من أعظم أبواب الجهاد في الإسلام

الثلاثاء 14 محرم 1437//27 أكتوبر/تشرين الأول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
سالم جمال الهنداوي
من أعظم أبواب الجهاد في الإسلام
الحمد لله العلي القادر، القوي القاهر، الرحيم الغافِر، الكريم الستير، ذي السلطان الظاهر، والبرهان الباهر، خالق كل شيءٍ، ومالك كل ميت وحي، خلق فأحسن، وصنع فأتقن، وقدّر فغفر، وأبصر فستر، وكرم فعَفا، وحكَمَ فأخفَى، عمَّ فضلُه وإحسانه، وتمَّ حُجَّته وبُرهانه، وظهر أمره وسلطانه، فسبحانه ما أعظم شأنه!

والصلاة والسلام على المبعوث بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، فأوضح الدلالة، وأزاح الجهالة، وفلَّ السفه، وثلَّ الشبه، محمدٌ صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين، وإمام المتقين، وعلى آله الأبرار، وأصحابه المصطفَيْنَ الأخيار.

أما بعد:
فالجهاد هو ذِروة سنام الإسلام، وأبواب الجهاد في الإسلام كثيرة ليست محصورةً في بابٍ واحدٍ.

وإن مِن أعظم أبواب الجهاد في هذا الزمان: التعريفَ بصحيح الإسلام، الإسلام الصافي النقيّ، البعيد عن التشدُّد والتنطُّع والخُرافات.

الإسلام مِنحَة السماء الخالدة لأهل الأرض جميعًا، الإسلام دين الله تعالى؛ قال الله عز وجل: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾ [آل عمران: 19].

الإسلام رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ودعوته إلى العالَمين كافة،الإنس والجن.

إننا إذا استطعنا بناء الشخصية المسلمة بناءً عقديًّا وفكريًّا وسلوكيًّا وتربويًّا بناءً صحيحًا، استطعنا – إن شاء الله – أن نبني أمة بأَسرِها؛ فالفرد ثم الأسرة هما اللبنة الأولى في بناء أي مجتمع.

ولستُ أقصِدُ التعريف أو الاهتمام بجانبٍ واحدٍ فقط من الإسلام، ألا وهو العبادات، كلا؛ بل إنني أقصد التعريف بشمولية الإسلام كله؛ قال تعالى: ﴿ ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ﴾ [البقرة: 208]، والمقصود بالسلم: الإسلام.

قال الإمام ابن كثير رحمه الله: “يقول تعالى آمرًا عباده المؤمنين به، المصدِّقين برسوله، أن يأخذوا بجميع عُرى الإسلام وشرائعه، والعمل بجميع أوامره، وترك جميع زواجره ما استطاعوا من ذلك”[1].

نريد دعوةً إلى الإسلام دعوة كاملة، دعوة إلى أخلاقه وعبادته ومعاملاته، وتطبيق جميع أحكامه وشرائعه في كافة شؤون الحياة.

اقرأ أيضا  الصين وازدواجية التعامل مع مسلميها

فالإسلام ليس شعائر تعبُّديَّة تُقام في المساجد فقط؛ بل الإسلام عبادة وعمل، أخلاق وآداب، تواصُل وتراحُم.

إننا نُريد دعوة إلى الإسلام الصالح لكل زمان ومكان، الوافي لكل جوانب الحياة والروح والبدن، الفرد والجماعة.

نريد دعوةً إلى الإسلام الذي يجمع ولا يُفرِّق، الإسلام الذي يَدعو أتباعه ليكونوا أمةً واحدة، قال تعالى: ﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 92].

الإسلام الذي ينبذ العصبية والتفرُّق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ))[2].

نريد دعوة إلى الإسلام الذي يصحِّح العقيدة، ويقوِّم الفِكر، ويَغرس دعوة التوحيد بفهمها الشامل في عقول وقلوب المسلمين.

نريد دعوة إلى الإسلام الذي يُعمِّر الأرض، ويدعو أتباعه للعمل والبناء والتقدُّم والرخاء؛ قال تعالى: ﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾ [هود: 61]، وقال تعالى: ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُون﴾ [التوبة: 105].

نريد دعوة إلى الإسلام الذي يدعو إلى الألفة والمحبة، والتقارُب والإخاء، والتواصُل والتراحُم؛ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((والذي نَفسي بيَدِه، لا تَدخلُوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أفلا أدلكم على أمر إذا فعلتُموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم))[3].

نريد دعوة إلى الإسلام الذي يحثُّ أتباعه على طلب العلم والقراءة والارتقاء في درجات العلم، والبحث والنظر في الآيات الكونية.

قال تعالى: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [العلق: 1]، وقال تعالى: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11]، وقال تعالى: ﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [الزمر: 9]، وقال تعالى: ﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ ﴾ [الرحمن: 33].

اقرأ أيضا  سووا صفوفكم (خطبة)

نريد دعوةً إلى الإسلام الذي يَرعى ويحفَظ حقوق غير المسلمين في المجتمعات الإسلامية كاملةً غير مَنقوصة، يَحقِن دماءهم ويَحفظ أموالهم وأعراضهم؛ قال تعالى: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الممتحنة: 8].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا مَن ظلم معاهدًا، أو انتقَصه، أو كلَّفه فوق طاقتِه، أو أخَذَ منه شيئًا بغير طيب نفْس، فأنا حجيجه يوم القيامة))[4].

نريد دعوةً إلى الإسلام الذي يرعى الفقراء والضعفاء واليَتامى والأرامل، ويفرض لهم حقوقًا واجبة الأداء؛ قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾ [المعارج: 24، 25] وقال تعالى: ﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ ﴾ [الضحى: 9، 10]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 60]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنا وكافل اليتيم في الجنَّة هكذا))، وقال بإصبعَيه السبابة والوسطى[5].

نريد دعوةً إلى الإسلام الذي جعل للأسرة قداسَةً، فطلب حسن الاختيار من كلا الزَّوجين، ودعاهما إلى الرحمة والمودَّة، والحب فيما بينهم جميعًا، ورعاية وحفظ النشء الصغير؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ [التحريم: 6].

“لقد عُني الإسلامُ ببناء الأسرة؛ لأنها أساس المجتمع، ومن أفرادها تتآلَف لبناته، فإن صلحت صلح المجتمع وقامت أركانه، ولا يقوم البناء بدون أُسس تُرسى دعائمه عليها، فإن كانت قويةً سليمةً قام البناء ونهض، وإن كانت ضعيفة غير سليمة خرَّ البناء وانهار”[6].

إنَّ المسلمين – رجالاً ونساءً، صغارًا وكبارًا – يحتاجون دائمًا إلى الموعظة الحسَنة، والكلمة الطيبة.

يَحتاجون إلى من يُبيِّن لهم حقائق الإسلام ومقاصد الشريعة، يَحتاجون إلى مَن يُحدِّثهم عن محاسن الإسلام وآدابه وأخلاقه.

اقرأ أيضا  خديعة الاستيطان

فأين الدعاة المُجاهدون، الصادقون المخلصون، الصَالِحون المُصْلِحون من أبناء هذه الأمة؛ ليقوموا بالدعوة الصادقة، والموعظة الحسنة إلى دين الإسلام كما أنزله الله عز وجل على محمد صلى الله عليه وسلم، رحمة الإنسانية ورسول البشرية؟!

قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33].
قال الحسن: هو المؤمن الذي أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب إليه، وعمل صالحًا في إجابته، وقال: إنني من المسلمين[7].

“لقد جاء الإسلام بالأسلوب الكاشف لكل الحقائق الخالِدَة، وأهدى البشرية هذا المنهج الجديد القديم، مجدّدًا مَصوغًا في بيان عربي مبين.

ولقد يسَّر الله القرآن للذكر حتى تنشأ أمة تتعامل بالأسلوب الرباني، وتعلو به على مختلف الأساليب والمناهج البشرية، تعلو به أسلوبًا في الأداء، ومنهجًا في الفكر والحياة، فتنشأ تلك الأمة المختارة لحمل الأمانة والتماس بناء مجتمع الله في الأرض، والتي تؤهل نفسها لتكون قادرة على اجتياز آفاق السماء إلى دار الخلود))[8].

________________________________________
[1] انظر: تفسير ابن كثير (1/ 565).
[2] أخرجه البخاري (4905)، ومسلم (2584).
[3] أخرجه أبو داود في سننه (5193)، والترمذي في سننه (2688).
[4] أخرجه أبو داود في سننه (3052).
[5] أخرجه البخاري (6005).
[6] انظر: من توجيهات الرسول صلى الله عليه وسلم؛ للدكتور أحمد عمر هاشم (18).
[7] انظر: تفسير البغوي (7/ 173).
[8] انظر: عالمية الإسلام؛ للأستاذ أنور الجندي (62).
الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.