نتنياهو يغزو أفريقيا في عقر الأمم المتحدة

أ.د. محمد رمضان الأغا

الثلاثاء 25 ذو الحجة 1437/ 27 سبتمبر/ أيلول 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا”

قبل أيام تحدث نتنياهو أمام الجمعية العمومية في خطابه (الذي حاول فيه ترسيخ أستاذية -إسرائيل- للعالم)؛ أنه سيلتقي مع (17) رئيسا إفريقيا ليس على هامش جدول زيارته بل في صلبها أو العصب منها. طبعا غني عن التذكير أن جهود تنسيق هذا اللقاء أو القمة (الإسرائيلية الافريقية) قد تمت من خلال نشاط دبلوماسي صهيوني محموم ومكثف خلال شهور لوزارة الخارجية الصهيونية وخبراء اقتصاديين وتنمويين في القارة السوداء وفي نيويورك وجبهات سياسية أخرى متعددة وخفية.

وقبل حوالي شهرين قام نتنياهو بزيارة إلى أفريقيا والتقى العديد من رؤساء الدول الأفريقية. وتكتسب هذه الزيارة أهميتها كونها ثاني زيارة لرئيس وزراء صهيوني لأفريقيا منذ زيارة رابين للمغرب في أوائل التسعينيات من القرن الماضي 1993. اللافت في لقاءات نتنياهو أنها جمعت العديد من الرؤساء الأفارقة في اجتماع قمة كان فيه نتنياهو نجمها الأوحد؛ وأخذ يلقي عليهم دروسا في السياسة والاقتصاد والزراعة والتنمية والعلاقات الدولية وكيف هو حرص دولته (إسرائيل) على مصالح أفريقيا وشعوبها. وأن دولته تمتلك مفاتيح سحرية لتنمية وتطوير البلاد الأفريقية من خلال نقل الخبرة والتكنولوجيا لدولهم.

ولأن الشيءَ بالشيء يذكر فلقد نجح نتنياهو أخيرا في عقد أكبر صفقة دعم لدولته من اميركا بلغت 38 مليار دولار على مدار عقد من الزمان وقبل مغادرة أوباما لمكتبه البيضاوي وهي صفقة العمر وصفقة الوداع؛ ونجح أيضا في تغيير بعض توازنات سياسية واستراتيجية في المنطقة خلال الثورات العربية وكذلك خلال العدوان على غزة 2014. وهو يسجل ذلك بفخر واعتزاز خلال خطابه أمام الجمعية العمومية أخيرا.

اقرأ أيضا  المشترك في مشاريع إصلاح التعليم في العالم الإسلامي

من المعروف طبعا أن أفريقيا تمثل اليوم قيمة استراتيجية للعديد من الدول الكبرى وفي مقدمتها الصين كسوق لمنتجاتها واستثماراتها التي غزت بها العالم حتى أصبحت القوة الاقتصادية الأكبر عالميا منافسة أميركا ودول أخرى كاليابان وبعض الدول الأوروبية. أفريقيا -القارة السوداء- أو قارة الذهب باعتبارها تحتوي على أعلى احتياطي عالمي للذهب واليورانيوم ولم يتم بعد الاستثمار الكامل لكثير من هذه الثروات ذات القيمة الاقتصادية في موازين القوى. فأفريقيا تعتبر ثاني أكبر قارة بعد آسيا مساحة و سكانًا.

اذ تتجاوز مساحتها 30 مليون كيلو متر مربع؛ وسكانها يزيدون على المليار؛ نصفهم تقريبا يدينون بالإسلام؛ ويبلغ عدد دولها حوالي 54 دولة. لها أهمية جغرافية و سياسية واقتصادية من حيث توسطها للعالم وتحكمها في الممرات والطرق الدولية كقناة السويس وجبل طارق وباب المندب. راسمو الاستراتيجيات الكونية يولون أفريقيا أهمية كبرى من حيث إمكانياتها المختلفة والتي تجعل لها وزنا مهما في الأحداث والسياسات الدولية؛ وربما يفسر ذلك توجه العديد من الدول الكبرى نحو الساحة الأفريقية لتعددية مواردها.

الأهم في الموضوع أن العرب وكعادتهم مشغولون في صراعاتهم الداخلية وليس لهم شأن بأفريقيا واهميتها الجيوسياسية لهم ولمستقبلهم المرتبط حيويا بمستقبل جيرانهم الأفارقة ؛ وما سد النهضة وتعقيداته واهميته عن التفكير ببعيد. حيث مطلوب في الاستراتيجية الصهيونية تعطيش بل وتجفيف نهر النيل في السودان ومصر معا؛ والصهاينة يعملون بقوة للسيطرة على الموارد المائية العربية؛ وهي معركة بدأت حتى قبل ان يقيموا دولتهم في فلسطين. لقد كانت واحدة من اهم زيارات نتنياهو لأفريقيا هي زيارة اثيوبيا لما لها من أهمية كبرى سياسيا ومائيا؛ سياسيا كون اديس أبابا مقر منظمة الوحدة الافريقية؛ ومائيا إذ تخنق مصر والسودان من خلال السيطرة على منابع النيل في الحبشة والتحكم في كميات المياه المتجهة شمالا باكتمال بناء سد النهضة .

اقرأ أيضا  فلسفة إندونيسيا ريندانغ في منتدى الأمم المتحدة للسياحة

كانت أفريقيا شبه محسومة سياسيا لصالح فلسطين والعرب ككتلة دعم نضالي؛ وكتلة تصويتية في المؤسسات الدولية؛ وقد قطعت حوالي 20 دولة افريقية علاقاتها مع دولة الاحتلال في أعقاب حرب أكتوبر 73. لكن هذه الكتلة تفككت بعد كامب ديفيد وأوسلو وأصبحت العديد من الدول الأفريقية تنشئ علاقات جديدة أو تعيد علاقاتها مع الكيان الصهيوني. وربما غني عن القول أن دولتي روندا ونيجيريا كانتا عضوين بمجلس الأمن خلال العدوان الصهيوني على غزة 2014 ؛ وحسب مصادر الخارجية الصهيونية فإنهما لعبتا دورا سياسيا ودبلوماسيا مهما في إحباط قرارات إدانة للعدوان من قبل مجلس الأمن مما حال دون عرضها للتصويت. هذه الدول وغيرها كانت بالأمس رصيدا نضاليا فلسطينيا خالصا؛ لكن الفشل الدبلوماسي خلال عقدين من الزمن أو أكثر للمؤسسة الرسمية المسؤولة عن العلاقات الدبلوماسية كان سببا رئيسا في ذلك.
الدبلوماسية الفلسطينية ورطت نفسها في قضايا لا تمت للنضال الفلسطيني بصلة في كثير من الأحيان وبدت سفاراتنا غائبة عن المشهد السياسي والدبلوماسي في افريقيا؛ وهي لذلك في حاجة إلى مراجعات عميقة وحقيقية. ففقدان دعم عشرات الدول التي كانت مؤيدة للحقوق الفلسطينية يوما ما هو قمة الفشل. لقد وقف نتنياهو مفاخرا خلال عدوان 2014 على غزة أن أهم نتيجة استراتيجية للحرب هي إقامة تحالفات صهيونية مع دول إقليمية بعضها افريقية. بينما العكس تماما يحدث في السياسات الخارجية الفلسطينية خسارات تتلوها خسارات وخيبات تتلوها أخرى.

اقرأ أيضا  مسار جديد للثورة

الفشل الدبلوماسي والتراجع السياسي الفلسطيني بحاجة إلى إعادة نظر أمام اكتساح الدبلوماسية الصهيونية لجبهات سياسية كانت بالأمس ماركة مسجلة للفلسطينيين. الدبلوماسية ليست حكرا على المؤسسة الرسمية الفلسطينية أو السلطة أو الخارجية فلقد تجاوزت الدبلوماسية الحديثة هذه المؤسسات نحو دبلوماسية الشعوب ودبلوماسية المنظمات غير الحكومية ودبلوماسية الاقتصاد والشركات والتنمية ومجالات أخرى متعددة تفضح التقصير الرسمي وتحاصره داخليا وخارجيا.

إن خساراتنا المتتالية على الجبهات السياسية والدبلوماسية هي إنذار خطير بل ومتأخر جدا ايضا؛ مما أضر بالمصالح العليا لشعبنا وقضيتنا؛ إن قوة الأمم والدول اليوم تقاس بعلاقاتها وتحالفاتها ومدى قدرتها على التنسيق والتناغم مع دول الإقليم وما وراء الاقليم؛ إن المحافظة على مكتسباتنا السياسية المتمثلة في العلاقات الدبلوماسية تكاد تكون أهم من فتح علاقات جديدة برغم أهميتها وللأسف عدم وجودها. لقد فقدت القضية الفلسطينية بالترهل السياسي والدبلوماسي كثيرا من مواقعها المتقدمة الدبلوماسية الدولية والإقليمية.

المصدر : فلسطين أون لاين

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.