يا أيها الذين آمنوا

الاثنين 22 شعبان 1434 الموافق1 تموز/ يوليو. وكالة معراج للأنباء (مينا).
دكتور : عثمان قدري مكانسي
مإن سمعنا المؤذن يقيم الصلاة حتى كبر الإمام وتبعه المصلون و قرأ الإمام الفاتحة بصوته الشجي ثم هدأ قليلاً ليبدأ بعدها قراءة آيات مباركات … يا أيها الذين آمنوا … وتوقف قليلاً .. قلت في نفسي : لم توقف ؟ هل نسي ما يود قراءته؟ … فليبدأ بأية آية غيرها ، فلم يزل في البداية . لكنه كررها مرة أخرى وكأنه ينادينا بصوت يخرج من أعماق قلبه ” يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين ، أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطاناً مبيناً ؟ إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ، ولن تجد لهم نصيراً …….. ” كان قلبي يرتج كبناء أصيب بزلزال هزه هزاً شديداً فبأ يترنح ، يكاد يسقط …. فالإمام إذاً كان بوقوفه هذا مع تكرار ” يا أيها الذين آمنوا ” يريد أن يوصل لنا النداء ، وأن نتفاعل مع كل كلمة بعده ، ولم يكن يريد لنا صلاة ميتة يسرح فيها الواقف هنا وهناك في هذه الدنيا الواسعة ، لا يدري كيف تنتهي الصلاة ولم يعِ منها شيئاً . ثم يظن أحدنا أنه أدى الصلاة وأرضى الله تعالى !! .. كان يريدنا أن نتلقى الرسالة و نفهم ما يتلوه على مسامعنا، وأن نكون فعلاً واقفين بخشوع أمام ملك الملوك ومالك الملك ، وأن نتدبر آياته بقلب حيّ ولبّ ذكي . فما بعد النداء أمر خطير جهله الناس على كثرة ما يتلى عليهم

يا أيها الذين آمنوا ” : لبيك وسعديك – يارب – والأمر كله بين يديك . نحن – معشر المؤمنين – عبادك …. لك الأمر، وعلينا الطاعة والامتثال إن كنا مؤمنين . وسنكون بإذنك ومشيئتك مؤمنين دائما ً، تحبنا وترضى عنا ….. وتداعى إلى ذاكرتي بهذا النداء العلويّ الرائع الذي يرفعنا إلى مرتبة العبودية لله تعالى مدى حبه تعالى للمؤمنين ، إذ تكرر هذا النداء سبعاً وثمانين مرة يوضح الطريق المستقيم إلى مرضاته سبحانه ، ويبين السبيل الأقوم للحياة الطيبة في الدنيا والواعدة في الأخرى
لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين ” والوليّ – إخوتي الأحبة – الصديق الوفي ، والأخ الصدوق ، والناصح الأمين . وهل يعقل أن يكون الكافر الذي يكرهنا ويسعى جاهداً للإيقاع بنا وإيذائنا ، والذي يعمل ليل نهار على استئصال شأفتنا والكيد بنا أخا وصاحباً ونصوحاً ؟!! إنهم كما قال تعالى ” لا يرقبون في مؤمن إلاّ ولا ذمة ، وأولئك هم المعتدون ” .. وهل يعقل أن ترى ذكياً لبيباً بعد ذلك يتخذهم أولياء يلقي إليهم بالمودّة ؟! إن من يفعل ذلك واحد من اثنين لا ثالث لهما : غافل لاهٍ غبيّ أو منافق أظهر الإسلام وأبطن الكفر

أما الغافل اللاهي فقد أساء إلى نفسه دون أن يدري حيث استحق تتمة الآية ” أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطاناً مبيناً ” إنه حين يرضى لنفسه مصاحبة الكافر عدو الله فقد حكم على نفسه بالهلاك والويل والثبور وعظائم الأمور ، فضلاً عن غضب الله تعالى على من أسلم قياده وزمامه لعدو الله ” إن الطيور على أشكالها تقع ” وما يأمن لكافر إلا السفيه الغرّير
وأما المنافق فله عذاب أليم جزاءً وفاقاً ، بل ” إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ” و الدرْك منازل النار والدرجة منازل الجنة ” فأولئك لهم الدرجات العلا ، جنات عدن تجري من تحتها الأنهار ” . والدرك في النار سبع منازل أشدها : الهاوية ثم الجحيم ثم سقر ثم السعير ثم الحطمة ثم لظى ثم جهنّم .وللمنافقين أسفلها وهو “الهاوية ” . لغلظ كفرهم وشدة غوائلهم ، وتمكنهم من المسلمين . نعوذ بالله أن نكون منافقين . .. 

قال ابن مسعود رض الله عنه : للمنافقين في الهاوية توابيت من حديد ، مقفلة في النار تقفل عليهم . وقال ابن عمر رضي الله عنهما : إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة ثلاثة
المنافقون : ” إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ” 
من كفر من أصحاب المائدة : ” إني منزلها عليكم فمن يكفر بعدُ منكم فإني أعذبه عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين ” 
آل فرعون : ” النار يعرضون عليها غُدُوّاً وعشيّاً ، ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ” . 
أما درجات الجنة فهي مئة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” إن في الجنة مئة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله ، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض ” . 

وهل هناك من ينصر هؤلاء المنافقين ؟! حاشا وكلاّ .. إن الله خصيمهم .” ولن تجد لهم نصيراً ” ومن يقف أمام الله تعالى ؟! بل ” من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ” وهل يشفع أحد إلا لمن يريد الله تعالى له الخير ؟ ” ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ” . 
ومن رحمة الله تعالى بعباده أن يترك لهم باب الأمل مفتوحاً على مصراعيه ، ولو فعلوا ما فعلوا ، ألا نقرأ دائماً ” بسم الله الرحمن الرحيم ” في كل لحظة من حياتنا ؟ فهو الرحيم بعباده ، الرؤوف بهم ، الغفور لزلاتهم . العطوف عليهم ، المسامح الكريم ، لا إله إلاّ هو … يدعوهم إليه كل حين ، ” إلا الذين …. 
1-
تابوا ، 
2-
وأصلحوا ، 
3-
واعتصموا بالله ، 
4-
وأخلصوا دينهم لله ، 
فأولئك مع المؤمنين …………… 
وسوف يؤتي اللهُ المؤمنين أجراً عظيماً ” 

فلا بد من التوبة النصوح التي لا رجوع بعدها إلى الكفر والشرك . والعمل الصالح الذي يجب ما قبله ويمحوه ، ويؤكد توبة صاحبه ويدل على صدق توجهه . واللجوء إلى الله تعالى أن يبدل السيئات حسنات ، ويغفر الذنب ويستر العيب ، ويعين على التوبة والعمل الصالح ، فبالله المستعان دائما . والإخلاص في الأمور كلها لله تعالى ، فبالنية الخالصة تقبل الأعمال ” إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ” . وهنا يضمهم الله تعالى إلى ركب المؤمنين الصالحين الذين وعدهم الله عز وجل بالأجر العظيم

قال مكحول رحمه الله تعالى : أربعٌ من كنّ فيه كنّ له ، وثلاثٌ من كنّ فيه كنّ عليه
أما أربع الصفات التي إن كنّ فيه كنّ له ( أي كنّ في ميزان حسناته
فالإيمان والشكر : ” ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم ، وكان الله شاكراً عليماً ” 
والاستغفــــــار : ” وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ، وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ” . 
والدعــــــــــاء : ” قل : ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم ” . 
وأما ثلاث الصفات التي إن كن فيه كن عليه ( أي كنّ وبالاً عليه
فالمكـــــــــــــر : ” ولا يحيق المكر السيّء إلا بأهله ” . 
والبغــــــــــــي : ” يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم ” . 
والنكــــــــــــث : ” فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ” . 
 

المصدر:صيد الفوائد
اقرأ أيضا  رسول الله صلى الله عليه وسلم وركانة
Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.