في جمالية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الخميس،22ربيع الثاني1436//12 فبراير/شباط 2015وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
أبو عبدالرحمن الإدريسي
ثم ما الخير الذي ينفع البشريّة ولم يدع إليه الإسلام ؟ وما الشر الذي يتردّى بها ولم ينه عنه ؟
تلكَ أسئلةٌ تستفزُّ وجدانك أيها الشاكّ، فتأمّلها وابحث عن إجابتها، عساك تكون من المبصرين، حيث تنفتح عيونك على الحقّ الظّاهر الأبلج .
دعك من خرافات كارل ماركس ومن تابعه من الاشتراكيين في قولهم بأفيون الدّين، فهم ما أبصروا الإسلام قطّ، بل كانوا يرون المسيحيّة تقيّد الأتباع وتستغلّهم، والباباوات يغتنون على حساب الفقراء ويمتهنونهم .. فالإسلام ليس فيه أفيونٌ، بل يطلق أيدي أتباعه إلى العمل والكدح والتحضّر وخلافة الأرض بما يرضاه الله ورسوله، ولا تبصر أفيون المسيحيّة وتنسى هروين الإلحاد واللادينيّة!
وتأمّل معي سبقَ الإسلام حين يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تعالى ليسأل العبد يوم القيامة حتى يسأله : ما منعك إذا رأيت المنكر أن تنكره ؟) رواه أحمد وصححه الألباني .
فالمسلم يعلم أنّه مسؤولٌ عن المنكر إن رآه ولم ينه عنه، وفي هذه لطيفةٌ اجتماعيةٌ كبرى، حيث أنّ المسلم يرى أن من واجباته أن يكون فرداً صالحاً في مجتمعه، يساهم في رقيّه ومحاربة منكره ! ومن هنا يكون نبراساً للهدى يضيء للناس في ظلمات الضلال والتيّه، ويحمل همومهم ويسعى لإزالتها ولو بكلمةٍ حسنةٍ، أو نصيحةٍ صادقةٍ.
ثم تصوّر معي أيها الملحد مجتمعاً مسلماً كلُّ فردٍ فيه يقوم بهذا الدّور الجوهري، أو على الأقلّ طائفةٌ ظاهرةٌ مسموعةٌ تقوم به، لا شكّ أنه سيكون مجتمعاً فاضلاً ممتازاً، لكن لا تنظر إلى الأمّة في حالتها الرّاهنة، حيث تتلاطمها الفتن في كل حين، فذلك مردّه إلى تفريط الأتباع والانحراف عن النّهج القويم، إنّما لو تقيّدت الأمة بأمر الشرع الحنيف في ذلك لانصلحت الأحوال، وعاشت الرخاء والأمن في مختلف جوانبه، وتأمّل معي قول الله تعالى : { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم } ( التوبة : 71)
فلو حققنا مصداق هذه الآية، لعشنا في المدينة الفاضلة التي حلم بها الفلاسفة الأوائل، ويسعى إليها الغرب دون طائل . إنا وصفةٌ ربّانيةٌ تلك التي نصّت عليها الآية، جماعها في كلمةٍ واحدةٍ : العقيدة الصافية والتطبيق الفعلي ، فذلك أساس : الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر .
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس خرقاً للحريات الفردية :
نعم أيها الملحد، فالإسلام فرض هذا الفعل من باب حبّ الخير للبشريّة، أن يأتيك المسلم ناصحاً ويتدخّل في ثنيك عن فعلك بالحسنى، مثله مثل الطبيب الذي يرى المريض صائراً إلى التّهلكة، فينصحه بالدواء الفلاني أو التدخّل الجراحي، ويتركه حينها يقررّ مع نفسه، هل يريد العلاج أم يختار الموت والألم والعذاب ؟
إن الحريّة في الإسلام ليست مطلقةً، إنما لها حدود وضعها الله تعالى، ولن تجد في العالم أجمع حريّة فرديّة تتعدى حدود القانون، والشريعة عند المسلمين هي قانون الله في أرضه، فلا يجوز بذلك خرقها والتعدّي عليه .
أن تكون أيها الملحد غارقاً في معصيّة، فإنّك قبل أن تقابل أحد أهل الحسبة تعرف بضميرك، أنك متّجهٌ إلى غايةٍ خاطئةٍ، ومفهوم الضمير La conscience، قد أقرّه علماء النّفس، ووصلوا إلى حقيقة إحساس الإنسان بالذنب تكون راجعةً لهذا المفهوم -2-.
تصور معي إن كنت في سفينةٍ بها أقوامٌ عديدةٌ، ورأيتَ فئةً من القوم همت تخرقها بقصدٍ أو دون قصدٍ، أفلن تنهاهم عن ذلك ؟ أم ستنظر إليهم وهم يغرقون السفينة حتى تحيطك المياه من كلّ جانبٍ ؟ ذلك مثلٌ نبويّ رائع يلخص لك الأمر، حيث يقول صلى الله عليه وسلم : (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعا) . رواه أبو داود وصححه الألباني .
فالمجتمع أشبه بتلك السفينة، وارتكاب المنكر لا يعود بالضر على مرتكبه فقط بل يعود ضرره على المجتمع بأكمله، والمنكر كالمرض يعدي النّاس فإن فشى فيهم ضاعت قيمهم وتخلّف جمهورهم عن الحياة القويمة والمنهج السّليم.
فما تعانيه البشريّة اليوم من تفكك مردّه إلى انهيار الأخلاق والابتعاد هن القيم النبيلة كأساسٍ للتعامل مع الأفراد والشّعوب، ولا تتفكك الأخلاق إلا حين انعدام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا لن ينعكس على المجتمع فقط بل على العلاقات بين الشعوب أيضا، وتكثر الهيمنة، والحروب، والقتل، وتفجع الإنسانية بطغيان أخلاق الشر بينها ! يقول سيد قطب : ” تقف البشرية اليوم على حافة الهاوية، بسبب التهديد بالفناء المعلّق على رأسها، فهذا عرض للمرض وليس المرض، ولكن إفلاسها في عالم القيم، التي يمكن للحياة الإنسانية أن تنمو في ظلالها نموا سليما وترقى رقيّا صحيحا ” .
هوامش المقال
-1- كتاب بلاغ الرسالات القرآنية، ص : 141-142.
-2- راجع كتابات مالبرانش، ودانييل دينيت، و جون بيير شانجو، و أنتونيو داماسيو، وجانك .. وكذا بعض فلاسفة الأنوار كجون جاك روسو ..
-3- سيد قطب، كتاب معالم في الطريق، ص :5.

اقرأ أيضا  الحديث يشرح الحديث
Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.