بلاغة سورة الكوثر

الاثنين19 جمادى الثانية الموافق 29 أبريل 2013 وكالة معراج للأنباء (مينا)

 

للكشف عن بلاغة أي كلام . لابد من الموازنة بين ماتتطلبه مناسبته الداعية إليه وبين معانيه وأغراضه التي تحتويها ألفاظه.
وفي سورة الكوثر التي هي اقصر سورة في القرآن وقع بها التحدي كانت المناسبة أن بعض المشركين وهو أبو جهل عير النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أبتر ( أي منقطع الذكر) إذا مات لإنه ليس له ذرية من الذكور فكان أصل المعنى الذي تستدعيه هذه المناسبة أن يخير اللله عز وجل نبيه بأنه لن ينقطع ذكره وتكون معجزة تثبت حكماً على الزمن المستقبل لايعرفه الخلق كله وذلك كاف في إعطاء المناسبة حقها لكن الآية زادت على ذلك أموراً اختلف بها المعنى اختلافاً كبيراً ويزيد أثره على هذا الذي افترضناه زيادة تفوق التصور.

فأول ذلك أن الآية أضافت خبراً آخر يزيد كبت الخصم وهو أنه سيكون أبتر جامعاً لهذه الصفة البغيضة كاملاً فيها ثم جعلت الأخبار عن كونه أبتر هو الدلالة الصريحة للعبارة بينما جعلت نفي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم مفهوماً من أسلوب القصر أي جعلت الرد على قوله قضية ثانوية تجعل قوله في حيّز اللامبالاة ثم أكدت القضية كلها بثلاث مؤكدات : إن وضمير الفصل واستعمال الجملة الإسمية وهي تعطي حكماً مطلقاً لايقيده زمان من أزمنة الجملة الفعلية . ثم كنّتِ الآية عن الخصم اهمالاً له واحتقاراً فذكرت صفته ( شانئك) وأفادت بذلك زيادة وهي الحكم على كل شانئيه بالبتر لاعلى على الخصم خصوصاً وكل هذه المعاني جمعهتا أربع كلمات( إن شانئك هو الأبتر) وقد حصلت كل هذه الأخبار المعجزة فأعلى الله ذكره وأدامه حتى ملأ الزمان والمكان وأمات ذكر شانئيه حتى نسيهم الناس إلا من اللعنات وزيادة في تعميق معنى التكريم للنبي صلى الله عليه وسلم وتطييب قلبه مماقاله الخصم وزيادة في الإعراض عن الخصم أخرت هذه القضية وجاءت مسبوقة ببشرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم كبيرة عظيمة هي إعطاؤه يوم القيامة نهر الكوثر وفي التعبير عن هذه البشرى أمور عدة تعمق الغرض منها وتقويه.

اقرأ أيضا  تفسير: (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات)

فالكوثر لفظ مأخوذ من الكثرة المناقضة للبتر الذي زعمه الخصم وكونه في الآخرة تأكيد لدوام ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ورفعته لاعلى الخصم وأضرابه بل على عظماء المرسلين والأنبياء حين يجتمع الخلق أجمعون .

وزادت هذه البشرى عظمة بعظمة معطيها ولذا لم تقل الآية أعطيتك الكوثر بل قالت : أعطيناك الكوثر بنون التعظيم . وفي هذا أيضاً تأميد ثبوت البشرى لإنها عطية من لايخلف الميعاد وزادت الآية تأكيد ذلك بتقديم ضمير المعظم نفسه على الفعل كأنه قيل نحن أعطيناك لاغيرنا .

ولمناسبة هذا التوثيق جاءت البشارة بصيغة الماضي أعطيناك فهكذا الحكم ثبت وقضي فلا مرد له وإن كان سيأتي في المستقبل ثم أكد الخبر كله بدخول إنّ وتكميلاً لإظهار هذا التكريم دعت السورة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إظهار الإبتهاج به وذلك بنسيان الخصوم والإنشغال عنهم بشكر الله تعالى على هذا التكريم صلاة لربه ونحراً للضحايا ابتغاء وجهه.

اقرأ أيضا  أهل القرآن

وفي لفظ الرب دون لفظ الإله في هذا الوضع تناسب مع الغرض أي لمن يرعاك ويكرمك ويحوطك من الخصوم

فجل الذي نزل هذه السورة !ماأحكم وما أعظم كلامه! وأنى لكلام البشر أن يسمو فيداني كلامه المعجز

حاشا….. ثم … حاشا………!! _ بقلم الدكتور محمود أحمد الزين_

(R-024/R-04)/أحباب الكلتارية/ وكالة معراج للأنباء(مينا).

 

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.