القرآن الكريم: منهج متكامل لإصلاح المجتمع

الجمعة 16 جمادى الثانية الموافق 26 أبريل 2013(مينا). 

  

 بقلم الأستاذ الدكتور محمود فجال

مقدمة :

الحمد لله الذي أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم بالهدى والتبيان .والصلاة والسلام على نبينا محمد المؤيد بالمعجزات والفرقان . وعلى آله وأصحابه الذين اتبعوا نهجه ، وساروا على هدية ، وتخلقوا بأخلاق القرآن .

أما بعدُ : فقد كان عربُ الجاهلية قبلَ مبعث النبي صلى الله عليه وسلم  يعبدون الأوثانَ ، ويئدون البناتِ ، ويستعبد قويُّهم ضعيفَهم ، ويتحاربون لأتفه الأسباب أعواماً عديدة .

والعالمُ من حولهم في صراع مستمر ، فمنهم من يعبد الآلهةَ الباطلةَ ، ومنهم من يقول بالتثليث ، ومنهم من يعبد البقر ، ويسجد للحجر والشجر ، ومنهم من يستحل الأمهات والبنات . ومنهم من يروِّج الأكاذيبَ ويفتري على الله ، جل وعلا .

 كان العالمُ إذ ذاك يتخبط في الظلام والظلم ، والاستعباد والقهر . كانت لهم أعمالٌ مشينة ، وعاداتٌ سيئة . كانوا أمماً شقيَّةً ، وفِرَقًا ضائعة ممزقه منحرفة عن نهج الله عزوجل وتعاليمه ، وهدي النبوة .

 وفي هذا الظلام المدلهم وهذا التيه والتخبط ، والحروب والظلم بَعَثَ اللهُ رسولَه الكريم محمدًا صلى الله عليه وسلم  مؤيدًا بالمعجزة العظمى ، بالقرآن الكريم ، الذي أذهل العربَ أهلَ الفصاحة واللسن ، بفصاحته وأحكامه وتعاليمه . قال – تعالى – : ﴿ قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ﴾ (الإسراء : 88).

 قال « ابن كثير » (1) : « أخبر – تعالى- أنه لو اجتمعت الإنس والجن كلهم ، واتفقوا على أن يأتوا بمثل ما أنزله الله على رسوله ، لما أطاقوا ذلك ولما استطاعوه ، ولو تعاونوا وتظافروا فإن هذا أمر لا يستطاع ، وكيف يشبه كلامُ المخلوقين كلامَ الخالق ، الذي لا نظير له ، ولا مثالَ له ، ولا عديلَ له ؟! » .

 وقد تكفَّل الله – سبحانه – بحفظه بقوله : ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ (الحجر : 9) .   قال « ابن كثير » (2) : « قرر – تعالى – أنه هو الذي أنزل الذكر ، وهو القرآن ، وهو الحافظ له من التغيير والتبديل » اهـ .

 والله – سبحانه – جعله معجزةً باقية على تطاول الأزمان ، واتساع الأوطان . والقرآنُ الكريم لم يترك جانبًا من جوانب الحياة المتعلقة بالإنسان إلا أتى عليه ، ورسم له المنهج الصحيح ؛ ليسير على هديه ، ويستضيء بنوره .

  لقد رسم القرآن الكريم لبني آدم ما يصلحهم في الحياة الدنيا ، وما يجلب لهم المثوبة في الآخرة .     والقرآن الكريم منهج متكامل ، متفرع الجوانب ، رَسَمَ محاورَ كثيرةً لإصلاح المجتمع .

ومن العسير التطوافُ عليها جميعًا ، لذا سأتناول جانباً من جوانبها ، وسأتكلم على ثلاثة محاور منها ، وهي :

المحور الأول  : الهدف العام من إنزال القرآن الكريم .

المحور الثاني   : علاقة الإنسان بربه .

المحور الثالث : علاقة الإنسان بمجتمعه .

وعلى الله اعتمادي ، وعليه توكلي ، وبه أستعين ، وله الحمد في الأولى والآخرة .

***

 

المحور الأول

 

( الهدف العام من إنزال القرآن الكريم )

   

    وفيه الصفات الآتية :

    الصفة الأولى : كتاب هداية للناس .

    الصفة الثانية  : دعوته إلى العلم .

    الصفة الثالثة  : دستور هذه الأمة .

    الصفة الرابعة : الوسطية والاعتدال

*****

الصفة الأولى : كتاب هداية للناس

 أنزل الله – تعالى – القرآنَ الكريم هدًى للناس ، وفرقانًا بين الحق والباطل ، وتبيانًا لكل شيء في حياة الإنسان .

جعله الله – سبحانه – تشريعًا خالدًا إلى يوم القيامة ، فَمَنْ تَبِع هُداه فاز ونجا .

 قال تعالى : ﴿ إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشِّرُ المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً ﴾ (الإسراء : 9) .

 قال « ابن كثير » (3) : « يمدح – تعالى – كتابه العزيز الذي أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم  وهو القرآن ، بأنه يهدي لأقوم الطرق ، وأوضح السبل ( ويبشرُ المؤمنين ) به ( الذين يعملون الصالحات ) على مقتضاه ( أنَّ لهم أجرًا كبيراً ) أي : يوم القيامة » اهـ .

قال الله – سبحانه – : ﴿ فذكِّر بالقرآن مَنْ يخافُ وعيد ﴾ (ق : 45) .

 قال « قتادة » : اللهم اجعلنا ممن يخافُ وعيدَك ، ويرجو موعودك (4) .

 وقال « ابن كثير » (5) : « يقول – تعالى – مخبراً عن كتابه الذي أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم  ، وهو القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنْزيل من حكيم حميد .

 قال – تعالى – : ﴿ ونُنَزِّل من القرآن ما هو شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين ﴾ (الإسراء : 82) ، أي : يُذْهِبُ ما في القلوب من أمراض ، من شك ونفاق ، وشرك وزيغ وميل .

  فالقرآن يَشْفي من ذلك كله ، وهو أيضًا رحمةٌ يحصل فيها الإيمان والحكمة وطلب الخير والرغبة فيه ، وليس هذا إلا لمن آمن به ، وصدقه واتَّبعه ، فإنه يكون شفاءً في حقّه ورحمةً » اهـ .

الصفة الثانية : دعوته إلى العلم

جاءت دعوةُ القرآن إلى العلم في أول سورة أُنزلت ، وهي سورة العلق فنوّه بشرف التعليم والعلم فقال – تعالى – : ﴿ اقرأ باسم ربك الذي خلق . خلق الإنسان من علق . اقرأ وربك الأكرم . الذي علَّم بالقلم . علم الإنسان مالم يعلم ﴾ (العلق : 1 – 5) .

 قال « ابن القيم » (6) – رحمه الله – : « والتعليم بالقلم من أعظم نعمه على عباده ، إذ به تخلد العلومُ ، وتثبت الحقوق ، وتُعلم الوصايا ، وتُحفظ الشهادات ، ويضبط حساب المعاملات الواقعة بين الناس .. فنعمة الله عزوجل بتعليم القلم بعد القرآن من أجل النعم .. » اهـ .

 وبين فضل آدم عليه السلام بالعلم ، ليكون مؤهَّلا للاستخلاف في الأرض في تنفيذ أوامر الله – تعالى – فقال: ﴿ وعلم آدم الأسماء كلها ﴾ (البقرة : 31).

 وامتَنَّ اللهُ – سبحانه – على عباده بالعلم ، الذي من أعظمه القرآنُ فيسر حفظَه وفهمَه على من رحمه (7) فقال : ﴿ الرحمن . علم القرآن . خلق الإنسان . علمه البيان ﴾ (الرحمن : 1 – 4) .

 ورَفَعَ شأن العلماء فقرن شهادته – تعالى – بشهادة الملائكة وأهل العلم على أجل مشهود عليه ، وهو توحيدُه – تعالى – وقيامُه بالعدل فقال : ﴿ شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط ﴾ (آل عمران : 18) . وهذه خصوصية عظيمة للعلماء في هذا المقام (8) .

ونوَّه – تعالى – بمكانة العلماء ، وفضلِهم ، ورفعِ درجاتهم فقال : ﴿ يرفعِ الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ﴾ (المجادلة : 11) .

وقال : ﴿ إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ ﴾ (فاطر : 28) .

 وعن « ابن مسعود » رضي الله عنه أنه قال : « ليس العلمُ عن كثرة الحديث ، ولكن العلمَ عن كثرة الخشية » .

  وقال « مالك » : « إن العلمَ ليس بكثرة الرواية ، وإنما العلمُ نورٌ يجعله الله في القلب » (9) .

 وأمَرَ الله – سبحانه – نبيه صلى الله عليه وسلم  بطلب الاستزادة من العلم فقال : ﴿ وقل ربِّ زدني علماً ﴾ (طه : 114) .

وعن « أبي هريرة » رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول : ( اللهم انفعْني بما عَلَّمتني ، وعَلِّمني ما ينفعني ، وزِدْني علماً ، والحمد لله على كل حالٍ ، وأعوذُ بالله من حالِ أهلِ النار ) (10) .

 

الصفة الثالثة : دستور هذه الأمة

 

من اتبع هديَ القرآنِ الكريم ، وترسَّم خطاه فاز في الدنيا ، وأفلح في الآخرة ، ومن أعرض عنه إلى القوانين الوضعية التي هي من أفكار البشر خسر خسرانًا كبيرًا ، وكانت حياته همًّا وغمًّا .

قال « ابن كثير » (11) : « قال الله – تعالى – : ﴿ ومن أعرض عن ذكري ﴾ أي : خالف أمري ، وما أنزلته على رسولي ، أعرض عنه وتناساه ، وأخذ من غيره هداه ﴿ فإنَّ له معيشةً ضنكاً ﴾ في الدنيا ، فلا طمأنينة له ، ولا انشراح لصدره ، بل صدره ضيق حَرَج لضلاله ، وإن تَنَعَّم ظاهرُه ، ولبس ما شاء ، وأكل ما شاء ، وسكن حيث شاء ، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى ، فهو في قلق وحيرة وشك ، فلا يزال في ريبه يتردد ﴿ فإن له معيشةً ضنكاً ﴾ أي : الشقاء ، كما قال « ابن عباس » . ﴿ ونحشره يوم القيامة أعمى ﴾ أي : لا حجة له .

ويحتمل أن يكون المراد : أنه يحشرُ أو يبعث إلى النار أعمى البصر والبصيرة أيضاً ﴿ قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً . قال كذلك أتتك آياتُنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى ﴾ (طه : 124 – 126) أي : لما أعرضت عن آيات الله ، وعامَلْتها معاملةَ من لم يذكرها بعد بلاغها إليك تناسيتها ، وأعرضت عنها وأغفلتها ، كذلك نعاملك اليوم معاملة من ينساك » .

والحكمُ بالقرآن الكريم سعادةٌ . قال الله – تعالى – : ﴿ إنا أنزلنا إليك الكتابَ بالحق لتحكمَ بين الناس فيما أراك الله ﴾ (النساء : 105) .

وعِلْمُ اللهِ – تعالى – لا يحتمل الخطأ . فكلُّ ما جعله الله حقاً في كتابه فقد أمر بالحكم به بين الناس .. وأن الله أنزل عليه الكتاب ليحكم بالطرق والقضايا الدالة على وصف الأحوال التي يتحقق بها العدل ، فيحكم بين الناس على حسب ذلك ، بأن تندرج جزئياتُ أحوالهم عند التقاضي تحت الأوصاف الكلية المبينة في الكتاب (12) .

قال « ابن القيم » (13) : « أخبر – سبحانه – أن كل حكم خالف حكمَه الذي أنزله على رسوله فهو من أحكام الهوى ، لا من أحكام العقل ، وهو من أحكام الجاهلية ، لا من حكم الله والهدى » .

 

قال – سبحانه – : ﴿ وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ . أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ (المائدة : 49 ، 50) .

 

قال « ابن القيم » (14) : « قد أقسم الله – سبحانه – بنفسه أنا لا نؤمن حتى نُحكّم رسولَه في جميع ما شَجَرَ بيننا ، وتتسع صدورُنا بحكمه ، فلا يبقى منها حرجٌ ، ونسلم لحكمه تسليماً ، فلا نعارض بعقل ولا رأي ، ولا هوى ولا غيره » .

قال – تعالى – : ﴿ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً ﴾ (النساء : 65).

وقال أيضاً (15) : « ويجب ردّ موارد النِّزاع في كل ما تنازع فيه الناس من الدين كله إلى الله ورسوله ، لا إلى أحد غير الله ورسوله . فمن أحال الرد على غيرهما فقد ضادَّ أمر الله ، ومن دعا عند النِّزاع إلى حكم غير الله ورسوله فقد دعا بدعوى الجاهلية ، فلا يدخل العبد في الإيمان حتى يَرُدَّ كل ما تنازع فيه المتنازعون إلى الله ورسوله » .

قال الله – تعالى – : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾ (النساء : 59) .

 

الصفة الرابعة : الوسطية والاعتدال

 

وقد وصف الله – تعالى – هذه الأمة بأنها أمةٌ وسط ، أي : خيار .

قال الله – تعالى – : ﴿ وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً لتكونوا شهداءَ على الناس ويكونَ الرسولُ عليكم شهيداً ﴾ (16) (البقرة : 143) .

قال « ابن كثير » (17) : « ولما جعل الله هذه الأمة وسطاً خَصَّها بأكمل الشرائع ، وأقوم المناهج ، وأوضح المذاهب ، كما قال – تعالى – : ﴿ هو اجتباكم وما جَعَلَ عليكم في الدين من حرج ﴾ (الحج : 78) » اهـ .

قال « ابن القيم » (18) : « أخبر الله – تعالى – أنه جعلهم أمةً وسطاً ، أي : خياراً عدولاً . هذه حقيقة الوسط . فهم خيرُ الأمم وأعدلُها في أقوالهم وأعمالهم وإرادتهم ونياتهم ، وبهذا استحقوا أن يكونوا شهداء للرسل على أممهم يوم القيامة » اهـ .

وسمة هذه الشريعة بأنها شريعة السماحة ورفع الحرج (19) .

قال – سبحانه -: ﴿ ما يُريدُ الله ليجعل عليكم من حرج ﴾ (المائدة : 6).

 قال « الشاطبي » (20) : « إن رفع الحرج مقصود للشارع في الكليات ، فلا تجد كلية شرعية مكلفاً بها وفيها حرج كليٌّ أو أكثري البتة .مقتضى قوله: ﴿ وما جعل عليكم في الدين من حرج ﴾ (الحج: 78) » اهـ .

ومن نتائج الوسطية العدل في الحكم ، فلا إفراط ولا غلو ولا إكفار ولا جفاء .     وكذلك لا تفريط ولا جور ولا تساهل .

 

المحور الثاني

 

( علاقة الإنسان بربه )

 

    ويشتمل على أركان الإسلام الخمسة الآتية :

    الركن الأول   : عقيدة التوحيد .

    الركن الثاني   : إقام الصلاة .

    الركن الثالث  : إيتاء الزكاة .

    الركن الرابع    : صوم رمضان .

    الركن الخامس : حج البيت .

تمهيد :

يتحقق ارتباط المرء بربه بأدائه لأركان الإسلام ، ودعائمه العظام ، وهي خمسة . قال « عبد الله بن عمر » – رضي الله عنهما – : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول : ( بُني الإسلامُ على خمسٍ : شهادةِ أن لا إله إلا الله ، و أن محمداً رسولُ الله . وإقامِ الصلاةِ . وإيتاءِ الزكاةِ . وصومِ رمضانِ . وحجِّ البيتِ ) (21) .

 

وهذا الحديث عظيم جداً . فهو أحدُ قواعد الإسلام ، وجوامعِ الأحكام ؛ إذ فيه معرفةُ الدين ، وما يعتمد عليه ، ومجمع أركانه .

 

وهذه الأركان جاء بها القرآن الكريم مجملةً ، وجاء التفصيل في السنة المشرفة.

 الركن الأول : عقيدة التوحيد

التوحيدُ أولُ دعوةِ الرُّسل ، و أَوَّلُ منازل الطريق إلى الله ، عز وجل .

وقد بَعَثَ الله – تعالى – الرسل جميعاً آمرين بعبادة الله وطاعته وحدَه ، وترك عبادة غيره من الشياطين و الأوثان و الأموات ، وغير ذلك مما يتخذ من دون الله وليّاً .

 قال الله – تعالى – : ﴿ لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فقال : يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيرُه ﴾ (الأعراف : 59) .

وقال هود عليه السلام  لقومه: ﴿ اعبدوا الله مالكم من إلهٍ غيرُه ﴾(الأعراف :  65). وقال صالح عليه السلام  لقومه : ﴿ اعبدُوا الله مالكم من إلهٍ غيرُه ﴾(الأعراف: 73).

وقال شعيب عليه السلام لقومه:﴿ اعبدوا الله مالكم من إله غيرُه ﴾(الأعراف: 85 ).

وقال – تعالى – : ﴿ لقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا اللهَ واجتنبوا الطاغوت ﴾ (النحل : 36) .    وقال – تعالى – : ﴿ وما أرسلنا من قبلِك من رسولٍ إلا نُوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ﴾ (الأنبياء : 25) (22) .

 وقال صلى الله عليه وسلم : ( أُمِرْتُ أن أُقَاتِلَ الناسَ حتى يَشهدوا أن لا إله إلا اللهُ ، وأنَّ محمداً رسولُ الله ) (23) .

وتوحيد الإلهية هو التوحيد الذي أُرْسِلَتْ به الرُّسُل .

وتوحيد الإلهية متضمن لتوحيد الربوبية دون العكس ، فمن لا يقدِرُ على أن يخلُق يكون عاجزاً ، والعاجز لا يصلُحُ أن يكون إلهاً (24) .

اقرأ أيضا  القصة في القرآن الكريم: صة قابيل و هابيل

قال – تعالى – : ﴿ أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ ﴾ (الأعراف: 191) .

فأول ركن من أركان الإسلام شهادةُ أن لا إله إلا الله ، وأن محمدًا رسولُ الله .

ومعناها الإقرار بوجود الله – تعالى – ووحدانيته ، و التصديق بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم  ورسالته .

وقد ذكر « البخاريُّ » (25) تعليقًا : ( بُني الإسلام على خمس : إيمان بالله ورسوله .. ) وذَكَرَ بقيةَ الحديث .

وفي رواية لـ « مسلم » : ( بُني الإسلام على خمسةٍ : على أنْ يُوَحَّدَ اللهُ ) و في رواية له : ( على أن يُعْبَدَ الله ويكفرَ بما دونه ) (26) .

وبهذا يُعلم أن الإيمانَ بالله ورسوله داخلٌ في ضمن الإسلام (27) .

وهذا الركن هو الأساس بالنسبة لبقية الأركان .

الركن الثاني : إقام الصلاة

الصلاةُ شعارُ المسلم ، وعنوانُ المؤمن ، وبها تمييز المسلم من الكافر .

قال الله – تعالى – : ﴿ إنَّ الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً ﴾ (الأنبياء : 103) .

ومَنْ حافظ عليها وقام بها في أوقاتها ، و أدَّاها كاملة بشروطها و أركانها ، وراعى آدابَها وسُنَنَها قَطَفَ ثمرتهَا ، كالصلة بالله – تعالى – ، ومراقبته ، وترك الفحشاء والمنكر .

قال الله – تعالى – : ﴿ وأقمِ الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ﴾ (العنكبوت : 45) .

قال « ابن عباس » – رضي الله عنهما – : « ليس لكَ من صلاتك إلا ما عقلت منها » (28) .

 وقال الله – تعالى -: ﴿ فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ . الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾

(الماعون : 4 – 5) .

وقالت طائفة من السلف : هم الذين يؤخرونها عن وقتها .

وقال بعضهم : هم الذين لا يؤدونها على الوجه المأمور به ، و إن صلاها في الوقت فتأخيرها عن الوقت حرام – باتفاق العلماء ، فإن العلماء متفقون على أن تأخير صلاة الليل إلى النهار ، و تأخير صلاة النهار إلى الليل بمنْزلة تأخير صيام شهر رمضان إلى شوال (29) .

وقال « عمر بن الخطاب » – رضي الله عنه – : ( الجمع بين صلاتين من غير عذر من الكبائر ) (30) .

وقال « عمر » أيضًا : ( لاحظَّ في الإسلام لمن تَرَكَ الصلاة ) (31) .

وقد عدَّدَ « الشاطبي » (32) بعضَ مقاصد الشارع من الصلاة :

(1)    أصلُ مشروعية الصلاة الخضوعُ لله – سبحانه – بإخلاص التوجُّه إليه ، والانتصابُ على قدم الذلة و الصغار بين يديه ، وتذكيرُ النفس بالذكر له .

 قال – تعالى – : ﴿ وأقم الصلاة لذكري ﴾ (طه : 14) .وفي الحديث : ( إن المصلِّي يناجي ربه ) (33) .

(2)    النهي عن الفحشاء و المنكر : قال – تعالى – : ﴿ إن الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر ولذِكْرُ الله أكبرُ ﴾ (العنكبوت : 45) .

(3)    الاستراحة إليها من أنكاد الدنيا . قال النبي صلى الله عليه وسلم  : ( أَرِحْنَا بها يا بلالُ ) (34) . وفي « الصحيح » : ( وجعلت قرة عيني في الصلاة ) (35) .

(4)    طلب الرزق بها ، قال الله – تعالى – : ﴿ وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقاً نحن نرزقك ﴾ ( طه : 132 ) .

(5)    إنجاح الحاجات ، كصلاة الاستخارة ، وصلاة الحاجة .

(6)     طلب الفوز بالجنة ، والنجاة من النار ، وهي الفائدة العامة الخالصة .

(7)     كون المصلي في خفارة الله ، في الحديث : ( مَنْ صلَّى الصبحَ لم يزل في ذمّةِ الله ) (36) .

(8)    نيل أشرف المنازل ، قال – تعالى – : ﴿ ومن الليل فتهجد به نافلةً لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً ﴾ ( الإسراء : 79 ) .فأعطي بقيام الليل المقامَ المحمود .

الركن الثالث : إيتاء الزكاة

الزكاة عبادة مالية تتحقق بها العدالة الاجتماعية ، ويُقْضَى بها على الفقر والعوذ ، وتسود المودة والعطف والاحترام بين المسلمين .

 وسميت بذلك لأن المال ينمو ببركة إخراجها .

 قال – تعالى – : ﴿ وما آتيتم من زكاة تريدون وَجْهَ اللهِ فأولئك هم المُضْعِفُونَ ﴾ (الروم : 39) .

 قال – تعالى – في وصف المؤمنين : ﴿ والذين هم للزكاة فاعلون ﴾ (المؤمنون : 4) .

 وقال – سبحانه – : ﴿ والذين هم في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم ﴾ (المعارج : 24) ، والحق المعلوم هو الزكاة (37) .

 والزكاة طبٌّ للنفوس ، وبها يطهُرُ المرء من رذيلة الشحِّ .

قال – تعالى – : ﴿ ومن يوق شحَّ نفسه فأولئك هم المفلحون ﴾ (الحشر : 9) .

وفيها مصلحة إرفاق المساكين ، وإحياء النفوس المعرّضة للتلف (38) .

الركن الرابع : صوم رمضان

صوم رمضان عبادة موسمية من مواسم الخير تكون في شهر رمضان .تقترب فيه القلوب إلى بارئها ، وتفتح فيه أبواب الجنة .وأنزل الله – تعالى – فيه القرآن على نبيه صلى الله عليه وسلم  .

وقد فرض الله – تعالى – صيامه ، وتكفل بمثوبة الصائم .قال – تعالى – : ﴿ كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون . أياماً معدودات ﴾ (البقرة :  183 – 184) أي : فُرِضَ .

    وعدَّد « الشاطبيُّ » (39) بعض مقاصد الصيام ، فذكر منها :

(1)  سدّ مسالك الشيطان .

(2)  الدخول من باب الريَّان .

 قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم  : ( في الجنة ثمانيةُ أبوابٍ ، فيها بابٌ يسمَّى الريَّانَ لا  يدخُلُه إلاَّ الصائمونَ ) (40) .

(3)  الاستعانة على التحصن في العزبة .

 قال النبي صلى الله عليه وسلم  : ( مَنِ استطاعَ منكم الباءَةَ فليتزوجْ ، فإنه أَغَضُّ للبصر ،  وأَحْصَنُ للفَرْجِ ، ومَنْ لم يستطعْ فعليه بالصوم فإنه له وِجَاءٌ ) (41) .

وقال صلى الله عليه وسلم  : ( الصيام جُنَّةٌٌ .. ) (42) اهـ .

وفي الصوم تربيةٌ نفسية وروحية وخُلُقِيَّةٌ وصحيه ، كما أنه تربية اجتماعية .وهو سِرٌّ بين الإنسان ورَبِّه ، لا يكون فيه الرياء ولا الخداع .

فيه تصفو النفوس ، وتضعف نوازع الشرّ ، وتقوى بواعث الخير .

يشعر فيه الإنسان بألم الجائعين ، فيتألم لألمهم ، ويجود فيغدق عليهم بالخير .

الركن الخامس : حج البيت

الحجُّ عبادة موسمية من مواسم الخير يكون في شهر ذي الحجة .

وفي أداء هذه الفريضة وَصْلُ حاضِرِ الأمة بماضيها ، وربطُ المسلمين بتاريخ هذا البيت العتيق ، فكل موقف من مواقف الحج مرتبط بِحَدَثٍ يُثير في نفوس الحجاج الذكريات .

وفي أدائه تحقيقُ المساواة بين الناس على الرغم من اختلاف أجناسهم

وألوانهم ، وتباين ألسنتهم ، وتباعد بلادهم ، فالجميع ربُّهم وخالقُهم واحدٌ ، كلُّهم من آدمَ ، و آدمُ من ترابٍ ، يذكرون الله – تعالى – ويلبونه ، ويتذللون له في كل موقف ، وكل مكان ، وفيه تقوية أواصر الأخوة و المحبة التي تربط المسلم بخالقه . وهو فرض في العمر مرةً واحدةً .

قال – تعالى – : ﴿ إن أولَ بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين . فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غنيٌّ عن العالمين ﴾ (آل عمران : 96 – 97 ) .

وقال – سبحانه – : ﴿ الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى و اتقون يا أولي الألباب ﴾ (البقرة : 197) .

وعن « أبي هريرة » رضي الله عنه قال : سُئل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم  : أيُّ العمل أفضلُ ؟ قال : ( إيمانٌ بالله ورسولِهِ ) .قيل : ثم ماذا ؟ قال : ( جهادٌ في سبيل الله ) . قيل : ثم ماذا ؟ قال : ( حج مبرور ) (43) .

 والحج المبرور ، أي : المقبول ، وهو الذي لا تقع فيه معصية ولا يخالطه إثم ، ويزداد بعده في فعل الخير ، ولا يعاوِد المعاصيَ بعد رجوعه .

وفي عرفات أعلنَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم  في خطبته التاريخية في حجة الوداع المساواةَ بين الناس . فقال : ( إن دماءَكم وأموالَكم حرامٌ عليكم كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا ) .

وقال : ( فاتقوا الله في النساء ، فإنكم أخذتُموهن بأمانِ الله ، واسْتَحَْلَلْتُم فروجَهُنَّ بكلمةِ الله ، ولكم عليهن أن لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أحداً تكرهونَه ، فإنْ فَعَلْنَ ذلك فاضربوهُنَّ ضَرْباً غير مُبَرِّحٍ ، ولهن عليكم رزقُهُنَّ وكِسْوَتُهُنَّ بالمعروف ، وقد تركتُ فيكم ما لن تَضِلُّوا بعده إن اعْتَصَمْتُم به : كتابُ الله …. ) .

 

المحور الثالث

 

علاقة الإنسان بمجتمعه

 

    وفيه الأساسيات الآتية :

    الأساس الأول   : الدعوة إلى الله عزوجل .

    الأساس الثاني   : الأمر بالمعروف ، والنهيُ عن المنكر .

    الأساس الثالث   : طاعة وليّ الأمر .

    الأساس الرابع    : الجماعةُ رحمةٌ ، والفُرْقَةُ عذابٌ .

    الأساس الخامس  : لا إكراه في الدين .

    الأساس السادس : تحريم الاعتداء على المسلمين وغير المسلمين .

    الأساس السابع   : التعاون على البِرِّ والتقوى .

    الأساس الثامن    : الشورى .

    الأساس التاسع   : تحقيقُ العدل ، ودفعُ الظلم .

    الأساس العاشر   : الإصلاح بين الناس .

الأساس الأول : الدعوة إلى الله عزوجل

يأمر القرآنُ الكريمُ بالدعوة إلى الله بعد العلم بما يدعو إليه . ( والعالم يبثُّ العلم يكون له أجرُ كُلِّ من انتفع به ) (44) .

والدعوة إلى الله – تعالى – صفةُ الأنبياء ، وصفةُ أتباعهم .

قال الله – تعالى – : ﴿ قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ﴾ (يوسف : 108) .

 قال « ابن كثير » (45) : « يقول الله – تعالى – لعبده ورسوله إلى الثقلين : الإنس والجن ، آمراً له أن يخبر الناس أن هذه سبيلُه ، أي : طريقه ومسلكه وسنته ، وهي الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، يدعو إلى الله بها على بصيرة من ذلك ، ويقين وبرهان ، هو وكلّ من اتبعه ، يدعو إليه رسول الله r على بصيرة ويقين وبرهان شرعي وعقلي » اهـ . 

 وقال الله – تعالى – : ﴿ ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ﴾ (النحل : 125) .

 وقال – تعالى – : ﴿ ولتكن منكم أمةٌ يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ﴾ (آل عمران : 104) .

  قال « ابن كثير » (46) : « المقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من الأمة متصديةً لهذا الشأن ، وإن كان ذلك واجباً على كل فردٍ من الأمة بحسبة » اهـ .

 قال « ابن كثير » (47) : « يقول – تعالى – مخاطبًا عبدَه ورسولَه محمدًا r باسم الرسالة ، وآمراً له بالإبلاغ بجميع ما أرسله الله به .

 قال الله – تعالى – : ﴿ يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربِّك ﴾ (المائدة : 67) .

 وقد امتثل صلى الله عليه وسلم  ذلك ، وقام به أتم القيام » . اهـ .

الأساس الثاني : الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر

 حازت الأمةُ المحمديةُ الشرفَ العظيمَ ، والخيريَّة على الأمم السابقين بهذه المنقبة قال الله – تعالى – : ﴿ كنتم خير أمة أخرجتْ للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ﴾ (آل عمران : 110) .

قال « ابن كثير » (48) : « قال البخاريُّ (49) عن أبي هريرة : ﴿ كنتم خير أمة أخرجت للناس ﴾ قال : خيرَ الناس للناس ، تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم ، حتى يدخلوا في الإسلام » اهـ .

وقد لَعَنَ الرسلُ – عليهم الصلاة والسلام – مَنْ كفَرَ من بني إسرائيل ، لأنهم تركوا إنكار المنكر .

قال الله – سبحانه – : ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ . َانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ﴾ (المائدة : 78 – 79 ) .

قوله : ﴿ ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ﴾ أي : أن لعنهم كان بسبب عصيانهم واعتدائهم ، ثم فسَّر الاعتداء بقوله : ﴿ كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه ﴾ .

الأساس الثالث : طاعة ولي الأمر

دعا القرآن الكريم إلى طاعة أولي الأمر (50) . قال الله – سبحانه – : ﴿ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ﴾ (النساء : 59) .

 

قال « ابن القيم » (51) : فقرن بين طاعة الله والرسول وطاعة أولي الأمر ، وسلَّط عليهم عاملاً واحداً .

أما أولو الأمر فلا تجب طاعة أحدهم إلا إذا اندرجت تحت طاعة الرسول ، كما صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم  أنه قال : ( على المرء السمعُ والطاعةُ فيما أحبَّ وكَرِه ما لم يُؤْمَرْ بمعصية الله – تعالى – ، فإذا أُمِرَ بمعصيةِ الله – تعالى – فلا سمعَ ولا طاعةَ ) (52) .

وللإمام أحمد – رحمه الله تعالى – في أولي الأمر روايتان :

    إحداهما : أنهم العلماء .

    والثانية : أنهم الأمراء .

والقولان ثابتان عن الصحابة في تفسير الآية ، والصحيح أنهما متناولة للصنفين جميعًا .

فإن العلماءَ والأمراءَ هم ولاةُ الأمر الذي بَعَثَ الله به رسولَه . فالعلماءُ ولاتُه حفظاً وبياناً ، وذبّاً عنه وردًّا على من ألحد فيه وزاغ عنه . 

والأمراءُ ولاتُه قيامًا وعنايةً وجهادًا وإلزامًا للناس به ، وأخذهم على يد من خرج عنه .

وهذان الصنفان هما الناس ، وسائر النوع الإنساني تبع لهما ورعية .. اهـ .

وقال « ابن تيمية » (53) : « أولو الأمر صنفان : العلماء والأمراء ، فإذا صلحوا صلح الناس ، وإذا فسدوا فسد الناس » اهـ .

وقال صلى الله عليه وسلم  : ( من أطاع الأمير فقد أطاعني ، ومن عَصَى الأمير فقد

عصاني ) (54) وفي منارعة الأمرِ أهلَه ، وشقِّ عصا الطاعة أضرارٌ جسيمة ، منها :

(1) مخالفة الله ورسوله وهدي السلف .

(2) تعطيل المصالح العامة .

(3) اختلال الأمن .

(4) شيوع الخوف .

(5) تجرؤ أهل الأهواء والباطل .

(6)  تجرؤ السراق وقطاع الطرق .

(7) إشاعة الإتلاف والقتل .

(8) فتح الباب لأهل الأغراض الشهوانية . 

 ولا تكون الأمةُ قويةً مهابة الجانب إلا بالسير وراء وُلاتها ، وبذلك يهابُها عدوُّها من خارجها ، والمغرضون من داخلها . 

الأساس الرابع : الجماعة رحمة والفُرقة عذاب

دعا القرآن الكريم إلى الاجتماع ونبذ الافتراق ، فاجتماع الناس على دين واحد هو هدفٌ من أهداف القرآن ، وقد أجمعت الرسلُ عليه .

قال – تعالى – : ﴿ شرع لكم من الدين ما وَصَّى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ﴾  (الشورى : 13) .

قال « ابن القيم » (55) : « ومدارُ السعادة الدنيوية والأخروية على الاعتصام بالله ، والاعتصام بحبله . ولا نجاةَ إلا لمن تمسك بهاتين العصمتين » .

قال الله – عز وجل – : ﴿ واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً ﴾ (آل عمران : 103) .

ثم قال : « فأما الاعتصام بحبله فإنه يعصم من الضلالة . والاعتصامُ به يعصم من الهلكة .. فالاعتصام بحبل الله يوجب له الهداية واتباع الدليل . والاعتصام بالله يوجبُ له القوةَ والعدةَ والسلاحَ .

وأشار ابن مسعود رضي الله عنه إلى معنى الاعتصام بحبل الله بأنه الجماعة . وقال : عليكم بالجماعة ، فإنها حبل الله الذي أمر به ، وإنَّ ما تكرهون في الجماعة والطاعة خيرٌ مما تحبون في الفُرْقَة » . اهـ .

اقرأ أيضا  اسم الرحمن ودلالاته السياقية والمعنوية في سورة مريم

وقال – سبحانه – : ﴿ ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكُم واصبروا إن اللهَ مع الصابرين ﴾ (الأنفال : 46) .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم  : ( الجماعةُ رحمة ، والفُرْقَةُ عذابٌ ) (56) . 

وقد بَيَّنَ « الشاطبيُّ » أن الحق واحد لا اختلاف فيه فقال (57) : قال الله – سبحانه – : ﴿ فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ﴾ الآية (النساء : 59) .

هذه الآية صريحة في رفع التنازع والاختلاف ، فإنه رَدَّ المتنازعين إلى الشريعة ، وليس ذلك إلا ليرتفع الخلافُ ، ولا يرتفعُ الاختلافُ إلا بالرجوع إلى شيء واحد ، إذ لو كان فيه ما يقتضي الاختلافَ لم يكن في الرجوع إليه رفْعُ تنازع .

وقال – تعالى – : ﴿ ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات ﴾ الآيةَ (آل عمران : 105) .

والبينات هي الشريعة ، والشريعة لا اختلاف فيها .

وقال – تعالى – : ﴿ وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ﴾ (الأنعام : 153) ، فبيّن أن طريق الحق واحد ، وذلك عام في جملة الشريعة وتفاصيلها .

قال « المُزَني » – صاحب الشافعي – : « ذمَّ الله الاختلاف وأمر عنده بالرجوع إلى الكتاب والسنة » (58) فلو كان الاختلاف من دينه ما ذمَّه ، ولو كان المتنازع من حكمه ما أمرهم بالرجوع عنده إلى الكتاب والسنة . اهـ .

 ثمار الاجتماع : 

التعاونُ ، والتناصرُ . وإظهارُ أُبَّهَةِ الإسلام وشعائِره ، وإخمادُ كلمة الكفر . وإصلاحُ ذات البين .

ولذلك شُرِعَتِ الجماعات والجُمُعاتُ ، والأعيادُ . وشُرِعَتِ المواصلات بين ذوي الأرحام خصوصاً ، وبين سائر أهل الإسلام عمومًا (59) .

الأساس الخامس : لا إكراه في الدين

القرآن الكريم أقرَّ حرية الاعتقاد للناس ، فلا يكرههم على اعتناق الإسلام ، وإن كان يدعوهم إليه ، والدعوة إلى الإسلام شيء والإكراه عليه شيء آخر ، فالأول مشروع ، والثاني ممنوع .

قال الله – تعالى – : ﴿ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ (البقرة : 256) .

قال « ابن كثير » (60) : « أي لا تُكرهوا أحداً على الدخول في دين الإسلام ، فإنه بَيِّنٌ واضحٌ جليٌّ دلائله وبراهينُه ، لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه ، بل مَنْ هدَاهُ الله للإسلام ، وشرحَ صدره ، ونوَّر بصيرته دخل فيه على بينة ، ومن أعمى اللهُ قلبه ، وختمَ على سمعه وبصره ، فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرها مقسورًا » اهـ .

قال « ابن عاشور » (61) : « ونفي الإكراه خبر في معنى النهي . والمراد نفيُ أسبابِ الإكراه في حُكم الإسلام ، أي : لا تُكرهوا أحدًا على اتباع الإسلام قسراً ، وجيء بنفي الجنس لقصد العموم نصّاً . وهي دليل واضح على إبطال الإكراه على الدين بسائر أنواعه ، لأن أمر الإيمان يجري على الاستدلال ، و التمكين من النظر ، وبالاختيار  » . وهذان من كمال الدين ، واتضاح آياته . 

 فالدولة الإسلامية لا تُكره الذميَّ ، وهو من رعاياها على تغيير عقيدته ، فمن باب أولى لا تُكره المستأمن ، وهو أجنبي على تغيير عقيدته .

فإذا طلب الحربي أماناً ليدخل دار الإسلام ليسمع كلام الله ، ويعرف شرائع الإسلام ، ففي هذه الحالة تجب إجابته ، ثم يردّ إلى مأمنه ، لقوله – تعالى – : ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ ﴾ (التوبة : 6) .

 قال « ابن كثير » (62) : « يقول الله – تعالى – لنبيه – صلوات الله وسلامه عليه – : ﴿ وإن أحد من المشركين ﴾ الذين أمرتك بقتالهم ، وأحللت لك استباحة نفوسهم وأموالهم ﴿ استجارك ﴾ أي : استأمنك ، فأجبه إلى طلبته ﴿ حتى يسمع كلام الله ﴾ أي : القرآن تقرؤه عليه ، وتذكر له شيئاً من أمر الدين ، تقيم عليه به حجة الله ﴿ ثم أبلغه مأمنه ﴾ أي : وهو آمن مستمر الأمان حتى يرجع إلى بلاده وداره ومأمنه » اهـ .

 وإعطاء الأمان لمن يطلبه إذا لم يكن في إعطائه مفسدةٌ وفقًا لتقدير الإمام ، لأن دخول الأجنبيّ دارَ الإسلام يؤدي إلى اطلاعه على محاسن الإسلام وشرائعه وأحكامه ، فيكون دخولُه متضمنًا في جميع الأحوال معنى قوله – تعالى – : ﴿ حتى يسمع كلام الله ﴾ .

ولا ينبغي رفضَ طلب الأمان إلا لمسوغ شرعيّ (63) .

الأساس السادس : تحريم الاعتداء على المسلمين وغير المسلمين

القرآن الكريم حرَّم الاعتداء على غير المسلمين المستأمنين ، كما حرمه على المسلمين .

قال الله – تعالى – : ﴿ َقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ (البقرة : 190) .

 قال « ابن كثير » (64) : « أي : قاتلوا في سبيل الله ولا تعتدوا في ذلك . ويدخل في ذلك ارتكابُ المناهي من المَثُلة ، والغُلُول ، وقتل النساء والصبيان والشيوخ الذين لا رأي لهم ولا قتال فيهم ، والرهبان ، وأصحاب الصوامع ، وتحريق الأشجار ، وقتل الحيوان لغير مصلحة …

قال النبي صلى الله عليه وسلم  : ( اغزوا باسم الله في سبيل الله ، قاتلوا مَنْ كَفَرَ بالله ، اغزوا ولا تَغُلُّوا ، ولا تغْدِروا ، ولا تُمَثِّلُوا ، ولا تقتلوا وَليدًا ) (65) .

وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال : وُجِدَت امرأةٌ مقتولةٌ في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم  فنهى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم  عن قتلِ النساء والصبيان (66) » اهـ.

وقال الله – تعالى – : ﴿ وقاتلوهم حتى لا تكون فتنةٌ ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين ﴾ (البقرة : 193) .

 قال « ابن القيم » (67) : « مدّ الله – تعالى – قتالهم إلى أن ينتهوا عن أسباب الفتنة ، وهي الشرك . وأخبر أنه لا عدوان إلا على الظالمين ، والمجاهر بالسب والعدوان على الإسلام غير مُنْتَهٍ ، فقتالُه واجبٌ إذا كان غير مقدور عليه ، وقتله مع القدرة حتم ، وهو ظالم فعليه العدوان الذي نفاه عمن انتهى ، وهو القتل والقتال » اهـ .

والنصوص العامة تحرِّم العدوان على الآخرين . قال الله – تعالى – : ﴿ إن الله لا يحب المعتدين ﴾ كما تمنع العدوان على الآمنين المسالمين . قال الله – تعالى – : ﴿ فلا عدوان إلا على الظالمين ﴾ والظلمُ محرم في كل شريعةٍ ، والله – تعالى – لا يرضى بظلم غير المسلم ، كما لا يرضى بظلم المسلم . وقد أخبر – تعالى – أنه لا يظلم الناس شيئاً ، فدخل في عموم هذا اللفظ جميعُ الناس من مسلمٍ وغير مسلمٍ (68) .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : ( مَنْ قَتَلَ معاهِدًا في غير كُنْهِهِ حَرَّم اللهُ عليه الجنة ) (69) .

الأساس السابع : التعاون على البِرِّ والتقوى

  القرآن الكريم أوجد مجتمعًا متعاونًا بجميع أصناف التعاون على ما ينفع الأمة قال الله – تعالى – : ﴿ وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ﴾ (المائدة : 2) .

 قد اشتملت هذه الآيةُ على جميع مصالح العباد في معاشهم ومعادهم ، فيما بينهم وبين الله ، وفيما بينهم وبين الله ، وفيما بينهم وبين الخلق .

 قال « ابن كثير » (70) : « يأمر – تعالى – عباده المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات ، وهو البر ، وترك المنكرات وهو التقوى ، وينهاهم عن التناصر على الباطل ، والتعاون على المآثم والمحارم » اهـ .

 

قال النبي صلى الله عليه وسلم  : ( من دَعَا إلى هُدًى كان له من الأجر مثلُ أجورِ من تَبِعهُ ، لا يَنْقُصُ ذلك من آثامِهِم شيئًا . ومَنْ دعا إلى ضلالةٍ كان عليه من الإثمِ مثلُ آثامِ مَنْ تَبِعَهُ ، لا يَنْقُصُ ذلك من آثامِهِم شيئًا ) (71) . فالمجتمع الإسلامي مجتمعٌ تعاونيٌّ قام على أساسِ التعاون والتناصُرِ والتكافل فيما بين أفراده .

ومن مظاهر التعاون الزكاة وغير الزكاة .

قال الله – تعالى – : ﴿ ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين ﴾ (البقرة : 177) .

قال « ابن كثير » (72) : « قوله : ﴿ وآتى المال على حبه ﴾ أي : أخرجه وهو محبٌّ له ، راغبٌ فيه .. كما ثَبَتَ في الصحيحين (73) من حديث أبي هريرة مرفوعاً : ( أفضل الصدقة أن تَصَّدَّقَ وأنت صحيحٌ شحيحٌ ، تَخْشَى الفقر ، وتأمُلُ الغِنَى ) .

وقال – تعالى – : ﴿ ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً . إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شُكُوراً ﴾ (الإنسان : 8، 9).

 وقال – تعالى – : ﴿ لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تُحِبون ﴾ (آل عمران : 92) .

 وقوله : ﴿ ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ﴾ (الحشر : 9) نَمَطٌ آخرُ أُرفع من هذا ومن هذا ، وهو أنهم آثروا بما هم مضطرون إليه ، وهؤلاء أَعْطَوْا وأطْعَمُوا ما هم مُحِبُّونَ له » . اهـ .

قال « القرطبي » (74) : « اتفق العلماء على أنه إذا نزلت بالمسلمين حاجة بعد أداء الزكاة فإنه يجب صرف المال إليها . قال مالك – رحمه الله – : يجب على الناس فداء أسراهم وإن استغرق ذلك أموالهم . وهذا إجماع » .

وقال « الشاطبي » (75) : « إذا خلا بيت المال وارتفعت حاجات الجُنْد وليس فيه ما يكفيهم ، فللإمام إذا كان عدلاً أن يوظِّف على الأغنياء ما يراه كافياً لهم في الحال ، إلى أن يظهر مالٌ في بيت المال .. ووجه المصلحة في هذا أن الإمام العدل لو لم يفعل ذلك لبطلتْ شوكتُه ، وصارتِ الديار عرضةً لاستيلاء الكفار » .

الأساس الثامن : الشورى

القرآن الكريم أرسى مبدأ الشورى في آيتين كريمتين .

 الأولى : في حق وليِّ الأمر بالمشورة .

 قال – تعالى – : ﴿ وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ﴾ (آل عمران : 159) .

 قال « ابن كثير » (76) : « ولذلك كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم  يشاورُ أصحابه في الأمر إذا حَدَثَ ، تطييبًا لقلوبهم ، ليكونوا فيما يفعلونه أنشطَ لهم .

 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  لأبي بكر وعمر : ( ولو اجتمعتُما في مشورة ما خالفتكما ) » (77) اهـ .

 والثانية : في وصف عامة أحوال المسلمين بالشورى قال – تعالى – : ﴿ وأمرهم شورى بينهم ﴾ (الشورى : 38) .

 قال « ابن كثير » (78) : « أي : لا يُبرمون أمرًا حتى يتشاوروا فيه ، ليتساعدوا بآرائهم في مثل الحروب ، وما جرى مجراها .

 ولما حضرتْ عمرَ بنَ الخطابِ رضي الله عنه الوفاةُ حين طُعِنَ جعل الأمر بعده شورى في ستة نَفَرٍ ، وهم عثمانُ ، وعليٌّ ، وطلحةُ ، والزبيرُ ، وسعدٌ ، وعبدُ الرحمن بنُ عوفٍ – رضي الله عنهم أجمعين – فاجتمع رأي الصحابة كلِّهم على تقديم عثمانَ عليهم ، رضي الله عنهم » اهـ .

والمستشارُ محاسبٌ أمامَ اللهِ – تعالى – والناسِ في مشورته ، قال النبي صلى الله عليه وسلم  : ( المستشار مؤتمن ) (79) .

لذا قال « البخاريُّ » في « صحيحه » في ( كتاب الاعتصام – باب 28 ) : « كانت الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم    يستشيرون الأُمَنَاءَ من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسْهلها ، فإذا وَضَحَ الكتابُ أو السنةُ لم يتعدَّوْه إلى غيره اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم  .. وكان القُرَّاءُ أصحابَ مشورةِ عمرَ كهولاً كانوا أو شُبَّانًا . وكان وقَّافًا عند كتاب الله عزوجل » .

الأساس التاسع : تحقيقُ العدل ، ودفعُ الظلم

 القرآن الكريم أَمَرَ بتحقيق العدلِ بين الناس ، ودفع الظلم .

 قال – تعالى – : ﴿ إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ﴾ (النساء : 58) .

 أَمَرَ الله – تعالى – الأمراءَ والحكامَ بالعدل بين الناس .

 قال النبي صلى الله عليه وسلم  : ( إنَّ أحبَّ الناس إلى الله يوم القيامة ، و أدناهم منه مجلسًا إمامٌ عادلٌ ، وأبغضَ الناس إلى الله ، وأبعدَهم منه مجلساً إمام جائر ) (80) .

وقال – تعالى – : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ (المائدة : 8) .

قال « ابن كثير » (81) : « ﴿ شهداء بالقسط ﴾ ، أي : بالعدل لا بالجور .. وقوله : ﴿ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ ﴾ أي : لا يحملنكم بُغْضُ قوم على ترك العدل فيهم ، بل استعملوا العدلَ في كل أحد ، صديقًا كان أو عدوًّا ، ولهذا قال: ﴿ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ أي : عدلُكُم أقربُ إلى التقوى من تركه . ودل الفعل على المصدرِ الذي عاد الضمير عليه » اهـ .

الأساس العاشر : الإصلاح بين الناس

  قال تعالى : ﴿ لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ﴾ ( النساء : 114) .

 قال « ابن كثير » (82) : « يقول تعالى : ﴿ لا خير في كثير من نجواهم ﴾ يعني كلام الناس ﴿ إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ﴾ أي : إلا نجوى مَنْ قال غير ذلك » اهـ .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : ( ألا أُخبركم بأفضلَ من درجةِ الصلاةِ والصيام والصدقة ؟ ) قالوا : بلى ، قال : ( إصلاحُ ذاتِ البين ) قال : ( وفسادُ ذاتِ البَيْنِ هي الحالقةُ ) (83) .

قال تعالى : ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ (الأنفال: 1).

وقال – سبحانه – : ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ (الحجرات : 10) .

قوله : ﴿ إنما المؤمنون إخوة ﴾ أي : الجميع إخوة في الدين ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( المسلمُ أخو المسلم ، لا يظلِمُهُ ، ولا يُسْلِمُه ، ومَنْ كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومَنْ فرَّج عن مسلمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ الله عنه كُرْبَةً من كُرُبات يوم القيامه ، ومَنْ سَتَرَ مسلمًا سَتَرَهُ الله يوم القيامة ) (84) .

وفي الصحيح : ( والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ) (85) .

قوله تعالى : ﴿ فأصلحوا بين أخويكم ﴾ يعني الفئتين المقتتلتين ﴿ واتقوا الله ﴾ أي : في جميع أموركم ﴿ لعلكم ترحمون ﴾ وهذا تحقيق منه – تعالى – للرحمة لمن اتقاه (86) .

 

الخاتمة

   

بعد هذه الإلمامة السريعة مع القرآن ، وهذا البحث الموجز علمنا أن القرآن الكريم لم يترك جانبًا من جوانب الحياة إلا هدى فيها إلى الصراط المستقيم .

  فهو مصدرُ عزٍّ وكرامة وراحة واطمئنان ، أهدافُه سامية ، ومراميه عظيمة ، من سار على هديه فاز في الدارين ، ومن ابتعد عن تعاليمه وأحكامه وعِبَره خَسِرَ وباء سعيُه فيهما .

 فالقرآن الكريم منهجٌ متكاملٌ لإصلاح المجتمع ، وقد رسم حياة الإنسان وعلاقته بربه ، وبمجتمعه على أتم وجه ، وأكمل نظام .

اقرأ أيضا  تفسير سورة التحريم عدد آياتها 12 وهي مدنية

وما سطّرته قطرةٌ من بحره العظيم ، ونقطةٌ من فضائه الرحب الواسع  .

واللهَ – جل وعلا – نسأله أن يمن علينا بتلاوته آناء الليل وأطراف النهار ، مطبقين لتعاليمه ممتثلين لأوامره ، منْزجرين لنواهيه ، معتبرين بحِكَمِهِ .

إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير ، إنه نعم المولى ونعم النصير .

 وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

 

  المصادر والمراجع

« أحكام أهل الذمة » لابن القيم عن « بدائع التفسير » .

« أحكام الذميين والمستأمنين في دار الإسلام » د. عبد الكريم زيدان ، مؤسسة الرسالة ، الثانية ، بيروت ، 1408هـ .

« الاعتصام » للشاطبي ، تعليق محمود طعمة ، دار المعرفة ، الثانية ،

بيروت ، 1420هـ .

« إعلام الموقعين عن رب العالمين » لابن القيم ، تعليق أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان ، الأولى ، دار ابن الجوزي ، الدمام ، 1423هـ .

« بدائع التفسير » جمع يسرى السيد محمد ، دار ابن الجوزي ، الرياض ، الأولى ، 1414هـ .

« بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع » للكاساني ، ت علي محمد معوض ، وعادل أحمد عبد الموجود ، دار الكتب العلمية ، بيروت .

« التحرير والتنوير من التفسير » لمحمد الطاهر بن عاشور ، دار سحنون ، تونس .

« تفسير القرآن العظيم » لابن كثير ، ت سامي بن محمد السلامة ، دار طيبة ، الرياض ، الثانية ، 1420هـ .

« جامع العلوم والحكم » لابن رجب ، ت شعيب الأرنؤوط ، إبراهيم باجس ،  مؤسسة الرسالة ، بيروت ، الثانية ، 1412هـ .

« الجامع لأحكام القرآن » للقرطبي ، دار الكتب المصرية ، القاهرة ، 1352هـ .

« شرح العقيدة الطحاوية » لعلي بن علي بن أبي العز ، ت د. عبد الله التركي ، وشعيب الأرنؤوط ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، الثانية ، 1413هـ .

« الصواعق المرسلة » طبع دار العاصمة ، الرياض ، 1408هـ ، عن

« بدائع التفسير » .

« عمدة القاري شرح صحيح البخاري » للبدر العيني ، مصورة عن الطبعة المنبرية .

« فيض القدير » لعبد الرؤوف المناوي » الثانية ، تصوير بيروت عن طبعة مصرية ، 1391هـ .

« الكتب الستة » صحيح البخاري ، وصحيح مسلم ، وسنن أبي داود ، وجامع الترمذي ، وسنن النسائي ، وسنن ابن ماجة . مراجعة/ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ، الأولى ، دار السلام ، طبع في إيطاليا ، 1420هـ .

« مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية » جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد قاسم ، المدينة المنورة ، 1416هـ .

« مدارج السالكين » لابن القيم ، ت عبد العزيز بن ناصر الجليل ، دار طيبة ، الرياض ، الأولى ، 1423هـ .

« مسند الإمام أحمد بن حنبل » ت شعيب الأرنؤوط . ومجموعة من العلماء ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، الثانية ، 1420هـ .

« مفتاح دار السعادة » لابن القيم ، عن « بدائع التفسير » .

« الموافقات » للشاطبي ، ت أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان ، دار ابن القيم ، القاهرة ، الأولى ، 1424هـ .

——————————————

 (1) في « تفسيره » ( 5 : 117 ) .

(2) في « تفسيره »  ( 4 : 527 ) .

(3) في « تفسيره » ( 5 : 48 ) .

(4) ذكره « ابن كثير » في « تفسيره » ( 7 : 412 ) .

(5) في « تفسيره » ( 5 : 112 ) .

(6) في « مفتاح دار السعادة » (300 – 301) عن « بدائع التفسير » (5 : 283) .

(7) « تفسير ابن كثير » ( 7 : 489 ) .

(8) انظر « تفسير ابن كثير » ( 2 : 24 ) .

(9) انظر « تفسير ابن كثير » ( 6 : 545 ) .

(10) أخرجه « الترمذي » في « جامعه » في (كتاب الدعوات – باب سبق المُفَرِّدونَ …) ( 3599 ) ، و« ابن ماجه » في « سننه » في ( كتاب السنة – باب الانتفاع بالعلم والعمل ) ( 251 ) ، عدا الجملة الأخيرة وانظر « تفسير ابن كثير » ( 5 : 319 ) .

(11) في « تفسيره » ( 5 : 322 ) بتصرف يسير .

(12) من « التحرير والتنوير من التفسير » ( 5 : 192 ) .

(13) في « الصواعق المرسلة » ( 3 : 1046 ) عن « بدائع التفسير » ( 2 : 113 ) .

(14) في « الصواعق المرسلة » ( 3 : 828 ) عن « بدائع التفسير » ( 2 : 32 ) .

(15) انظر « بدائع التفسير » ( 2 : 30 ) .

(16) انظر « الموافقات » ( 4 : 406 ) .

(17) في « تفسيره » ( 1 : 454 ) .

(18) في « إعلام الموقعين » ( 5 : 571 ) .

(19) انظر « مجموع الفتاوى » ( 14 : 138 ) .

(20) « الموافقات » ( 1 : 541 ) .

(21) أخرجه « البخاري » في « صحيحه » في ( كتاب الإيمان – باب الإيمان وقول النبي صلى الله عليه وسلم  : بني الإسلام على خمس ) ( 8 ) بتقديم « حج البيت » على « صوم رمضان » في رواية « حنظلة » ، و« مسلم » في « صحيحه » في ( كتاب الإيمان – باب أركان الإسلام ودعائمه العظام ) ( 16 ) من رواية « سعد بن عُبَيْدة » عن « ابن عمر » بتقديم الصوم على الحج . قال رجل : والحج وصيام رمضان . فقال « ابن عمر » لا ، صيام رمضان و الحج . هكذا سمعتُ من رسول الله r . انظر « فتح الباري » ( 1: 50 ) .

(22) انظر « شرح العقيدة الطحاوية » ( 21 ) .

(23) أخرجه « البخاري » في « صحيحه » في « كتاب الإيمان » ( 25 ) . و« مسلم » في « صحيحه » في « كتاب الإيمان » ( 22 ) من حديث « عبد الله بن عمر » ، رضي الله عنهما .

(24) انظر « شرح العقيدة الطحاوية » ( 21 ، 53 ، 41 ) .

(25) في « صحيحه » في ( كتاب التفسير ) ( 4514 ) .

(26) في « كتاب الإيمان » ( 16 ) .

(27) « جامع العلوم و الحكم » ( 145 ) .

(28) « مجموع الفتاوى » ( 6:22 ) .

(29) « مجموع الفتاوى » ( 29:22 ) .

(30) « مجموع الفتاوى » ( 31:22 ) .

(31) « جامع العلوم والحكم » ( 146 ) .

(32) في « الموافقات » ( 3 : 142 – 143 ) .

(33) أخرج « البخاري » في « صحيحه » في « كتاب مواقيت الصلاة – باب المصلي يناجي ربّه ، عز وجل » ( 531 ) عن « أنس » رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم  : ( إن أحدكم إذا صلى يناجي ربه .. ) .

(34) أخرجه « أبو داود » في « سننه » في « كتاب الآداب – باب في صلاة العتمة » ( 4985 ) ، و« أحمد » في « مسنده » ( 38 : 23088 ، 23154 ) .

(35) أخرجه « أحمد » في « مسنده » ( 12293:19 ) ، و( 20 : 13057 ) ، و(21 : 14037 ) ، و« النسائي » في « سننه » في أول ( كتاب عشرة النساء – باب حب النساء ) ( 3391 ) من حديث أنس – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله r : ( حُبِّبَ إليَّ من الدنيا : النساءُ ، والطيبُ ، وجُعِلَتْ ( وفي رواية : وجُعِلَ ) قُرَّةُ عَيْني في الصلاة ) .

    قال « المناوي » في « فيض القدير » ( 3 : 370 ) : زاد « الزمخشري » و« القاضي » لفظ « ثلاث » وهو وَهَمٌ . قال الحافظ العراقي في « أماليه » : لفظ « ثلاث » ليست في شيء من كتب الحديث ، وهي تفسد المعنى .

    وقال « الزركشي » : لم يرد فيه لفظ « ثلاثة » ، وزيادتها مُخِلَّةٌ للمعنى ، فإن الصلاة ليست من الدنيا .

    وقال « ابن حجر » في تخريج « الكشاف » : لم يقع في شيء من طرقه . اهـ .

(36) أخرجه « البخاري » في « صحيحه » في « كتاب المساجد – باب فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة » ( 657 ) عن « جندب بن عبد الله » رضي الله عنه .

(37) انظر « بدائع الصنائع » ( 2 : 371 ) .

(38) انظر « الموافقات » ( 3 : 121 ) .

(39) في « الموافقات » ( 3 : 143 – 144) بتصرف يسير .

(40) أخرجه « البخاري » في « صحيحه » في ( كتاب بدء الخلق – باب صفة أبواب الجنة ) ( 3257 ) ، و( كتاب الصوم – بابٌ الريَّانُ للصائمين ) ( 1896 ) ، و« مسلم » في « صحيحه » في ( كتاب الصيام – باب فضل الصيام ) ( 1152 ) من حديث « سهل بن سعد » t .

(41) أخرجه « البخاري » في « صحيحه » في ( كتاب الصوم – باب الصوم لمن خاف على نفسه العُزْبة ) ( 1905 ) ، و( كتاب النكاح ) ( 5065 ) ، و« مسلم » في « صحيحه » في ( كتاب النكاح ) ( 1400 ) عن « ابن مسعود » رضي الله عنه .

(42) أخرجه « البخاري » في « الصحيح » في ( كتاب الصوم – باب فضل الصَّوْم ) ( 1894 ) ، و« مسلم » في « صحيحه » في ( كتاب الصيام – باب فضل الصيام ) ( 1151 ) .

(43) أخرجه « البخاري » في « صحيحه » في ( كتاب الحج – باب فضل الحج المبرور ) ( 1519 ) .

(44) « الموافقات » ( 1 : 337 ) .

(45) في « تفسيره » ( 4 : 422 ) .

(46) في « تفسيره » ( 2 : 91 ) .

(47)  في « تفسيره » ( 3 : 150 ) .

(48) في « تفسيره » ( 2 : 93 ) .

(49) في « صحيحه » في ( كتاب التفسير – باب كنتم خير أمة أخرجت للناس ) ( 4557 ) .

(50) انظر « مجموع الفتاوى » ( 35 : 5 – 16 » ، و« أضواء البيان » ( ا : 129 – 131 ) .

(51) في « الصواعق المرسلة » ( 3 : 828 » عن « بدائع التفسير » (2 : 28 – 30) بتصرف يسير .

(52) أخرجه « البخاري » في « صحيحه » في ( كتاب الجهاد – باب السمع والطاعة للإمام مالم تكن معصية ) ( 2955 ) ، و« مسلم » في « صحيحه » في ( كتاب الإمارة – باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية ) ( 1839 ) عن « ابن عمر » رضي الله عنهما .

(53) في « مجموع الفتاوى » ( 28 : 170 ) .

(54) أخرجه « البخاري » في صحيحه » في ( كتاب الجهاد – بابٌ يُقَاتَلُ وراءَ الإمام ويُتَّقَى به ) ( 2957 ) ، وفي ( كتاب الأحكام – باب قول الله تعالى : ﴿ أطيعوا اللهَ وأطيعوا الرسول وأُولي الأمرِ منكم ﴾ ( 7137 ) ، و« مسلم » في « صحيحه » في ( كتاب الإمارة – باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية .. ) ( 1835 ) .

(55) في « مدراج السالكين » ( 2 : 50 – 51 ) .

(56) أخرجه « أحمد » في « مسنده » ( 30 : 390 ) .

(57) « الموافقات » ( 5 : 60 – 61 ) بتصريف يسير .

(58) بحثنا هذا مقصور على الاختلاف المذكور في القرآن الكريم الذي يراد به التضاد والتعارض ، والاختلافُ المبنيُّ على الأهواء . أما اختلاف الأئمة المجتهدين من أهل السنة والجماعة الذين هدفُهم فيه الوصول إلى فهم الكتاب والسنة فهذا لا شيءَ فيه ، وليس كلامُنا فيه . انظر « مجموع الفتاوى » ( 13 : 19 ) .

(59) انظر « الموافقات » ( 3 : 473 ) .

(60) في « تفسيره » ( 1 : 682 ) .

(61) في « التنوير والتحرير من التفسير » ( 3 : 26 ) .

(62) في « تفسيره » ( 4 : 113 ) .

(63) انظر « أحكام الذميين والمستأمنين في دار الإسلام » ( 96 ) .

(64) في « تفسيره » ( 1 : 524 ) .

(65) أخرجه « مسلم » في « صحيحه » في ( كتاب الجهاد والسير – باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث ، ووصيته إياهم بآداب الغزو وغيرها ) ( 1731 ) .

(66) أخرجه « البخاري » في « صحيحه » في ( كتاب الجهاد – باب قتلِ النساء في الحرب ) ( 3015 ) ، و« مسلم » في « صحيحه » في ( كتاب الجهاد والسير – باب تحريم قتل النساء والصبيان في الحرب ) ( 1744 ) .

(67) في « أحكام أهل الذمة » ( 2 : 829 ) ، عن « بدائع التفسير » ( 1 : 388 ) .

(68) انظر « عمدة القاري شرح صحيح البخاري » ( 9 : 94 ) .

(69) أخرجه « أبو داود » في « سننه » في « كتاب الجهاد – باب في الوفاء للمعاهد وحرمة ذمته » ( 2760 ) من حديث « أبي بكرة » رضي الله عنه . قوله « في غير كنهه » أي مَنْ قتله في غير وقته ، أو غاية أمره الذي يجوز فيه قتله . « اللسان »  ( كنه 13 : 537 ) .

(70) في « تفسيره » ( 3 : 12 – 13 ) .

(71) أخرجه « مسلم » في « صحيحه » في آخر ( كتاب العلم ) ( 2674 ) من حديث « أبي هريرة » t .

(72) في « تفسيره » ( 1 : 486 ) .

(73) أخرجه « البخاري » في « صحيحة » في ( كتاب الزكاة – باب فضلِ صدقةِ الشحيح الصحيح ) ( 1419 ) ، و« مسلم » في « صحيحه » في ( كتاب الزكاة – باب بيان أن أفضل الصدقة صدقة الصحيح الشحيح ) ( 1032 ) .

(74) في « الجامع لأحكام القرآن » ( 2 : 241 ، 242 ) .

(75) في « الاعتصام » في « باب في الفرق بين البدع والمصالح المرسلة والاستحسان » ( 403 ) بتصريف يسير .

(76) في « تفسيره » ( 2 : 149 ) .

(77) أخرجه « أحمد » في « مسنده » « 17994:29 » من حديث « عبد الرحمن بن غنم الأشعري » t .

(78) في « تفسيره » ( 7 : 211 ) .

(79) أخرجه « أبو داود » في « سننه » في ( كتاب الأدب – باب في المشورة ) ( 5128 ) من حديث « أبي هريرة » .

(80) أخرجه « الترمذي » في « جامعه » في ( أبواب الأحكام – باب ما جاء في الإمام العادل ) ( 1329 ) من حديث « أبي سعيد الخدري » رضي الله عنه

(81) في « تفسيره » « 3 : 62 ) .

(82) في « تفسيره » ( 411:2 ) .

(83) أخرجه « أحمد » في « مسنده » ( 500:45 ) ، و« أبو داود » في « سننه » في ( كتاب الأدب – باب في إصلاح ذات البين ) ( 4919 ) ، و« الترمذي » في « جامعه » في ( كتاب صفة القيامة – باب في فضل صلاح ذات البين ) ( 2509 ) من حديث « أبي الدرداء » t .

(84) أخرجه « البخاري » في « صحيحه » في ( كتاب المظالم – باب لا يظلم المسلمُ المسلمَ ولا يُسْلِمُه ) ( 2442 ) ، و« مسلم » في « صحيحه » في ( كتاب البر – باب تحريم الظلم ) ( 2580 ) من حديث « عبد الله بن عمر » رضي الله عنه .

(85) أخرجه « مسلم » في « صحيحه » في ( كتاب الذكر والدعاء – باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر ) ( 2699 ) من حديث « أبي هريرة »  رضي الله عنه .

(86) انظر « تفسير ابن كثير » ( 7 : 375 ) ./(R-024/R-04)

أحباب الكلتاوية / وكالة معراج للأنباء(مينا).

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.