نعمة الإسلام
السبت 14 ذو القعدة 1436//29 أغسطس/آب 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
الشيخ عبدالعزيز بن محمد العقيل
نعمة الإسلام
الحمد لله على نعمة الإسلام وتعاليمه السامية، التي أنقَذ بها البشرية من ظلمات الجهل والتصرُّفات الوحشية، وأشهد أنْ لا إله إلا الله الواحد الأحد الفرد الصمد، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيُّه من خلقه، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعدُ:
فلقد كان البشر قبل الإسلام أحطَّ من الوحوش في الغابة، يأكل القويُّ الضعيف، ويتعالى المغرور على الحقير من نظره، فلمَّا بعث الله نبيَّنا محمدًا – صلى الله عليه وسلم – أنقذ الله به مَن أراد هدايته، فعاش المسلمون في سعادة متآلفين متعاونين، لا فضل لعربي على عجمي، ولا لأبيضَ على أسودَ، إلا بالتقوى، متحابِّين كما قال نبيُّنا – صلوات الله وسلامه عليه -: ((لا يؤمن أحدكم؛ حتى يحبَّ لأخيه ما يحب لنفسه)).
ولَمَّا تمسَّك المسلمون بإسلامهم وتعاليمه العظيمة، انتشر الإسلام، وكَثُرت الفتوحات، ودخَل الناس في دين الله أفواجًا؛ حيث وَجدوا فيه ما يتَّفق مع فِطَرهم السليمة؛ فإن الله – سبحانه وتعالى – هو خالق البشرية والعالِم بما يُصلحهم ويَصلح لهم؛ ولذا فإن البشر كلما ابتعدوا عن الإسلام وتعاليمه، نالهم من الشقاء بقدر بُعدهم.
وفي هذه الأزمان يعاني معظم البشر ما يُعانونه من حروب طاحنة، تُصنَع آلاتُها بقُوتِ البشر ممن يموت في الصحاري والكهوف جوعًا، وتحت أنقاض المباني المدمَّرة، وبالأمراض الفتَّاكة، وأصبح الكثير من البشر عدوًّا للبشر – مسلمهم وكافرهم – وتناسى أن الإسلام حافَظ على حياة البشر: مسلمهم وكافرهم.
فحين فتَح المسلمون معظم البلاد، ولم يقبل البعض من الكفار الدخولَ في الإسلام، وقَبِل ببذْل الجزية – وهي شيء رمزي – حافَظ المسلمون عليه، مع أن الجزية لم تُؤخذ من الفقير والعاجز والصغير والمرأة، بل ربما آل الأمر إلى أن يُعطَى هذا العاجز ما يَحفظ حياتَه.
كما أن الإسلام حافَظ على حياة الحيوان والطير، فقصة المرأة التي حبَسَت الهرةَ، والبغيِّ التي سقَت الكلبَ، والنهي عن اتخاذ الطير هدفًا يُرمى – كلها قصص مشهورة تفيد أن الإسلام حافَظَ على حياة الحيوان،فكيف بابن آدم الذي كرَّمه الله؟!
فإن أطاع مولاه، سعِد في دنياه وأُخراه، وإن كفَر بالله وعصاه، ناله في دنياه ما يستحقه من عيش البهائم، وإن مات كافرًا، فمصيره إلى النار، وإن مات مسلمًا عاصيًا، فأمره إلى الله، إن عُفِي عنه، وإلا ناله ما يستحقه من جزاء، ومصيره إلى الجنة بفضْل مولاه؛ ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [يونس: 44].
ولا يَسَعُ البشريةَ إلا الإسلامُ وتعاليمه السامية السمحة؛ فالعبد يحتاج إلى إيمان صادق، يؤمن بالله وملائكته، وكُتبه ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشرِّه، ويَمتثل أوامر الله، ويحتاج إلى تقوى يتَّقي بها ما نهى الله عنه ورسوله، ويحتاج إلى احتسابٍ في عمله فيما يأتي ويذَر؛ فإنه بهذا يرتاح ويربح غيره، فقد يعمل العمل ويأخذ عليه أُجْرَةً وأجرًا؛ (يرحم الله امرأً صنع صنيعة ويعمل عملاً من أعمال البر يُؤجر عليها في الدنيا والآخرة، فالله أفرح بتوبة العبد من الوالدة بولدها)، فتعاليم الإسلام تريح العباد فيما يأتون ويَذَرون.
ولو رجَعنا لحادث الاعتداء على صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف الذي آلَمنا وأحزَننا، لعرَفنا مخالفته لتعاليم الإسلام، وما ينبغي أن يكون عليه المسلم.
فالمعتدي أقدم على قتْل نفسه، وقد نهى الله عن ذلك وتوعَّد عليه بالعقوبة، وفكَّر في قتْل غيره ممن أمَّنه غدرًا وخيانة، وقد نهى الله عن ذلك، وتوعَّد عليه بالعقوبة.
فكيف يتجاهل مثلُ هذا تعاليمَ الإسلام التي تُريحه وتريح منه، ولم يُفكر في عقوبات الدنيا والآخرة؟!
فنحمد الله على سلامة الأمير محمد، ونرجو الله أن يُعينه على ما يقوم به من عملٍ، وأن يَحفظ على بلادنا أمْنَها واستقرارَها، وتماسُك شعبها مع ولاة أمرها، وأن يردَّ كيْد الكائدين في نحورهم.
كما أن ما حصل بعد هذه الحادثة من تساؤلات حول جامعة الملك عبدالله – حفِظه الله وأيَّده بتوفيقه – خصوصًا ما يتعلق باختلاط الرجال بالنساء، فأرى أن تعاليم الإسلام كافية في حلِّ ما أشكَل، فلو قيل: بالاجتماع لا بالاختلاط، لكان حلاًّ وسطًا، فيمكن أن يكون الرجال في جهة من صالة الاجتماع، والنساء في جهة أخرى من الصالة نفسها، فيتلقَّى الجميع الدرس والمحاضرة في آن واحد، مع احتفاظ كلٍّ بكرامته، فالرجال برجولتهم، والنساء بأُنوثتهم، مع استفادة الجميع في آن واحد دون احتكاكٍ، فالرجل له كرامته، والمرأة لها كرامتها.
فالاجتماع يغاير الاختلاط، فالمرأة – وهي في عبادة – تُصلي خلف الرجال في المسجد، وقد أخبر نبيُّنا – صلوات الله وسلامه عليه – أن خيرَ صفوف النساء آخِرها، وشرها أوَّلها، وأن خير صفوف الرجال أوَّلها، وشرها آخِرها،فما المانع أن تكون النساء في جهة والرجال في جهة؟!
وعند الانصراف يتأخَّر الرجال حتى تخرج النساء؛ كما أمر بذلك نبيُّنا – صلوات الله وسلامه عليه – عند انصراف المصلِّين رجالاً ونساءً من المسجد، ويكون هذا الحل كدعوة للإسلام من المسلمين.
أما الاختلاط، فهو وسيلة لشرور أدرَكها الأعداء، ونقَدها المُنصفون منهم، بعد أن ذاقوا مرَّ ثمره، فنحن في غُنية عن تعاليم الأعداء، مع الإفادة والاستفادة بما يَصلح ويُصلح، دون أن يترتَّب عليه إضرار ومفاسد، وإخلالٌ بالثوابت.
إن نبيَّنا – صلوات الله وسلامه عليه – حذَّر من فتنة النساء، وأخبر أن أوَّل فتنة بني إسرائيل كانت في النساء، فلا داعي للعناد والمكابرة، والحلول موجودة في الإسلام وتعاليمه السامية، فهل منَع الإسلام من صناعة وسائل النقل والاتصالات المفيدة، وتعلُّم الطب حتى من المرأة، مع الحفاظ على كرامتها، وعدم السفور والاختلاط؛ لتُعالج النساء؟!
إننا في حاجة إلى إيمان وتقوى واحتساب فيما نأتي ونذَر، ونشر تعاليم الإسلام في أوساط المجتمع من البيت والمدرسة ووسائل الإعلام، وبهذا نوفر جهودًا كبيرة فيما يسمى بمكافحة الإرهاب التي أُلصِقت بالمسلمين، وإن فعل شيئًا من ذلك مَن ينتسب للإسلام أو من المسلمين الجاهلين، فلا يُنسب للإسلام فعْلُ مَن خالف تعاليم الإسلام؛ ﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ [الأنعام: 164].
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
الألوكة