حركة حماس والرأي العام الفلسطيني!

د. نهاد الشيخ خليل

الثلاثاء 10 محرم 1438 الموافق 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا”

يلعب الرأي العام وظائف حيوية ورئيسية في المجتمعات الحديثة، وتتمثل هذه الوظائف في كونه: رقيب على السلوك السياسي، ومدافع عن القيم والموروثات الاجتماعية، وحامي أصيل للثوابت الوطنية، وموجه للتقدم والتطور، ونظراً لما يتمتع به الرأي العام من أهمية، فإن كل القوى تتنافس على توجيهه أحياناً، وتضليله أحياناً أخرى، إضافة إلى استفزازه واستنفاره واستثارته واستنزافه، حسب مصلحة كل طرف من الأطراف المؤثرة في الرأي العام.

فيما يتعلق بالرأي العام الفلسطيني، فإنه يعاني -منذ فترة ليست قصيرة- من هجمة شرسة تستهدف استثارته بشكل مستمر، وصولاً إلى استنزافه وإفقاده القدرة على القيام بوظائفه الرئيسية في هذه المرحلة شديدة الحساسية من تاريخ الشعب الفلسطيني وقضيته، تتمثل هذه الهجمة في سلوك سياسي وإعلامي مقصود، يركز على نشر الأكاذيب والإشاعات، ويختلق الأخبار، ويضخم بعضها، ويُصغّر بعضها الآخر، ويستغل حالة الحصار ومعاناة الناس بشكل وحشي، خاصة أن الخدمات المقدمة للناس تتراجع في مجالات عديدة، واحتياجاتهم تتزايد، ومعاناتهم تتفاقم مع الوقت.

إن الذين يقومون بهذه الهجمة المتواصلة، إنما يفعلون ذلك لأنهم يخشون وعي الناس، ويدركون أن الجماهير عندما تعرف الحقيقة ستنحاز إليها، ولذلك يقف هؤلاء الساسة والإعلاميون حائلا بين الناس وبين الحقيقة.
الأسس والفلسفة التي يستند إليها هجوم تيار التسوية على الرأي العام.

ويمكن تلخيص أسس وفلسفة الهجوم الذي يشنه هؤلاء الإعلاميون، عبر كل وسائل إعلام فريق التسوية، من خلال النقاط التالية:
– تهويل الأخطاء وتضخيمها، ومحاولة رسم صورة همجية، متوحشة، غير إنسانية لحركة حماس والإدارات الحكومية والبلديات وموظفيها.

– التهوين من شأن أي إنجاز أو نجاح تحققه الحركة والإدارات الحكومية في غزة.
– تخويف الناس من استمرار الواقع القائم في غزة، وتصويره على أنه خطر يمس كافة جوانب الحياة في أبعادها الشخصية، إضافة إلى الجوانب السياسية والوطنية.
– تشويه صورة الحركة والإدارات الحكومية في غزة بشكل مستمر، وتصوير القيادات كما لو كانوا تجاراً مستفيدين من وجودهم في السلطة.

اقرأ أيضا  دول أوروبية تعارض دعوات إسرائيل لترحيل سكان غزة "قسراً" (تقرير)

– الإسراع في تقديم روايات لما يحدث في غزة، أو اختلاق إشاعات وترويجها بشكل مستمر، وذلك بهدف الإبقاء على حالة القلق عند الناس.

– إفقاد الناس الثقة بأنهم يخوضون معارك صمود ومقاومة، ويمتلكون قدرة على الإنجاز، والتركيز الدائم على أن ما يجري تيه وضياع.
أوجه القصور عند حركة حماس والإدارات الحكومية في التعامل مع الرأي العام.

وفي مقابل الهجوم المنهجي المدروس والمنظم، يُلاحظ أن هنالك قصوراً من جانب إعلام حركة حماس والإدارات الحكومية، ويتمثل هذا القصور في النقاط التالية:
– لا ينجح إعلام الإدارات الحكومية وحركة حماس في تعميم الرواية الرسمية في الكثير من القضايا والمسائل، مثل موضوع انقطاع التيار الكهربائي، أو المسئولية عن الانقسام، أو خطورة استمرار المفاوضات، أو خطورة التنسيق الأمني، وغيرها من القضايا والمسائل الكلية والجزئية.
– الوقوع في مناكفات (على شكل طوشة) خلال عملية الرد على ما يُنشر -وتعتبره حركة حماس إشاعات وافتراءات وأكاذيب- ضد المقاومة وأنصارها، وبالتالي يتحقق هدف خصوم المقاومة الذين يريدون أن تضيع الحقيقة، ويتوه الناس.

– وقوع بعض الشخصيات القيادية في أخطاء خلال التصريحات أو الممارسات المختلفة.
– السلوك الحكومي والحركي الذي ينطوي على ثغرات في بعض الأحيان، الأمر الذي يساعد على تأليب الرأي العام، ونشر ذلك في وسائل الإعلام بكثافة من قبل خصوم الحركة.
وهنا يجب التأكيد على أن أوجه القصور سابقة الذكر يتضاعف خطرها بسبب التربص الإعلامي الكيدي الذي يقوم به الفريق أو الفِرَق التي تشن الهجوم الإعلامي الشرس.

ويتزايد خطر هذه الهجمات ايضاً في ظل ما شاهدناه في السنوات الأخيرة، حيث أن كل عملية رسم صورة ذهنية سالبة ومشوهة لأي طرف، لا بد وأن تكون بمثابة اغتيال معنوي يُمهِّد للتصفية الجسدية والمادية من خلال عمل عدواني عسكري، هذا ما حصل في العراق مع صدام حسين، وهو الذي حصل مع الإخوان المسلمين في مصر.

اقرأ أيضا  مجلس النواب يخطط لتشكيل لجنة خاصة لنقل العاصمة خارج جاوة

ضرورة حرص الحركة والإدارات الحكومية على توصيل الحقيقة للناس بشكل دوري.
بناء على ما تقدم، فإن عملية توصيل الحقيقة للناس تُعتبر ضرورة سياسية وأمنية، بل وجودية بالنسبة لحركة حماس والإدارات الحكومية، ويجب أن تخصص الحركة والإدارات الحكومية لها عناية فائقة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

لكن يجب الانتباه إلى أن توصيل الحقيقة للناس في ظل كثرة وسائل الإعلام وتعدد مشاربها، أصبح عملية صعبة، ويحتاج إلى منظومة عالية الكفاءة في صياغة الرسالة الإعلامية، والمسألة لا تقتصر على وسائل الإعلام، بل إن توصيل الحقيقة للناس، والتأثير فيهم إيجاباً، يتطلب عملاً شاملاً متناغماً ومتناسقاً، يبدأ من قيادة الحركة والإدارات الحكومية، وينتهي عند سلوك أصغر أعضاء الحركة، وأصغر موظفي الإدارات الحكومية، مروراً بكل المسئولين والناطقين الإعلاميين، ورجال المقاومة والشرطة والموظفين وخطباء المساجد، ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي.

أسس العمل المرغوبة لبناء رأي عام فاعل ومؤثر
حتى تنجح حركة حماس في مخاطبة الرأي العام، والتأثير إيجابياً فيه، لا بد أن تعتمد الأسس التالية:
– الحرص على توصيل المعلومات للناس كاملة غير منقوصة، وبطريقة مباشرة وسريعة.
– الحرص على عرض كافة الآراء على منابرها الإعلامية، وعدم الاكتفاء باللون الواحد ومن يدور حوله.
– الحرص على بناء مصداقية عالية من خلال توخي الصدق والأخلاقية في كل ما يُقال ويُنشر ويُفعل.
– الابتعاد عن فلسفة البكاء والنواح والندب والتنديد والإدانة، أو عرض الواقع بشكل مأساوي.
– العمل على إحياء النفوس، وشحنها بالأمل، وتبشير الناس بإمكانية الفعل والتأثير من خلال ضخ الأفكار الحية والمحركة للفعل، والتصدي للأفكار المحبطة والداعية لليأس والخمول.
– تبصير الناس بالفرص الكامنة في ثنايا الواقع الصعب، ومساعدتهم على رؤية الممكن في الواقع، والمستقبل الكامن في تربة الواقع.

اقرأ أيضا  مستوطنون يقطعون أشجار زيتون لفلسطينيين وسط الضفة الغربية

– وتنبيه الناس لعناصر القوة الكامنة لديهم، وتعزيز إحساس الجماهير بالقوة وإمكانية الفعل.
– العمل على حماية المجتمع من الدعاية الضارة، وتقوية نفسية الجمهور، وتعزيز مناعته وجسارته، وفي نفس الوقت يجب الحذر من استنزاف مشاعر الناس، لأن هذا سيجعلها بليدة مخدرة لا مبالية.
– محاولة بناء قاعدة مشتركة من المعرفة والعادات والخبرات بين قطاعات واسعة من المجتمع لتوفير أرضية صلبة للتفاهم.

– العمل على تعميم مجموعة من المعايير المشتركة بين أفراد المجتمع لتقييم الصواب والخطأ، وتحديد المباح والممنوع، وتعريف الحدود الفاصلة بين الخطأ والخطيئة والجريمة والخيانة وفقاً للمنظور الوطني.
– تمكين الإعلام من لعب دور الرقيب على الأداء السياسي والحكومي، ومتابعة مدى جودة الخدمات المقدمة للناس.
– يجب عرض كل الحقائق أمام الناس، بطريقة تدفع للفعل الإيجابي.
– ضرورة اختيار المفردات والمصطلحات والصور بعناية لمساعدة الناس على استيعاب ما يجري بشكل صحيح، وتحديد موقف منه.

في الختام يمكن القول أن اعتماد هذه الأسس سيساعد على تحويل الناس –إلى حد معقول- إلى قوة فاعلة في خدمة المقاومة، سينقل الجماهير من مقاعد المتفرجين إلى مواقع الفاعلين والمؤثرين، وسيحاصر الهجوم الشرس غير الأخلاقي الذي يستهدف تدمير كل شئ في سبيل الحفاظ على مصالح مجموعات صغيرة.

 المصدر : فلسطين أون لاين

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.