في رحاب آية وجوب إنقاذ الأسرى الأبطال من بطش الأنذال وبراثن الاحتلال

الأربعاء12 رجب 1434 الموافق 22مايو/آيار 2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
﴿ ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾[البقرة: 85].
امتاز هذا العام بزيادة وتيرة الفعاليات التي هدفت إلى تفعيل قضية الأسرى محليًّا وإعلاميًّا، وعلى مدار أسبوعٍ كاملٍ بمناسبة ذكرى يوم الأسير الفلسطيني، فمن المؤتمر الصحفي الهادف إلى الإعلان عن انطلاق الفعاليات، إلى الاعتصام عند الصليب الأحمر، بالإضافة إلى المسيرات والندوات، وخطبة الجمعة، والحلقات الإعلامية، وملحق بصحيفة فلسطين خاصٍ بوزارة الأسرى، ثم الاحتفال المركزي بالأسرى الذي يتساءل: إلى متى يظلون في قبور الأحياء، وفي قبضة الصهاينة؟، مع توزيع عشرات الرسائل ببعض اللغات العالمية، تكشف معاناة المسجونين، وتفضح جرائم الصهيونيين، وغير ذلك من المناشط والهمم. 
والمستهجن أن تجيء هذه الفعاليات مع بروز ملامح مؤامرةٍ ثلاثيةِ الأبعاد؛ للإساءة إلى حركة حماس، وتلويث صورتها الناصعة، بعد إثبات القدرة على التصدي لغزوة الأحزاب التي بَيَّتَتْ شطبها من المسرح السياسي بالقوة العسكرية الفاحشة حينًا، وبالتعنت على مائدة الحوار حينًا آخر، وقد فشلتْ ثلاثُ جولاتٍ منه في تفتيت صخرة الإصرار على الاعتراف بشرعية الاحتلال من خلال التسليم بشروط الرباعية الدولية، والالتزام باتفاقيات الصهاينة مع ما يسمى زورًا بمنظمة التحرير الفلسطينية. 
أما الضِّلع الأول فَوَجْبَةٌ من خمسين معتقلًا في مصر من المصريين، واللبنانيين، والفلسطينيين؛ بتهمة العمل على نشر التشيع في مصر، وتهديد الأمن، وتهريب الأسلحة إلى قطاع غزة، وكنا نودُّ أن يتوجه الجهد المصري إلى التصدي للدعوات الصهيونية المنادية بإعادة احتلال سيناء، وإحياء مشروع التوطين فيها، وطرد عشرات الألوف إليها، لاسيما المليون وربع المليون الذين لا زالوا مغروسين في أرض فلسطين التي اغْتُصِبَتْ عام 48م، لكن شيئًا من هذا لم يقع، ويبقى الخوف على الأمن القومي من فِرْيةِ التشيع المضحكة.
وأما الضِّلع الثاني، فهو إقدام حكومة الضفة الشرقية على محاكمة ثلاثة نفر بجريرة التجسس في الأردن لصالح حماس، في إشارة واضحة لإلصاق تهمة تبييت النية للعبث في الجبهة الداخلية الأردنية 
بينما كان الضلع الثالث في الضفة الغربية في الضجة المفتعلة حول اكتشاف مخازن للسلاح ببعض المساجد فيها؛ لتسويغ الملاحقات الأمنية لشباب حماس التي ازداد سعارها بعد قيادة الجنرال الأمريكي دايتون لما يسمى بالأجهزة الأمنية الفلسطينية، وحمي وَطيسُها بعد إفشال الانقلاب العسكري على حكومة الوحدة الوطنية الذي عزم عليه زبائن السلطة في رام الله، إذْ لم يفلح الحصار ولا الفلتان بزحزحة حماس عن مقاعد الحكومة والتشريعي، ثم لم يستطع الصهاينة والمتصهينون أن يحققوا هذا الهدف؛ لا بالعدوان ولا بالحوار، فكان لا بُدَّ من التصعيد الإعلامي الممنهج، وفبركة الأكاذيب والشائعات لحين حلول ميعاد الانتخابات القادمة؛ لعل عزوف الناخبين عن إعادة حركة حماس إلى مقاعد التشريعي، مع ما أمكن من التزوير، يعيد تنصيب حركة فتح، والفصائل المُرْتَزقة من المنظمة، على أعناق الشعب الفلسطيني، فإن الخيط الناظم للسياسة منذ السماح لحركة حماس بخوض الانتخابات، وإلى الحوار، هو السعي المحموم لتدجينها وتشويهها، وإخراجها من سلاحها وشرعيتها.
أما هذه الآية فتنعى على بني إسرائيل نقضهم ميثاقهم، الذي وَاثَقَهم ربهم به؛ حين نهاهم أن يقتلوا إخوانهم، أو أن يخرجوهم من ديارهم بالاختطاف والاعتقال، لكنهم سفكوا دماءهم، وأَسَروا فريقًا منهم حين تقاسموا الولاء بين الأوس والخزرج، وراحوا يُحَرِّشون بينهم، حتى إذا اندلعت المواجهة قاتل كل فريق إلى جانب أوليائه، فوقع القتل منهم لإخوانهم، والإخراج لآخرين، حتى إذا هدأت الجولة، وأُغْمِدتْ السيوف حتى حين، سعى الجميع في فداء الأسرى، فكان هذا الصنيع منهم إيمانًا ببعض الكتاب، وهو فكُّ العاني، وإعادة الحرية للأسرى، وكفرًا ببعضٍ، وهو المشاركة في أَسْرِهم ابتداءً، إذا لم يكونوا من القتلى المُجَنْدَلين.
لذلك فقد توعَّدهم بالخزي في الدنيا، وبأشد العذاب في الآخرة، وختم الآية بنفي غفلة الله عما يعلمون، فهم تحت عينه، وهو سبحانه الذي يعلم خائنة الأعين، وما تخفي الصدور، وما يَعْزُبُ عن ربِّك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، ولا أصغرَ من ذلك ولا أكبر.
وإذا كان هذا الوعيد بالعذاب في الدارين لمن كفر ببعض الكتاب، فما بَالُكُم بمن كفر بالكتاب كلِّه، فلا ارْعَوَى عن الملاحقة والاختطاف؛ التزامًا منهم بخارطة الطريق، ولا سعى في فكاك الأسرى، سواء كان أولئك المقهورون في سجون الاحتلال، أو كانوا في سجون الرَّهْطِ من الفلسطينيين الذين يفسدون في الأرض ولا يُصْلِحون؟!.
لقد كان الواجب على المفاوضين باسم شعب فلسطين أن يَطْووا ملفَّ الأسرى قبل الشروع في أيِّ ملفٍ آخر، فإن النفوس وحُرِّيَتَها أسمى من أيِّ شيءٍ آخر، ولو كان الأقصى والمسرى، أو حتى اللاجئين والمشردين، فقد أعلن الفاروق عمر رضي الله عنه يومًا أن استنقاذ أسيرٍ واحدٍ من أيدي الكفار خير عنده من جزيرة العرب، لكن مصيبتنا فيمن يتولى قضيتنا أنهم قوم لا يكادون يفقهون حديثًا من فقه عمر والصحابة الأولين رضي الله عنهم أجمعين.
إن الناظر في كتاب الله قد يُخَيَّلُ إليه أن الحديث عن الأسرى لم يَحْتَلَّ مساحةً واسعة، فهناك حديث عنهم في الأنفال ينهى عن الاعتقال حتى نُثْخنَ في الأرض، وفيها وجوب دعوة الأسرى إلى الإسلام؛ حتى ينالوا الحرية، ويصبحوا إخوانًا لنا في الدين، كما أن سورة الإنسان قد امتدحت الصحابة رضوان الله عليهم بأنهم يطعمون الطعام على حبه مسكينًا ويتيمًا وأسيرا.
لكن اهتمام القرآن بهذه القضية كبير وعظيم، فقد حدثنا عن تهديد نبينا يوسف عليه السلام بالسجن، واختياره له بنفسه، وقد لبث فيه بِضْعَ سنين، حتى أحسن به ربُّه، فأخرجه من السجن، وهَيَّأ له أن يلتقي بأهله أجمعين، كما أن سيدنا موسى عليه السلام كان مهددًا به إنْ هو اتخذ إلهًا غير فرعون.
وقد استعمل القرآن التثبيت بمعنى الاعتقال حين أخبر في الآية (30) من الأنفال أن صناديد قريش قد مكروا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ ليثبتوه، أو يقتلوه، أو يخرجوه، ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين.
ومن ذلك التعبير بشدِّ الوثاق في قوله تعالى: ﴿ فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً ﴾[محمد: 4].
ومن ذلك أيضًا لفظ الأخْذِ في قوله تعالى عن المشركين:﴿ فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ ﴾ [التوبة: 5]، وكذلك قوله في المنافقين: ﴿ .. فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا [النساء: 91].
ويلحق بذلك لفظ الاختطاف؛ فقد كنتم قليلًا مستضعفين تخافون أن يتخطفكم الناس، وكما قالت قريش: ﴿ إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا.. ﴾[القصص: 57].
إن الواجب ألَّا يهدأ لنا بالٌ حتى ننقذ أسرانا، ولو بالقتال والاعتقال، وألَّا نبخل عليهم بالمال، لهم ولمن خلفهم من الأهل والعيال، ولنكنْ على يقين أن الاحتلال إلى زوال، ما دمنا عاضِّين بالنواجذ على الإيمان بالله، والجهاد في سبيله؛ فإنها التجارة التي تنجيكم من عذابٍ أليم .المصدرالالوكة.(R-024).
اقرأ أيضا  خير الناس من يؤمن شره
Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.