خطبة عن فضائل العشر من ذي الحجة والحج

الإثنين1 ذو الحجة 1436//14 سبتنبر/أيلول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
الشيخ سعد الشهاوي
خطبة عن فضائل العشر من ذي الحجة والحج
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِيْنُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا. مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102] ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد….، فإن أصدق الحديث كتاب الله -تعالى- وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

العناصر:
♦ من فضل الله تعالي على عباده أن جعل لهم مواسم للطاعات.
♦ من فضائل العشر من ذي الحجة من القران والسنة.
♦ ما يستحب فعله في الأيام العشر.
♦ فضائل الحج والعمرة.
♦ ما يجتنبه في العشر من أراد الأضحية.

من فضل الله تعالي على عباده أن جعل لهم مواسم للطاعات تتضاعف فيها الحسنات، وترفع فيها الدرجات، ويغفر فيها كثير من المعاصي والسيئات، فالسعيد من اغتنم هذه الأوقات وتعرض لهذه النفحات.

جاء في الحديث الذي أخرجه ابن أبي الدنيا والطبراني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” اطلبوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة ربكم، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، فاسألوا الله أن يستر عوراتكم ويُؤمِّن روعاتكم”.

وفي رواية الطبراني من حديث محمد بن مسلمةرضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” إن لله في أيام الدهر نفحات فتعرضوا لها، فلعل أحدكم أن تصيبه نفحة فلا يشقى بعدها أبداً “.

أيها المسلمون:
إن أعمار هذه الأمة هي أقصر أعمارا من الأمم السابقة، قال صلى الله عليه وسلم: ” أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين ” [رواه الترمذي وابن ماجة].

ولكن الله بمنه وكرمه عوضها بأن جعل لها كثيرا من الأعمال الصالحة التي تبارك في العمر، فكأن من عملها رزق عمرا طويلا، ومن ذلك ليلة القدر التي قال الله فيها: ﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾ [القدر: 3].

قال الرازي: ” اعلم أن من أحياها فكأنما عبد الله نيفا وثمانين سنة، ومن أحياها كل سنة فكأنما رزق أعمارا كثيرة “.

ومن الأعمال المباركة أيضا التي يتضاعف فيها الأجر على قلة العمل الصلاة حيث فرضت علينا خمس فى العمل وخمسين فى الأجر والثواب.

ومن الأوقات المباركة أيضاً هذه العشر التي ورد في فضلها آيات أحاديث منها قول الله تعالى: ﴿ وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴾ [الفجر: 2،1].قال ابن كثير رحمه الله: المراد بها عشر ذي الحجة.

فها نحن نعيش في هذه الأيام مواسم الخيرات والطاعات التي أكرمنا بها رب الأرض والسماوات مواسم الصلاح التي يُضَاعف للمؤمنين فيها من الأجور والأرباح، وهذه هبات ربانية لا تكون إلا للأمة المحمدية أمة العمل القليل والأجر الكبير والفضل العظيم.

أخرج البخاري من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” مثلكم ومثل أهل الكتابين كمثل رجل استأجر أجيراً فقال: من يعمل لي غدوة إلى نصف النهار على قيراط؟ فعملت اليهود، ثم قال: من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط؟ فعملت النصارى، ثم قال: من يعمل لي من صلاة العصر إلى أن تغيب الشمس على قيراطين؟ فأنتم هم. فغضبت اليهود والنصارى وقالوا: ما لنا أكثر عملاً وأقل أجراً !؟ قال: هل نقصتكم من حقكم شيئاً؟ قالوا: لا، قال: ذلك فضلي أوتيه من أشاء “.

إن إدراك هذه العشر نعمة عظيمة من نعم الله تعالى على عبده، لأنه يدرك موسماً من مواسم الطاعة التي تكون عوناً للمسلم – بتوفيق الله – على تحصيل الثواب واغتنام الأجر، فعل المسلم أن يستشعر هذه النعمة، ويستحضر عظم أجر العمل فيها، ويغتنم الأوقات، وأن يُظهر لهذه العشر مزية على غيرها، بمزيد الطاعة، وهذا شأن سلف هذه الأمة، كما قال أبو عثمان النهدي – رحمه الله -: ( كانوا يعظمون ثلاث عشرات: العشر الأخير من رمضان، والعشر الأَوَّلَ من ذي الحجة، والعشر الأَوَّلَ من المحرم ) لطائف المعارف ص (39)، وأبو عثمان النهدي ترجمه الحافظ في تهذيب التهذيب (6/249) وقد مات في نهاية القرن الأول.).

فالحمد لله الذي أنعم على الأمة المحمدية بمواسم الطاعات وميادين الخيرات وساحات المغفرة والرحمات حيث يتسابقون فيها إلى رضوانه ويتنافسون فيما يقربهم من فضله وإحسانه، وهذه المواسم منحة ومنة من الله تعالى على عباده؛ لأن العمل فيها قليل والأجر والثواب جزيل، وهى والله فرصة عظيمة لا يحرم خيرها إلا محروم، ولا يغتنمها إلا مَن وفَّقهُ الله.

ومن مواسم الخير والطاعة والعبادة: العشر الأُول من ذي الحجة.
فقد نوَّه القرآن الكريم بفضلها، وأسفر صحيح السنة النبوية عن شرفها وعلو قدرها.

من فضائل العشر من ذي الحجة من القران والسنة:
أولاً: أن الله أقسم بها: فقال في محكم التنزيل: ﴿ وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴾ [الفجر: 1 ،2] ومعلوم أن الله إذا أقسم بشيء دل ذلك على عظمته وأهميته.

وقد أقسم الله تعالى بها كما أقسم بأشياء أخرى عظيمة غيرها ليدل على عظمها وأهميتها وفضلها فقد أقسم الله تعالى بالقلم فقال تعالى ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ * فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ * بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ *إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ * فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ * وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ * وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ * أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴾ [القلم: 1-15].

وأقسم الله تعالى بالليل والنهار فقال تعالى ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى * وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى * إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى * وَإِنَّ لَنَا لَلْآَخِرَةَ وَالْأُولَى * فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى﴾ [الليل: 1-14]

وكما أقسم الله تعالى بالليل والنهار أقسم الله تعالى ببعض أجزاء النهار فقد أقسم الله تعالى بالفجر فقال تعالى (﴿ وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ *وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ * هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ ﴾ [الفجر: 1-5]

وأقسم الله تعالى بالشمس وضحاها والقمر إذا تلاها والنهار إذا جلاها والليل إذا يغشاها والسماء وما بناها والأرض وما طحاها ونفس وما سواها فقال تعالى (﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا *وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾ [الشمس: 1-8]

وأقسم الله تعالى بالضحى فقال تعالى ﴿ وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى * أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى * فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾ [الضحى: 1 – 11]

وأقسم الله تعالى بالعصر فقال تعالى ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ *إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 1 – 3].

وأقسم الله تعالى ببعض المأكولات وبعض الأماكن فقد أقسم بالتين والزيتون وطور سينين والبلد الأمين فقال تعالى ﴿ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ * لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ * فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ * أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ﴾ [التين: 1 – 8].

وفى موضوعنا هذا قال تعالى: ﴿ وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴾ [الفجر: 1 -2] قال غير واحد من السلف والخلف: هي عشر ذي الحجة، وهو قول جماهير المفسرين، واختاره ابن كثير.وقال ابن كثير – رحمه الله – في تفسيره (4 /651): والليالي العشر المراد بها: عشر ذي الحجة كما قال بذلك ابن عباس، وابن الزبير، ومجاهد وقتادة والضحاك والسدى ومقاتل ومسروق، وغير واحد من السلف والخلف.

وقال ابن رجب – رحمه الله – كما في لطائف المعارف صـ470: وأما الليالي العشر فهي عشر ذي الحجة، هذا هو الصحيح الذي عليه جمهور المفسرين من السلف وغيرهم، وهو الصحيح عن ابن عباس – رضي الله عنهما -. أهـ

ثانياً: ومن فضلها أنها الأيام المعلومات التي شرع الله فيها ذكره عما رَزَقَ من بهيمة الأنعام: قال تعالى: ﴿ وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ﴾ [الحج: 27- 28].

قال ابن عباس – رضي الله عنهما – في قوله تعالي: ﴿ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ ﴾ «الأيام المعلومات أيام العشر، والأيام المعدودات أيام التشريق» أي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة رواه البخاري معلَّقاً مجزوماً به، وهو صحيح. قاله النووي، وهو قول الشافعي، والمشهور عن أحمد بن حنبل.

وقال ابن رجب – رحمه الله ـ: وجمهور العلماء على أن هذه الأيام المعلومات هي عشر ذي الحجة.

ثالثاً: ومن فضلها أنها من جملة الأربعين يوماً التي واعَدَهَا الله سبحانه وتعالى سيدنا موسي عليه السلام قال تعالى: ﴿ وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ﴾ [الأعراف: 142].

قال ابن كثير – رحمه الله – في تفسير هذه الآية (2 /325): وقد اختلف المفسرون في هذه العشر، ما هي ؟ فالأكثرون على أن الثلاثين هي: ذو القعدة والعشر- عشر ذي الحجة – قال بذلك مجاهد، ومسروق، وابن جريج، وروي ذلك عن ابن عباس – رضي الله عنهما – وغيرهم.

روي أبو الزبير عن جابر رضي الله عنه قال: ﴿ وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ ﴾ قال: عشر الأضحى.

وعن مجاهد – رحمه الله – قال: ما من عمل من أيام السنة أفضل منه في العشر من ذي الحجة، قال: وهي العشر التي أتممها الله عز وجل لموسي عليه السلام.

رابعاً: أن الله أكمل لنبيه صلى الله عليه وسلم دين الإسلام في يوم من أيامها وهو يوم عرفة حين نزل على النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالي: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ﴾ [المائدة: 3]. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً بعرفة يوم الجمعة.

وكان أحبار اليهود يقولون: لو نزلت فينا معشر اليهود لاتخذناها عيداً.

خامساً: ومن فضائل العشر من ذي الحجة أن فيها: يتم الركن الخامس من أركان الإسلام ألا وهو الحج، وما أدراك ما الحج !؟
فقد أخرج البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من حج فلم يرفث ولم يفسق، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه”.

سادسا: – وكذلك فيها يوم النحر – وهو يوم الحج الأكبر- وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما عند الإمام أحمد وأبو داود وصححه الألباني: ” أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر” ( صحيح الجامع: 1094).

• يوم القر: هو اليوم الحادي عشر من ذي الحجة، وسمي بذلك لأن الناس يقرّون فيه بمنىٍ.
قال ابن القيم – رحمه الله -: خير الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر. كما جاء في الحديث

وقيل: يوم عرفة أفضل منه؛ لأن صيامه يكفر سنتين، وما من يوم يعتق الله فيه الرقاب أكثر منه في يوم عرفة؛ لأنه سبحانه وتعالى يدنو فيه من عباده، ثم يباهي ملائكته بأهل الموقف.

والصواب: القول الأول؛ لأن الحديث الدال على ذلك لا يعارضه شيء” أهـ.

وسواء كان هو الأفضل أم يوم عرفة، فليحرص المسلم حاجاً كان أو مقيماً على إدراك فضله وانتهاز فرصته.

سابعا:- وكذلك فيها يوم عرفة: ويوم عرفة هو يوم عظيم يعتق الله فيه عباده من النار، ويتجاوز عن الذنوب والأوزار، ويباهي بأهل الموقف الملائكة.

وصيام يوم عرفة ( لغير الحاج ) فإن الله يُكَفِّر به سنتين: سنة قبله، وسنة بعده. كما أخبر بذلك الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم ففي الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم من حديث أبي قتادة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده”.

فانظر أخي المسلم… إلى سعة رحمة الله وفيض جوده وكرمه، أن جعل صيام يوم واحد سبباً لمغفرة ذنوب سنتين من الصغائر( أما الكبائر فتحتاج إلى توبة وندم وعزم على عدم العودة إليها أبداً وإقلاع عن المعصية ).

فإن شق عليك أخي الحبيب صيام أيام التسع الأولى من ذي الحجة، فلا تحرم نفسك من صيام يوم عرفة لما فيه من عظيم الأجر وجزيل المثوبة.

قال الطيبي – رحمه الله – تعليقاً على الحديث السابق: وكان القياس أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” أرجو من الله ” موضع كلمة “أحتسب” وعدّاه بعلى التي للوجوب علي سبيل الوعد مبالغة في تحقيق حصوله”. أهـ.

♦ يكفر السنة التي قبله: يعني الصغائر المكتسبة فيها.

♦ يكفر السنة التي بعده: بمعنى أن الله تعالي يحفظه من أن يذنب فيها. أو أن يعطي من الثواب ما يكون كفارة لذنوبها. أو أن يكفرها حقيقة ولو وقع فيها، ويكون المكفِّر مقدماً على المكفَّر.

لطيفة: إذا نظرت إلى الحديث الذي فيه أن صيام يوم عرفة يكفر الله به سنتين، وجدت أن: صيام 12 ساعة تقريباً = مغفرة 24 شهر. فيكون صيام ساعة = مغفرة شهرين. يعني كل 60 دقيقة = 60 يوم إذن صيام دقيقة = مغفرة يوم.فهل هناك عاقل يضيع دقيقة واحدة من هذا اليوم.

اقرأ أيضا  الثقة بالله تعالى

أما الحجاج فلا ينبغي لهم أن يصوموا هذا اليوم لأنهم أضياف الرحمن، والكريم لا يجوع أضيافه فقد أخرج أبو داود وابن ماجة: ” نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة بعرفات”.

وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري: أنه أفطر بعرفة – أرسلت إليه أم الفضل بلبن فشرب.

ويستحب في يوم عرفة الآتي: حفظ الجوارح من المحرمات في هذا اليوم: أخرج الإمام أحمد بسند فيه مقال، عن ابن عباس – رضي الله عنهما – عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عن يوم عرفة: ” إن هذا اليوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه: غُفر له” ( صححه الشيخ/ أحمد شاكر – رحمه الله – )

الإكثار من شهادة التوحيد بإخلاص وصدق: فإنها أصل الدين وأساسه وركيزة بنائه ففي مسند الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – أنه قال: كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة: “لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد بيده الخير وهو علي كل شيء قدير”.

وفي الموطأ وسنن الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “خير الدعـاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، [ له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير] “. ( صحيح الترمذي: 2837).

قال ابن عبد البر – رحمه الله – كما في التمهيد (6 /41): وفي الحديث دليل على أن دعاء يوم عرفة مجاب في الأغلب، وأن أفضل الذكر”لا إله إلا الله”. أهـ.

وقال الخطابي – رحمه الله – معلقاً على الحديث: ومعناه: أكثر ما أَفْتَتِح به دعائي، وأقدمه أمامي من ثنائي على الله عز وجل وذلك أن الداعي يفتتح دعاءه بالثناء على الله سبحانه وتعالى ويقدمه أمام مسألته فَسُمِّي الثناء دعاءً. أهـ

كثرة الدعاء بالمغفرة والعتق: فإنه يُرجى إجابة الدعاء فيه، فقد روى ابن أبي الدنيا عن علي رضي الله عنهما أنه قال: ” ليس يوم أكثر فيه عتق للرقاب من يوم عرفة، فأكثروا فيه أن تقولوا: اللهم اعتق رقبتي من النار، ووسع لي من الرزق الحلال، واصرف عني فسقة الإنس والجان”.

وأخرج الإمام مسلم من حديث عائشة – رضي الله عنها – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء”.

قال ابن عبد البر – رحمه الله – كما في التمهيد (1 /20): وهذا الحديث يدل على أنهم مغفور لهم؛ لأنه لا يباهي الملائكة بأهل الخطايا والذنوب إلا بعد التوبة والغفران. والله أعلم.

وأخرج مالك في الموطأ عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما رؤي الشيطان يوماً هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة، وما ذلك إلا لما رأى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب”.

ولنحذر من الذنوب التي تمنع المغفرة والعتق فيه وقبول الدعاء ومنها: الإصرار على عدم التوبة والوقوع في الكبائر والذنوب، والرجوع إلى المعصية بعد انقضاء الطاعة والاختيال والكبر لما أخرجه البزار والطبراني من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “ما يُرى يوم أكثر عتقاً ولا عتيقاً من يوم عرفة لا يغفر الله فيه لمختال “.

♦ والمختال: هو المتعاظم في نفسه المتكبر قال الله تعالي: ﴿ ِإنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [لقمان: 18].

ثامنا: ومن فضلها أنها خير أيام الدنيا على الإطلاق. فقد أخرج البزار من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أفضل أيام الدنيا أيام العشر” (صحيح الجامع: 1133)

ما يستحب فعله في الأيام العشر:
وفي العشر أعمال فاضلة وطاعة كثيرة، ومن ذلك:
1- الإكثار من الأعمال الصالحة والعمل الصالح فيها أحب إلى الله تعالي منه في بقية العام أخرج البخاري والبيهقي واللفظ له من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام – يعني أيام العشر – قالوا: يا رسول الله. ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء”.

وعن ابن عباس – رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من عمل أزكى عند الله عز وجل، ولا أعظمُ أجراً من خير يعمله في عشر الأضحى ) قيل: ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال: ( ولا الجهاد في سبيل الله – عز وجل – إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء ) رواه الدارمي بإسناد حسن )سنن الدارمي (1 /358) وانظر « إرواء الغليل » (3 /398).).

ولهذا كان السلف أحرص ما يكونون على اغتنام هذه الأيام.
فقد أخرج الدرامي بسند حسن عن سعيد بن جبير – رحمه الله -: (وهو الذي روى حديث ابن عباس السابق): “إذا دخلت العشر اجتهد اجتهادا حتى ما يكاد يقدر عليه “رواه البيهقي والدارمي وحسنه الألباني.
وروي عنه أنه قال: “لا تطفئوا سرجكم ليالي العشر” كناية عن القراءة والقيام. أورده ابن رجب.
وقال مجاهد: «العمل في العشر يضاعف» أورده ابن رجب.
وقال: «العمل في هذه الأيام العشر أفضل من العمل في أيام عشر غيرها» ا.هـ.
وقال: «ويستثنى جهاداً واحداً هو أفضل الجهاد» ا.هـ
وهو أن يُعقر جواده ويهراق دمه «وذكر ابن رجب ما معناه» أن الحج المفروض أفضل من التطوع بالجهاد، والتطوع بالجهاد أفضل من التطوع بالحج، إلا أن يكون الرجل ليس من أهل الجهاد فحجه أفضل من جهاده، كالمرأة….

وعن ابن عمر رضي الله عنهما: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من أيام أعظم عند الله سبحانه ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر. فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد” رواه الطبراني في المعجم الكبير.

قال ابن رجب – رحمه الله – في لطائف المعارف: وقد دل الحديث على أن العمل في أيامه أحب إلى الله من العمل في أيام الدنيا من غير استثناء.

وقال أيضاً: إذا كان العمل في أيام العشر أفضل وأحب إلى الله من العمل في غيره من أيام السنة كلها، صار العمل فيه وإن كان مفضولاً أفضل من العمل في غيره وإن كان فاضلاً، ولهذا قالوا: “يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد”ثم استثني جهاداً واحداً هو أفضل الجهاد فإنه سُئل صلى الله عليه وسلم: “أي الجهاد أفضل؟، قال: من عقر جواده وأهريق دمه، وصاحبه أفضل الناس درجة عند الله” (أخرجه أحمد وحسنه الألباني في الصحيحة: 552)

وأخرج ابن حبان بسند صحيح صححه الأرنؤوط: “أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يدعو يقول: اللهم أعطني أفضل ما تعطي عبادك الصالحين قال: إذن يعقر جوادك وتستشهد”.

فهذا الجهاد بخصوصه يفضل على العمل في العشر، وأما بقية أنواع الجهاد فإن العمل في عشر ذي الحجة أفضل وأحب إلى الله عز وجل منها وكذلك سائر الأعمال.

وهذا يدل على أن العمل المفضول في الوقت الفاضل يلتحق بالعمل الفاضل في غيره ويزيد عليه لمضاعفة ثوابه وأجره.

ثم قال ابن رجب – رحمه الله -:
ما فعل في العشر في فرض فهو أفضل مما فعل في عشر غيره من فرض، فقد تضاعف صلواته المكتوبة، على صلوات عشر رمضان، وما فعل فيه من نفل أفضل مما فعل في غيره من نفل. أهـ

فيا من أدركته العشر… اغتنم هذه الفرصة، فالعمل الصالح فيها أحب إلى الله مما في غيرها من الشهور، والعمل الصالح فيها أحب إلى الله من الجهاد في سبيل الله، والمحروم من ضيع هذه الفرصة، ومن جَدَّ وجد ويسر له سبل الخير، فجاهد نفسك في طاعة الله.قال تعالي: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69].

2- الصلاة: يستحب التبكير إلى الفرائض والمسارعة إلى الصف الأول، والإكثار من النوافل، فإنها من أفضل القربات.
انظر إلى ثواب المشي إلى المسجد.
لأن الله يكتب لك بكل خطوة حسنة ويُمحي عنك خطيئة، ويرفع لك درجة.
فقد أخرج الإمام أحمد من حديث عبدالله بن عمرو – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من راح إلى مسجد الجماعة، فخطوةٌ تمحو سيئة، وخطوةٌ تكتب له حسنة ذاهباً وراجعاً”.

وعند مسلم: “من تطهر في بيته ثم مشي إلى بيت من بيوت الله؛ ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خُطوتَاه إحداهما تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة”.

وعند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخُطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلك الرباط. فذلكم الرباط”.

أخرج ابن حبان في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من غدا إلى المسجد أو راح، أعدّ الله له نُزلاً في الجنة كلما غدا أو راح” (صحيح ابن حبان: 2037).

♦ بل وانظر إلى ثواب السعي والمجيء يوم الجمعة. فقد أخرج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان والحاكم بسند صحيح وهو في صحيح الترغيب (693) عن أوس بن أوس قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من غسّل يوم الجمعة واغتسل، وبكّر وابتكر، ومشي ولم يركب، ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ، كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها”. (ضعفه البعض).

غسل واغتسل: قال البعض: هو من باب التوكيد وكلاهما بمعني واحد بدليل قوله:
ومشي ولم يركب. وقال البعض: معني غسّل: أي أوجب على أهله الغسل قبل خروجه واغتسل هو.

وقال آخرون: إنما هو “غَسَل” بالتخفيف ومعناه: غسل رأسه ثم اغتسل جميعه، وهذا من باب التأكيد على غسل الرأس، لأن العرب لهم شعور، فربما تغيرت رائحتها من الحر والعرق، فيحتاج إلى زيادة تنظيف، فلا يكفي إفاضة الماء عليها كما يكفي في بقية الجسد.

♦ ثم نأتي إلى بيت القصيد ألا وهي الصلاة: وهذا عام في كل الأيام، إلا أنه في هذه الأيام يستحب التبكير إلى الفرائض، والإكثار من النوافل فإن ذلك من أفضل القربات.

فقد أخرج مسلم من حديث ثوبان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” عليك بكثرة السجود، فإنك لا تسجد سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنك بها خطيئة”. ” [رواه مسلم] وهذا عام في كل وقت.

وفي صحيح البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، هل يبقي من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: فكذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا”.

♦ بل من حافظ على هذه الصلوات الخمس ليس له جزاء إلا الجنة. فقد أخرج أبو داود عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “خمس صلوات كتبهن الله على العباد، فمن جاء بهن ولم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن، كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة”.

♦ بل انظر إلى كلمة ( آمين ) وما فيها من الفضل. فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقولوا: آمين، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غُفر له ما تقدم من ذنبه”.

♦ بل انظر إلى الذكر بعد الصلاة وما فيه من الأجر والفضل.فقد أخرج البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: “جاء الفقراء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلا والنعيم المقيم، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل من أموال يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون. قال: ألا أحدثكم بأمر إن أخذتم به أدركتم من سبقكم، ولم يدرككم أحد بعدكم، وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه إلا من عمل مثله ؟ تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثاً وثلاثين”.

♦ بل انظر إلى فضل صلاة النافلة فقد أخرج الإمام مسلم من حديث أم حبيبة – بنت أبي سفيان – رضي الله عنها – قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “ما من عبد مسلم يصلي لله تعالي في كل يومٍ ثِنْتَي عشرة ركعة تطوعاً غير الفريضة إلا بني الله له بيتاً في الجنة أو [إلا بُني له بيت في الجنة] “

وعند النسائي من حديث عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من ثابر على اثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة دخل الجنة: أربعاً قبل الظهر وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر”.

♦ بل انظر إلى ركعتي الفجر وما فيها من فضل وأجر فقد أخرج البخاري من حديث عائشة – رضي الله عنها – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها”.

♦ بل بالمحافظة على النوافل قبل الظهر وبعده يحرم الإنسان على النار فقد أخرج الإمام أحمد والترمذي عن أم حبيبة – رضي الله عنها – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من يحافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرّمه الله علي النار”.

اقرأ أيضا  نعمة الأمن في ظل توحيد الله

3- الصيام: لدخوله في الأعمال الصالحة، فإن صيام تسع ذي الحجة من أفضل الأعمال الصالحة التي حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون استحباب صومها مستفاداً من عموم الأدلة.

فعن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر” رواه الإمام احمد و أبو داود والنسائي.

وفي رواية أخرى: “أربع لمن يكن يدعهن رسول الله صلى الله عليه وسلم صيام عاشوراء، والعشرـ يعني من ذي الحجة – وثلاثة أيام من كل شهر، والركعتين قبل الغداة”.
وكان ابن عمر – رضي الله عنهما – يصوم العشر وممن قال بفضل صومه الحسن وابن سيرين وقتادة.
قال الإمام النووي عن صوم أيام العشر: “انه مستحب استحبابا شديدا “.

إنه بصوم يوم في سبيل الله يُبَاعد بين العبد وبين النار كما بين السماء والأرض، أو سبعين خريفاً كما أخبر الصادق المصدوق. فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً” أي مسيرة سبعين عاماً.

وعند البخاري ومسلم أيضاً: “من صام يوماً في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقاً كما بين السماء والأرض”.
ومن المعلوم أن المسافة التي بين السماء والأرض خمسمائة عام كما أخبر الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم سبحان الملك!!! بصيام يوم واحد يباعد الله وجهك عن النار سبعين خريفاً. وفي رواية: “مائة عام”، وفي رواية: “خمسمائة عام”.

في حين أن الله تعالي يقول في كتابة الكريم: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آل عمران: 185].

4 – الإكثار من الصدقة أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من تَصدَّق بعدل تمرة من كسب طيب – ولا يقبل الله إلا الطيب – فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل”.

وعند البخاري ومسلم من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمنَ منه فلا يرى إلا ما قدم، فينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يري إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة “.
وفي رواية: “من استطاع منكم أن يستتر من النار ولو بشق ثمرة فليفعل”.
وفي رواية: “اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة”.

♦ ومن أراد أن يُغْفَر له خطاياه فليتصدق.فقد أخرج أبو يعلي بسند صحيح: “والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار”.

واعلم… أن مالك الحقيقي هو الذي تقدمه بين يديك وتتصدق به، وما تتركه فهو للورثة.

فقد أخرج البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ قالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما منا أحد إلا ماله أحب إليه، قال: فإن ماله ما قدّم، ومال وارثه ما أخّر”

وصدق ربنا حيث قال: ﴿ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً ﴾ [المزمل: 20].

5 – الإكثار من ذكر الله تعالى وأيام العشر هي أيام ذكر وعبادة لله سبحانه وتعالى.قال الله تعالى: ﴿ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ﴾ [سورة الحج: 28].

وقال تعالى: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ ﴾ [سورة البقرة: 200].

فالذكر مقصود العبادات الأعظم، والذكر يتجلى غاية التجلي في الحج، فما شرع الطواف بالبيت، ولا السعي بين الصفا والمروة، ولا رمي الجمار إلا لإقامة ذكر الله.

• فإذا أكثر الحاج من الذكر في تلك المواضع أنس بالذكر، واطمأنت نفسه به، وزاد قرباً من ربه، وكان داعياً لاعتياد الذكر، والإكثار منه بعد الحج.

ولا شك أن الذكر جاءت جملة من الأدلة التي تدل على استحبابه بصفة عامة، وفي هذه الأيام على وجه الخصوص، فمن فضل الذكر ما ذكر في كتاب الله سبحانه ﴿ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 35].

وما أخرجه مسلم في صحيحه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر، فمروا على جبل يقال له: جمدان فقال: سيروا هذا جمدان سبق المفردون، قالوا: ومن المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات). وقد ورد حديث آخر في مستدرك الحاكم بسند ظاهره الصحة وإن كان فيه نزاع، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أولا أدلكم على خير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق؟ (قالوا: بلى يا رسول الله. قال: ذكر الله).

ويكفي في فضل الذكر أن نبي الله موسى صلى الله عليه وسلم سأل ربه أن يعينه بأخيه هارون، فقال ﴿ كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرً ﴾ [طه: 33-35] فالعلة هنا ذكرها نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام قال: ﴿ كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا ﴾ [طه: 33-35]. ويكفي أن سيدنا زكريا عليه السلام مع كونه منع من الكلام كدليل على أن امرأته حملت، لكنه لم يمنع من الذكر، قال الله سبحانه وتعالى: على لسان زكريا ﴿ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً ﴾ [آل عمران: 41] أي: علامة على حمل زوجتي ﴿ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا﴾ [آل عمران: 41] ومع هذا الامتناع ﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ ﴾ [آل عمران: 41].

ولم لا؟
• فقولك سبحان الله مائة مرة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها تكن لك أفضل من مائة بدنة.
• والحمد لله مائة مرة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها تكن لك أفضل من مائة فرس يحمل عليها في سبيل الله.
• والله أكبر مائة مرة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها تكن لك أفضل من عتق مائة رقبة.

فعن عمرو بن شعيب رضي الله عنه عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من قال سبحان الله مائة مرة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها كان أفضل من مائة بدنة، ومن قال الحمد لله مائة مرة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها كان أفضل من مائة فرس يحمل عليها في سبيل الله ، ومن قال الله أكبر مائة مرة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها كان أفضل من عتق مائة رقبة ، ومن قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها لم يجىء يوم القيامة أحد بعمل أفضل من عمله إلا من قال مثل قوله أو زاد عليه” حسن: صحيح الترغيب “658”.

إذن لو فعلت ذلك في يوم وليلة لَكُتِبَ لك أجرٌ أفضل من:
200 بدنة (يُتصدق بها في سبيل الله) بإذن الله.
200 فرس (يُحملُ عليها في سبيل الله) بإذن الله.
200 رقبة (تُعتقُ في سبيل الله) بإذن الله.

إذن لو فعلت ذلك في الأيام العشر لَكُتِبَ لك أجرٌ أفضل من:
2000 بدنة (يُتصدق بها في سبيل الله) بإذن الله.
2000 فرس (يُحملُ عليها في سبيل الله) بإذن الله.
2000 رقبة (تُعتقُ في سبيل الله) بإذن الله.

قُل هذا الدعاء إذا دخلت سوقاً من الأسواق ” لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير”.

والآن… هل تعلم أنك لو قُلتَ هذا الدعاء لَكُتِبَ لك 1.000.000 حسنة وحُطّ عنك 1.000.000 سيئة ، وبُني لك بيتٌ في الجنة.

• إذن لو فعلت ذلك في الأيام العشر لَكُتِبَ لك: 10.000.000 حسنة وحُطّ عنك 10.000.000 سيئة وبُني لك 10بيوت في الجنة

• فعن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة وتحط عنه ألف ألف سيئة وبني له بيتاً في الجنة” حسن: صحيح الجامع”11176″

أخي في الله: هل تطمعُ في مليارات الحسنات؟؟ في ثواني معدودات؟؟ إذن قُل: اللهم اغفر للمؤمنين و للمؤمنات الأحياء منهم والأموات فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من استغفر للمؤمنين و للمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن و مؤمنة حسنة” حسن: صحيح الجامع “10970”.

وتذكَّر دعوة سيدنا نوحِ عليه السلام: ﴿ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلا تَبَارًا ﴾ [نوح: 28]. إذن لو فعلت ذلك في الأيام العشر لَضُوعِفَ لك الأجر بإذن الله.

6- التكبير والتهليل والتحميد: لما ورد في حديث ابن عمر. “فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد”.
قال الإمام البخاري- رحمه الله-: ” كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما- يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما”..

وقال الإمام البخاري في صحيحه أيضا: «باب التكبير أيام منى، وإذا غدا من عرفة، وكان عمر رضي الله عنه يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد، فيكبرون ويكبر أهل الأسواق، حتى ترتج منى تكبيراً؛ وكان ابن عمر يكبّر بمنى تلك الأيام خلف الصلوات وعلى فراشه وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه، تلك الأيام جميعاً، وكانت ميمونة تكبّر يوم النحر، وكنّ النساء يكبِّرن خلف أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد. رواه البخاري في صحيحه معلّقا مجزوماً به.

والمستحب: الجهر بالتكبير للرجال لفعل عمر وابنه وأبي هريرة. والنساء يكبرن ولكن تخفض الصوت، لما جاء في حديث عطية: “… حتى نخرج الحُيَّض فيكن خلف الناس، فيكبرن بتكبيرهم ويدعنَّ بدعائهم.. ” [رواه البخاري ومسلم].

فحري بنا نحن المسلمين أن نحيي هذه السنة التي هجرت في هذه الأيام، وتكاد تنسى حتى من أهل الصلاح والخير لخلاف ما كان عليه السلف الصالح.

والتكبير نوعان مطلق ومقيد و يشرع في عيد الأضحى التكبير المطلق، والمقيد:
فالتكبير المطلق في جميع الأوقات من أول دخول شهر ذي الحجة إلى آخر أيام التشريق فيسن التكبير والتحميد والتهليل أيام العشر، وإظهار ذلك في المساجد والمنازل والطرقات، وكل موضع يجوز فيه ذكر الله تعالى، يجهر به الرجال وتخفيه المرأة، إظهاراً للعبادة، وإعلاناً بتعظيم الله تعالى، وهو لا يتقيد بمكان، فحتى في الأسواق وعلى الفراش والمجلس وأثناء المشي. ولا يتقيد بزمان، فيؤتى به في الليل والنهار، والسفر والحضر، ولا يتقيد بحال، فيؤتى به قائماً أو قاعداً أو مضطجعاً أو راكباً أو محمولاً أو على غير طهارة.

وأما التكبير المقيد فيكون في أدبار الصلوات المفروضة من صلاة الصبح يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق، وقد دل على مشروعية ذلك الإجماع، وفعل الصحابة رضي الله عنهم “.

صيغة التكبير:
أ‌) الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر كبيراً.
ب‌) الله أكبر. الله أكبر. لا إله إلا الله. والله أكبر. الله أكبر ولله الحمد.
ج‌) الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. لا إله إلا الله. والله أكبر. الله أكبر. الله أكبر ولله الحمد

7 – أداء الحج والعمرة وهما من أفضل الأعمال قال تعالى:
﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ ﴾ [البقرة: 197].

والحج والعمرة من أفضل الأعمال التي تفعل في هذه الأيام، ولقد رغب الشرع الحنيف في هاتين العبادتين العظيمتين وحث عليهما، وذلك لمن ملك زاداً وراحلة.

فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله ؟ قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور”.

فضائل الحج والعمرة:
فضائل الحج والعمرة كثيرة، منها الفضائل الآتية:
أولاً: الحاج إذا خرج من بيته قاصداً البيت الحرام كتب له بكل خطوة يخطوها هو ودابته حسنة، ومحا الله عنه خطيئة، ورفعت له درجة؛ لحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه يرفعه، وفيه: ((فإن لك من الأجر إذا أممت البيت العتيق أن لا ترفع قدماً، أو تضعها أنت ودابتك إلا كتبت لك حسنة، ورفعت لك درجة))( رواه الطبراني في الأوسط [مجمع البحرين، 3 /185، برقم 1650]، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 3 /277: ((وفيه محمد بن عبد الرحيم بن شروس، ذكره ابن أبي حاتم، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، ومن فوقه موثوقون))، وحسنه الألباني لغيره، في صحيح الترغيب والترهيب، 2 /10/12)، وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما يرفعه: ((… فإنك إذا خرجت من بيتك تؤمُّ البيت الحرام لا تضعُ ناقتك خفاً، ولا ترفعه إلا كتب [الله] لك به حسنة، ومحا عنك خطيئة)) (رواه ابن حبان، برقم 1887، والبزار، برقم 1082، والطبراني في الكبير، برقم 13566، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 3 /274: ((رواه الطبراني في الكبير بنحوه، ورجال البزار موثوقون))، وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، 2 /10..

ثانيا: إذا لبَّى الملبِّي في الحجّ، أو كبَّر بُشِّرَ بالجنة؛ وفضل رفع الصوت بالتلبية؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أهلَّ مهلٌّ (أهلَّ: رفع صوته بالتلبية: الترغيب والترهيب للمنذري، 2 /138)، ولا كبَّر مُكبِّرٌ إلا بُشِّر))، قيل: يا رسول الله بالجنة؟ قال: ((نعم))( الطبراني في الأوسط، برقم 1706، مجمع البحرين في زوائد المعجمين، 3 /218) وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، 2 /24.).

اقرأ أيضا  خطبة المسجد النبوي- فضل المدينة والمسجد النبوي

ثالثا: الحاج والمعتمر يكتب له بركعتي الطواف عتق رقبة من بني إسماعيل؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما وفيه: ((… وأما ركعتاك بعد الطواف كعتق رقبة من بني إسماعيل))( ابن حبان: 1887، والبزار، برقم 1082، والطبراني في الكبير، برقم 13566، من حديث ابن عمر السابق، وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، 2 /10.).

طواف الحاج أو المعتمر بين الصفا والمروة، كعتق سبعين رقبة؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما وفيه ((… وأما طوافك بالصفا والمروة، كعتق سبعين رقبة))( ابن حبان، والبزار، والطبراني، من حديث ابن عمر وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، 2 /10.).

رابعا: من طاف بالبيت العتيق واستلم الحجر الأسود شهد له يوم القيامة؛لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجر: ((والله ليبعثنّهُ الله يوم القيامة، له عينان يبصر بهما، ولسانٌ ينطق به، يشهد على من استلمه بحق))( الترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء في الحجر الأسود، برقم 961، وابن خزيمة، 4 /20، وأحمد 1 /266، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 1 /493).

وعنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نزل الحجر الأسود من الجنة أشد بياضاً من الثلج فسوّدته خطايا بني آدم))( ابن خزيمة بلفظه، 2 /220، والترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء في فضل الحجر الأسود، والركن والمقام، برقم 877، ولفظه: ((… وهو أشد بياضاً من اللبن ))، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 1/ 452.

خامسا: الصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه؛لحديث جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه))( ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في فضل الصلاة في المسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 1604، وأحمد، 3/ 343، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 1 /236، وفي إرواء الغليل، 4 /341).

سادسا: ماء زمزم شفاء سُقمٍ وطعام طعمٍ، وهو لما شرب له؛ لحديث أبي ذر رضي الله عنه، في قصته الطويلة، وفيها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له وهو في المسجد الحرام: ((متى كنت هاهنا؟))، قال: قد كنت هاهنا منذ ثلاثين ما بين ليلة ويومٍ قال: ((فمن كان يطعمك؟)) قال: قلت: ما كان لي طعام إلا ماءُ زمزم فسمنت حتى تكسّرت عُكنُ بطني، وما أجد على كَبدي سُخْفةَ جوعٍ، قال: ((إنها مباركةٌ، إنها طعامُ طُعمٍ))( مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أبي ذر رضي الله عنه، برقم 2473).

ولفظ البيهقي: ((إنها مباركة، إنها طعام طُعمٍ، وشفاء سُقْمٍ)) ( البيهقي في السنن الكبرى، 5/ 147، والبيهقي في دلائل النبوة، 2/ 208- 212، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم 2435).

ولفظ البزار: ((زمزم طعام طُعم وشَفاء سُقم))( البزار، [مختصر زوائد مسند البزار على الكتب الستة ومسند أحمد، برقم 800]، وقال المنذري في الترغيب والترهيب: ((رواه البزار بإسناد صحيح))، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 40.).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم، فيه طعام من الطعم، وشفاء من السُّقم، وشر ماء على وجه الأرض ماء بوادي بَرَهُوت بقية [بـ]حضرموت (عليه] كرجل الجراد من الهوامِّ يصبح يتدفق، ويمسي لا بلال بها))( الطبراني في المعجم الكبير، 11/ 98، برقم 11167، وفي المعجم الأوسط، [مجمع البحرين بزوائد المعجمين، 3/ 234، برقم 1738]، ما بين المعقوفين من المعجم الأوسط، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 40، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 1056.).

وعن جابر صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ماء زمزم لما شُرِب له))( ابن ماجه، كتاب المناسك، باب الشرب من زمزم، برقم 3062، وأحمد، 3/ 357، 372، وابن أبي شيبة، 7/ 453، وصححه الألباني، في صحيح ابن ماجه، 3/ 59).

وعن عائشة رضي الله عنها: أنها حَمَلَتْ ماء زمزم في القوارير، وقالت: ((حمله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأداوي والقرب، فكان يصبُّ على المرضى ويسقيهم))( الترمذي، كتاب الحج، باب 115، برقم 963، والحاكم، 1/ 585، والبيهقي في الكبرى، 5/ 202، وفي شعب الإيمان، 3/ 482، برقم 4129، وأبو يعلى، 8/ 139، برقم 4683، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 1/ 493، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 883.).

قال ابن القيم رحمه الله: ((وقد جربت أنا وغيري من الاستشفاء بماء زمزم أموراً عجيبة، واستشفيت به من عِدَّة أمراضٍ فبرأْتُ بإذن الله))( زاد المعاد، 4/ 178، 393)، وقال رحمه الله: ((لقد مرَّ بي وقتٌ في مكة سقمتُ فيه ولا أجد طبيباً، ولا دواءً، فكنت أُعالج نفسي بالفاتحة فأرى لها تأثيراً عجيباً، آخذ شربةً من ماء زمزم وأقرؤها عليها مراراً، ثم أشربه فوجدت بذلك البُرْءَ التَّام، ثم صرتُ أعتمد ذلك عند كثير من الأوجاع فأنتفع به غاية الانتفاع، فكنت أصف ذلك لمن يشتكي ألماً، فكان كثير منهم يبرأ سريعاً))( زاد المعاد، 4/ 178، والجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، ص 21).

سابعا: يغفر الله تعالى لأهل عرفات، وأهل المشعر؛ لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: وقف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات، وقد كادت الشمس أن تؤوب( تؤوب: أي تغرب، غَرَبت من الأوْب: الرجوع لأنها ترجع بالغروب إلى الموضع الذي طَلَعْت منه. [النهاية في غريب الحديث، مادة ((أوب))])، فقال: ((يا بلال، أنصت لي الناس))، فقام بلال فقال: أنصتوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنصت الناس فقال: ((معشر الناس، أتاني جبريل عليه السلام آنفاً، فأقرأني من ربِّي السلام، وقال: إن الله عز وجل غفر لأهل عرفات، وأهل المشعر، وضمن عنهم التَّبعات(التبعات: مفرده: تَّبِعَة، والتبعة: ما يَتْبَع المالَ من نَوَائِب الحقوق، وهو من تَبِعْتُ الرجُل بِحَقّي. [النهاية، مادة ((تبع))])))، فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا رسول الله! هذا لنا خاصة؟ قال: ((هذا لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة))، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كَثُرَ خيرُ الله وطاب))( ذكره المنذري في الترغيب والترهيب، 2 /157، برقم 1737، وعزاه جازماً به إلى ابن المبارك، وصححه لغيره العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2 /33، وقال في حاشيته في هذا الموضع: ((.. ومع ذلك فله شواهد خرَّجتها في الصحيحة، 1624)).).

ثامنا: الحاج له بكل حصاة يرمي بها الجمار تكفير كبيرة من الموبقات؛لحديث ابن عمر رضي الله عنهما وفيه: ((وأما رميك الجمار؛ فلك بكل حصاة رميتها تكفير كبيرة من الموبقات…))( حسنه الألباني لغيره، في صحيح الترغيب والترهيب، 2 /10.)

تاسعأ: الحاج يُعطى بكل شعرة حلقها حسنة، وتُمحى عنه بها خطيئة، وله بكل شعرة نور يوم القيامة، وما ينحره من الهدي مُدَّخَرٌ له عند الله؛ لحديث ابن عمر وفيه ((…وأما نحرك فمدخور لك عند ربك، وأما حلاقك رأسك، فلك بكل شعرة حلقتها حسنة، وتمحى عنك بها خطيئة…))( حسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، 3 /10، وفي حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه: ((… وأما حلقك رأسك، فإنه ليس من شعرة تقع في الأرض إلا كانت لك نوراً يوم القيامة…))( وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، 2 /11، و39.

عاشرا: إذا طاف الحاجُّ طواف الوداع خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه؛ لحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، وفيه: ((… وأما طوافك بالبيت إذا ودَّعت فإنك تخرج من ذنوبك كيوم ولدتك أمك))( رواه الطبراني في الأوسط [مجمع البحرين في زوائد المعجمين، 3/ 185، برقم 1650]، وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 10، 11.).

حادى عشر: من حج البيت الحرام، أو اعتمر فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من حج هذا البيت فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كما ولدته أمه))( متفق عليه)، وفي لفظ مسلم: ((من أتى هذا البيت فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كما ولدته أمه))( صحيح مسلم)، وهذا اللفظ يشمل الحج والعمرة(انظر: فتح الباري 3 /382.).

((الرفث: كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من المرأة والرفث: الجماع ودواعيه )). (يدخل في الفسق المعاصي التي قبل الحج، فإذا كان مُصِرَّاً عليها فهو فاسق)

ثانى عشر: الحج والعمرة ينفيان الفقر والذنوب، والحج المبرور ثوابه الجنة؛لحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة وليس للحج المبرور ثواب إلا الجنة))( الترمذي وقال عنه الألباني في صحيح الترمذي، 1/ 426: ((حسن صحيح ))

وعن عمر بن الخطّاب -رضي اللّه عنه- عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «تابعوا بين الحجّ والعمرة، فإنّ المتابعة بينهما تنفي الفقر والذّنوب كما ينفي الكير خبث الحديد») « ابن ماجة (2887) وصححه الألباني: صحيح ابن ماجة (1334). والبيهقي في شعب الإيمان (8/ 41) وقال محققه: حديث صحيح بشواهده.».

عن جابر بن عبد اللّه- رضي اللّه عنهما- رفعه إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «ما أمعر حاجّ قطّ». قيل لجابر: ما الإمعار؟ قال: «ما افتقر» « قال الحافظ الدمياطي: رواه الطبراني والبزار بإسناد جيد. وانظر: المتجر الرابح (ص 225). وقال المنذري: رواه الطبراني في الأوسط والبزار، ورجاله رجال الصحيح (2/ 180).».

ثالث عشر: من حج البيت كمل إسلامه؛ لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام، قال: يا محمد ما الإسلام؟ قال: ((الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحج البيت، وتعتمر، وتغتسل من الجنابة، وأن تتم الوضوء، وتصوم رمضان)). قال: فإذا فعلت ذلك فأنا مسلم؟ قال: ((نعم)) قال: صدقت(ابن خزيمة في صحيحه، برقم 1، 1 /3، والحديث في البخاري من حديث أبي هريرة، برقم 50 بغير هذا السياق، وهو في مسلم، برقم8، من حديث عمر، بغير سياق ابن خزيمة، والحديث صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2 /6.).

ما يجتنبه في العشر من أراد الأضحية:
عن أم سلمة – رضي الله عنها – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره حتى يضحي ) وفي رواية: ( قلا يَمَسَّ من شعره وبشرته شيئاً ) أخرجه مسلم.
♦ ♦ ♦ ♦

الحديث دليل على أنه إذا دخلت العشر وأراد الإنسان أن يضحي فإنه لا يأخذ من شعره ولا من أظفاره ولا من بشرته شيئاً إلى أن يذبح أضحيته، فإن كان له أكثر من أضحية جاز له الأخذ بعد ذبح الأولى.

يعني: يا عبد الله! إذا كنت تريد أن تضحي ودخلت عليك أول ليلة من ليالي العشر من ذي الحجة، فلا تأخذ من شعرك، ولا من أظفارك أي شيء، طيلة هذه العشر إلى أن تنحر.

وهل هذا النهي عن الأخذ على التحريم أم هو على الكراهة؟ ذهب أكثر العلماء إلى أنه على الكراهة، وليس على التحريم، فقالوا -في معارض التعليل لكونه على الكراهة- إن الأضحية من أصلها ليست بواجبة فمتبوعاتها لا تجب، وهذا قول.

• وأظهر قولي أهل العلم أن ذلك للتحريم، لأنه الأصل في النهي، فإن تَعَمَّدَ وأخذ فعليه التوبة والاستغفار، ولا فدية عليه إجماعاً، ولا يؤثر ذلك على أضحيته.

فالرسول نهى نهياً صريحاً عن الأخذ من الشعر والأظفار لمن أراد أن يضحي فكذلك فافعلوا وهذا النهي يخص صاحب الأضحية، لقوله: ( وأراد أن يضحي ) فلا يعم الزوجة ولا الأولاد إذا أراد أن يُشْرِكَهُمْ معه في الثواب.

ومن ضحى عن غيره بوصية أو وكالة فلا يحرم عليه أخذ شيء من شعره أو ظفره أو بشرته، لأن الأضحية ليست له.

ومن أخذ من شعره المباح أَخْذُهُ، أو ظفره أول العشر لعدم إرادته الأضحية ثم أرادها في أثناء العشر أمسك من حين الإرادة.

ومن احتاج إلى أخذ شيء من ذلك لتضرره ببقائه كانكسار ظفر أو جرح عليه شعر يتعين أخذه فلا بأس، لأن المضحي ليس بأعظم من المحرم الذي أبيح له الحلق إذا كان مريضاً أو به أذى من رأسه، لكن المحرم عليه الفدية، والمضحي لا فدية عليه.

ولا يجوز للمرأة أن توكل أحداً على أضحيتها لتأخذ من شعرها – كما قد تفهمه بعض النساء – لأن الحكم متعلق بالمضحي نفسه سواء وَكَّلَ غيره أم لا، وأما الوكيل فلا يتعلق به نهي.

ولا حرج في غسل الرأس للرجل والمرأة أيام العشر، لأنه صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن الأخذ، ولأن المحرم أُذِنَ له أن يغسل رأسه.

المراجع: –
• القران الكريم.
• أحاديث عشر ذي الحجة وأيام التشريق أحكام وآداب ويليها رسالة في أحاديث شهر الله المحرَّم تأليف عبدالله بن صالح الفوزان.
• مَوْسوعَة نضرَة النعيم في مَكارم أخلاق الرّسول الكريم صَلى الله عَليْه وَسَلم.
• مناسك الحج والعمرة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني.
• العشر الأوائل من ذي الحجة للشيخ مصطفى العدوي.
• فضائل العشر الأوائل من ذي الحجة للشيخ مصطفى العدوي.
• الكنوز العشر في الأيام العشر د. أحمد مصطفى متولي.
• فضل العشر من ذي الحجة وما يستحب فعله في هذه الأيام للشيخ ندا أبو أحمد.
• كتاب أفضل أيام الدنيا لفضيلة الشيخ جماز بن عبدالرحمن الجماز.
• تبشير الأصحاب بما لهم في العشر من ذي الحجة من الثواب بقلم أبي أنس ماجد إسلام البنكاني.
• دروس عشر ذي الحجة للشيخ عبدالملك بن محمد القاسم.
الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.