حاجتنا إلى هداية الناس

الخميس 24 ذو الحجة 1436//8 أكتوبر/تشرين الأول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
حسن عبدالحي
حاجتنا إلى هداية الناس
حاجتنا إلى هداية الناس من حاجتنا إلى إقامة دين الله – عزَّ وجلَّ – في البِلاد والعِباد؛ بل ومن حاجتنا إلى إقامة شرع الله – تعالى – في أنفسنا وأهلينا؛ إذ كيف يلتَزِم العبد الإسلامَ في نفسه، وحولَه مَن يمنعه ويَعُوقه؟ وكيف يلتَزِم العبد الإسلام مع مَن حوله وهم أنفسهم يأبَون التزامه ابتداءً؟وكيف يأمَنُ العبدُ على أهله وولده وماله في مجتمع ليست كلمة الله هي العُليَا فيه؟

كلُّ هذا قاد بعضَ الدُّعَاة إلى الله والمفكِّرين الكِبار إلى القول بأنَّ التزام الإسلام وأحكامه في مجتمعٍ لا يُقاد بشرع الله ودينه، ضربٌ من الأغلال والآصار، وحاجتنا إلى هداية الناس من حاجتنا إلى هدايتنا.

وهذا صحيح، وإن كان تركُ الالتِزام في مجتمعٍ لا يُقاد بشرع الله ضربًا أعظم وأكبر من الأغلال والآصار كذلك، فالتِزام شرع الله خيرٌ في كلِّ حال.

وممَّا يدلُّ على ثقل التِزام الإسلام وأحكامه في مجتمع لا يُقاد فيه الناس بشرع الله – تعالى -: وصف النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – هذه الأزمنة بقوله: ((يأتي على الناس زمانٌ الصابرُ فيهم على دينه كالقابض على الجمر))؛ (أخرجه الترمذي من حديث أنس – رضي الله عنه – وصحَّحه الألباني بشواهده الكثيرة، وأخرجه أحمد من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه).

فالنبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – جعل الملتَزِمَ بدينه في أزمنة الفِتَن كالقابض على الجمر، والقبضُ على الجمر أمر شديد، لا يُطِيقه إلا قليلٌ من الناس، ومن هذا أيضًا قوله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ من ورائكم زمانَ صبرٍ، للمتمسِّك فيه أجرُ خمسين شهيدًا منكم))، فقال عمر – رضِي الله عنه -: يا رسول الله، منَّا أو منهم؟ قال: ((منكم))؛ (أخرجه الطبراني في “الكبير” من حديث ابن مسعود، وصحَّحه الألباني في “صحيح الجامع”).

اقرأ أيضا  عالم إسلامي كبير في أستراليا يدعو الشعب الماليزي إلى التمسك بعقيدة أهل السنة

من هنا كانت حاجتنا إلى هداية الناس من حاجتنا إلى هدايتنا أنفسنا أولاً، والمسلم ما كان مستطيعًا للدعوة إلى الله – تعالى – أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة للناس – مأمورٌ بكل هذا.

قام أبو بكر – رضِي الله عنه – في الناس، فحَمِد الله وأثنى عليه ثم قال: “يا أيها الناس، إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها على غير مواضعها: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 105]، وإنَّا سمعنا النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – يقول: ((إن الناس إذا رأَوُا الظالم فلم يأخذوا على يديه، أوشك أن يعمَّهم الله بعقاب))”، وفي رواية: “وإني سمعت رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – يقول: ((ما من قومٍ يُعمَل فيهم بالمعاصي، ثم يَقدِرون على أن يغيِّروا ثم لا يغيِّروا، إلا يُوشِك أن يَعُمَّهم الله منه بعقاب))”؛ (أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وصحَّحه الألباني في “صحيح الترمذي”).

فأبو بكر – رضِي الله عنه – فَهِمَ أن العمل بالآية عند عدم القدرة؛ بدليل قوله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ثم يقدرون على أن يغيِّروا ثم لا يغيِّروا)).

والأدلَّة على وجوب الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كثيرةٌ مُستَفِيضة؛ منها قوله – تعالى -: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104]، فكأنه – تبارَك وتعالى – حصَر الفلاح فيهم وحدَهم، ومنها قوله – عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 71] فقدَّم – سبحانه وتعالى – صفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على سائر صفات المؤمنين المذكورة مع عِظمها، ثم أخبر – تعالى – أنَّ أولئك هم أهل رحمته؛ بل جعَل الله – عزَّ وجلَّ – خيريَّة هذه الأمَّة مَنُوطة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال – تعالى -: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [آل عمران: 110]، ثم قال الله – تبارك وتعالى – بعد ذلك: ﴿ لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [آل عمران: 113، 114] فذكر من صفات هذه الطائفة كذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

اقرأ أيضا  أفضل الكلام وأحبه إلى الله (1)

فالدعوة إلى الله – تعالى – من أمرٍ بالمعروف، أو نهي عن المنكر، أو نصيحة لعباد الله – عزَّ وجلَّ – شيءٌ لا ينفَصِل عن التِزام الفرد بدينه وهدايته، عقلاً وشرعًا، وهذا يجعل الملتَزِمَ شديدَ الحرص على الناس، مُتَّخِذًا جميع الأسباب لهدايتهم وصلاحهم.

يقول – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مثَل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثَل قومٍ استَهمُوا على سفينةٍ، فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مَرُّوا على من فوقهم، فقالوا: لو أنَّا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذِ مَن فوقنا؟ فإن يتركوهم وما أرادوا هلَكُوا جميعًا، وإنْ أخَذُوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا))؛ (رواه البخاري وغيره من حديث النعمان بن بشير – رضي الله عنهما).

فقوله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مثَل القائم على حدود الله))؛ أي: المحافظ عليها، فلا يقتَرِف ما حرَّم الله منها، ولا يترك ما أوجَبَه الله عليه.

اقرأ أيضا  تفسير: (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي)

وقوله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((والواقع فيها))؛ أي: بضدِّ الأوَّل، فهو لا يُحافِظ على حدود الله – تعالى – بل يقع فيما نهى عنه، ويترك ما أوجب عليه.

وقوله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كمثَل قومٍ استَهمُوا على سفينة))؛ أي: اقتَرَعُوا عليها، كل منهم يأخذ نصيبًا.

وقوله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((فقالوا: لو أنَّا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذِ من فوقنا))؛ أي: فتحنا فتحة في السفينة من تحت، هو نفس فعل وتعليل أهل المعاصي والفُسُوق في كلِّ زمان ومكان، يُفسِدون في المجتمع بمعاصيهم، ثم يقولون: نحن لا نؤذي أحدًا!

وقوله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((فإن يتركوهم وما أرادوا هلَكُوا جميعًا، وإن أخَذُوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا))، هذا هو سبب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المقام الأوَّل، وهو نجاة أنفسنا، فإن تعلَّقت هذه النجاة بنجاة الآخرين وجب علينا الأخذ بأيديهم.

وفَهْمُ هذا المثال النبوي الشريف أكبرُ وازِعٍ محرك للأمر بالمعروف، وبث النصيحة، والدعوة إلى الخير، وهو جامِعٌ لحال أهل المعاصي والإسراف، وحال أهل الإيمان والإصلاح، كما أنَّ فيه المخرج من البلاء وحلول العذاب.

وصلِّ اللهم وسلِّم على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه، ومَن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

والحمد لله ربِّ العالمين.
الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.