا:
فإن التعلق بالله تعالى، والاعتصام بكتابه، والتسليم لقضائه وقدره، ومن ثم الطمع فيما أعده للصابرين الثابتين: فيه ما يدفع للاحتساب والاسترجاع، وفيه ما يحرِّض على الانخلاع من الجزع والقنوط واليأس، ويبقى خير الزاد هو التقوى، وأن نأويَ إلى الله مطمئنين موقنين بأنه هو الضار النافع، وأن عسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون.

اللهم اجعلنا من عبادك الصابرين المحتسبين، الذين يسلِّمون لأمرك، وينقادون لحُكمك، ويرتضون مشيئتَك.

هذا، وقد تم المقال بحمد الله، فإن كان من خطأ فمعذرة، فالخطأ جبلَّة فينا، ولا معصوم إلا من عصمه الله.
-الألوكة-