ثمانية أسباب للتطبيع بين العرب والاحتلال

د. أيمن أبو ناهية

الثلاثاء 28 شوال 1437/ 2 آب/أغسطس 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا”

من المفارقات التي نسمعها هذه الأيام أنه في مقابل الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الاسرائيلي يومياً بدم بارد ضد الشعب العربي الفلسطيني الأعزل، لايزال العرب يطالبون بإحياء الخطة العربية للسلام المقدمة من المملكة العربية السعودية في عام 2002م في مؤتمر القمة العربية في بيروت، والتي تركز على تطبيع الدول العربية مع دولة الاحتلال الإسرائيلية مقابل الانسحاب من الأجزاء العربية المحتلة في 1967م، علماً بأن قادة الاحتلال قد اهتموا فقط بموضوع التطبيع الوارد في الخطة وألقوا بموضوع الانسحاب وراء ظهورهم، واستمروا في تقطيع أوصال الضفة وغزة وجعلها كانتونات منفصلة معزولة عن بعضها بفعل الاستيطان، يدخلونها كيف يشاؤون ومتى يشاؤون يقتلون ويعتقلون ويفجرون ويهدمون ويجرفون المزروعات، وفي الوقت نفسه يرون في خطة العرب أمراً مهماً لهم وهو التطبيع، والآن نجد أن العرب هم اكثر شغفا وحبا واهتماما بالتطبيع مع الاحتلال وقد أخلوا بشرطهم “الانسحاب مقابل التطبيع” والان هم الذين يعطون ظهورهم للانسحاب وانشاء الدولة الفلسطينية.

رب سائل يسأل عن هذه المفارقة العجيبة التي حدثت فجأة وعملت على تغيير مواقف العرب، فما هو السبب يا ترى؟ هل أن العرب وجدوا من (اسرائيل) كل هذا الحنان والحب والصداقة الأخوية، ونسوا ما أقروه في مؤتمر الخرطوم صاحب الثلاث لاءات بعد هزيمة حرب عام 1967م أم أن العرب بحاجة الى التطبيع مع (اسرائيل) للانفتاح والتخلص من الهيمنة الغربية ونيل الحرية مقابل ان تعفي نفسها من اي مسؤولية واي التزام كانت قد ارتبطت به منذ عقود طويلة وهي القضية الفلسطينية، التي تكبل أيديهم وتحرمهم من التطبيع؟ والأهم من هذا وذاك، السؤال عن السبب وراء لهفة العرب وإن جاز التعبير التطويع نحو التطبيع مع دولة (اسرائيل).
إذا أردنا التعرف على أهم هذه الاسباب للتطبيع والتي لطالما ركزوا عليها قادة الاحتلال واشتغلوا عليها منذ زمن بعيد وهي:
أولا: النشاط التجسسي في البلاد العربية وغيرها، وقد جندوا له طواقم كاملة ورصدوا له أموالا طائلة للوصول إلى هذه النتيجة بتطويع العرب للتطبيع. لقد فتحت الاتفاقات المعقودة بين الحكام العرب و(اسرائيل) البلاد العربية والإسلامية في وجه أجهزة المخابرات والتجسس الاسرائيلية مثل شعبة الاستخبارات العسكرية المسماة (أمان) ومؤسسة المخابرات والمهمات الخاصة المسماة (بالموساد) وأجهزة الأمن العام الصهيونية وقسم الدراسات والأبحاث في وزارة الخارجية، فقد استطاعت كل هذه الأجهزة أن تشق طريقها في الكثير من العالم العربي وبصورة خاصة في الخليج العربي، وقامت وتقوم بنشاطات مكثفة عبر شبكة هائلة من العملاء والوكلاء تقوم بنشاطات تخريبية. وقد استعملت (اسرائيل) وسائل مختلفة لاختراق البلاد العربية خاصة والتجسس عليها في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية، واستخدمت في ذلك وسائل مختلفة اهمها السفارات الموجودة في بعض الدول العربية التي أقامت معها علاقات دبلوماسية رسمية وبعضها الآخر التي تحتفظ معها بعلاقات صداقة وتمثيل غير رسمي، وتعتبر هذه السفارات ومكاتب التمثيل بمثابة البؤر التجسسية الأولى.

اقرأ أيضا  الحاجة الملحة للتعليم القائم على الضمير

ثانيا: تمييع القضية الفلسطينية، فبعد المطالبة بتحرير فلسطين من البحر إلى النهر بدأ مسلسل التنازلات العربية في خفض سقف المطالب العربية شيئاً فشيئاً إلى أن وصل إلى ما هو عليه الآن مما زاد في غطرسة (اسرائيل).
ثالثا: تقييد وتحديد القدرة الدفاعية للدول التي تسمى بدول الطوق ويتم ذلك بتقييدها في وضع قوات محدودة في المناطق التي ينسحب منها الاحتلال وتحديد نوعية وكمية الأسلحة التي يجب أن توجد في هذه المناطق وهذا واضح في اتفاقية كامب ديفيد حول سيناء والاتفاق مع السلطة.
رابعا: ضمان أمن وسلامة (اسرائيل)، ويبدو ذلك واضحاً في اتفاقية كامب ديفيد حيث تنص المادة الاولى (الفقرة أ) على ما يلي: (تنتهي حالة الحرب بين الطرفين ويقام السلام بينهما عند تبادل التصديق على هذه المعاهدة) والاتفاق على اتخاذ ترتيبات أمنية مشتركة لوقف هجمات الفدائيين. ومثل هذا في اتفاقية وادي عربة مع الأردن.
خامسا: شق الصف العربي وزيادة شرذمته وذلك يظهر جلياً من خلال إصرار الاحتلال على عقد اتفاقيات منفصلة مع الدول العربية حتى تكون الجبهة العربية مشرذمة ليتسنى للصهاينة التفرد بكل دولة على حدة عن طريق عقد اتفاقيات ملزمة لكل طرف.
سادسا: السياحة والنقل والمواصلات، ويعني حرية تنقل الأشخاص والآليات وعدم جواز فرض قيود على الحرية من أي طرف، ويشمل وسائل النقل البري والبحري والجوي، واقامة علاقات بريد عادية وهاتف وتلكس وتلغراف. ويعتبر حلما للسياسيين والمفكرين حين يرون أبواب العالم العربي مفتوحة لهم. فجولدا مائير لم تخفِ حلمها بأنها قد تستطيع يوماً أن تتسوق من خان الخليلي. وقد تحقق حلمها.

اقرأ أيضا  دعوات لفعاليات تضامنية مع الأسرى

سابعا: الثقافة وهي من أهم القطاعات في مجال التطبيع، وقد أدرك قادة الاحتلال هذه الحقيقة فاتفاقات السلام عادة توقع بين القادة ويظل تطبيقها مرهونا بالشعوب ولا بد من تهيئة الأجواء الكفيلة بدفع الشعوب إلى التجاوب مع الساسة وإزالة كل مظاهر العداء، ولهذا اشترط الصهاينة في اتفاقيات السلام خاصة في مجال التطبيع الثقافي أن يُزال من الكتب والصحف والمناهج المدرسية كل ما من شأنه أن يبدي الصهيونية عدواً للأمة العربية والإسلامية والاستعاضة عنها بصورة اليهودي الطيب الذي يمكن التعامل معه ببساطة وليس كما كان ينظر إليه قاتلاً ومجرماً وحاقداً ومراوغاً. وفي نفس الوقت العمل على نشر الفساد والرذيلة في المجتمعات العربية وذلك عن طريق نشر الكتب والمجلات الدورية الفاسدة والبرامج الإذاعية والمتلفزة وعرض الأفلام الخليعة، وقد ثبت ذلك بما لا يدعو للشك، فقد سربت شحنات فاسدة من الأغذية الملوثة بالإشعاع النووي عن طريق أوروبية يملكها يهود، كما قامت شعبة الاستخبارات العسكرية اليهودية (أمان) بتهريب المخدرات إلى مصر والأردن. كما عمل اليهود على نشر مرض الايدز عن طريق وجود شبكة تضم العشرات من بائعات الهوى اليهوديات المصابات بهذا المرض يعملن بتوجيه من جهاز الموساد.

اقرأ أيضا  سكّة النفاق وورشة البحرين؟!

ثامنا: التطبيع الاقتصادي وهو من أكثر المسائل أهمية في أي اتفاق للصلح تم بين (إسرائيل) وغيرها من الدول المجاورة، التي تنظر إلى خيرات الدول المجاورة خاصة والعالم العربي عامة إلى موارده الاقتصادية الضخمة لاستغلالها، وتتطلع إلى السوق الاستهلاكي العربي الواسع لمنتجاته.

لماذا التطبيع مع الدول العربية بالنسبة (لإسرائيل) اهم من التحالف مع امريكا؟، فهي تستغله في إيجاد الأجواء المناسبة في فلسطين المحتلة من الأمن والسلام. وذلك لتشجيع المهاجرين اليهود للهجرة إلى فلسطين لزيادة القوة البشرية وجلب الاستثمارات ورؤوس الأموال العالمية، ويعمل على فك العزلة وانهاء المقاطع الدولية. كما يعمل على اندماجها في وسط العالم الإسلامي والمنطقة العربية ولكن بشروطها التي تلبي مطالب وآمال قادتهم وذلك بأن تصبح هي قائدة المنطقة والمركز الحاكم فيها بالسيطرة على خيرات المنطقة العربية لتحل محل الإمبراطورية الأمريكية، وان حرصها على التسوية يتوقف على مدى تلبية هذه التسوية لشروطها المتعلقة بأمنها القومي وآمالها. وقد ظهرت آمال وتطلعات (إسرائيل) للتسوية في جملة واحدة قالها دافيد بن غوريون: (لن تكون هناك تنازلات إقليمية بل تعديلات طفيفة لتقوية الحدود، و(إسرائيل) لن تسمح بأي حال من الأحوال بأي عودة للاجئين، والقدس لن تكون موضع مفاوضات).

المصدر : فلسطين أون لاين

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.