حجاب المرأة المسلمة بين الحشمة والسفور
الخميس،27جمادى الثانية1436//16أبريل/نيسان 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته…
أشكر الله أوَّلاً ثم القائمين على التحضير والدعوة لمثل هذه اللقاءات العلمية الدعوية، التي ليست هي الأولى، ولن تكون الأخيرة إن شاء الله تعالى.
فأقول وبالله التوفيق، وبه أهتدي لأقومِ طريق:
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، (أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص – الله ورسوله – فإنه لا يضرُّ إلا نفسه ولا يضرُّ الله شيئا).
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [ الأحزاب: 70، 71].
أما بعد؛ فإن خيرَ الكلامِ كلامُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
أعاذنا الله وإياكم من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار.
لقاؤنا اليوم خاصٌّ بالنساء وعنوانه: حجابُ المرأةِ المسلمةِ بينَ الحشمةِ والسفورِ:
ونقدم ونبدأ هذا اللقاء بهذه المعاني من ناحية اللغة: الحجاب هو الستر، يقولون: [امرأَةٌ محْجُوبَةٌ، ومُحَجَّبةٌ – هذا – للمُبالَغَةِ، قَدْ سُتِرتْ بِسِتْرٍ،…]. تاج العروس (2/ 239).
[والخمار؛ ما يستر به، – أي ما يسترها – لكنه صار في التعارف اسما لما تغطِّي به المرأة رأسها]. التوقيف على مهمات التعاريف (ص: 160).
وأما النقاب: فاستمعن إلى ما يقال في النقاب، فيقولون النقاب في اللغة: [الوصواص: البرقعُ الصغير، – يعني يغطي الوجه لكنه صغير -. فإذا أَدْنَت المرأة نِقابها إلى عينيها – أي قربته من العين على قدر العين – فتلك الوصوصة. فإن أنزلته دون ذاك إلى المحجر، – أي تحت العينين بيَّنت العينين بأكملها والحواجب – فهو النقاب. فإن كان على طرف الأنف – بأن تنزله شيئا فشيئا حتى يصل الأنف – فهو اللفام، – أي ملفمة بالفاء، وليس اللثام -. فإن كان على الفم فهو اللثام، تميم تقول: تلثمت على الفم،..] الجراثيم لابن قتيبة (1/ 283)، فإذا أنزلته لأسفل فلا يبقى نقاب.
فهذا من ناحية اللغة.
يقول العلماء: و[(النقاب) محدث، – النقاب الذي على الأنف أو على الفم، أو يبين المحجر، هذا محدث يعني جاء بعد السلف الصالح -، أي إبداءَهن المحاجر، – فهذا حديث جديد بعد السلف من الصحابيات والتابعيات -… بل كنَّ يسترنَ بالنقاب العينين معًا، أو يسترن أحداهما ليرين بالأخرى، – إما العينين مغطيتان بالكامل، وفي غطاء شفاف ترى من ورائه، أو تبدي عينا وتظهر الأخرى -، فأمّا إبداء العينين معًا فلم يكن في الصدر الأول]. مجمع بحار الأنوار (5/ 645)، – يعني لم يكن في الصحابيات ولا التابعيات رضي الله عنهن.
وأما الكلمة الموجودة في العنوان؛ الحشمة.
[والحِشْمةُ: الِاسْتِحْيَاءُ]. لسان العرب (12/ 136).
وقولهم: [عليه الحِشْمة: أي ظاهرٌ – عليه – الحياء من أهل الصَّلاح]. معجم اللغة العربية المعاصرة (1/ 502)، وهم الأناس الطيبون والنساء الصالحات، عندهن الحشمة والحياء.
نأتي إلى كلمة السفور، قال سبحانه: ﴿ وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ ﴾ [المدثر: 34]، أي انجلى ظلام الليل بالصبح إذا كشف عنه.
والسفور [يُقَال: سَفَرَت (المـَرْأَةُ)، إِذا (كَشَفَتْ عَن وَجْهِها) النِّقَابَ،… وجَلَتْه، وَ.. أَلْقَتْه، تَسْفِرُ سُفُوراً، (فَهِيَ سافِرٌ)، وهُنَّ سَوافِرُ،..] تاج العروس (12/ 41)، يعني لا تجمع على (سافرات)، بل تجمع على (سوافر).
وبعد هذه المقدمة في شرح العنوان؛ هل تستوي ثياب المرأة من جهة الشرع والدين في حياتها؟ هل تستوي ثيابها؟ المرأة ممكن أن تعيش ثمانين سنة أو تسعين مثلا، فهل تستوي هذه الثياب؟
والآن هل تستوي ثياب المرأة من جهة الشرع والدين في حياتها؟
الجواب: لا تستوي؛ بل تختلفُ ثيابها في جميع مراحل حياتها:
فثياب المرأة المسلمة وهي رضيعة، عندما تكون طفلة رضيعة من أبوينمسلمين، تختلف عنها وهي طفلة، وثيابها وهي صبيّة بلغت العاشرة، تختلف عنها وقد بلغت سن المحيض، وثيابها وهي عروس، تختلف وثيابها وهي حامل، أو وهي مرضع، وثيابها في سن اليأس، تتغيَّر إذا بلغت سن الشيخوخة، وما قبله وما بعده، فماذا يكون بعد سن الشيخوخة واليأس؟ الموت، بعد أن وصلت التسعين والثمانين يكون بعدها الموت، والذي هو مكتوب علينا جميعا، ثم تأتي ثياب الكفن، رجعنا للطفولة ووصلنا للرضاعة، وثياب الكفن هذه تشبه لفافات الرضيعة، وماذا تلبس إذا خرجت من القبر للبعث والنشور؟ وما هي ثيابها في الآخرة إذا كانت من أهل الجنة؟ وما هي ثياب نساء أهل النار؟ لسنا منهم إن شاء الله، حول هذا ستكون كلمتنا هذه إن شاء الله، في يومنا هذا المبارك، الذي هو في منتصف النهار.
فهذا اللباس وتلك الثياب جعلها الله سبحانه وتعالى مواراة للعورات، وسترًا للسوءات، وحفاظا على الأجساد من البرد والحرّ، قال سبحانه – مبينا أوَّلَ وأساسَ اللباس، ومتى كان أول اللباس؟ في الجنة مع أبينا آدم، وأمنا حواء: ﴿ وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ ﴾ [الأعراف: 19، 20] – إذن كانوا لا يلبسون ثيابا، وكانت عورات آدم وحواء مستورة، لا تظهر؛ لأن أهلَ الجنة مستورين بأمر الله سبحانه وتعالى، لكن الشيطان هنا أراد أن يبديَ ما وراء هذا الستر الذي هو مستور كما قال بعض العلماء، – وما عثرت له على حديث ولا أثر -، أنه مستور بالنور، وهذا النور يستر ويحجب الرؤية، فآدم لا يرى منها، وهي لا ترى من آدم – ﴿ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ﴾ – فما صدقوه، فحلف لهما – ﴿ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ﴾ – رأوا العيب الذي لم يروه قبل، ورأوا هذا الشيء الذي يسوءهم رؤيته، فأرادوا أن يغطوه من ورق الجنة، وكل واحد منهم يضع له ستارا يستر هذه العورة – ﴿ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [الأعراف: 22].
ندم آدم وندمت حواء، وطلبا المغفرة من الله عز وجل، فغفر الله لهما، لكن لا يجوز لهما سكنى الجنة، انتهى الأمر، سكنى الجنة لأهلها بعد أن نعود إن شاء الله في آخر الزمان يوم القيامة.
﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ﴾ – واللباس الذي يواري السوأة هو اللباس الداخلي، الفانيلا، أو التبان وهو السروال القصير أو الطويل، أو الملابس الداخلية، والرياش هي الملابس الخارجية من الجلباب أو الجبة، أو ما يسمَّى (الكبّود، أو الجاكيت) أو العباية، رياش يعني هو شيء زائد على الجلد، لكن الأفضل من ذلك كله والأكمل – ﴿ وَلِبَاسُ التَّقْوَى ﴾ – وهذه أفضلها أن يكون قلبك ملبوسا بتقوى الله سبحانه وتعالى – ﴿ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ – وهنا تحذير من الله عز وجل – ﴿ يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ ﴾ – أي الشيطان إبليس – ﴿ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 26، 27].
والآن مع الكلام على ما تحاط به المرأة وهي طفلة صغيرة، وما تلبسه من ثياب في مراحل حياتها:
فما هي ثياب المرأة وهي رضيعة؟ لا توجد ثياب نسميها الكفولة، وقد بحثت عن معنى كفولة في اللغة ما وجدتها، إلا قولهم في (تاج العروس) (30/ 336): [والمَكافِلُ: جمعُ مُكْتَفَل، أَي الكِفْل من الأَكسِيَةِ، عَن ابْن الأَعْرابِيِّ].
لكن وجدت شيئا اسمه [القِماطُ: – والقماط له معانٍ منها أنه – حبلٌ يُشَدّ به قوائم الشاة عند الذَبح، وكذلك ما يشَدُّ به الصبيُّ في المهد]، عندما يكون صغيرا، لا يحتاج أن يضع في يديه أكماما وحوها، بل يلفُّونه لفًّا، وبحبل من القماش يربطوه. الصحاح (3/ 1154).
[والمقاط: حبل، مثل القماط، مقلوب منه،..]. الصحاح (3/ 1161)، مثل ملعقة ومعلقة.
وفي قول لآخر لأهل اللغة: [القماط: الْخِرْقَة تلف على الصبي إِذا قمط..] اللطائف في اللغة أو معجم أسماء الأشياء (ص: 353)، أي تكون قطعة خارجية.
ويحتاج الرضيع والرضيعة إلى ما يسمّى بالـ[حفّاظة؛ مفرد: ج حفّاظات: حفّاظ، لباس أو قطعة قطنية، أو إسفنجية توضع للطفل لتلقي البول ونحوه، وحماية جسمه وملابسه منه، ومنه ما تتخذه المرأة لتلقي دم الحيض أو النفاس، والعامة تسميها حفّاضة،..]. معجم اللغة العربية المعاصرة (1/ 524). ولكنها بالظاء، وهي تحفظ الجسم من النجاسة، وتحفظ الثياب منها.
ثم ثياب هذه التي كانت الرضيعة، ثيابها وهي طفلة، يُلْبِسها أهلُها القميص (أي جلاّبية، أو تنُّورة، أو فستان أو فسطان بالتركية) ورد عن أمِّ خالدٍ بنتِ خالدِ بنِ سعيدٍ – رضي الله تعالى عنها وكانت طفلة صغيرة خماسية، أي بلغت خمسة أشبار، وهي حوالي متر في الطول، وهي تجري بين الناس، وتسمى سداسية إذا بلغت ستة أشبار، وسبعة لا يطلق عليها سباعية؛ لأنها في هذه الحالة لا تكون طفلة بل تكون صبية بالغة – قالت: أتيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مع أبي، وعليَّ قميصٌ أصفرُ، – أي ألبسها أهلها قميصا أصفر -، قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “سِنَهْ سِنَهْ”. (قالَ عبدُ اللهِ: وهي بالحبشية – أي باللغة الحبشية -: حَسَنَةٌ،..). أي ما أحلاكِ وأجملكِ أيتها الطفلة.
وفي رواية عنها قالت: (قدمتُ مِن أرضِ الحبشةِ، وأنا جويرية – أي طفلة صغيرة -، فـأُتِيَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بثيابٍ فيها خَميصةٌ سوداءُ صغيرةٌ، – والخميصة عبارة عن قطعة قماش مربعة، ومصنوعة من الحرير فيها أعلام وألوان حلوة زائدة، وهذه يلبسها الرجال إذا كانت واسعة كبيرة، لكنها تكون من الصوف، وتلبسها النساء حتى تستر نفسها من الخارج فوق لباسها، فلما رأوها صغيرة سوداء لا تنفع للرجال ولا النساء -، فقالَ: “مَن ترونَ نكسو هذه؟”، فسكت القوم، قالَ: “ائتوني بأمِّ خالد”، – إذن يجوز للطفلة أن تكنيَها بأم فلان، لا في مانع، وباسم أبيها أفضل؛ لأن أباها اسمه خالد، وهذه موجودة عندنا أنهم يكنون الولدُ باسم أبيه حتى وهو صغير، وأيضا البنت يكنونها باسم أبيها – فأتي بها تُحْمَلُ، فأخَذَ الخَمِيصَةَ بيدِهِ، فألْبَسَها، وقالَ: “أبلي وأخلِقي” مرتينِ، – ومعناه أنه يدعو لها بطول العمر وأن تَبلى هذه الثياب عليها، فبلاء الثوب يكون مع طول المدة – وكانَ فيها علمٌ أخضرُ، أو أصفرُ، – لون حلوٌ يجذب الأطفال الصغار ويعجبهم – فجعلَ يمسحُ الأعلامَ، – يضع يده على هذه الفتاة ويمسح عليها -، ويشيرُ بيدِهِ إليَّ ويقولُ: “يا أمَّ خالدٍ! هذا سَنَاهْ”. وسناهْ بالحبشية: حسن، مختصر صحيح الإمام البخاري للألباني (2/ 339 – 340) ح (1339). أي جديد، تصور أن طفلةً دخلت عليك وهي تلبس الجديد، فتقول: يا طفلة لباسك ليس بحلو ليس بجميل؛ فإنها ستحزن، حتى ولو كان ليس بجميل، وقلت: ما شاء الله عليكِ، فأنت تدخل السرور والفرح في قلبها..
وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ – رضي الله تعالى عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ، – وهي بنت ابنته زينب، وهو جدها -. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَثَوْبُ أُمَامَةَ ثَوْبُ صَبِيٍّ، مسند الشافعي – ترتيب سنجر (1/ 316) رقم (320).
أي من ثياب الصبيان، يعني قد يكون محمل بنجاسة داخلية لا خارجية، فابنتكِ عندما تضايقُ عليكِ احمليها، ولو كانت على نجاسة لكن من وراء حائل، فيجوز في الصلاة حملها، وعليها حفَّاظتها.
وثيابها وهي صبية إذا بلغت العاشرة:
وهنا تتدرب الصبية على لباس الكبيرات البالغات، ويترك لها المجال باللعب واتخاذ دور الأم والمرضعة والمربية، عشرة أو سبعة أو ثمانية البنت تصبح في دور المربية والمرضعة، فلا تنهَيها عن ذلك بل ساعديها وعلميها ولا تنهيها، بل اتركيها من باب التربية.
خصوصا عندما تقف في جانبك وقت الصلاة، لا تنهريها بل امتثلي فيها قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ»، سنن أبي داود (495).
فتُنصَح باللباس الساتر الشامل، وتؤمر لكن دون إجبار؛ – لأنها لم تبلغ سن الرشد بعد – على غطاء الرأس، لقول رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ” – الأولاد يطلق على الولد وعلى البنت، ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾ [النساء: 11] – “بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ”، – فقط أمر، لكن – “وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ»، سنن أبي داود (495).
أي بعد العشر سنين؛ لأن جسم الإنسان يبدأ – سواء عند الذكر أو الأنثى – بالتهيؤِ للأمور الأخرى؛ من الزواج والنكاح، فنبعِّدُ بينهم مبكرين، وإذا كان المكان ضيقا لا ينامون في فراش واحد، نفصل بينهم.
[قوله: “وفرقوا بينهم في المضاجع” أي فرقوا بين أولادكم في مضاجعهم التي ينامون فيها إذا بلغوا عشرًا؛ حذرا من غوائل الشهوة، – والتي ستبدأ على اثني عشر عاما أو أحد عشر أو ثلاثة عشر من يدري؟ فهذا علمه عند الله سبحانه وتعالى، فكل جسم حسب التغذية، وحسب الجو، فنفرق بينهم – وإن كنَّ أخواتِه.
قال الطيبي: جمع بين الأمر بالصلاة والتفرق بينهم في المضاجع في الطفولية؛ تأديبا ومحافظة لأمر الله كلِّه، وتعليما لهم والمعاشرة بين الخلق، – حتى تتخذَ البنتُ من أخيها أجنبيًّا عنها له حدود في المعاملة وستر العورة، فكيف بالأجنبي الحقيقي عنها؟ وتعرف أنه عيب ولا يجوز وحرام، فيبدأ إخفاءُ العورة وسترها؛ لأن طفلا ابنَ ستِّ أو سبع سنين لا يعلم مثل هذه الأمور، وأن نعلمهم أيضا العورات والعيوب الأخرى ليحفظوها من التكشف – وأن لا يقفوا مواقف التهم فيجتنبوا المحارم]. فيض القدير (5/ 521).
لذلك؛ فتعليم البنات في هذه السنِّ وتدريبُهن على التشبه بالبالغات من التستر والحشمة، أمر مشهور عند الصحابة والتابعين وسائر المسلمين.
وطالما أننا نتحدث عن الألبسة؛ هذه أسماء لأنواع من الألبسة النسائية ظهرت حديثا، يقول الشيخ محمد بن صالح المنجد:
(إن الناظر اليوم في خزائن ملابس النساء والرجال سيَرَى أشياء عجيبة؛ بنطلونات جينز ضيقة جداً، أحياناً بنطلونات مقلوبة، يعني تلبس بالمقلوب، بنطلونات مشقوقة مشرشرة من جهة الركبة.. وكأنها – أي هذه الألبسة – لها خمسة عشر سنة عندها، – أي كأنه قديم، فسبحان الله! لكنها الموضة، نسأل الله السلامة -.. أو ما غُسِلت من زمان، أو غُسلت حتى اهترأت،.. وأشياء مزرية!
والسبب في لبس أولادنا وبناتنا مثل هذه الألبسة، قال الشيخ:
لكنْ! لأنَّ الغربَ هكذا استعملها، ولأنها جاءت هكذا من عند الكفار؛ لأنهم يلبسونها في الأفلام، ويلبسها الممثل الفلاني، – في الأفلام والتمثيليات – و – يلبسها – المغني الفلاني – على المسرح -، فصارت ألبسةً مقدسة، بل العجيب أحياناً.. من الانحرافات أنك تقول للشخص: (إزرة المؤمن إلى نصف الساق)، – وهذا حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، يعني ما تجعل لباسك يا أيها الشاب يجر – يعني الإزار إزار المؤمن إلى منتصف الساق.. فيقول: أيش؟ هل هذا منظر؟؟ فإذا جاء يلبس بنطلون برمودا إلى منتصف الساق، صار مظهرا عاديا!!..
• فما هو المعنى؛ أن تأتي هذه الأمور من ألمانيا تقبل، وعندما نقول أنها سنة لا يعجبهم، ويقولون عن هذا البرمودا عادي، وأحدهم قال لي مرة؛ أنها سنة، قلت له: لا! بل أنت لبسته عندما لبسه الألمان، فالآن أنت تريد أن تجعله من السنة، لا ليس بسنة -.
تخطئ كثير من النساء في فهم مسألة عورة المرأة أمام المرأة؛ فتكشف ما لا يجوز كشفه شرعاً، فتجد الفتحاتِ في الثوب كأنه منزوعٌ ملزَقٌ، – أن ملتصق بالثوب – يعني توجد فيه قصات، وأحياناً تكون قصة مائلة؛ حسب يعني الموديل: كم طويل من يد قصيرة، من يد أخرى طويل جداً من خلف، قصير جداً من أمام، وفيه عدة فتحات؛ كأنها لابسةٌ أسمالاً بالية، – قديمة -، أي ملابس قديما جدا – يعني كأنها تلعب – وتعبث -..
• هذا بالإضافة إلى – ما يوجد في الواقع من هذه الملابس؛ كذلك فإن هناك ملابسَ مشتملةً على صورِ ذوات الأرواح، – وهذه منتشرة -، فبعضهن تعلِّق – صورة زوجها – على صدرها.. – على ثوبها في أعلاه – تطبع.. صورة زوجها، أو صورة ولدها، وبعضهم يطبع صورة المغني قدوته،.. أو صورة مغنية ممثلة، على حسب.. – الهوى – وشباب – يطبع صورة – صديقه – أو صديقته – مثلاً، – وهذه – لقطة تذكارية أخذها مع شخصية، هو يعني يظنها مشهورة، كلّ ذلك يطبع على صدور شباب وشابات المسلمين..
• في فترة من الفترات – كانت – أحذيةُ النساء تتَّسم – وتتصف – بالنعومة.. والصِّغَر، صار – النسوة – الآن يلبسون المدرّعات – يعني أحذية ضخمة -، صغيرات مثلاً يلبسن أشياء فاضحة؛ لأنّ الأمّ ما تعتني بتهيئة ابنتها للحشمة، وأن تُلبِسَها الملابس التي فيها الستر، فتعوُّد البنت على الستر – منذ الصغر – مهم جداً؛ لأنها إذا عودناها على الملابس القصيرة، وعلى التعري من الصغر، – من بعد الصغر – ودرجت عليه هكذا إذا كبرت، بعد ذلك سنفاجئها؛ – لأن الأب والأم عندهم غيرة، كيف البنت عندما كبر صدرها يريدون أن يمنعوها من الذي كان مسموحا لها، كيف وقد بلغت الآن؟ – ونقول: الآن قد بلغْتِ، لا بد أن تفعلي، الآن صعب تنتقل نقلة مفاجئة].
لكنّ التدرجَ فيه؛ مرة تسمحين لها، ومرة تمنعينها، لأنه ليس ممنوع تماما فيأتي عليها وقت – ما شاء الله – أن تقتنع بنفسها.
وإليكم بعض ألبسة للنساء، ولعلّ النساءَ تعرفُها أكثرَ مني: [شِيفون؛ جمع: نوع من القماش الرقيق، تُصنع منه بعض ملابس النساء، – فيقولون – “ظهرت المطربة على المسرح بفستان من الشيفون – طرحة/ شال من الشيفون”]. معجم اللغة العربية المعاصرة (2/ 1257).
وهناك أيضا شيء يسمى بـ(البديهات المقصوصة)، و(بوي فرند) (جاكيت أو شيرت)، يعني قميص أو (جاكيت ولادي)، وأيضا (بودي سوت)، (بدلة مايوه)، وهذه تخرج بها في الشوارع نسأل الله السلامة، وأيضا (هيرن بانتس)، وهذا معروف عندنا بـ(بنطال علاء الدين)، وأيضا (سلكس) وهي بنفس الوسع من أعلى إلى أسفل، سعتها واحدة، وأيضا (بنطال سكني)، وأيضا (أوذا شولدر)، ومعناها؛ الكتاف الساقطة، وأيضا (شير الشفاف) أو (الشيفون)، وأمر أخير وهو (الفيزون)، وليس هو الآخِر.
ثياب المرأة المسلمة التي بلغت سن المحيض:
وهذا بعد أن انتهينا من مرحلة الطفولة، انتقلت إلى مرحلة أخرى وهي المحيض فـلها شروط ذكرها العلماء، هذه الشروط مع الفتاة، مع المرأة المسلمة، مع العجوز الكبيرة السن حتى الممات، فتبقى معها الشروط، فليس شرطا أن يبقى معها الثوب، فلعله أن يتغير لكن شروط الثوب معها حتى الممات، وهذه الشروط ثمانية، سنذكرها باختصار وبسرعة:
الشرط الأول: استيعاب جميع البدن إلا ما استثني: وهو في قوله تعالى: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾. [سورة النور: 31]، هنا استثناء فالذي ظهر من الزينة لا مانع منه، أما ما ظهر فهذا يجب إخفاؤه، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في (تفسيره):
[أي: لا يظهرن شيئًا من الزينة للأجانب، إلاّ ما لا يمكن إخفاؤه، قال ابن مسعود: (كالرداء والثياب)؛ – يعني الثوب الخارجي كيف نستره، وهو لباس ظاهر وهو من الزينة -، يعني على ما كان يتعاطاه نساء العرب من المقنعة التي تجلِّلُ ثيابها – وتغطيها -، وما يبدو من أسافل الثياب، – أي بعد أن تضع الثياب والخمار فبدا أسافله فهو مستثنى منه -، فلا حرج عليها فيه؛ لأن هذا لا يمكن إخفاؤه].
وبعض العلماء ذكر أمورا أخرى، مثل: الخواتيم في الأصابع، هذا يظهر عند البيع والشراء، وعند أمور تتعاطاها المرأة؛ ربما تكون أمامَ الأجانب من مسحٍ وغسيلٍ، ويكون في بيتها أناس أجانب، مثل أخي زوجِها… في مثل هذه استثناء؛ لأن فيه نوع من المشقة، أن تتحرز من هذه الأمور.
كذلك إذا حسرت عن شيء من يديها من أجل العجين أو الغسيل، لا مانع إن شاء الله إذا كانت في الداخل، وإذا خرجت تستر الجميع، فالشرط الأول إذن أن يكون اللباس ساترا وشاملا لجميع البدن إلا ما استثني.
الشرط الثاني: أن لا يكون زينة في نفسه: أي ألا يكون الثوب جذابا في نفسه، لقوله تعالى في الآية المتقدمة من سورة النور: ﴿ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾ [النور: 31]، – فهذه أنتنَّ – أخواتي – ممنوعاتٌ منها – فإنه بعمومه يشمل الثياب الظاهرة إذا كانت مزيَّنة تلفت أنظار الرجال إليها، – مثلا كأن تلبس اللباس الأسود، وعليه ما يسمى (برق وكشكش) وأمور عجيبة جدا، وتجديها تلفت أنظار الآخرين – ويشهد لذلك قوله تعالى في سورة (الأحزاب: 33): ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ﴾، – تتغطى بلباس كامل ساتر، إلا أنها تضع على الثياب الخارجية أشياء لافتة للنظر -.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثَةٌ لَا تَسْأَلْ عَنْهُمْ” – أي سيهلكون -: “رَجُلٌ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ وَعَصَى إِمَامَهُ فَمَاتَ عَاصِيًا”، – وهو الخروج على أئمة المسلمين – “وَأَمَةٌ” – امرأة عبدة – “أَوْ عَبْدٌ آبِقٌ مِنْ سَيِّدِهِ فَمَاتَ”، – أي كان عند سيده وهرب -. “وَامْرَأَةٌ غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا، وَقَدْ كَفَاهَا مُؤْنَةَ الدُّنْيَا، فَتَبَرَّجَتْ بَعْدَهُ، فَلَا تَسْأَلْ عَنْهُمْ». المستدرك على الصحيحين للحاكم (1/ 206) ح (411) وقال: (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ)، ووافقه الذهبي، وانظر (542)، نسأل الله السلامة، خصوصا المرأة التي يغيب عنها زوجها.
و(التبرج: أن تبديَ المرأةُ من زينتها ومحاسنها، وما يجب عليها ستره؛ مما تستدعي به شهوة الرجل). كذا في فتح البيان (7/ 274).
قال الإمام الذهبي – رحمه الله تعالى – في (كتاب الكبائر: ص 131): [ومن الأفعال التي تُلْعَن عليها المرأة – يمكن بعض النساء تتعمد أن تمدَّ يدها حتى تخرج أمرًا مّا، ونيتها أن يظهر المعصم وما فيه من زينة، في الدكان وغيره، فهذا كله لا يجوز، لا يجوز – إظهارُ الزينة، والذهبِ واللؤلؤِ تحت النقاب، – كامرأة تزيِّن نفسَها في عنقها ويدها وأذنيها – وتطيُّبُها بالمسك والعنبر والطيب – وأنواعه – إذا خرجت، ولُبسُها الصباغاتِ والأُزُرِ الحريرية، والأقبية القصار، – فهذه ما تسترها لكونها قصيرة، تظهر القدم مع شيء من الساق – مع تطويل الثوب، وتوسعة الأكمام وتطويلها، – فمع الطول تصبح المرأة كأنها مكتفة، تصوري عروسا وثوبها يجر وراءها، فهذه تحتاج إلى من يحمل معها، وكذلك الذي يعيق المرأة عن المشي، هذا كله من التبرج الذي يمقت الله عليه – وكلُّ ذلك من التبرج الذي يمقت الله عليه، ويمقت فاعله في الدنيا والآخرة، ولهذه الأفعال التي قد غلبت على أكثر النساء، قال عنهن النبي صلى الله عليه وسلم: “اطلعت على النار فرأيت أكثر أهلها النساء”. البخاري (29)، والسبب هو انحراف المرأة عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم، لكن يا من تسيرين على الهدي، فلا تخافي ولا تحزني.
واعلموا – وهذا قول الشيخ الألباني رحمه الله تعالى – أنه ليس من الزينة في شيء أن يكون ثوبُ المرأة الذي تلتحف به – الثوب الخارجي – ملوَّنًا بلون غير البياض أو السواد، كما يتوهم بعض النساء الملتزمات، – لا كما تظن كثير من النساء أنه فقط اللون الأسود، لا بل هناك ألوان جائزة، ومنها ما تكون جاذبة للانتباه وملفتة للنظر – وذلك لأمرين:
الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: «… وَطِيبُ النِّسَاءِ مَا ظَهَرَ لَوْنُهُ وَخَفِيَ رِيحُهُ». سنن الترمذي (2787)، والنسائي (5117)، – إذن فاللون جائز، وخفي ريحه -.
والآخر: جريان العمل من نساء الصحابة على ذلك، – أنها كانت لا تتقي أن تلبس لونا آخر غير اللون الأسود، لكن الأسودَ هو الأفضل والأكمل والأتم إن شاء الله سبحانه وتعالى -، وهذه بعض الآثار الثابتة في ذلك مما رواه الحافظ ابن أبي شيبة في المصنف (8/ 371 – 372):
1- عن إبراهيم – وهو النخعي – رحمه الله -: أنه كان يدخل مع علقمة والأسود على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم – رضي الله تعالى عنهن، وهذا عندما كان طفلا صغيرا -، فيراهن في اللُّحُفِ الحُمْر، – أي أن هذه الملاية لونها كان أحمرَ -.
2- عن ابن أبي مليكة قال: رأيت على أم سلمة – رضي الله تعالى عنها – درعًا – وهو مثل الجلبية أو القميص والفستان -، وملحفةً مصبغتين بالعصفر، – إذن لونها كان أصفرا -.
3- عن القاسم – وهو ابن محمد بن أبي بكر الصديق – – رضي الله تعالى عنه -؛ أن عائشة – رضي الله تعالى عنها – كانت تلبس الثياب المعصفرة وهي مُحْرِمة، – أي لونه أصفر، وهذا وهي محرمة للحج أو العمرة -.
وفي رواية عن القاسم: أن عائشة كانت تلبس الثياب الموردة بالعصفر وهي مُحْرِمَة، – يعني ليس كلُّه أصفرا، فيه عروق مورد، عليه بعض الورود، وكذلك الأحمر يكون نوع من المورد -.
4- عن هشام عن فاطمة بنت المنذر؛ أن أسماء كانت تلبس المعصفر وهي محرمة.
5- عن سعيد بن جبير؛ أنه رأى بعض أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم تطوف بالبيت وعليها ثياب معصفرة.
• وقال الآلوسي – رحمه الله – وهو إمام من أئمة المسلمين والمفسرين في (روح المعاني: 6/ 56): [“ثم اعلم أن عندي مما يلحق بالزينة المنهي عنها إبداؤها ما يلبسه أكثر مترفات النساء – اللواتي عندهن ترف زائد – في زماننا – أي في عهده قبل مائتي سنة – فوق ثيابها، ويستترن به إذا خرجن من بيوتهن، وهو غطاء منسوج من حرير ذي عدة ألوان، وفيه من النقوش الذهبية والفضية ما يبهر العيون، وأرى أن تمكين أزواجهن ونحوهم لهن من الخروج بذلك، ومشيهن به بين الأجانب؛ من قلة الغيرة، وقد عمت البلوى بذلك، – يعني منقبة وتلبس هذا اللباس وتضع فوقه مثل الشال يلفت الانتباه -.
ومثله ما عمت البلوى أيضًا من عدم احتجاب أكثر النساء من إخوان بعولتهن، – إخوة أزواجهن – وعدم مبالاة بعولتهن بذلك، وكثيرًا ما يأمرونهن به، – يعني تلبس اللباس التي لا ينبغي أن يكون عند الأجانب، تقول هذا زوج أخي ما فيها شيء، وهذا خطأ -، وقد تحتجب المرأة منهم بعد الدخول أيامًا – وهي عروس – إلى أن يعطوها شيئًا من الحليِّ ونحوه، – من ذهب ونقود – فتبدو لهم ولا تحتجب منهم بعد، – أصبحوا لها محارم!!! وهذا في أيامه رحمه الله، واليوم بدون حاجة تتبرّج إلاَّ من رحم الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله -، وكلّ ذلك مما لم يأذن به الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، وأمثال ذلك كثير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم].
الشرط الثالث: أن يكون صفيقًا لا يشف:
• أي لا يكون ملتصقا بالجسم، ولا يكون فضفاضا شفافا يرى ما ورائه -؛ لأن الستر لا يتحقق إلا به، – – إذا كان فضفاضا شفافا، فيه شيء من الخمولة -، وأما الشفَّافُ فإنه يزيد المرأة فتنة وزينة، – ولعلها أحيانا تكون قبيحة المنظر، لكنها تلبس هذا وهو شفاف يعطي ظلالا للوجه فيخيل للرائي جمالا وملاحة -، وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا؛ قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ”، – وهؤلاء هم أعوان الظلمة – “وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ” – تلبس وتغطي وتستر نفسها من أوَّلها إلى آخرها – “عَارِيَاتٌ” – لباس لا يستر – “مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ”، – تتمايل في مشيها، وتميل الرجال إليها -، “رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ”، – وهي ما يوضع على الرأس للتكبير وتسمى البف أو الباروكة – “لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا». صحيح مسلم (2128)، أي كذا وكذا من السنين، هؤلاء محرومات في أوَّل الأمر، لكن لعلَّ الله يغفر لهنَّ إذا رجعن إلى الله عز وجل.
قال ابن عبد البر: (أراد صلى الله عليه وسلم النساء اللواتي يلبسن من الثياب الشيء الخفيف الذي يصف ولا يستر، فهن كاسيات بالاسم عاريات في الحقيقة). – نقله السيوطي في (تنوير الحوالك: 3/ 103). –
وعن أم علقمة – رضي الله تعالى عنها – ابن أبي علقمة قالت: “رأيت حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر دخلت على عائشة – رضي الله تعالى عنها – وعليها خمار رقيق، يشف عن جبينها، – أي وضعته وتستر به كلَّ شيء إلا الجبين ظاهر، الخمار موجود، لكن اللحم واضح من ورائه -. فشقته عائشة عليها، وقالت: (أما تعلمين ما أنزل الله في سورة النور؟!) ثم دعت بخمار فكستها”، – أخرجه ابن سعد (8/ 46)، أعطته واحدا بدلا عن الذي معها حتى تستر الجبهة -.
وعن عبد الله بن أبي سلمة: “أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كسا الناس القباطي، – وهي أقمشة تصنع في مصر عند الأقباط من قطن رقيق جدا -، ثم قال: (لا تَدَّرِعها نساؤكم). – أي لا تلبسوها نساءكم، لأن الجسم يتجسم منه كاملا -، فقال رجل: (يا أمير المؤمنين! قد ألبستُها امرأتي، فأقبلتْ في البيت وأدبرت، فلم أره يشف). فقال عمر: (إن لم يكن يشف فإنه يصف). – أخرجه البيهقي (2/ 234 – 235)، أي ليس بشفاف لكنه لونه معتم يجسم ما ورائه من حجم -.
قال العلماء: (ويجب ستر العورة بما لا يصف لون البشرة، – فإذا كان رقيقا جدا، ويظهر اللون من ورائه فلا يجوز، وكذلك ستر العورة بقماش من لون الجسم كأنها عريانة نسأل الله السلامة، لابد من ستر الجسم بما لا يصف لون البشرة -؛ من ثوب صفيق أو جلد أو رق، – بالفتح ويكسر: جلد رقيق –جدا – يكتب فيه – بدل الورق – فإن ستر بما يظهر فيه لون البشرة من ثوب رقيق لم يجز؛ لأن الستر لا يحصل بذلك). – ذكره في المهذب (3/ 170) – بشرح المجموع.
وهذه ننظر إلى أخواتنا اللواتي يلبسن الجوارب التي على لون الجسم، لولا أن الإنسان رأى الأظافر لظن أن هذا لحم المرأة، نسأل الله السلامة. –
الشرط الرابع: أن يكون فضفاضًا غير ضيق فيصف شيئًا من جسمها:
لأن الغرض من الثوب إنما هو رفعُ الفتنة، ولا يحصل ذلك إلا بالفضفاض الواسع، وأما الضيق فإنه وإن سترَ لون البشرة؛ فإنه يصف حجم جسمها أو بعضه، ويصوره في أعين الرجال، وفي ذلك من الفساد والدعوة إليه ما لا يخفى، فوجب أن يكون واسعًا، وقد قال أسامة بن زيد – رضي الله تعالى عنه -:
(كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبْطية كثيفة، – أي قطعة قماش تأتي من مصر من القباطي، لكنها سميكة – مما أهداها له دحية الكلبي – رضي الله تعالى عنه -، فكسوتها امرأتي) فقال: “ما لك لم تلبس القبطية؟!” – أي ثوب القطن لماذا لم تلبسه؟ – قلت: (كسوتها امرأتي)، فقال: “مرها” – وهذا فعل أمر – “فلتجعل تحتها غلالة”، – أي بطانة – “فإني أخاف أن تصفَ حجمَ عظامها”. – أخرجه الضياء المقدسي في الأحاديث المختارة (1/ 441)، وأحمد، والبيهقي، بسند حسن.
انظروا إلى حفظ النبي صلى الله عليه وسلم على أمته، وعلى نساء أمته. –
قال الشوكاني في شرح هذا الحديث (2/ 97) ما نصه: (والحديث يدل على أنه يجب على المرأة أن تستر بدنها بثوب؛ لا يصفه، وهذا شرط ساتر العورة، وإنما أمر بالثوب تحته؛ لأن القباطيَّ ثيابٌ رقاقٌ لا تستر البشرة عن رؤية الناظر، بل تصفها).
وبهذه المناسبة أقول – الألباني رحمه الله -: [إن كثيرًا من الفتيات المؤمنات يبالغن في ستر أعلى البدن – أعني الرأس – فيسترن الشعر والنحر، – والله رأينا هذه الأمور – ثم لا يبالين بما دون ذلك؛ فيلبسن الألبسة الضيقة، والقصيرةَ التي لا تتجاوز نصف الساق! أو يسترن النصف الآخر – من تحت الركبة – – بالجوارب اللحمية – التي تشبه لحم وجلد المرأة، حتى لو كان لونها أسودا وهي تلبس على لون اللون لظنوا أن لونها غير ذلك، هذه الجوارب اللحمية – التي تزيده جمالًا، وقد تصلِّي بعضهن بهذه الهيئة، – وهذا يحدث كثيرا من أخواتنا اللواتي يجلسن في المكاتب بمثل هذا اللباس، ويردن أن يجمعن بين الموضة، وبين السنة، فهؤلاء مسكينات لا أخذن بالموضة، ولا أخذن بالسنة – فهذا لا يجوز، ويجب عليهن أن يبادرن إلى إتمام الستر كما أمر الله – سبحانه و – تعالى، أسوة بنساء المهاجرين الأول حين نزل الأمر بضرب الخُمُرِ؛ – ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾ [النور: 31]، – شقَّقْن مروطَهن فاختمرن بها، ولكننا – يقول الشيخ الألباني رحمه الله – لا نطالبهن بشق شيء من ثيابهن! وإنما بإطالته – وإنزاله إلى أسفل حتى يغطي القدمين، وكذلك – وتوسيعه، حتى يكون ثوبًا ساترًا لجميع ما أمرهن الله بستره.
• ويشكو الشيخ الألباني رحمه الله تعالى الأيام التي كانت في زمانه فيقول: – ولقد رأينا كثيرًا من الفتيات المغرورات ببعض من يزعمن أنهن من الداعيات! قد جعلن – وهذا موجود في الأردن وسوريا بكثرة – شعارًا لهن تقصير ثيابهن إلى نصف الساق، ويسمى البالطو – مع لبس الجوارب التي تحجم السيقان، مع وضع الخمار “الإيشارب” فقط على رؤوسهن؛ دون الجلباب على الخمار، كما هو نص القرآن الكريم على ما تقدم بيانه، وهن بذلك لا يشعرن أنهن يحشرن أنفسهن في زمرة من قال الله تعالى فيهم: ﴿ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ [الكهف: 104].
فإلى المخلصات منهنَّ أوجِّه نصيحتي هذه؛ – وهذا من قول الشيخ رحمه الله – أن لا يؤثِرْنَ – ويفضلن – على اتباع الكتاب والسنة تقليدَ حزبٍ أو شيخ، بَلْهَ شيخة! – يقلدنها وهي مخالفة لحديث النبي صلى الله عليه وسلم – والله عز وجل يقول: ﴿ اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 3].
الشرط الخامس: أن لا يكون مُبَخَّرًا مطَيَّبًا معطَّرا: لأحاديث كثيرة تنهى النساء عن التطيب إذا خرجن من بيوتهن، وهذا بعض ما صح سنده منها:
1- عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ، فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا رِيحَهَا”، – أي نيتها عند الخروج يشموا رائحتها، إذا كانت كذلك – “فَهِيَ زَانِيَةٌ، وَكُلُّ عَيْنٍ زَانِيَةٌ”.
2- عن زينب الثقفية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَيَّتُكُنَّ خَرَجَتْ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَلَا تَقْرَبَنَّ طِيبًا»، – إذا كانت ذاهبة للصلاة فلا تخرج متطيبة -.
3- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا فَلَا تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ» صحيح مسلم (444).
4- عن موسى بن يسار عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه -: أَنَّ امْرَأَةً مَرَّتْ بِهِ تَعْصِفُ رِيحُهَا، – أي وهي ماشية، وفي رواية: “لذيلها إعصار”، كأن معها إعصار وعواصف، وهذا من الطيب الذي وضعته على نفسها -، فَقَالَ: (يَا أَمَةَ الْجَبَّارِ، الْمَسْجِدَ تُرِيدِينَ؟) – وتأمَّلْنَ معي؛ هي لم تذهب إلى المسرح ولا الغناء، ولا محفل فرح ولا غيره، ذاهبة لبيت الله!! – قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: (وَلَهُ تَطَيَّبْتِ؟) – أي نية الطيب هذا للمسجد والرائحة الزكية له – قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: (فَارْجِعِي فَاغْتَسِلِي)، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “مَا مِنِ امْرَأَةٍ تَخْرُجُ إِلَى الْمَسْجِدِ تَعْصِفُ رِيحُهَا فَيَقْبَلَ اللهُ مِنْهَا صَلَاتَهَا حَتَّى تَرْجِعَ إِلَى بَيْتِهَا فَتَغْتَسِلَ”، السنن الكبرى للبيهقي (3/ 349) ح (5973)، – فاللهم ارحمنا وارحم نسائنا يارب -.
وقال ابن دقيق العيد: (وفيه حرمة التطيب على مريدة الخروج إلى المسجد؛ لما فيه من تحريك داعية شهوة الرجال).
قلت – الألباني -: فإذا كان ذلك حرامًا على مريدة المسجد؛ فماذا يكون الحكم على مريدة السوق والأزقة والشوارع؟!! لا شكَّ أنه أشدّ حرمة، وأكبر إِثْمًا، وقد ذكر الهيتمي في (الزواجر: 2/ 37)؛ أن خروج المرأة من بيتها متعطرة متزينة من الكبائر، ولو أذن لها زوجها.
الشرط السادس: أن لا يشبه لباس الرجل:
• والرجال ماذا يلبسون اليوم؟ البدلات والكرفتات!! وبعض النساء تميل إلى هذا، لكن غير معقول أن تلبس الواحدة منها جُبَّة، أو تضع على رأسها عمامة، هذا لا يعقل، فلا يجوز لها أن تلبس ثياب الرجال – لما ورد من الأحاديث الصحيحة في لعن المرأة التي تتشبه بالرجل في اللباس أو غيره، – وقد رأينا بعض النساء تلبس هذه البدلات! والله ما نميزها هل هي امرأة أو رجل إلا من خلال علامة الصدر! وإلا لقلنا عنها بأنها رجل، واستمعوا إلى هذه الأدلة المحرِّمة لتشبه الرنساء بالرجال، وكُلُّها تلعن المرأة التي تتشبه بالرجل -.
وإليكم ما نعلمه منها:
1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرْأَةِ، والْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ). – سنن أبي داود (4098) –
2- عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “ليس منَّا مَنْ تَشبَّه بالرجال من النساء، ولا من تشبَّه بالنساء من الرجال”. مسند أحمد مخرجا (11/ 461) ح (6875).
3- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قالَ: لَعَنَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم المُخَنَّثين مِنَ الرِّجالِ، والمُتَرَجِّلاتِ مِنَ النِّساءِ، (وفي روايةٍ: المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال)، وَقالَ: “أَخْرِجُوهُمْ” – أي أمثال هؤلاء الناس المخنثين – “مِنْ بُيُوتِكُمْ”. قالَ فأَخْرَجَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فُلانَاً، وَأَخْرَجَ عُمَرُ فُلانَاً. مختصر صحيح الإمام البخاري للألباني (4/ 47) ح (2283)، – المخنثون الذين يتشبهون من الرجال بالمرأة، والمرأة تتشبه بالرجال، فإذا وجد أمثال هؤلاء الناس فلا يدخلوا البيوت، بل يخرجون منها. –
4- عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ثَلَاثٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ”، – من هم؟ بل وأيضا – وَلَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْعَاقُّ بِوَالِدَيْهِ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ – الْمُتَشَبِّهَةُ بِالرِّجَالِ -، وَالدَّيُّوثُ،..”. مسند أحمد (10/ 321) ح (6180)، – والديوث هو من يرى المنكر والخبث في أهله، ولا يغيره، نسأل الله السلامة. –
وفي هذه الأحاديث دلالة واضحة على تحريم تشبه النساء بالرجال.
الشرط السابع: أن لا يشبه لباس الكافرات:
لما تقرر في الشرع أنه لا يجوز للمسلمين – رجالًا ونساء – التشبه بالكفار؛ سواءً في عباداتهم أو أعيادهم، أو أزيائهم الخاصة بهم.
وهذه قاعدة عظيمة في الشريعة الإسلامية خرج عنها اليوم – مع الأسف – كثير من المسلمين، حتى الذين يعنون منهم بأمور الدين والدعوة إليه؛ – وهذا عندما ينظروا إلى غيرهم من الكفار ويريدون أن يقلدوهم، فهذا كله – جهلًا بدينهم، أو تبعًا لأهوائهم، أو انجرافًا مع عادات العصر الحاضر، وتقاليد أوروبا الكافرة، حتى كان ذلك من أسباب ذُلِّ المسلمين – في هذا الزمان – وضعفِهم، وسيطرةِ الأجانب عليهم واستعمارهم، – فالأجانب عندما يرون أن المسلمين يقلدونهم فيحسب نفسه أنه فوق، والأصل أن يقلد الكفار المسلمين، فسبحان الله، قال الله: – ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ (الرعد: 11) لو كانوا يعلمون.
وينبغي أن يُعلَم أنَّ الأدلة على صحة هذه القاعدةِ المهمةِ؛ – وهي عدم تشبه المسلمين بالكفار، هذه فيها آيات وأحاديث، وهي – كثيرةٌ في الكتاب والسنة، وإن كانت أدلةُ الكتاب مجملةً فالسنة تفسرها وتبينها، كما هو شأنها دائمًا.
فمن الآيات قوله تعالى في (الجاثية: 17 – 18):
1- ﴿… إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ * ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الجاثية: 17، 18]. – لا تتبع، فعلينا جميعا ألا نتبعهم في أهوائهم -.
عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ، – وهي عندهم أنها من لباس الكفار -، فَقَالَ: «إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ فَلَا تَلْبَسْهَا». صحيح مسلم (2077)، – وفي رواية عَنْه قَالَ: رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ، فَقَالَ: «أَأُمُّكَ أَمَرَتْكَ بِهَذَا؟» قُلْتُ: (أَغْسِلُهُمَا؟!) قَالَ: «بَلْ أَحْرِقْهُمَا»، فأحرقهما. –
2- عن عليّ رضي الله عنه رفعه – إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فالحديث لو وجدنا أن الصحابي رفعه، يعني إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال -: “إِيَّاكُمْ وَلَبُوسَ الرُّهْبَانِ”، – أي يحذرنا أن نتشبه بهم في زيِّ رهبانهم ولا راهباتهم – “فَإِنَّهُ مَنْ تَزَيَّا بِهِمْ، أَوْ تَشَبَّهَ فَلَيْسَ مِنِّي”، قال في فتح الباري (10/ 272): أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِسَنَدٍ لَا بَأْسَ بِهِ، – أي ليس على شريعة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا على طريقته. –
3- عن أبي أمامة قال: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَشْيَخَةٍ مِنَ الْأَنْصَارٍ – أي كبار سنٍّ – بِيضٌ لِحَاهُمْ – أي ليسوا صغارا ولا شبابا -، فَقَالَ: “يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ! حَمِّرُوا وَصَفِّرُوا، وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ”. – يعني غيّروا بياض الشيب للرجل والمرأة، لا مانع من التغيير لكن بالحناء، ليس بالألوان والصبغة وما شابه ذلك، هناك أمران: إن أردتِ أن يكون شعرك أحمر فلا مانع، تريدينه أسودَ اخلطي الحناء بشيء آخر يسمى الكتم، إخلطي مع الحناء الكتم فيكون لونه بني محروق، أو أحمر مائل للسواد، وهذا هو السنة عن الصبغة، فالصبغة نحن منهيون عنها، خصوصا إذا كانت كيمياويات تضر بالجسم والجلد -، قَالَ: فَقُلْنَا: (يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَتَسَرْوَلَونَ وَلْا يَأْتَزِرُونَ)، – أي يلبسون السراويل، لكن لا إزار عندهم -. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “تَسَرْوَلُوا وَائْتَزِرُوا”، – أي لا مانع ولا حرج من السراويل، لكنها تحتاج إلى إزار، حتى يغطيَ البنطال، فلابد أن يكون فوقه شيء – “وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ”. قَالَ: فَقُلْنَا: (يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَتَخَفَّفُونَ وَلَا يَنْتَعِلُونَ)، – يلبسون الخفاف، ولكنهم لا يلبسون النعل، النعل الذي له إصبع أو بدونه، يعني النعال التي تكشف الرجل، فاليهود لا يلبسونها في عهده وعصره، لكن يلبسون الخف الذي يستر الرِّجل كاملة -. قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “فَتَخَفَّفُوا وَانْتَعِلُوا، وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ”. قَالَ: فَقُلْنَا: (يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَقُصُّونَ عَثَانِينَهُمْ)، – أي لحاهم – (وَيُوَفِّرُونَ سِبَالَهُمْ)، – أي يتركونها ولا يأخذون منها شيئا – ). قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “قُصُّوا سِبَالَكُمْ” – الشوارب – “وَوَفِّرُوا عَثَانِينَكُمْ” – لحاكم – “وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ”. مسند أحمد (36/ 613) ح (22283).
7- وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «غَيِّرُوا الشَّيْبَ وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى»، صحيح ابن حبان (12/ 287) ح (5473)، الصحيحة: (836)، – فشيب الرأس للرجال والنساء، أو شيب اللحى يغير بالحناء -.
فثبت مما تقدم أن مخالفةَ الكفار وتركَ التشبه بهم من مقاصد الشريعة الإسلامية العليا، فالواجب على كلِّ مسلمٍ؛ رجالًا ونساء، أن يراعوا ذلك في شئونهم كلها، – فكل أمرٍ نرى فيه تشبها بالكفار لابد من الابتعاد عنه، وخصوصا في خصوصياتهم ودينهم؛ لأنه يمكن أن يكون ما عند الكفار موجود عندنا وفي شريعتنا، ومثال: أن بعض الكفار يعفون لحاهم، فهل نقص لحانا؟ لا! لأن الأصل عندنا موجود -، وبصورة خاصة في أزيائهم وألبستهم؛ لما علمت من النصوص الخاصة فيها وبذلك يتحقق صحة الشرط السابع في زي المرأة.
الشرط الثامن – والأخير -: أن لا يكون لباس شهرة:
• أي تشتهر به المرأة من أول ما يرونها، ولو كان ساترا، فمن أول ما يرونها يعرفون من هي؟ أو أنها غريبة؟ ولباس الشهرة – هو كلّ ثوب يقصد به الاشتهار بين الناس، سواء كان الثوبُ نفيسًا؛ – غاليا جدا، وهذا للرجل والمرأة – يلبسه تفاخرًا بالدنيا وزينتها، أو – يكون – خسيسًا – قليل القيمة، لباسا باليا أو قديما حتى يبيِّن أنه زاهد في الدنيا، هذا أو هذا ما دام أن فيه نية الشهرة لا يجوز لبسه؛ لأنه -، يلبسه إظهارًا للزهد والرياء. وقال الشوكاني في (نيل الأوطار: 2/ 94):
[قال ابن الأثير: الشهرة ظهور الشيء، – لذلك سمي الشهر شهرا لأن القمر يشتهر فيه شيئا فشيئا -، والمراد أن ثوبه يشتهر بين الناس؛ – وكيف يكون ذلك؟ قال: – لمخالفةِ لونِه لألوان ثيابهم، فيرفع الناس إليه أبصارهم، ويختال عليهم بالعجب والتكبر]، – وهذا نوع من لباس الشهرة -.
لحديث – عبدالله – ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَوْبًا مِثْلَهُ»، زَادَ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ: «ثُمَّ تُلَهَّبُ فِيهِ النَّارُ». سنن أبي داود (4029)، – فثوب الشهرة يتحول إلى نار يوم القيامة، نسأل الله السلامة.
قال الشوكاني: [والحديث يدل على تحريم لبس ثوب الشهرة، وليس هذا الحديث مختصًّا بنفس الثياب، بل قد يحصل ذلك لمن يلبس ثوبًا يخالف ملبوس الناس؛ من الفقراء ليراه الناس، – وهذا يكون بإظهار نفسه فقيرا وهو قادر على اللباس الذي يشتريه أنه يشابه الناس – فيتعجبوا من لباسه ويعتقدوه. قاله ابن رسلان.
وإذا كان اللبس لقصد الاشتهار في الناس، فلا فرق بين رفيع الثياب ووضيعها، والموافق لملبوس الناس والمخالف؛ لأن التحريم يدور مع الاشتهار، والمعتبر القصد، وإن لم يطابق الواقع].
وإلى هنا ينتهي بنا الكلام على الشروط الواجب تحققها في ثوب المرأة وملاءتها وخلاصة ذلك – في اللباس الشرعي للمرأة الذي يكون ساترا لها -:
أن يكون ساترًا لجميع بدنها؛… وأن لا يكون زينة في نفسه، ولا شفَّافًا، ولا ضيِّقًا يصف بدنها، ولا – يكون – مطيَّبًا – مبخرا -، ولا مشابها للباس الرجال ولباس الكفار، ولا ثوب شهرة.
فالواجب على كل مسلم أن يحقِّق كلَّ هذه الشروط في ثياب زوجته، وكلَّ من كانت تحت ولايته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: “كلُّكم راعٍ، وكلُّكُم مسؤُولٌ عنْ رَعِيَّتِهِ، الإمامُ راعٍ، ومسؤُولٌ عن رعيَّتِهِ، والرجلُ راعٍ في أهلِهِ، وهو مسؤُولٌ عن رعيَّتِهِ، والمرأةُ راعيَةٌ في بَيْتِ زَوْجِها، ومسؤُولةٌ عنْ رَعِيَّتِها، والخادِمُ راعٍ في مالِ سيِّده، ومسؤُولٌ عَن رَعيَّتِهِ”، – قالَ: وحسِبْتُ أنْ قدْ قالَ: – “والرَّجلُ راعٍ في مالِ أبيهِ، ومسؤوُلٌ عنْ رَعِيَّتِهِ، وكلُّكُم راعٍ ومسؤُولٌ عنْ رَعيَّتِهِ”. مختصر صحيح الإمام البخاري للألباني (1/ 272) ح (146).
والله عز وجل يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ – خطاب بالمؤمنين خاصة – ﴿ قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾. [التحريم: 6].
فلننظر إلى من وظفوا المجلات والقنوات الكثيرة – ومواقع الفسبكة، ومواقع الشبكة العنكبوتية – لمخالفة الشروط السابقة، كلِّها لسرقةِ الأموال من جيوب المسلمين جريا وراء الموضة، قال الشيخ محمد المنجد – حفظه الله -:
[ولذلك تجد مثلاً بعض هذه المجلات عند نساءٍ.. ويدفعن عليها أموالا طائلة، ومن أجلها تُغيّر الفساتين، – كفستان عندها الآن وانتهت موضة هذا الفستان وهو جديد، تأتي بفستان آخر، وتتكدَّس عند هذه الفساتين والثياب، – والأشياء الكثيرة التي – حصلتها – سابقاً.. الآن هي انتهت موضتها،.. وبالتالي تتكدس الألبسة وتتكدس، وبعضهن ربما تتخلص منها وتأتي بغيرها. – وكلها في جيوب أعدائنا -.
نعم قنوات خاصة للأزياء،.. واستعراضات الأزياء.. – هذه – ترسِّخ في عقول البنات والنساء،… الموضة، فمثلاً.. هذا التريش و – هو خاص بـ – الأحذية،.. فلا بد من ثوب فستان الفولار معه بنطلون قصير، ويعتبر آخر موضة، وارتداؤها دقيق جداًّ، وأنه يظهر أناقتك وأنوثتك، والخفة والرشاقة، والشيفون والحرير، والدراب، ومكشوف الظهر وإلى آخره، – فمن نظر إليها من الخلف كأنها عريانة -، يعني أشياء تجعل الإنسان فعلا يحتار إلى هذه الدقة.. أغرقونا – بها -،.. وإذا قالوا بنطلون قصير… يعني امرأة مسلمة تلبس بنطلونا قصيرا. وإذا قالوا مثلا أن لا بد يكون معه الحذاء الكعب الفلاني، والطول الفلاني، وهكذا – حتى يوافق – الموضة، وهكذا، من الذي يحدد الموضة هذه؟؟
• ويقول الشيخ ويتساءل وأنا معه أتساءل -: أنا أريد أن أفهم يعني من هو المسئول عن تحديد الموضة؟ من هو الذي يقول: الآن مكسي أو طويل أو قصير؟… – إنهم تجار الموضة في البلاد الأجنبية.
هناك دور أزياء، يعني هناك توجد لعبة معينة يلعبها بعض هؤلاء – من – اليهود والنصارى، وخاصة يضيقوننا بها، وتجارنا يستوردون، ونساؤنا يشترين ويلبسن، وكذلك إذا قالوا: الموضة كذا والموضة كذا.
• كل ذلك يجري – بغض النظر – عن هذه الملابس -: هل هي شرعية؟.. أو غير شرعية؟ – المرأة – تلبس ربطة عنق مثل الرجل أم لا؟.. إنه تباري من هؤلاء المصممين في تغيير وتجديد – وتحديد – الأشياء – بين الحين والحين -، ويقولون: مثلاً هذا الفستان لبسته الممثلة الفلانية آه، – ويتجارى عليه النساء، لابد منه فصار فرضا عند بعضهن -.. هذا لا بد منه،.. هذا لبسته المرأة المشهورة الفلانية، وهذه… من المصائب أن يلبس ضيق ضيق ضيق جداًّ، أحياناً ربما لُبسه؛ – وهذا في بعض الملابس – يحتاج إلى اثنتين يدخلن هذه المرأة في هذا البنطلون!! – نسأل الله السلامة، وهذا من التعاون على الإثم والعدوان. –
أحياناً تكون… الأشياء فيها فتحاتٌ طويلة جداً، فتريد – من تلبسه – أن تجلس وتستر نفسها – مع وجود الفتحات -، ولا يمكنها، تشدُّ شيئا غير قابل للطول – أصلا، كواحدة تلبس إلى ما فوق الركبة -، يعني أصلا هو قصير.. فمهما شدته – لا يطاوعها -.
ولذلك نسمع أن بعض النساء المتدينات، ربما تجعل عندها يعني شيء طبقات مناشف – والبشاكير -، حتى إذا جاءت هؤلاء النساء تأخذ منشفة تعطي هذه، وتعطي هذه: استري نفسك، وأنت غطي نفسك، – عندما تريد إحداهن – الجلوسَ على الكنبة، هذا.. غير قابل للستر، وهذا يدعو للتأمل: لماذا وصل الحال إلى هذا؟ وصلنا إلى هذه الحال لماذا؟].
ولننظر إلى المسلمة كيف تستر نفسها في الصلاة؟
قالت عائشة رضي الله عنها: (لا بُدَّ للمرأةِ من ثلاثةِ أثوابٍ تُصلي فيهن: دِرْعٌ), – وهو القميص الذي نسميه الجلباب – (وجِلْبابٌ) – وهو الذي فوق القميص الذي يكون فوق التنورة والفستان – , (وخِمَارٌ) – يستر الرأس والرقبة – (ولا يظهر إلا الوجه)، قالت عمرة – راوية الحديث، وهي تلميذة عائشة -: (وكانت عائشةُ) – رضي الله عنها – (تَحُلُّ إزارَها فتَجَلْبَبُ به). أخرجه ابن سعد (8/ 71) بإسناد صحيح على شرط مسلم، – يعني عندما تكون في البيت تلبس الإزار، فلما يأتي وقت الصلاة تخلع الإزار وتضعه على كتفيها حتى يستر جميع جسدها؛ لأنه عندما يكون من الأسفل يحجم الجسم، فتتركه حتى لا يظهر من الجسم عورة -.
وإنما كانت تفعل ذلك لئلا يصفها شيء من ثيابها وقولها: “لا بد” دليل على وجوب ذلك، وفي معناه قول – عبد الله – ابن عمر رضي الله عنهما: قَالَ: (إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ، فَلْتُصَلِّ فِي ثِيَابِهَا كُلِّهَا؛ الدِّرْعُ وَالْخِمَارُ وَالْمِلْحَفَةُ). مصنف ابن أبي شيبة (2/ 37) رقم (6175).. بسند صحيح، – الدرع هو القميص، والخمار هو الذي يوضع على الرأس ويستر هذا الشيء، والملحفة طول القميص إذا ما وجد جلباب ولا ثياب تضعي منه على نفسك، حتى تُستَر أعضاء المرأة، كما سنعلم بعد قليل؛ لأن الثوب وحده إذا لا يستر المرأة تماما، ولو لم يكن عندكِ أحد، كامرأة وحدها ولم يكن عندها أحد، وهي في ظلام دامس، لا يجوز لها أن تكشف رأسها في الصلاة، ولو كان ما حولها ظلاما، ولم يرها أحد؛ لأن هذا أمر بينكِ وبين الله عز وجل، سواء أمام الناس أو غيرهم، فلذلك يجب أن يكون لكِ في الصلاة لباس خاص، إذا كنت في البيت -.
وهذا يؤيد ما سبق أن ذهبنا إليه من وجوب الجمع بين الخمار والجلباب على المرأة إذا خرجت…
عن أم جعفر بنت محمد بن جعفر أن فاطمة – رضي الله تعالى عنها أم الحسنين – بنتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت لِأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ – زوجة أبي بكر رضي الله تعالى عنه -: (إِنِّي قَدِ اسْتَقْبَحْتُ مَا يُصْنَعُ بِالنِّسَاءِ؛ يُطْرَحُ عَلَى الْمَرْأَةِ الثَّوْبُ فَيَصِفُهَا!)، – يعني عندما تموت المرأة الميتة يضعون عليها ثوبا يظهر قدميها، وصدرها، ورأسها مثلا، مع أنه يغطي، لكنه محجِّم ويصف. –
فَقَالَتْ أَسْمَاءُ: (يَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! أَلَا أُرِيكِ شَيْئًا رَأَيْتُهُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ)، – وهذا عندما كانت على أرض الحبشة – (فَدَعَتْ بِجَرَائِدَ رَطْبَةٍ) – وهي عُصِيٌّ وسعف النخيل – (فَحَنَتْهَا)، – وفي رواية: (فحنَّتها)، وضعت عليها الحناء، حتى تميز بين الرجال والنساء، والثوب وضعته على الجريدة فوق، أي أبعدته عن الجسم – (ثُمَّ طَرَحَتْ عَلَيْهَا ثَوْبًا).
فَقَالَتْ فَاطِمَةُ رضي الله تعالى عنها: (مَا أَحْسَنَ هَذَا! تُعْرَفُ بِهِ الْمَرْأَةُ مِنَ الرَّجُلِ، فَإِذَا أَنَا مُتُّ فَاغْسِلِينِي أَنْتِ وَعَلِيٌّ)، – إذن فيجوز للمرأة أن يغسلها زوجها، وللزوج أن يغسل زوجته فهما أولى من غيرهما، والله أعلم – (وَلَا يَدْخُلُ عَلَيَّ أَحَدٌ). فلما توفيت غسَّلها عليٌّ وأسماء رضي الله عنهما”. – وعنه -.
[فانظر إلى فاطمة بضعة – أي قطعة – النبي صلى الله عليه وسلم كيف استقبحت أن يصف الثوبُ المرأة وهي ميتة، فلا شك أن وصفه إياها وهي حيّةٌ أقبح وأقبح، فليتأمل في هذا مسلماتُ هذا العصر؛ اللاتي يلبسن من هذه الثياب الضيقة، التي تصف نهودَهن – الصدر – وخصورَهن – جوانبهن، هذا ما ينبغي؛ لأنها عندما تخرج في الخارج وينكشف منها ذلك لا يصح -، وألياتِهن وسوقَهن، – المؤخرة والأعجاز – وغير ذلك من أعضائهن، ثم ليستغفرن الله تعالى وليتبن إليه، وليذكرن قوله صلى الله عليه وسلم: «الْحَيَاءُ وَالْإِيمَانُ قُرِنَا جَمِيعًا، فَإِذَا رُفِعَ أَحَدُهُمَا رُفِعَ الْآخَرُ» المستدرك للحاكم (1/ 73) ح (58) وقال: (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا) ووافقه الذهبي، – مترابطين مع بعضهما، إذا رفع الحياء، يرفع الإيمان -.
أما ثياب المرأة وهي عروس:
فللعروس ثياب خاصَّة، كلّ زمن له عاداته، فاليوم تستعير العروس فستانا أبيض فاضحا، – وهذا قد يكون – تشبُّها بالنصارى، ولو كان ساترا بلون آخر كان أهون، – وهذا له أصل في الشرع -.
فما هو أصل هذه الاستعارة؟
هذا ما ثبت عند البخاري: (بَابُ الِاسْتِعَارَةِ لِلْعَرُوسِ عِنْدَ البِنَاءِ)، أي عند الزواج والزفاف، – ماذا يستعيرون لها؟ يستعيروا لها ثيابا وذهبا، وهذا لا حرج فيه، كأن تستعير ذهبا من أخواتها أو صاحباتها، وهذا كان موجودا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، واليوم فقط الموجود عندنا استعارة ثوب الزفاف، بدلة العروس – وساق بسنده عن عَبْدِ الوَاحِدِ بْنِ أَيْمَنَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، – أيمن الحبشي المخزومي المكي – قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَعَلَيْهَا دِرْعُ – قميصُ المرأة وثوبُها ونسميه فستانا من – قِطْرٍ، – أي مصنوع في قطر، بخلاف القباطي، فمصر تأتي بالثياب الرقيقة، وهؤلاء بالثياب الغليظة الخميلة فالقِطر: نوع من غليظ الثياب القطنية فيه بعض الخشونة، وكانت تلبسه عائشة رضي الله عنها، – وفي نسخة: درع قطن -، ثَمَنُ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ، – أي عدة شواقل – فَقَالَتْ – لأيمن -: (ارْفَعْ بَصَرَكَ إِلَى جَارِيَتِي انْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنَّهَا تُزْهَى – تأنف وتتكبر – أَنْ تَلْبَسَهُ فِي البَيْتِ، وَقَدْ كَانَ لِي مِنْهُنَّ دِرْعٌ – ثوب عروس طويل – عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ تُقَيَّنُ – تتزين لزفافها – بِالْمَدِينَةِ إِلَّا أَرْسَلَتْ إِلَيَّ تَسْتَعِيرُهُ). صحيح البخاري (2628).
[أي ذلك الدرع لأنهم كانوا إذ ذاك في حال ضيق فكان الشيء الخسيس عندهم نفيسًا]. شرح القسطلاني (4/ 367)، [وهذا مِن مراسمِ النَّاس، أَنَّ المـُفْلِسين منهم يستعيرُونَ الأشياء للعَرُوس، إذ لا يَقْدرون على أن يَشْتَرَوْها من أموالهم]. فيض الباري على صحيح البخاري (4/ 68)
أما ثيابها وهي حامل:
فتلبس ثيابا فضفاضة واسعة ساترة؛ لأنها تحتاج أن تتأقلم مع تقدم الحمل وانتفاخ البطن، راحة للمرأة ولجنينها، – وهذا ما يحتاج إلى أدلة، تحتاجه المرأة والشرع يوافقه على ذلك.
وثيابها وهي مرضع:
وهذه ثياب ساترة، لكن لابد أن تكون سهلة التعامل عند الرضاعة، كيف يكون ذلك؟ ذلك بوجود فتحة لإخراج الثدي حتى يرضع الطفل، ثم ستره بعد ذلك.
وهنا لابد من تنبيه أنه على الفتاة ألا تظهر صدرها قبل الزواج وقبل الولادة، وعندما تبدأ بالرضاعة كأنه يصبح ليس بعيب؛ لأنها ترضع طفلها، فتخرجه أمام الناس، وأمام أولاد زوجها، هذا خطأ، فإنه لم يظهر الثدي فقط، بل ظهرت عورات أخرى؛ كالنحر والصدر وغيرها، فهذه فضيحة، ومنهن من تتضايق فتلبس الملابس المغلقة تماما من الأعلى، فتخرج ثديها من أسفل، لا.. فلابد أن تتخذ الشيء المناسب، فهي إذا أخرجت هذا الشيء، وعندها حرج من أناس آخرين، تضع شيئا آخر تستر به هذا الأمر إن شاء الله تعالى.
أما ثيابها في سن اليأس وسن الشيخوخة:
سن اليأس هو سن انقطاع الحيض والولادة، فوق الخمسين أو الستين، السبعين والثمانين، المرأة في هذه السن لا تبالغ في الزينة، فتلبس ما تيسر، من تلقاء نفسها وحدها وتحكم العقل، وتأخذ بالحكمة في ذلك، ولا تصبو ولا تنظر إلى لباس الصبايا والصغيرات، يا الله حسن الختام، لكن والعياذ بالله يوجد نساء يتصابين، يبحثن عن الصبا، امرأة كبيرة في السن تقول لابنها؛ أنها مريضة، فجاء الطبيب إليها، فقال لابنها: إن أمك هذه هي في حاجة إلى زوج وليست بحاجة إلى طبيب، فانتهره الابن، فقالت الأم: اسكت يا ولدي، هو أعلم منك! فسبحان الله! قليل من العجائز من تفعل ذلك.
لكنّ الأكثرية منهن تكون قد عزفت عن الدنيا بما فيها، وبعد ذلك يأتي مفرق الجماعات، وهاذم اللذات، والموت على الجميع.
ثياب المرأة وكفنها عند الموت:
وما دمنا نتكلم عن اللباس نتكلم عن ثياب الكفن، فثياب الكفن تشبه تماما ثياب الرضيعة، فهل المتوفاة تكفن نفسها أم أهلها يكفنونها؟ كالرضيعة هل لبست وحدها أم ألبسانها؟ وهنا أهله ألبسوه، فلا تحاسب الرضيعة على قماطها، ولا تحاسب المتوفاة على كفنها، وما بين ذلك من اللباس سنُسأل عنه، فسبحان الله.
ويستحب في الكفن أمور: الأول: البياض، لقوله صلى الله عليه وسلم: “الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمُ الْبَيَاضَ؛ فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ،..” – سنن أبي داود (3878)، والترمذي (994)، وابن ماجه (3566)، والنسائي (1896) موتاكم رجالا أو نساء -.
والمستحب – والمؤكد – كونه ثلاثة أثواب لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كُفِّن في ثلاثة أثواب يمانية، بيض سحولية، من كُرْسُف، ليس فيهن قميص ولا عمامة، أُدرِج فيها إدراجا)، – ثياب تصنع في اليمن من قطن ثلاثة، ثوب ستروا به نفسه من السرة إلى تحت الركبتين ويسمى الإزار، وثوب آخر؛ قطعة قماش من الكتفين وإلى أسفل الرجلين، ويسمى قميصا، ولكنه ليس بقميص، ثم اللفافة من أعلى الرأس،إلى آخر القدمين، والمرأة يضاف إليها ثوبان آخران ليس وجوبا، ولكن من باب الاستحباب والاستحسان -، ولا مانع لفافتين مع الثلاثة للمرأة فإنه أستر لها، – ثم توضع في النعش، ثم بعد ذلك يوضع عليها شيء يسترها كالبطانية، حتى لا تظهر أعضاؤها -.
لباس المرأة إذا خرجت من القبور يوم القيامة:
إذا قامت القيامة وخرج الناس من القبور، فماذا تلبس إذا خرجت من القبر للبعث والنشور؟
عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ – تعالى – عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تُحْشَرُونَ حُفَاةً” – لا يلبسون نعالا ولا خفًّا ولا جوربًا – “عُرَاةً” – ليس على الجسم أي شيء – “غُرْلًا»، – الأولاد والأطفال والصغار الذي يختنون ويطهَّرون عند أسبوعهم الأول، فهذ القلفة المقطوعة ترجع إليه يوم القيامة، حتى يعود للإنسان عضوه، ليزداد نعيما إذا كان من أهل الجنة، أو عذابا إذا كان من أهل النار، فلا يضيع شيء -.
قَالَتْ عَائِشَةُ – رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهَا عندما سمعت كلمة حفاة عراة، وعائشة عندها الأدب والأخلاق -: فَقُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ؟!) – وانظروا إلى تفكيرها رضي الله عنها، نسيت الخوف وتذكرت العيب والعورة -، فَقَالَ: «الأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يُهِمَّهُمْ ذَاكِ». صحيح البخاري (6527)، – أين أعينهم؟ تكون شاخصة إلى الله عز وجل، شاخصة إلى الكتب النازلة أين ستنزل؟ يمينا أو شمالا، ﴿ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴾. [عبس: 37]
فعلا لو حدث خوف حقيقي لوجدت الرجال مع النساء ما أحد منهم ينظر إلى الآخر من شهوات وعورات، لوجود شيء أعم غطى على هذا الأمر. –
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله تعالى عنهما -، قَالَ: قَامَ فِينَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، فَقَالَ: “إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا: ﴿ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ﴾ [الأنبياء: 104] الآيَةَ، وَإِنَّ أَوَّلَ الخَلاَئِقِ يُكْسَى يَوْمَ القِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ”، صحيح البخاري (6526) خليل الرحمن عليه السلام؛ لأنه ألقي في النار في الدنيا، فكان من أول من يكسى يوم القيامة.
وما هي ثيابها في الآخرة إذا كانت من أهل الجنة فدخلتها؟
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ – الخدري رضي الله تعالى عنه -، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ” – أي جماعة – “يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ يَوْمَ القِيَامَةِ ضَوْءُ وُجُوهِهِمْ عَلَى مِثْلِ ضَوْءِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ”، – أي الليلة الرابعة عشر – “وَالزُّمْرَةُ الثَّانِيَةُ” – أي الجماعة الثانية – “عَلَى مِثْلِ أَحْسَنِ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ” – أي ذو إضاءة شديدة – “فِي السَّمَاءِ، لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ عَلَى كُلِّ زَوْجَةٍ سَبْعُونَ حُلَّةً” – أي تلبس سبعون ثوبا، لكن؛ – “يُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَائِهَا»، سنن الترمذي (2535) وقال: (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ)، أي أنَّ الرجل ينظر إلى لباس زوجته، فمن شدة شفافية اللباس، وشفافية اللحم، وشفافية العظم، يَرى مخَّ العظم، ففكروا في هذا، وهذا الذي نقوله كلام، وهو قدرة قادر، لكن ما عند الله أعظم، وهذا في الحور العين، فالمرأة المسلمة أشدُّ من ذلك، وأكثرُ نعومةً من ذلك عند الله سبحانه وتعالى.
وما هي ثياب نساء أهل النار؟
والعياذ بالله! أريد أن أخبركنَّ عن ثيابِ امرأةٍ مسلمة، عملت عملا في الدنيا جعلها تقعُ في أمر عظيم في النار، هذه المرأة هي النائحة أو النوَّاحة، التي تنوح عند المصائب والأموات.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله تعالى عنهما -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «النِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ، مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ”، – البكاء لا مانع منه، أمَّا الصراخ فلا، ممنوع، واللطم والشقُّ ونتف الشعر وحلقه، هذا كله ممنوع في شرعنا – “فَإِنَّ النَّائِحَةَ” – المسلمة – “إِنْ لَمْ تَتُبْ قَبْلَ أَنْ تَمُوتَ”، – أي جعل لها مجالا وفرصةً للتوبة، فإن لم تفعل – “فَإِنَّهَا تُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهَا سَرَابِيلُ مِنْ قَطِرَانٍ، ثُمَّ يُعْلَى عَلَيْهَا، بِدِرْعٍ مِنْ لَهَبِ النَّارِ». سنن ابن ماجه (1582).
وهناك روايات أخرى كثيرة، واخترت هذه الرواية لأنها أصح الروايات، سرابيل من قطران أي أن الإزار من تحت من عند السرة ملفوفة من قطران من صفائح نحاس من شدة الحرارة تصبح مثل الثوب، نحاس على جسمها من تحت، وفوق تلبس درعا من لهب أو درعا من جرب كما في روايات أخرى، نسأل الله السلامة.
قال سبحانه عن أهل النار: ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ ﴾ [إبراهيم: 48، 49] – مربوطين جماعات جماعات مع بعضهم – ﴿ سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ * لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾. [إبراهيم: 48 – 52]
وننظر إلى هذه الأمة؛ ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ ﴾ – القرآن الكريم – ﴿ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ﴾ – نسأل الله أن نكون منهم، هؤلاء عباد الله المسلمين – ﴿ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ ﴾ – نسأل الله السلامة – ﴿ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ﴾ – يعني لا يكثر من الحسنات، يؤدي الواجبات – ﴿ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا﴾ – الرجال والنساء – ﴿ مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ *وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ﴾ [فاطر: 32 – 35].
أما عن الكفار فقال سبحانه: ﴿ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ ﴾ – أي جهزت لهم – ﴿ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ ﴾ – ضرب متواصل، من الداخل عذاب، ومن الخارج عذاب – ﴿ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ﴾. [الحج: 19 – 23].
يوم القيامة تسير المرأة والرجل في الجنة، ويكون هذا حقُّها وتجد الأشجار، وتشتهي لباسا معينا، فتجد في كُمِّ الشجرة وبرعمها، فالغصن عندما ينمو ينبت فروعا، وآخرُ الفرع يكون له لون معين؛ أزرق أصفر، أحمر وردي، الثوب الذي تريدينه تسحبينه، وتلبسينه، ولا تحتاجي إلى خيّاطة، ولا تشتكي منه من قصر ولا طول، والرجال كذلك، من حرير، والحرير في الدنيا من دودة القزِّ يتخذونه اليوم، لكن يوم القيامة من الله سبحانه: كن فيكون في الجنة، ما يحتاج لدودٍ ولا حشرات، حتى الماء واللبن والخمر والعسل من دون صانع من الصانعين، ولكنه من خلق الله، تكون أنهارٌ أربعة تجري باللبن، والخمر، وأنهار من عسل مصفى، وأنهار من ماء غير آسن ولا متعفّن، هذه كلها موجودة في الجنة تجري.
لكن؛ هل نرسل من يحضر لنا منها شيئا؟ لا! بل اشتهي أنتِ في نفسِكِ منه ما تشائين؛ كوب خمر، كوب لبن، وإذا بكِ تجدين الملائكةَ يدخلون من كلِّ باب، سلام عليكم، يلقون التحية لأهل الجنة، وكلُّهم صبيان وغلمان وولدان، لا يستحي منهم أحد من أهل الجنة، لا تنتقبي يوم القيامة ممن يدخل عليك، من الولدان المخلدين، ولماذا هم ليسوا بكبار؟ حتى يدخلوا على جميع الناس، وكلُّهم ولدان وغلمان؛ لأن الطفل عندما يدخل لا تجدين في دخوله حرجا، ولا تغطي عنه وجهك، ﴿ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ ﴾ [الواقعة: 17، 18]، ﴿ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا ﴾ [الإنسان: 19].
وهؤلاء الأطفال الله أعلم كأنَّهم من لؤلؤٍ، هكذا خلقهم الله تعالى، ﴿ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ ﴾ [الطور: 24]، يفهموا الكلام مباشرة، ولكن عند الجنة نتوقف عند قول النبي صلى الله عليه وسلم القائل: «قَالَ الله تبارك وتعالى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ؛ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ, وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ, وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ». البخاري (3244).
وقال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا * أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا ﴾ [الكهف: 30، 31]
وفي الختام:
اللَّهُمَّ أَنْتَ المـَلِكُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْتَ رَبّنا وَنحن عَبيدُكَ، ظَلَمْنا أنَفْسنا وَاعْتَرَفْنا بِذَنوبنا، فَاغْفِرْ لنا ذُنُوبنا جَمِيعًا، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنا لِأَحْسَنِ الأَخْلَاقِ، لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنّا سَيِّئَهَا، لَا يَصْرِفُ عَنّا سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ، آمَنّا بِكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، نَسْتَغْفِرُكَ وَنَتُوبُ إِلَيْكَ.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الألوكة