في مصر أيتام .. خطف الموت آبائهم وأبعدت السياسة أمهاتهم

في مصر أيتام .. خطف الموت آبائهم وأبعدت السياسة أمهاتهم
في مصر أيتام .. خطف الموت آبائهم وأبعدت السياسة أمهاتهم

السبت،15جمادى الثانية1436//4أبريل/نيسان 2015وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
القاهرة
“رغم أننا أحياء، إلا أنّ بناتي يتامي”.. بهذه الكلمات الممزوجة بالدموع، تحدثت معارضة مصرية أربعينية، حالت ظرف وجودها “مضطرة” خارج البلاد، دون أن تكون بين بناتها، تاركة إياهم لدى ذويها يعانون الوحدة وفراق الأم، والأب الذي فارق الحياة منذ 6 سنوات.
هيام الديب (43 عاما)، هي أمّ انضمت لجماعة الإخوان المسلمين، في وقت مبكر من عمرها، قبل أن تلتحق بحزب “الحرية والعدالة” (أسسته الجماعة عقب ثورة يناير 2011)، والذي حلته السلطات المصرية في أغسطس/ أب 2014، حتي صارت من الأسماء المطروحة للترشح علي قوائم الحزب في نطاق محافظة الجيزة، غربي القاهرة، في الانتخابات البرلمانية.
إلا أن يوم 3 يوليو/ تموز 2013 الذي شهد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، المنتمي إلى الحزب نفسه، بدل الحال والمآل.
بصوت يملؤه أسي ، تقول هيام، التي تحفظت على ذكر مكان وجودها خارج البلاد، في اتصال هاتفي مع وكالة الأناضول،: “لديّ محمد في العام الأول من الجامعة، ويارا في الصف الثاني الثانوي (التعليم ما قبل الجامعي)، وهاجر في الصف الثاني الإعدادي.. لقد صاروا يتامي في المرة الأولي عندما فقدوا والدهم قبل 6 سنوات، ثم صاروا يتامي للمرة الثانية وأنا حية ومطاردة، تحول بيننا البلدان والظروف الأمنية الصعبة التي تعيشها مصر”.
مسهبة في رواية ثنائية اليتم والوجع، تمضي الأم قائلة: “واجهت اليتم الأول بصبر، وعشت لأربي أولادي وأعوضهم غياب الأب، بالتوازي مع عملي في مجال التدريس، إلى أن جاءت الأحداث السياسية في مصر والاعتصامات، وفوجئت باعتقال محمد، ابني الأكبر، الذي كنت اعتبره كبير الأسرة، عقب فض اعتصام ميدان نهضة مصر (غرب القاهرة) في (14 أغسطس/ آب 2013)، واستمر محبوسا لمدة 8 أشهر”.
وتتابع: “حينها أحسست أن ابني، الذي لا يحمل أي توجهات سياسية، سيكون مضطهدا في مصر، وربما يعود للمعتقل بعد خروجه بتهم أخري ملفقة، ولذلك اضطررت أن أدعوه للسفر إلى خارج مصر، ليستكمل دراسته رغم صعوبة القرار وفداحته علي الأسرة.. الظلم الكبير الذي تعيشه مصر هو السبب، لقد فرّق الأسر ويتّم أبناءً، أباءهم مازالوا علي قيد الحياة”.
وبعد سفر نجلها محمد، خارج البلاد قبل أشهر، وصلت إلي الأم الأربعنية، “أخبارا من مصادر عدة (لم تحددها) بأن الفترة القادمة، ستشهد مواجهة من السلطات لسيدات الجماعة ورموزها الحزبية، وأنها إحدي اللواتي سيتم القبض عليهن في قضية ملفقة كبيرة”، بحسب هيام التي تضيف،: “وجدت نفسي موضوعة تحت مراقبة من رجال الأمن السريين منذ ذهابي للعمل وحتي عودتي للمنزل بشكل ملفت رغم أني لست مطلوبة في أي قضية”.
ولم يتسن الحصول علي رد فوري من الجهات الأمنية علي تلك الاتهامات، غير أن الأجهزة الأمنية بمصر تقول عادة إنها “تلاحق فقط المطلوبين جنائيا علي ذمة قضايا ارتكاب عنف”.
من هنا بدأت، هيام مرحلة “اليتم الثاني” لبناتها، حيث تقول: “نصحني أناس أن أغادر منزلي، وأسكن في مكان بعيد حتي تختفي الأعين الأمنية عني، لكنني خشيت أنا أعيش بمفردي مع بناتي وأنا أرملة، ويضعني هذا تحت أقاويل المجتمع الشرقي، فرفضت الفكرة، واستخرت الله ورأيت أن أسلك طريق ابني الأكبر محمد، في مغادرة الوطن، وحاولت أن أخذ البنتين معي”.
وتتابع بقولها: “لكن عندما حاولت اصطحبا البنتين معي تدخل أعمامهنّ، وأخبروني أن حالتي بعد المغادرة خارج مصر لن تكون مستقرة وبالتالي سيعاني معي البنتين، وعليّ أن أتركهن في مصر لحين استقراري في الخارج”.
وبصوت حزين، تستكمل قصتها،: “حصلت علي إجازة من عملي في التدريس وسافرت إلى الخارج (تحفظت على ذكر البلد الذي قصدته) في أغسطس (آب) الماضي وتركت ابنتي مع والدي ووالدتي، ومن حينها، لا تتوقفن عن البكاء، وأنا أشعر بما يختلجهن من أحساس اليتم”.
وتمضي بقولها: “تخيل هذه الأمور التي لا تخطر علي بال أحد، تتجمع علي البنتين اللتين تعيشان لحظات حرجة من عمرهما وتمران بفترة المراهقة، وأنا في الغربة منذ 120 يوما لا أستطيع حتي الآن، دعوتهم للمجيء للعيش معي، في ظل ظروف مالية غير ميسرة، تكاد تكفيني بالكاد أنا وأخيهم الأكبر، بعدما تمكنت من الحصول علي عمل مؤقت”.
هيام تعود بالذاكرة إلي لحظات اليتم الأول بعد فقد الأب، لتصف مشاعر بنتيها قائلة: “بعد وفاة والد أبني وبنتي، كنت أشجعهم ليشتروا الهدايا ويذهبوا إلي دور الأيتام؛ لأنها أكثر مكان سيستشعر معاناتهم وكنت أتواجد معهم، لكن الآن لست معهم ولا أستطيع أن أخفف آلالامهم”.
وعن إحساس ابنتيها هذه الأيام مع قرب الاحتفال بيوم اليتيم في مصر، الذي يصادف اليوم الجمعة، الثالث من أبريل/ نيسان، تقول الأم المصرية: “منذ أيام تحدثت معي ابنتي الكبري وهي تبكي مر البكاء، وتقولي لي إنها تحتاج لي ولوجودها معي هي وشقيقتها، وتخبرني أنهما صارتا بلا أم ولا أب يحنوا عليهن مثل كلّ البنات”.
وتتابع: “مازلت مؤمنة أن هذه الغمة ستنزاح قريبا وسنخفف الوجع عن بنات وأبناء كل الأيتام وكل المطاردين والشهداء والمظلومين، وستري مصر العدل الغائب عنها”.
ومستنكرة تتساءل: “ما الذنب الذي فعلناه لتعيش هذه الأسرة ذلك الفراق والوجع ؟، وما الذي فعله أبناء اليتامي ليعيشوا طعم اليتم مرتين وأنا علي قيد الحياة ؟”.
باقتضاب شديد، تقول الابنة يارا، لوكالة الأناضول،: “تعبت وأريد ماما.. كفاية تيتمت من والدي، مش عايزة (لا أريد) أن أشعر بإحساس اليتم مرة ثانية وأمي هي موجودة.. وما بعدهاش (لم يبعدها) عنا غير الظلم”.
حالة هيام ليست الوحيدة، التي يعيشها فيها أبناء حال اليتم، رغم وجود الأم علي قيد الحياة، حيث أبعدتها عنهم السياسة وتداعياتها.
وذاق العديد من أبناء رجال الشرطة والجيش في اليتم، لمقتل أبائهم في مواجهات مع محتجين من أنصار مرسي، أو مع جماعات مسلحة في عدة محافظات، ولا سيما في شبه جزيرة سيناء (شمال شرق).
وهو يتم ذاقه أيضا العديد من أبناء المعارضين لمقتل أبائهم أو أمهاتهم في مواجهات مع قوات الأمن، احتجاجا على الإطاحة بمرسي إثر احتجاجات شعبية مناهضة له، في خطوة يراها أنصاره “انقلابا عسكريا”، ويعتبرها مناهضون له “ثورة شعبية” استجاب إليها وزير الدفاع في عهد مرسي، الرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي.
و”علي المستوي النفسي، تبدو المسألة كجحيم حيث تدرك أحد أبويك وتعيش كأنك يتيم الأب والأم”، كما يقول لوكالة الأناضول أخصائي نفسي مطلع علي حالة هيام وعشرات من الحالات المماثلة، على حد قوله.
الأخصائي، الذي تحفظ علي ذكر اسمه حرصا علي سلامة مرضاه، يضيف: “علي مدار عام اطلعت أنا وزملاء كثر علي مئات الحالات التي تمثل حالة يتم رغم أن الأب أو الأم على قيد الحياة .. ذوي المطاردين أمنيا، المحسوبين علي المعارضة في مصر، هم الحالات التي تم رصدها، بجانب حالات لذوي الشهداء”.
ويمضي قائلا إن “هؤلاء الأولاد اليتامي وأباءهم آحياء يحتاجون جهدا اجتماعيا ونفسيا كبيرا للاندماج في مجتمع منقسم سياسيا، وهو ما يتطلب تضافر الجميع والإحساس بمسؤولية كبيرة تجاه أبناء الوطن دون تفريق”.
وحول أبرز الصعوبات التي يواجها، يوضح الأخصائي النفسي أن “كثيرا من مراحل العلاج تتعطل بسبب الانقسام السياسي، وقلة المهتمين بالجانب الاجتماعي والأسري، بجانب ظهور مشاكل سلوكية عند الأيتام خاصة المراهقين عقب بعد الأب عنهم، سواء لمقتله أو اعتقاله أو مطاردته، ووجود الأم في ظروف صعبة لا تستطيع هي الأخري تحمل مسؤولية تربية الأيتام بمفردها”.
وتتهم السلطات المصرية أنصار مرسي بممارسة “العنف والإرهاب”، بينما تقول جماعة الإخوان إنها ملتزمة بالسلمية خلال احتجاجاتها، وتتهم قوات في المقابل بتعمد قتل المحتجين، وتنتقد أحكام القضاء، فيما تردد السلطات أن “القضاء مستقل”.
وسنويا، تحتفل مصر في الجمعة الأولى من أبريل/ نيسان بيوم اليتيم، وتتسابق جميعات ومؤسسات خيرية (غير حكومية) ورسمية في الاحتفاء بأبناء اليتامي، في أجواء كرنفالية، وسط هبات عينية ومادية تمنح لهم في دور الرعاية المختلفة،وفق الأناضول.
وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.

اقرأ أيضا  مرسي: "حسبنا الله ونعم الوكيل".. والقاضي: إنت صايم بلاش تحسبن علينا
Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.