تعدد الزوجات

الأحد- 28 شعبان 1434 الموافق7 تموز/ يوليو.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

تعدد الزوجات (1)

في الرؤية الاسلاميه يجوز الزواج باربع نساء. ولتعدد الزوجات في الاسلام بُعد اخلاقي ينبغي دراسته بصورة مستقلة. ونشير هنا الى الملاحظات والاحكام الأخلاقية الواردة في القرآن بشأنها، قال الله تعالى:

﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً﴾(2).

ههنا سؤال ينقدح حول مضمون الآية والترابط بين صدرها وذيلها وشرطها وجزائها، وهو: ما الرابطة بين عبارة﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى﴾ وهي الشرط وبين عبارة ﴿فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ﴾ وهي الجزاء، ولماذا علّق الله سبحانه هذا الجزاء على ذلك الشرط؟ وما السبب لقوله: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ﴾؟

عرض المفسرون وجوها مختلفة للإجابة على السؤال، أوجهها وجهان:

الأول هو وجود اعداد كبيرة من الاطفال اليتامى بين العرب إثر الحروب الكثيرة، في هذه الحالة دعا القرآن الكريم الى الاحتراز من التصرف بأموال اليتامى وعدم خلطها بأموالهم. وفي الوهلة الاُولى من نزول الآيات بهذا الشأن أخذ بعض المسلمين المتصدين لرعاية بعض اليتامى يشعرون بالقلق الى درجة عدم تناولهم لبقية الطعام الذي يفضل منهم فيفسد، لظنهم عدم جواز التصرف بمال اليتيم.

أثارت هذه الحالة بعض المشكلات مما دعا البعض للتوجّه الى رسول الله (ص) ليخبروه بقولهم: اننا نخشى التصرف بأموال اليتامى وبالتالي وجدت هذه المشكلات. في هذه الظروف كما جاء في شأن النزول نزلت آيات أمر الله سبحانه فيها بأن يكون تصرفكم على أساس مصلحة اليتيم وليس عدم التصرف أبداً.

اقرأ أيضا  الوزاري العربي يطالب إسرائيل باستئناف "فوري" لعملية السلام

﴿وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ﴾(3).

من هذه المشكلات قضية البنات اليتيمات اللائي يصعب رعايتهن من جهة، وشحة المُقدمين على الزواج بهن لدى بلوغهن سن الزواج ليُتْمهنّ من جهة اُخرى. يعتقد بعض المفسرين ان الآية الكريمة تدعو الى الزواج باليتيمات التي في اُسرهن، ولا يشكّل وجود الزوجة عقبة بوجه هذا الفعل إذ بامكانهم الزواج باثنتين أو ثلاث أو أربع نساء. إذنْ حكمة هذا الحكم هي عدم بقاء اليتيمات دون أزواج. لكن قانون تعدد الزوجات عام ولا يختص بمورد نزول الآية طبعاً، الاّ انّ الأساس في جعل هذا القانون وشأن نزول الآية المذكورة هو البنات اليتيمات. 

وقال بعض آخر من المفسرين: ان الآية تعني انكم لو خفتم أن يؤدي الزواج باليتيمات الى التصرف غير الوجيه في أموالهن فتزوجوا بنساء اُخريات غير اليتيمات، واعتبره العلامة الطباطبائي الوجه الاقوى في تفسير الميزان.

وعلى أي حال، فلا خلاف بين الشيعة والسنّة في جواز تعدد الزوجات، ومقصودنا من ذكر هذه الآية هو التذكير بالقضية الأخلاقية التي تدعو اليها عبارة: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً﴾ فعلى من يختار أكثر من امرأة الالتزام بالعدالة في التعامل معهن، ومن الممكن استيفاء بعض حدود ودرجات العدل قانونيا، ولكن اذا احتمل الزوج عجزه عن رعاية العدالة بينهن فالأفضل -حسب ما يدعو اليه القرآن- اكتفاؤه بالزواج من امرأة واحدة، ورغم ذلك لو انتخب زوجة اُخرى لم يبطل عقد الزواج من الناحيه الحقوقية ويكون مُلزما برعاية العدالة بينهن، مما يدل على ان دعوة القرآن دعوة اخلاقية. 

اقرأ أيضا  موغريني: القدس الشرقية جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية المحتلة

التعارض الظاهري بين آيتين

قال تعالى في آية اُخرى في القرآن الكريم:

﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً﴾(4).

لقد أفرط البعض لدى الجمع بين هذه الآية والآية آنفة الذكر، وقالوا: ان الآيتين معا تدلان على عدم جواز الزواج بأكثر من زوجة واحدة، لان الآية الاُولى تجعل جواز تعدد الزوجات متوقفاً على رعاية العدالة بينهن، والآية الثانية تدل على ان رعاية العدالة بين الأزواج أمر غير ممكن، والتعامل بنحو عادل مع الزوجات غير مقدور للزوج، فتكون نتيجة الجمع بين الآيتين هي عدم جواز الزواج بأكثر من زوجة واحدة.

من البديهي انّ الجمع بين الآيتين بهذا النحو لا يعني سوى الحط من شأن الآيات، اذ كيف يمكن أن يسمح الله سبحانه بزواج الانسان من اربع ازواج مشروطاً بالعدالة من جهة ثم يقول انكم لا تستطيعون رعاية هذا الشرط من جهة اُخرى، فتكون النتيجة عدم جواز الزواج بأكثر من امرأة؟! حتى كلام الانسان الاعتيادي لا يمكن تفسيره بهذا النحو فكيف بالكلام الإلهي الذي بلغ الذروة في الفصاحة والبلاغة؟ الادراك الصحيح لمفهوم الآيتين والجمع بينهما يقتضي ملاحظة ذيل (الآية 129) الدال على انّ العدالة التي لا يستطيع الانسان رعايتها ليست رعاية حقوق الأزواج القانونية، لان رعاية هذه العدالة ليست أمراً غير ممكن، بل رعاية التساوي المطلق بين الأزواج وهي العدالة التي اعتبرتها عبارة ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ﴾. 

المقصود هو انكم لو أردتم المساواة التامة بين ازواجكم دون تفرقة كان ذلك أمراً غير ميسور لكم، سيّما وان درجة المحبة القلبية والتعاطف مع الأزواج ليس بيد الانسان حتى يراعي العدالة فيه، ومن الطبيعي أن يكون اختلاف الحب في القلب منشأ للاختلاف في السلوك الظاهري للانسان أيضاً. وعليه لو أراد صاحب الزوجات المتعددة التعامل معهن تعاملا موحداً دون تفرقة في المحبة القلبية والسلوك الظاهري كان ذلك أمراً غير عملي، لان إحداهن تكون أجمل والاُخرى أقلّ جمالا، أو تكون احداهن أكثر شبابا والاُخرى أكبر سنّاً، أو تكون إحداهن افضل خلقا والاُخرى سيئة الخلق، وأخيراً فانّ في النساء جهات مختلفة ويكون التفاوت فيها -شئنا أم أبينا- منشأ للتفاوت في محبة المرء القلبية تجاه زوجاته، الأمر الذي يؤثر الى حدٍّ ما على سلوكه بنحو لا شعوري أيضاً.

اقرأ أيضا  قطر.. هنية والبرغوثي يبحثان سبل مواجهة مخططات إسرائيل‎‎

يقول سبحانه بانّ رعاية هذه الدرجة من العدالة أمر غير ممكن، ولا نطلبه منكم، بل عليكم ان لا تصرفوا وجوهكم عن إحداهن وكأنها ليست زوجة، ولا يبلغ الأمر حد الاهمال حتى لحقوقها القانونية. وهذا ما يستفاد من العبارة:

﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ﴾. 

 

 

 

المصدر : وكالات

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.